آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
الدكتور عكام يستقبل وفداً أكاديمياً أمريكياً

الدكتور عكام يستقبل وفداً أكاديمياً أمريكياً

تاريخ الإضافة: 2008/01/16 | عدد المشاهدات: 2601

استقبل سماحة مفتي حلب، الدكتور الشيخ محمود عكام يوم الأربعاء: 16/1/2008 في مكتبه بدار الإفتاء في حلب وفداً من جامعة "هارفورد" بولاية "كين كيت" الأمريكية برئاسة الدكتور إبراهيم أبو ربيع.

في بداية اللقاء رحب الدكتور عكام بالوفد الضيف، ووضع عنواناً لهذا اللقاء هو: "معاً من أجل إنسان آمن متعاون من أجل خدمة الأرض والإنسانية"، ثم دار الحديث عن مجتمع التسامح الذي يصنع مجتمع السلام، وعن ارتباط الفضائل ببعضها، من تسامح وعدل ومحبة، وعن الفرق بين الديني واللاديني...

وفيما يلي نص اللقاء

الدكتور عكام: أرحب بكم ضيوفاً في سورية وفي حلب، ونحن نلتقي تحت عنوان: "معاً من أجل إنسان آمن متعاون من أجل خدمة الأرض والإنسانية".

الوفد الأمريكي: نشكر سماحتكم على استقبالكم لنا. الكثير منكم في سورية أعطونا كرم الضيافة، وكلهم ركزوا على أن المجتمع السوري مجتمع متسامح خاصة بين المسلمين والمسيحيين، والسؤال: من السهل أن نكون متسامحين، فعندما تعيش في عالم كله سلام، كل المجتمعات العالمية فيها تسامح، لكن عندما يكون المجتمع تحت هجوم ونرى ذلك بوضوح بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، فنرى أن السنة والشيعة مثلاً يتحاربون مع بعضهم البعض. أما في سورية التي تحافظ على سلامها هل هناك نظم موجودة لكي تساعد على الأمان والتسامح في هذا الوقت الشديد، وهل هناك أجندة للحفاظ على تماسك البلد من أجل أي تحدٍ خارجي ؟

الدكتور عكام: أريد أن أبدأ من النهاية فيما يتعلق بسورية. لما كان هنا المستعمر الفرنسي قدّم السوريون صورة مثلى للتسامح الذي يتحدث عنه، كان التسامح على أشده، وكان المسلمون يتعاونون مع المسيحيين الهاربين ويخبؤونهم من الاستعمار في مساجدهم، وكان المسيحيون يخبؤون الثوار المسلمين الهاربين في كنائسهم، وهذا ليس من نسج الخيال، بل هو حقيقة، ومعلومٌ أن محامي "إبراهيم هنانو" كان رجلاً مسيحياً، وكان يقول للفرنسيين: لا تكذبوا علينا بأنكم جئتم لحماية المسيحيين، فإن كنتم جئتم لحماية المسيحيين فلا نريد منكم أن تحمونا أنتم. هذا مثال، وأعود للبداية لأقول: من السهل أن يعيش الإنسان متسامحاً في مجتمع سلام، والقضية المنطقية أن مجتمع السلام يصنعه المتسامحون، لكن لا يصنع مجتمع السلام المتسامحين، نحن الذين نصنع مجتمع السلام، لذلك لا يمكن أن نقول من السهل أن نكون متسامحين في مجتمع السلام، لأننا نحن الذين صنعنا مجتمع السلام، عندما نفسد في دواخلنا عندها نصنع مجتمع اللاسلام، فالأنظمة التي نؤمن بها من أجل أن تحفظنا هي التربية التي نسعى جميعاً مسلمين ومسيحيين ومن كافة الشرائح أن نغرسها في نفوس أبنائنا وشعبنا وأمتنا، ونحن لا نطلب الامتحان، ولا نطلب التجربة، لأن النبي قال لنا: (لا تتمنوا لقاء العدو) وليجرب من يجرب فسيرى النتيجة المفرحة التي نقول إن شاء الله.

الوفد الأمريكي: المجتمع المتسامح أساسه العدل، وأي مجتمع يملك بترول، العراق، دول الخليج... أصبح غير عادل، وكلما كان غير عادل يكون أقل تسامحاً، فما الذي تفعله سورية من أجل الحفاظ على التسامح والعدل الاجتماعي في الوقت نفسه.

الدكتور عكام: فما يتعلق بالبترول وارتباطه بعدم العدل، أظن أنها تحتاج إلى نقاش طويل، لأن البترول نعمة، والإنسان حيال أي نعمة أو ثروة، حيال الذهب أو البترول أو الحديد، والإنسان عندما يكون فاسداً هو حيال المال القليل كما هو حيال المال الكثير، فالذي يريد أن يسكر مثلاً يسكر بكوب من المسكر ثمنه خمس ليرات، أو بكمية ثمنها خمس مئة دولار، أما أن التسامح مربوط بالعدل، فهذا لا شك فيه، فالفضائل كلها مرتبطة ببعضها، التسامح مربوط بالعدل، والعدل مربوط بالصدق، والأمانة بالمحبة، والمحبةبالتعاون، وهذا أمر طبيعي، لأن الوجود السرطاني الغريب عن الجسم لا يتناسب معه، وحين يوجد شيء غير مرغوب فيه في الجسم السليم يجب أن يُستأصل.

الوفد الأمريكي: سورية استقبلت الكثير من العراقيين، وهم يرجعون إلى العراق في الوقت الحالي، فهل هذا الكلام صحيح، وكيف أثر دخول العراقيين على عملكم كمفتٍ في سورية ؟

الدكتور عكام: بالنسبة إلى دخول العراقيين إلى سورية أحب أن أستغله من أجل أن يكون دليلاً ومثالاً على التسامح الذي سألتم عنه، وكنا لا نفرق بين سني وشيعي ومسيحي واللا ديني أيضاً، لقد أشعرناهم بما يأمرنا ديننا وعقلنا بأنهم ضيوف مُرَحّب بهم، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، ولكن لهم وطنهم، جاؤوا عندما حلت بهم مشكلة، فلما حُل شيء من هذه المشكلة عاد عدد كبير منهم من هنا، ونحن تعاملنا معهم بلا فرق بينهم وبين السوريين في أي تعامل، وكذلك الحال بالنسبة للفلسطينيين.

ثم سأل الدكتور عكام أحد أحد أعضاء الوفد، وقد عرف عن نفسه بأنه "لا ديني" قائلاً:

الدكتور عكام: هل كنت دينياً ثم أصبحت لا دينياً، أم أنت بالأصل لا ديني ؟

الجواب: أنا رُبيت كمسيحي، وأصبحت لا دينياً في بداية عشرينياتي عندما تعرفت على الماركسية، وأعتبر نفسي اهتديت إلى الماركسية، فالماركسية: فهم عميق للكيان الإنساني، وتقبل كل الأديان كحاجة روحية للبشر، وأرى أنها تعطيني نظرة شاملة وواسعة للكون.

الدكتور عكام: هل أنت مسيحي ماركسي، لأنك تقول أن الماركسية تقبل كل الأديان، فما الذي قبلته ماركسيتك من دينك ؟

الجواب: لا، كل كائن يحتاج إلى فهم ما للحياة الاجتماعية والحياة الطبيعية، والماركسية تعطيني ساحة فهم كاملة وواسعة لفهم كل مشاكل العالم.

الدكتور عكام: أنت تقول بأن الماركسية تقبل كل الأديان، والأديان تلبي الحاجة الروحية، فما الذي يلبي حاجتك الروحية ؟

الجواب: أنا أرى حاجتي الروحية في عملي الإبداعي، وأعتبر عملي الإبداعي هو روحانيتي.

الدكتور عكام: بناءً على كلمتك: الماركسية تقبل كل الأديان، أنا أعرف أن الماركسية ترفض كل الأديان، وهذا ما أكدته بشرحك.

الجواب: الماركسية القاسية نعم، رفضت الأديان، كما أن المسيحية القاسية ترفض الأديان الأخرى، لكن أي فهم عميق لأي مرجعية لفهم الوجود لا بد أن يكون لها قبول للأديان الأخرى والمفاهيم الأخرى، وأنا كناشرٍ أسعى لأن أنشر فكراً إسلامياً يشرح لماذا ينمو الإسلام ويتطور ويلبي حاجات معاصرة.

الدكتور عكام: لا يهمني ما تنشر للناس، لكن ما تنشر لنفسك عن الإسلام، هذا الكلام الذي تتكلم به هو عبارة عن لعبة، وأنا أتكلم عن حقيقة هذا الأمر، وهذا لا يعني أنني عندما أنشر للمسلمين أنني منفتح، لكن من خلال تعبيرك أرى أنك ماركسي قاسي، وذلك عندما قلت بأنك رفضت المسيحية، لأنها لا تلبي حاجتك الروحية، وأنما تلبيها من خلال عملك وإبداعك لا أكثر ولا أقل ؟

الجواب: قد تكون المسيحية والإسلام بالذات قريبين لي جداً، ولكن هل أنت مستعد أن تكون منفتحاً بقدر انفتاحي على الماركسية، فإن كنت لا تقبل ماركسيتي، فلماذا تريدني أن أقبل إسلامك ؟

الدكتور عكام: بالعكس أول ما جئت لم أعرف أنك ماركسي، ورحبت بك وبالجميع، وأنا منفتح على الماركسية، وإذا وجدت فيها ما يفيدني آخذ به ولا إشكال. أنا أعتبر أن هذا الوفد مدرسة أتعلم مواقفهم، وما نقوله الآن هو تجربة تفكيرية للوصول إلى الحقيقة، وكلنا في تجارب تفكيرية، وما أظن أن الواحد يقول بكل قوة أنا وصلت إلى الحقيقة.

الجواب: وأنا آخذ ما يفيدني من الإسلام، وأتعلم منه أيضاً، ولماذا لست منفتحاً على الإسلام ؟ لقد قضيت خمسين سنة أطور أفكاري ضمن الماركسية، وأعتقد أني كونت دار نشر لها فوائدها المعنوية، ولم يكن هذا بالإمكان دون مرجعيتي الماركسية ،ونحن كدار نشر معترف فينا في كل العالم.

الدكتور عكام: مسيرتك لم تنتهي، وأرجو أن تطول، وآمل أن تضعنا في التطورات التي تحدث لك، وأن نضعك في التطورات التي تحدث لنا.

الوفد الأمريكي: ما نوع الإفتاءات التي تصدرونها هنا كدار إفتاء ؟

الدكتور عكام: يستشعر المسلم أن كل ما يصدر عنه من قول أو عمل يجب أن يكون للإسلام حكم فيه، وبالتالي يسألنا عن كل ما يصدر عنه إن ارتاب فيه، المسلم يسألنا عن طعامه وبيعه وشرائه وعلاقته بزوجته وما يتعلق بتجارته... ويقول: ما حكم الإسلام في كذا، ونحن عندما نجيبه نقول له: هذا ما يقوله الإسلام حسب اجتهادنا، والله أعلم، ولا نقول له هذا هو الإسلام.

الوفد الأمريكي: (سائلة من سنغافورة): كتبت أطروحتي عن العلاقات الإسلامية المسيحية في سنغافورة بدءاً من استقلال سنغافورة، وأثناء إعداد بحثي حدثت بعض الاضطرابات الأمنية في سنغافورة، بسبب محكمة، حول نسبة طفل إلى أبويه، هل ينسب لأبويه الألمانيين، أم لمتبنييه المسلمين، وكان الحكم أن ذهب الطفل إلى العائلة المسيحية، مما شكل شرارة وشغب، وعملت الصحف على الكتابة في هذا الشأن في سنغافورة وفي هولندا... واستعملوا هذه الأزمة للتعبير عن غضبهم ضد الإنكليز، وكانت نتيجة الشغب الذي استمر ثلاثة أيام، مقتل /17/ شخص، وجرح أكثر من /100/ شخص، إضافة إلى تفجير السيارات والمحلات. وقبل هذا قالت الحكومة البريطانية بأن المجتمع السنغافوري متسامح ولا مشاكل عرقية فيه.

تُرى في هذه اللحظة هل يمكن لأحداث صغيرة مثل هذه أن تستعمل لآخرين ذوي نوايا سيئة، وهل يمكن للصحافة أن تفجر وضعاً ما وتخلق شرخاً بين المسيحيين والمسلمين، هذا سؤالي الأول، أما الثاني: بعد أحداث 11/ أيلول (سبتمبر) في سنغافورة وجدوا /17/ شخص خططوا لتدمير بعض المرافق الحيوية فيها، أحد المخططين كان مدرساً إسلامياً لأطفال في مدرسة، وقد فوجئت الحكومة بهذا.

أنا أرى أن حلب مكان مبارك لكن لكونها مكاناً مباركاً قد تجتذب هذا النوع من الناس السيئين الذين يريدون تدمير جمالها وبركتها، فعلى الحكماء أن يجهزوا الأرضية استعداداً لما يمكن أن يحدث، حتى لا ينهار هذا الإرث من التسامح.

الدكتور عكام: قلقك قلقنا، وحِسّك حسنا، وما ذكرتِ عن الطفل موضع النزاع، لو أننا سئلنا من قبلهم لقلنا: الطفل لأبويه الحقيقيين دون تردد، والله عز وجل يقول: (ادعوهم لآبائهم) بغض النظر عن كونهم مسيحيين، مسلمين، لا دينيين، ماركسيين... لكن الجهل هو السبب، ونحن ندعو إلى رفع الجهل عن المجتمعات، وهذا ما يجب أن نتفق عليه كلنا، وما ذكرتِ من أن هناك بعض المستغلين لمثل هذه القضايا من ذوي النوايا الغير حسنة، ومن صحافة تريد أن تكسب مالاً، هي وراء مثل هذه الأمور الفوضوية.

أما الشق الثاني فهؤلاء الذين قُبض عليهم السبعة عشر شخصاً، نحن نقول لهم باعتبارهم مسلمين: إن ما تفعلونه هذا لا يمتُّ إلى الإسلام بصلة، وربما أخرجكم من الإسلام، ونحن عندما حدث مثل هذا في مدريد ولندن و... قلنا على المنبر أمام عدد كبير من الناس: إن هذا يجافي الإسلام، ويجافي المسيحية، ويجافي الإنسانية، والإنسان هو من يقدم للناس الخير، لا من يمنع عن الناس الخير، والإنسان المطلوب هو من يحيي الناس لا من يميت الناس، وربنا في القرآن قدم نفسه على أنه مطفئ للحرب، وليس مشعلاً لها، فقال: (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله) فنحن إطفائية لإطفاء كل نار تؤذي الأرض أو الحيوان، ومن باب أولى الإنسان، والنار سنعذَّب فيها، لذا لا يمكن أن نتعامل معها، ونحن نأمل الجنة، لذا يجب أن نتعامل مع أمثال الجنة في الدنيا، والجنة سلام، وأمان، وبيئة نظيفة، وعلاقات طيبة، وعدل، وحرية، لكن علينا أن نتحمل، وأن نثابر، وأن نتابع المسير، ولا نيأس، ونواجه التحديات، وسينتصر في النهاية الخير والسلام والأمان على الشر والفوضى.

ونرسل تحية من حلب إلى سنغافورة، وسعدنا بكم، ونأمل أن تعودوا مرة بعد مرة.

الوفد الأمريكي: شكراً سماحة مفتي حلب على هذا اللقاء.

التعليقات

محمد/أمريكا

تاريخ :2008/01/18

أنا مقيم في أمريكا وقد قرأت هذا اللقاء حيث كان فيه كلام سماحة المفتي رائعا خصوصا فيما يخص الانسان وما المطلوب منه تجاه الآخر لذا كل الشكر فضيلة الدكتور عكام وجزاك الله ألف خير

شاركنا بتعليق