آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً

إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً

تاريخ الإضافة: 2007/12/07 | عدد المشاهدات: 9604

﴿إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً. عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً.

الأبرار في اللغة جمع بَر، مثل: رَب جمعها أرباب، ومفردها بَر. وهي تعني السّعة والاستيعاب، فنحن نقول عن (البرّيّة) مثلاً: البَر، ونقول عن المكان الفسيح الذي يشغل مساحةً من الكرة الأرضية البَر، أي المسافات الواسعة الشاسعة، وكل شيءٍ واسع وقد استوعَب و يَستوعِب نقول له بَر.

والبر شرعاً: هو ذاك الذي اتّسعت طاعتُه لربه عز وجل، واتسع خيرُه، فاستوعب ووسع غيرَه.

مثال ذلك: الإنسان الذي يصلي ويصوم ويزكي ويحج لكنه يقصّر في جوانبَ أخرى، لا يمكن أن يُسمّى بَراً، ومن يزكي ويتصدق ويعطي بشكل كبير، لكنه مقصرٌ في صلاته أو في إيمانه أو في أعماله الخيرية الأخرى أيضاً لا يسمى بَراً، لذلك فالله عز وجل قال في آيةٍ أخرى عن البِر: ﴿ولكن البِر مَنْ آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون﴾ من اتصف بهذه السفات سمي بَراً، فهل أنت بَرٌ من الأبرار ؟! البر هو مَنْ آمن بكل أركان الإيمان، وآتى المال على حبه، أي على حاجته له - وهذا غير الزكاة المفروضة عليه  - لأن الآية ذكرت بعدها: ﴿وأقام الصلاة وآتى الزكاة﴾، وهو أيضاً مَنْ يوفي بعهده لله عز وجل، فهو صاحب العهد وصاحب الكلمة ﴿والموفون بعهدهم إذا عاهدوا﴾ ومَنْ يصبر: ﴿والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس﴾ وهو إضافة لذلك الصادق المتقي.

هذه ثمانية صفات ذكرتها الآية من أجل أن تُعرّف لنا البَر.

قرأت تعريفاً للبَر منسوباً لأحد التابعين أعجبني، يقول: البَرُ: "مَنْ لا يؤذي الذرَّ – أي النمل – ولا يضمرُ الشرَّ". فهل أنت لا تؤذي أحداً على الإطلاق، لا بلسانك ولا بقلبك ولا بجوارحك ولا... ولا... الخ، ولا تؤذي حتى الحيوان، وحتى الذرَّ منها، ولا تؤذي النبات أيضاً، ولا البيئة، ولا الأشياء التي حولك أيضاً، ثم بعد ذلك فهل أنت لا تضمر الشرَّ لأحد: (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام)، (التقوى ههنا، التقوى ههنا، التقوى ههنا، ويشير إلى صدره) فإن كنت كذلك أي لا تؤذي الذرّ ولا تضمر الشر فأنت بَر.

وقرأت بيتاً من الشعر أعجبني يقول:

ولا تؤذِ نملاً إن أردت كمالك         فإن لها نفساً تطيب كمالك

﴿إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً﴾: أي يشربون مما في الكأس ومما وضع فيها من خمرٍ لذة للشاربين. وليس المراد أنهم يشربون من كأس فارغة، وهذا مجاز مرسل، وهذه الخمرة التي هي لذة للشاربين، والتي لا تسكر كخمر الدنيا، ولا تذهب بالعقول، قد مُزجت بالكافور الذي هو ماء عينٍ في الجنة. والكافور من حيث اللغة على وزن فاعول أي صيغة مبالغة لـ كَفَرَ، وكَفَرَ يعني: (غطّى)، أي إن مزية هذا الماء لهذه العين التي في الجنة أن رائحته تغطي على كل الروائح الطيبة الأخرى.

ألقيت بتاريخ: 7/12/2007

التعليقات

الدكتور عبدالباسط - نيويورك

تاريخ :2007/12/12

عظيمة تلك اللطائف ورائعة من روعة ملطفها صاحب العقل و القلب والخلق السليم و السيرة المشرفة المشرقة.سلام الله عليك يا أستاذ الانسانية و يا ضمير البشرية و يا معينا لا ينضب.كم مررت كما مر غيري على الأبرار مع شيوخهم ومعلميهم إلا أني أقطع أن لا أحد وقف على هذا المعنى اللطيف الجميل البر.حفظك الله لحلب و لسوريا و للعالم.كم هي الحياة جميلة بمحمود عكام.

شاركنا بتعليق