آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
الدكتور عكام يستقبل وفداً ألمانياً

الدكتور عكام يستقبل وفداً ألمانياً

تاريخ الإضافة: 2007/10/04 | عدد المشاهدات: 3580

لقاءاتنا مع المسيحيين هنا هي لقاءات حلبي مع حلبي، وسوري مع سوري، ولا تأخذ هذه اللقاءات صبغة لقاء مسلم مع مسيحي، فهذه قد نسيناها في أن تكون عائقاً، ونحن لنا علاقات اجتماعية وعلمية..

لسنا بحاجة للحوار، فالحوار يُراد منه الوصول إلى تعايش، ونحن متعايشون..

نحن لا ندعو إلى حوار لأن الحوار يهدف إلى لقاء، ونحن نلتقي بطبيعة الحال..

الحضارة: تجاوز الأعراق، وتجاوز الديانات، وتجاوز اللغة، وتجاوز اللون واللسان إلى وحدة إنسانية واسعة حسب النشاطات والكفاءات..

إنني من هنا من مركزي، ومن شخصي كإنسان، ما أطلبه فعلاً هو أن تعيش الإنسانية علاقة سلام فيما بينها، وبث السلام تجاه بعضهم البعض، وأنا لا أقصد تعايش الحكومات بل الشعوب..

 

استقبل الدكتور الشيخ محمود عكام يوم الخميس: 4/10/2007 في مكتبه بدار الإفتاء بحلب وفداً ألمانياً، حيث أجرى معه حواراً مطولاً، فيما يلي نصه:

 الدكتور عكام: أهلاً بكم ضيوفاً أعزاء على مدينتنا حلب، هنا دار الإفتاء، وليس بيننا وبينكم إلا العلاقة الطيبة القائمة على الاعتراف المتبادل، والقائم بدوره على إنسانيتنا وإنسانيتكم، ودائماً كلما أرادتم أن تأتوا فلتعلموا أننا بأتم السعادة والسرور لاستقبالكم، فإن أرادتم سؤالاً أجبناكم بحدود ما نعلم، وإن أرادتم مباسطةً فنحن مسرورين للقائكم، ونحن أسرى لكم.

الوفد الألماني: أنتم مفتي حلب، وهناك مفتي في دمشق. هل هناك تضارب وظيفي بينكما، أو هل هناك أولوية أو أسبقية بينكما في إصدار الأحكام، أم هي التعاون ؟

الدكتور عكام: لكل مدينةٍ مفتيها، فأنا مفتي حلب، وهناك مفتي دمشق، وهناك مفتي الرقة، ومفتي اللاذقية، ولكل مدينةٍ مفتيها المعني بأمور دين بلده، وهنالك مجلس يضم المفتين جميعاً يجتمعون بين الفينة والأخرى للبحث في المسائل التي تهم المساحة الأشمل من الناس.

الوفد الألماني:  هل هناك مفتٍ عام ؟

الدكتور عكام: طبعاً هناك مفتٍ عام للجمهورية.

الوفد الألماني: بالنسبة للفتاوى، هل تصدر بناءً على الأسئلة التي توجه إلى حضرتكم ؟

الدكتور عكام: هنا دائرة لها هيكلية معينة، فنحن نستقبل الأسئلة عبر الهاتف وعبر الأشخاص عندما يأتون، وعبر الوسائل الأخرى كـالإيميل والفاكس، فإن كانت أسئلةً من أفراد يجاب عليها شفهياً، وإن كانت أسئلة من أفراد مكتوبة يجاب عليها كتابةً، كلٌ حسب سؤاله، أما إن كانت أسئلة من الدولة أو من إحدى قطاعاتها أو من الوزارات فإننا نجيب عليها كتابة أيضاً، وحينما تصدر فتوى مكتوبة يجب أن يوقع عليها المفتي، فهنالك أشخاص يشتغلون في الدائرة كأمين الفتوى، وكُتّاب الفتوى، وباحثي الفتوى، ثم تُنظم الفتوى باسم المفتي، ومن ثم تُسلَّم إلى السائل سواء كان فرداً أو دولة أو وزارة أو مؤسسة، وهكذا...

الوفد الألماني: ما طبيعة الأسئلة العامة التي توجه إليكم، هل هي خاصة بالشريعة أم بالقرآن أو بالأحكام بشكل عام ؟

الدكتور عكام: باعتبار أن الإسلام بالنسبة للمسلمين يحكم شؤونهم العامة كلها، وبالتالي فهم يريدون أن يتعرفوا على مل يريده الإسلام منهم في هذا الشأن أو ذاك، في زراعته، في صناعته، في بيعه، في شرائه، في زواجه، في كل شؤونه، هو مسلم، ولذلك عليه أن يتعرف على ما يريده الإسلام منه ضمن المساحة التي يشغلها سواء كان مهندساً أو طبيباً أو تاجراً أو أستاذاً أو رئيساً أو مهما كان.

الوفد الألماني: كما نعلم في سورية تعيش ديانات أخرى كالمسيحيين والأرمن، هل هناك لقاءات دورية بينكم وبينهم ؟

الدكتور عكام: هذا أمر طبيعي، نحن هنا بالنسبة للقاءات هي لقاءات حلبي مع حلبي، وسوري مع سوري، ولا تأخذ هذه اللقاءات صبغة لقاء مسلم مع مسيحي، فهذه قد نسيناها في أن تكون عائقاً، ونحن لنا علاقات اجتماعية وعلمية، وحتى قرابة، فهذه اللقاءات هي من الطبيعي جداً أن تكون، بل هي تأتي بالشكل التلقائي وهي واضحة، فنحن فيما بيننا وبينهم إما أن نكون جيراناً فيزورونا ونزورهم على أساس الجوار، وإما أن يكونوا معنا في جمعية معينة فنزورهم على أنهم زملاء، وإما أن يكونوا مدرسين معنا في الجامعة فيمكن أن نزورهم على أساس الصداقة والزمالة فهذا أمر طبيعي.

الوفد الألماني:  هل هناك جمعية عندكم للحوار بين الأديان ؟

الدكتور عكام: لا، فنحن لسنا بحاجة للحوار، فالحوار يُراد منه الوصول إلى تعايش، ونحن متعايشون، فالمريض يذهب إلى الطبيب عندما يمرض، أما إن كان صحيحاً فلمَ الطبيب، ونحن أيضاً لا ندعو إلى حوار لأن الحوار يهدف إلى لقاء ونحن نلتقي بطبيعة الحال.

الوفد الألماني: من خلال زيارتنا لسوريا لاحظنا وجود ديانات مختلفة بينهم لقاءٌ وسلامٌ وتعايش، والسؤال: كيف يُدرَّس الدين الإسلامي في المدارس ويكون فيها مسلمين ومسيحين ؟! فمثلاً في الحي الفلاني يوجد طائفة أرمنية فهل يُدرس الدين باللغة الأرمنية، وهل هناك مناهج للتعريف بالدين الإسلامي ؟

الدكتور عكام: أعتقد أن الأمر بشكلٍ عام بالنسبة لما يخص هذه الأمور، يوجد شيء من الحرية فعلاً، فالمدارس والمناهج العامة، أي مناهج الدولة تدرس التربية الإسلامية للمسلمين والتربية المسيحية للمسيحين، والمسلم يدرس في المدرسة التربية الدينية الإسلامية، وبالمقابل المسيحي يدرس في المدرسة التربية الدينية المسيحية، وقد يكون هناك مدرسة فيها صفوف مكونة مثلاً من أربعين طالباً بينهم عشرة أو خمسة عشر طالباً مسيحياً، وعندما يحين موعد درس التربية الإسلامية يدخل مدرس التربية الإسلامية فيخرج الطلاب المسيحيون الخمسة عشر ولا يخرجون جبراً عنهم، وإنما الذي يريد أن يخرج يخرج، والذي يريد أن يبقى فله ذلك، وهكذا أيضاً بالنسبة لدروس التربية المسيحية، فيدخل مدرس التربية المسيحية، والذي يريد أن يخرج من المسلمين له ذلك، والذي يريد أن يبقى له ذلك، إذاً: فكل واحد يدرس ديانته في المناهج العامة.

أما بالنسبة للغة الأرمنية، فالمدارس التي تريد أن تكون لها شهادة مقبولة عند الدولة يجب أن تدرّس مناهج الدولة، أما إن أرادوا أن يدرِّسوا بالإضافة لهذه المناهج شيئاً باللغة الأرمنية فلا يوجد مانع أبداً من ذلك.

الوفد الألماني: في ألمانيا عندهم مشكلة، وهي أنه لا يوجد عندهم دراسة للدين الإسلامي في المدارس، فكان ممنوعاً تدريس الدين الإسلامي، بل يسمح بتدريس الدين المسيحي فقط، ولكن بدأت بعض المحافظات كما في سورية تدرس الدين الإسلامي والمسيحي، وهذا تابعٌ للمدّ والزيادة التي للمسلمين في ألمانيا، وهذا يعمل بدوره على مزيد الالتصاق في المجتمع في حالة تدريس ديانتين لكنهم يخافون من المد الإسلامي ؟

الدكتور عكام: في رأيي أنه كلما درست أدياناً أكثر كان ذلك أدعى إلى وحدة المجتمع، وكلما حُكم على المجتمع في أن يدرس ديناً واحداً كان ذلك أدعى إلى تفرق المجتمع، لأن الدنيا لم تعد تخفى على أحد، فالقوي هو الذي يعرض كل البضائع لأنه واثق من بضاعته، فلذلك نحن نتمنى من دول من مثل: ألمانيا، وفرنسا، والدول الكبرى الأوروبية، والتي هي بحسب الظاهر متحضرة متقدمة أن تنفتح أكثر منا، لأن انفتاحها سيعطيها بُعداً أكبر، وسيعطيها بُعداً سَبَقياً تمدنياً في الحياة المدنية والاجتماعية أكثر. ونحن نتمنى على الدول الكبيرة مثل ألمانيا وفرنسا أن تكون أكثر استيعاباً للأقليات عندها، ونريد منها عدم إشعارهم بأنهم أقليات، وبأن دينهم مختلف عنها، وأنها تخاف منهم، فالكبير يجب أن يتسع للصغير، وأعتقد أن عدم السَّعة المنشودة في الدول الكبيرة تؤدي إلى ردّات فعل سلبية عند الجالية والأقليات.

وأنا هنا، وعلى تواضع، دولتنا سواء أكانت سورية أو الأردن أو... وأين سورية من ألمانيا ؟ على الرغم من هذا أرى أن سورية استقبلت الأرمن استقبالاً جيداً، وخلال خمسين أو ستين سنة أصبحوا مواطنين من الطراز الأول، ولا فرق بينهم وبين المسلمين لهم، بُعدهم الوطني والاجتماعي و... على العكس، ربما يكون هو مَعنيٌ به أكثر منا نحن.

قلت بيني وبين نفسي: سورية على تواضعها وتخلفها هل تكون أفضل من ألمانيا التي عدد سكانها 72 مليون، الأقليات الموجودة عندها على الأقل مليون مليونان، ألا تستطيع وهي ألمانيا الصناعية، التاريخ... ألا تستطيع أن تبتلع هؤلاء الـ 2 مليون وتدمجهم فيها، وتشعرهم بعدم الفرق بينهم وبينها، ألا تستطيع أن تكون أكثر انفتاحاً ؟ هذه مشكلة فعلاً.

الوفد الألماني: هل عندكم معرفة بوضع الأقليات في ألمانيا ؟

الدكتور عكام: نحن يزورنا سفراء الدول بين الفترة والأخرى، فقد زارني السفير الفرنسي، والسفير الكندي، والقنصل الألماني، ونحن نتحدث، وهدف هذا اللقاء تبادل المعلومات كل عن بلده، لكننا نعترف بأن ألمانيا قوية وكبيرة، ونحن نعتب دائماً على الكبار، لا نلوم الصغار إذا حدثت مشاكل، مثلاً لا نلوم الصومال، لكننا نلوم فرنسا الكبيرة على نزع الحجاب، وهذا لا يجوز مع مواطنيكِ يا فرنسا، لِمَ تجعلي بينك وبين مواطنيك حاجزاً ؟ هل لأنه مسلم !

الحضارة: تجاوز الأعراق، وتجاوز الديانات، وتجاوز اللغة، وتجاوز اللون واللسان إلى وحدة إنسانية واسعة حسب النشاطات والكفاءات.

الوفد الألماني: بالنسبة هل تقدم الدولة خدمات للمواطن بغض النظر عن دينه أم تفرق حسب دينه مثلاً ؟

الدكتور عكام: لا يوجد أي فرق بين أي مواطن، حتى الجمعيات الخاصة الإسلامية البحتة لا تفرق بين مسلم وغيره، فأنا كنت مدير المبرة الإسلامية، وإذا ما جاءنا نزيل مسيحي أو ألماني أو تركي أو .. لا نفرق بينه وبين غيره، أنا أستغرب، وهذا من باب الدردشة، بالنسبة لألمانيا سمعت بأن بعضهم صرّح: احذروا الإسلام ينتشر في ألمانيا، لِمَ نحن متضايقون من إسلام حتى كل ألمانيا ما دام قضية الدين لا علاقة لها بالسياسة، ما تأثير الإسلام ولم التخوف من إسلام البعض ؟ لم تتحرج دولة مثل ألمانيا من الإسلام ولا تتحرج من المسيحية ؟ الأمر مفتوح، وأعتقد أن ألمانيا كبيرة وجميلة، لذا أستغرب من الكبيرة المعتبرة، مثل هذه التصرفات وخوفها من الإسلام.

الوفد الألماني: هل هذا الوضع هو في كل الدول العربية ؟

الدكتور عكام: بغض النظر عن الدول العربية نحن دول متخلفة، لا تقلدونا، فنحن سنأخذ منكم أنتم الدول الكبيرة، لكن نحن في المجال الإنساني نملك إضاءات جيدة، ونتمنى أن تكون لدى الدول الكبيرة كي يكون عندهم كل الأشياء الجيدة.

الوفد الألماني: من المفروض أن يأتي التلفزيون الألماني والإذاعة وتعمل لقاءات مع الناس المسلمين كي يتعرفوا عليهم، لأن المسلم بنظرهم هو إرهابي.

الدكتور عكام: ما يهمني هو الشعب نفسه وليس التلفزيون، ولا أعذر الشعب لأن التلفاز يخبرهم عكسَ ذلك، لأنك إنسان حضاري راشد في دولة متقدمة رشيدة. نحن نتكلم مع شعوب واعية، أنا لا أرضى أن يتكلم أحد عن ألمانيا بما ليس فيها من شعبنا، ونأمل أن يعلم الناس في كل الدول أن سلطة الإعلام يلعب بها أناس غير صادقين سواء في كل العالم وهي ليست مصدراً وحيداً للإعلام، والعالم اليوم يحتاج إلى إلفة، فأنا أخاف من الذهاب لألمانيا بسبب الخوف المعاكس، خوفاً من أن يظنني أي ألماني متعصب بأني إرهابي ويعتدي عليَّ مثلاً، علماً أن أي ألماني يأتي إلى هنا نرحب به، وعلى الرحب والسعة، وعلينا أن نعلم أن الإرهاب ليس حالة دينية، بل حالة بشرية لا علاقة لها بالدين، هو حالة إنسانية سلبية، والدول الأوربية هي من علمتنا هذا الكلام الجميل، فلِمَ ترجع هي فيه، هي حالة تابعة للضغط، للقهر، فعندما يخرج مجرم ألماني لا تتحول ألمانيا إلى مجرمين، كما أن هناك مجرم سوري، ياباني، وهذا لا يعني أن سوريا أو اليابان أو... مجرمين، أو إرهابيين. الإجرام شيء بشري وليس حالة دينية.

وقد صدر لي كتاب عن التطرف والاعتدال، وقد وزعنا منه العدد الكثير، وهو يرصد الإرهاب، وسنوزع لكل واحد منكم نسخة منه.

الوفد الألماني: أنتم تدرِّسون في أي جامعة ؟

الدكتور عكام: في جامعة حلب: كلية الحقوق، بالإضافة إلى عملي كمفتي حلب.

الوفد الألماني: المسلمون في ألمانيا بعد الحرب العالمية كانوا قلة، ولم يكن لهم مساجد ومع الوقت زاد العدد وبنيت لهم مساجد، وبدأ الألمان يظنون أن المسلمين سيأخذون البلاد منهم، ونالوا نفس الحقوق التي لأهل البلد، لكنهم، مثلاً، يريدون مئذنة بطول خمسين متراً، وطبعاً هم يسمعون كثيراً عن الشريعة والقوانين الإسلامية، ويجب أن نعلم بأن القانون عندهم هو الفصل بين الدنيا والدين ؟

الدكتور عكام: عندما أكون في بلد حر أو ديمقراطي سأطالب بشيء يتناسب معي ومع ديني ومعتقدي وعبادتي، فإذا ما كان هذا الشيء الذي يتناسب مع عقيدتي يضر بالبلد فإنني لا أطالب فيه. فأنا إنسان أتكلم باسم القانون والحقوق، عندما يأتيني نصرانيّ هنا، ويريد أن يبني كنيسة فله ذلك فهو يريد أن يعبد الله عز وجل، ولو أتاني إنسان يريد أن يبني فندقاً لحاجة السيّاح فله ذلك أيضاً، لكن عندما يأتيني أحدهم ويريد أن يبني هنا معملاً ويريد أن يخرج منه نفاياتٍ تؤثر على الصحة، فطبعاً سأمنع ذلك لأنها ستؤثّر على الصحة، فحتى لو كان الأمر مئذنة بطول خمسين متر أو أكثر إن كان الأمر سيؤدي إلى إشكاليةٍ ما وسيؤذي، فسيمنع من ذلك.

فالقضية بخلاصتها: أن ما نصبو إليه اليوم، كما قلت لأغلب الإخوة في البلدان المختلفة الأوروبية والأمريكية، أنني من هنا من مركزي، ومن شخصي كإنسان، ما أطلبه فعلاً هو أن تعيش الإنسانية علاقة سلام فيما بينها، وبث السلام تجاه بعضهم البعض، وأنا لا أقصد تعايش الحكومات بل الشعوب. أقول هذا لأننا تعبنا كثيراً من الحروب والقتال والخوف من بعضنا، فدعونا نشعر بوحدة إنسانية كبيرة. فأنت مثلاً تريد أن تكون مسلماً فلك ذلك، وإن كنت تريد أن تكون مسيحياً أيضاً لك ذلك، المهم أن نلتقي تحت قنطرة الإنسانية اللطيفة الخيرة والجميلة والتي تحترم مَنْ أمامها وتراعيه ولا تؤذيه، بل وتقدِّر النفع للناس، لأن هذا النفع هو نفع لها والإنسان أخيراً بأعماله، وهذا أمرٌ بسيط وواضح.      

الوفد الألماني: من الملاحظ أن النساء هنا تلبس ثياباً محتشمة، أو زياً أسود، هل هذا سياسة دولة أم أمر يتبع الرغبة ؟

الدكتور عكام: الدولة هنا لو تمكنت من أن تخرج النساء كألمانيا أو أكثر، أي (عاريات أو شبه عاريات) لما توانت عن ذلك، وإنما الأمر عندنا عبارة عن تصرفات فردية، والأمر متروك للحرية، وفي نفس الأسرة الواحدة تلقى امرأة ربما سبقت الألمان بزيّها وهجرها للحجاب، والثانية تكون متنقبة، والدولة هنا غير مكترثة بالحجاب ولا تريده والأمر فعلاً حرية، والأمر هنا ليس مشكلة سواء احتجبت أم لا.

وأذكر لكم مرة، وقد درست في فرنسا، كانت معي زوجتي وهي محجبة، وقد دخلنا يومها في شهر تموز وكان الجو حاراً، وكنا يومها نشتري شيئاً من الأشياء، فإذا بالبائعة تقول لي: أوليست زوجتك تشعر بالحر ؟ وفي نفس الوقت دخلت امرأة كانت في لباسها (شبه عارية)، فقلت للبائعة: لو رأيتِ أيضاً فتاةً، وقد تخلّت عن الكثير من لباسها الساتر، فكانت شبه عارية، وقالت لكِ: أولست تشعرين بالحر الشديد، فجوابك لها هو نفس جواب زوجتي لكِ، لأن القضية مثلية على الأقل.

إذاً القضية لا تستحق كل هذا، فلكلٍ أن يلبس كما يريد، والرجال كالنساء في ذلك سواء.

الوفد الألماني: هل الطالبات في كلية الحقوق، حيث تعمل مدرساً، يشتكون من وجود الطلاب بينهن ؟

الدكتور عكام: الحقيقة أن عدد الإناث يفوق عدد الذكور في كثير من الكليات، ككلية الطب مثلاً، أما في الحقوق فعددهن كعدد الذكور تماماً إن لم يكن أكثر منهم.

الوفد الألماني: برأي حضرتك هل هناك فرق بين السنة والشيعة في فروض الصلاة ؟

الدكتور عكام: لا، لا يوجد فرق بين السنة والشيعة فيما يخص فروض الصلاة، فهي خمس فروض، في خمس أوقات عند أهل السنة والشيعة، كما وأن عدد الركعات لا خلاف فيه أيضاً، قد يكون هناك خلافات شكلية هي نفس الخلافات بين المذاهب: الحنفي والشافعي والمالكي وهكذا، أما في الإطار العام فلا يوجد خلاف في الصلوات أبداً.

الوفد الألماني: بالنسبة للعلويين هل هناك فرق أيضاً ؟

الدكتور عكام: أنت قلت لي كلمة (علويين)، وصدقني أنا لا أعلم أين هؤلاء (العلويون)، وأنت تعلم أنه حدث عبر التاريخ تكتلات كثيرة ثم اضمحلت واقعاً وبقيت أسماءًَ، وكانوا يقولون بأن هناك علويين، لكن من وما هم، هذا مالا أعرف، فرئيسنا بشار الأسد علوي، ولكن أظنك لو سألت سيادته فقلت له: أنت علوي، فسيقول لك وما قصدك بالعلوي، فهو نفسه لا يعلم ما هي العلوية، ولئن سألته فقلت أقصد بأن العلوية التي تؤمن بالتقمص، فسيقول: لا، فأنا أقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذاً هذه التكتلات التي تكونت عبر التاريخ ذهبت هي وبقيت أسماؤها، وجعلنا نحكم ظلماً على أشخاص في نفس الجغرافية، أن هؤلاء ينتسبون إلى من كانوا هناك في قديم التاريخ، يوم تأسست هذه التكتلات فالقضية أضحت جغرافية، فباعتبار أن بشار الأسد ولد في اللاذقية، في القرداحة، والقرداحة كانت في يومٍ من الأيام علوية، فصرنا نحكم من خلال الجغرافيا عليه بالعلوية، وهنا مثلاً أحدهم ولد في حلب سنياً، لأن حلب كانت في الماضي سنية وهكذا، وأرى أن هذه مشكلة، ولذلك أرى بأن هنالك توعية أصبحت توجد بين الناس بعض الشيء، وذلك بأن لا يؤخذ الناس بتواريخهم وجغرافيتهم بل يؤخذ بما فيه، فأنت مثلاً تعيش في ألمانيا، ليس معنى ذلك أنك ألماني أو أرثوذكسي... فشخصية الإنسان يجب أن تؤخذ منه، فالآن (علويون) بالمعنى الذي كان في التاريخ لا يوجد عندنا.

الوفد الألماني: هل مشكلة العراق مشكلة دينية بين سنة أو شيعة، وهل لصلة الأديان مع بعضها علاقة في ذلك ؟

الدكتور عكام: أنا برأيي أن العالم اليوم كله متخلف من الناحية المعنوية، وعندما يوجد التخلف من الناحية المعنوية فيصبح أي سبب قادر على أن يشعل الفتنة بين طرفين أو بين أخويين، وإن الذي يحصل بين الشيعة والسنة يحصل أيضاً بين الشيعة والشيعة، والسنة والسنة أيضاً، وكذلك السلفية والصوفية، وكلاهما سنة، فالفتنة كما قلت لك، أو الإرهاب، أو القتال، ليس له دين، والدافع الديني يوضع من قِبَل السياسيين السيئين من أجل أن يؤجِّجوا الصراع أكثر، فهي لعبة سياسية عند البسطاء لا أكثر ولا أقل، فيحركونهم نحو الفتن، فعندما حصل بين العراق وإيران قتال الثماني سنوات، هل كان هذا القتال بين شيعة وسنة، بل كان من مستشاري صدام حسين مَنْ هو من شيعة، وحركت الناحية الدينية من أجل دعم القتال.

أقول التخلف جائز من أجل أن تشتعل الحرب فيه بأدنى سبب ولأدنى سبب، وأنا أسألكم هل يوجد دولة أرقى من الدنمارك حسب الظاهر ؟ ومع ذلك قاموا برسم هذه الصور المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام، وبذلك قد سببوا لأنفسهم مشاكل، وجاء من حرّك بين الطرفين فقال: انظروا يا مسلمون، هؤلاء يسبون رسولكم...

خلاصة الأمر: أن ما يحدث في العراق هو عبارة عن فتن سياسية وسخة جداً، تُنفذ ويُحرّك البسطاء بناءً عليها، فأحياناً إذا ما كان الدين يحركهم نحو التنازع الفوضوي، فيحركون عندها نقطة الدين، ولئن حركتهم المذهبية نحو الفوضى فيحركونها، يحركون الكردية والعربية والآشورية المسيحية والكلدان و.. و.. هكذا، و دائماً في لغة السياسة السيئة الوسخة الآثمة لا يوجد شيء محرم، وهم يريدون أن يصلوا إلى مآربهم على جثث هؤلاء البسطاء، فالقضية ليست دينية، لأن عقلاء السنة وعقلاء الشيعة، يعلمون بأنها قضية سياسة وسخة من قبل السياسيين الغربيين الوسخين الأوربيين، ومن السياسيين العربيين الوسخين أيضاً، والوساخة العربية والغربية كلها واحدة، لأننا عشنا ويلات الثمانينات في سورية، والأزمات الدينية، ولم تكن بين شيعة وسنة، بل كانت بين الدولة والإخوان المسلمين، ولم يكن للشيعة أي علاقة بهذه القضية، فالقضية في النهاية مكاسب للسياسيين الوسخين، للسياسة العالمية الوسخة التي تريد أن تستعبد الناس وتجعلهم لديها خدم (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) تريد الناس أُجَراء، فإذا ما حركوا الدين عند البسطاء هل يتقاتل السنة والشيعة، إذاً يا غيرة الدين، ويحركون هناك العرق، وفي ألمانيا يقولون المدّ الإسلامي... نحن متعايشون هناك من القرن السادس عشر، وعندنا مسلمون، يقولون الآن خذوا حذركم من المسلمين!!

أنا أرى أي عمل يكون في التاريخ أو الحاضر ينبغي ألا تنسبه لكُلِّي، ومن باب أولى ألا تنسبه لإخوتي وعائلتي، لما نتكلم عن النازية فأنا أقول من الظلم أن نقول عن ألمانيا حتى في مرحلة النازية بأنها ألمانيا النازية، هي حالة طارئة، فينبغي ألا أقول عن كل ألمانيا بأنها نازية، هي حالة مَرَضية، وأي دولة تمر بها، والمشكلة أننا نعمم حالة السوء، فالشيعة والسنة تعايشوا مع بعضهم منذ زمن، ولو قد يأتي أحدهم فيوقظهم ويقول احذروا فسيهلككم الطرف الآخر، وقد يستثار الإنسان من أجل أن يكون قابيل، يقتل أخاه، فإنه يستثار بأي شيء، وقد قلت لبعض الوفود: إذا كان الدين سيفرق، لنترك الدين جانباً، لكننا ارتضينا الدين لتقوية علاقاتنا مع بعض، وقلت لهم: لنقوم بعمل جمعية تقول إذا كان الدين سيؤدي إلى النفرة من بعضنا، تبرأنا من كل الأديان، أما إذا كان الدين يجمعنا فهيا إليه.

الوفد الألماني: في لبنان مشاكل بطوائفها المختلفة، وفي العراق مشاكل أيضاً، أما سورية فمعروفة بمواقفها العربية، فهل هذا وضع طبيعي، وهل عندكم معرفة بهذه الأمور وكيفية حلها ؟

الدكتور عكام: نحن في الدول العربية متخلفين، لكن نقول للدول الغربية ممثلة بسفرائها: أنتم أحد رجلين، إما أنكم تريدون إصلاحنا وصلاحنا، وإذا كنتم تريدون ذلك وتتدخلون بشؤوننا بهذه النية فأهلاً ومرحباً، أما إذا كنتم تريدون تعقيد الأمور لدينا، وزيادة الفوضى، فاتركونا وشأننا. ممكن أن يُقتل منا قتيلين، لكن هذا أفضل من تدخلكم السلبي، لأنه سيقتل منا عندها خمسون جراء تدخلكم. بعبارة أخرى: إننا لا نرى حسن نية في تدخل الدول الغربية في شؤوننا، فأنا أنظر المشهد اللبناني مثلاً، وأرى تدخل السفير الفرنسي، والأمريكي، ليس بنية الإصلاح، الدول الكبيرة كالإخوة الكبار، ونحن الدول المتخلفة كالإخوة الصغار، ونحن كصغار نتقاتل على قدرنا، ونتقاتل بحجرة، والإخوة الكبار بدلاً من الإصلاح يعطوننا قنبلة لكي نتقاتل بها، حل المشكلة بيد الدول الكبيرة إذا أرادت تحمل المسؤولية، وأنا أنظر إلى الدول الكبيرة على أنها كبيرة محترمة، فيجب أن تكون كبيرة بأفعالها وإصلاحها للناس، وحلّ أمور الشرق الأوسط بيد الدول الكبيرة، وإلا فلا تقل عن نفسها بأنها كبيرة، وأنا أخاف من تكون الدول الكبيرة لا تنوي الإصلاح، ولما دعا ساركوزي الأطراف في لبنان، ذهبوا جميعاً، لكنه لم يدعهم بنية الإصلاح، ودعاهم ليدعم أحد الأطراف ضد الآخر، وهذه هي المشكلة.

الوفد الألماني: هل هناك نوع من التبادل الثقافي بين الطلاب في جامعة حلب والجامعات الألمانية ؟

الدكتور عكام: طبعاً، ونحن نحتفظ بصورة جيدة لألمانيا عند الشعب السوري والدارسين الألمان، وعندنا نماذج طلاب سوريين يدرسون في ألمانيا، وعندنا مركز تعليم لغة ألمانية في جامعة حلب.

الوفد الألماني: هل زرت ألمانيا ؟

الدكتور عكام: نعم زرتها ثلاث مرات، وزرت العديد من مدنها: برلين، دوسلدوف، كولن، ميونخ..

الوفد الألماني: هل زرتها بدعوة وظيفية ؟

الدكتور عكام: لا، زرتها بدعوة من جمعية الفلسفة في ميونخ، وحاضرت فيها، وذهبت لجامعة دوسلدوف وحاضرت فيها، أما المرتان الأخريان فذهبتهما بدعوة من جمعيات إسلامية هناك، والبارحة كنت أكلم صديقاً لي، ومدحت الألمان، وقلت عندما كنت أدرس في فرنسا سافرت من فرنسا إلى ألمانيا لزيارة صديقٍ لي في ميونخ، وكانت معي زوجتي، ولما وصلنا إلى الحدود الألمانية استقبلنا البوليس الألماني بكل احترام، وليس البوليس الألماني مثل البوليس السوري، وكنت أمدح الألمان على حساب البوليس السوري، فقد استقبلونا وودعونا بتحية، قلت لصديقي: هكذا تكون المعاملة الإنسانية.

الوفد الألماني: نرجو أن تتكرر لقاءاتنا، وكل الشكر لكم سماحة مفتي حلب، ولاستقبالكم الجيد لنا.

الدكتور عكام: شكراً لزيارتكم.

 

التعليقات

شاركنا بتعليق