أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:
جميل أن يتصف مجتمعنا بالعفة، وأعتقد أنكم جميعاً تسعون إلى أن يكون مجتمعنا مجتمع عفة وعفاف، وجميل أن تتصف بناتنا بالعفة، ومن منا لا يرغب في أن تكون بناتنا عفيفات ؟ وجميلٌ أن يتصف فقراؤنا بالعفة، ومن منا لا يحب الفقير العفيف ؟ وجميلٌ أن يكون الحاكم عفيفاً أيضاً، وأن يتصف بالعفة، ومن منا لا يرغب في أن يكون المسؤول الفلاني والمسؤول الآخر عفيفاً ؟
والسؤال الذي نطرحه باختصار: ما العفة ؟ عندما نقول نريد مجتمعاً عفيفاً، فما العفة ؟ ما تعريفها ؟ ما هي ؟
العفة بكل بساطة: إيقاف النفس وضبطها بقوة عن أن تمتد وتتجاوز خط الحلال إلى خط الحرام.
فإن تحدثنا عن العفة في ميدان المال: فقد ذكر ربي عز وجل نموذجاً عن العفة في المال فقال: ﴿ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف﴾، أنت أيها المسؤول عن مال اليتيم، أنت وصيٌ عن المال، فإذا لم تكن مضطراً إلى أن تأكل من مال اليتيم فإياك أن تأكل ﴿ومن كان غنياً فليستعفف﴾ فليضبط نفسه بقوة عن أن تأكل مالَ اليتيم ما دام بغير حاجة ماسة ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً﴾، إياك وأكل مال اليتيم، أيها الفقير أيضاً هناك مسألة أخرى تحدث عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أيها الفقير، نريدك مستعففاً، فهيا إلى العفة، والعفة تعني ألا تسأل الناس إلحافاً فـ (لا تزال بأحدكم – هكذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم – حتى يلقى الله عز وجل وليس في وجهه مُزعة لحم) تسألُ وأنت لست بحاجة إلى السؤال، على الأغنياء أن يبحثوا عنك، أما أنت فنريدك عفيفاً عن أن تمدَّ يديك، هذا مثال آخر عن العفة في المال. يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح الإمام مسلم: (ليس المسكين الذي يطوف على الناس، تردّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنىً يغنيه، ولا يُفطَن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس) هذا في ميدان المال.
حينما ننتقل إلى ميدان الجنس: الجنس أن تضبط نفسك بقوة عن أن تمتدَّ إلى ساحِ الحرام. ﴿وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً﴾ لم تستطع الزواج فإياك وغيرَ الزواج أيها الشاب، أيتها الشابة، في الجامعة، في الشارع، في الحي، إياك أن تقرب امرأةً من غير عقد شرعي موضح مبين، لا تقرب الحرام في مجال الجنس يا أيها الإنسان، لأن العفة مطلوبة ﴿وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً﴾ وكن مقتدياً بهذا النبي الكريم، بيوسف عليه السلام، يوم وقفت تلك المرأة وقالت: ﴿هيتَ لك﴾ وقف فقال: ﴿معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي﴾ فيا شبابنا نريد أن تقفوا أمام المُغريات لتقولوا قولة يوسف عليه السلام: ﴿معاذَ الله إنه ربي أحسن مثواي﴾، (إن أخوفَ ما أخاف على أمتي الزنا والشهوة الخفية) هكذا قال عليه الصلاة والسلام كما في الطبراني بسند حسن، اضبط نفسك بقوة في ميدان الجنس حتى لا تمتد إلى ساحِ الحرام، وحتى لا تتجاوز خط الحلال.
إن تحدثنا عن ميدان الكلام: فالعفّة في الكلام واللسان أن يكون لسانك نظيفاً. اضبط لسانك بقوة إذا ما أراد هذا اللسان أن يتجاوز خط الحلال إلى ساحِ الحرام، أوَما سمعت ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (النميمة والشتيمة والحمية في النار) ويقول عليه الصلاة والسلام كما في البخاري: (لا يكون اللعانون شفعاء يوم القيامة) من لم يضبط لسانه بقوة وتركه يسترسل في ساح الحرام فهذا الإنسان غير عفيف من حيث لسانه (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً) هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما العفة في ميدان الحكم: والحاكم ليس فقط هو المعني بهذا الأمر، بل كل من كان راعياً، فأنت أيها الزوج، وأنت أيتها الزوجة، والأم، وأنت أيها المدير، وأنت أيها الوزير، ما عليك إلا أن تكون عفيفاً في حكمك، وعفة الحكم أن تراقب ربك عز وجل، وأن تتحرّى العدلَ. يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاشّ رعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة) لأنه لم يكن عفيفاً، لم يضبط نفسه بقوة في ميدان الحكم والمسؤولية، وترك لنفسه العَنان، فانساح إلى ساحِ الحرام، يقول عليه الصلاة والسلام كما في مسلم أيضاً: (من وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي شيئاً من أمر أمتي فرفق بهم، فارفق به).
في ميدان المال وفي ميدان الجنس وفي ميدان الكلام وفي ميدان الحكم والرعاية والمسؤولية فلنكن عفيفين، ولنسع َ إلى أن نضبط أنفسنا وبقوة، حتى لا تجتاز خط الحلال إلى خط الحرام.
تسألني وكيف أفعل ؟ كيف أكون عفيفاً ؟ أجيبك: عليك بالمجاهدة، جاهد نفسك، اقرأ سيرة العفيفين، اقرأ سيرةَ سيدنا يوسف وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، اقرأ سيرة أبي بكر وعمر، اقرأ سيرة عثمان وعلي والصحابة، أولئك الذين وقفوا وكانوا عفيفين فعلاً في كل الميادين التي ذكرناها، بالمجاهدة جاهد نفسك، ضع أمام عينيك أن تجاهد نفسك من أجل أن تحقق العفة صفةً قائمة فيك، يقول عليه الصلاة والسلام فيما يخص المجاهدة كما في البخاري: (ومن يستعفف يعفه الله) الذي يجاهد نفسه من أجل أن يكون عفيفاً يعينه الله وسيجعله عفيفاً (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله) هكذا قال عليه الصلاة والسلام، وربنا يقول: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾ جاهد نفسك في الميادين التي ذكرناها، وأيضاً وبالإضافة إلى المجاهدة أريدك أن تدعو ربك في صلواتك، في خلواتك، يوم الجمعة بين الأذان والإقامة، أن تتحرى مواطن الإجابة من أجل أن تقولَ ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسلم: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) ادعُ في المسجد، في البيت، في الطريق، وأنت ذاهبٌ إلى المدرسة، وأنت داخل إلى الجامعة، قل: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) لندعُ ربنا في خلواتنا، في جلواتنا، في صلواتنا، فما أجمل العفة صفةً نتصف بها.
لا يسعني إلا أن أقول في النهاية:
اللهم إنا أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اجعل مجتمعنا مجتمعاً عفيفاً، اللهم اجعل فقراءنا عفيفين، اللهم اجعل شبابنا وشاباتنا عفيفين وعفيفات، اللهم اجعل كل المسؤولين عنا واجعلنا يا ربنا واجعل نساءنا عفيفين عفيفات يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك بسر أسمائك الحسنى، أن توفق مجتمعنا من أجل أن يكون مجتمع عفة، إنك على ما تشاء قدير، أقول هذا القول وأستغفر الله.
ألقيت في الجامع الأموي الكبير بحلب، بتاريخ: 23/11/2007
التعليقات