آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
كيف تحافظ على إيمانك

كيف تحافظ على إيمانك

تاريخ الإضافة: 2008/05/23 | عدد المشاهدات: 4001

 

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

أراني أحد الأصدقاء كتاباً بعنوان كيف تحافظ على ثروتك ؟ تصفحت هذا الكتاب فوجدت فيه نصائح تتوجه إلى هذا الذي يملك مالاً وفيراً، وفي مقدمة هذا الكتاب يسأل المؤلف القارئ: هل أنت مسرور بثروتك ؟ الجواب المفترض من القارئ: نعم.

تخيلت وأنا أقرأ هذا الكتاب كتاباً آخر بعنوان: كيف تحافظ على إيمانك ؟ وقلت في نفسي سأسأل القارئ نفس الأسئلة، سأقول له: هل أنت مسرور بإيمانك ؟ لا بد أن يكون الجواب حسب الظاهر: نعم. هل أنت سعيد بدينك بإسلامك ؟ الجواب حسب ما يدّعيه الناس المفروض: نعم.

قلت في نفسي أيضاً لأحدثنَّ الناس يوم الجمعة عن كتابٍ مُتخيَل عنوانه كيف تحافظ على إيمانك ؟ قلت أيضاً ربما سألني إنسان أمام من وأمام ماذا سأحافظ على إيماني ؟ الجواب أيضاً لهذا السؤال: تحافظ على إيمانك، ومن فمك أدينك، لأنك سعيد بإيمانك هكذا تقول وتدّعي وتعلن، إذا كنت كذلك، فأنا أقول لك أمام من وأمام ماذا ستحافظ على إيمانك: أمام التشكيك، سيشكك أناس بدينك بإسلامك بإيمانك، سيقول لك هؤلاء المشككون بأثواب مختلفة: لمَ الإسلام ؟ لمَ الإيمان ؟ لمَ الانتماء للقرآن ؟ أليس المسلمون ضعفاء ؟ أليس الإسلام اليوم يعاني الفقر والتقهقر، أعني المسلمين.

أنت تحافظ على إيمانك أمام المشككين وما أكثرهم، وتحافظ على إيمانك أمام أولئك الذين يرهبونك يخوفونك بالقتل بالهلاك بالفقر، أنت تحافظ على إيمانك أمام أولئك، تحافظ على إيمانك أمام أولئك المرغِّبين أيضاً، الذين يريدون منك أن تعدل عن دينك مقابل دريهمات أو مقابل ثروة مقابل مالٍ كثيرٍ تحتاجه، مقابل مقابل.. هل أنت سعيد بإسلامك ؟ إذا كان الجواب نعم. فما عليك إلا أن تُفكِّ بشيء اسمه الثبات، المحافظة على الإيمان، وكما قلت من فمك أدينك فهل تسعى من أجل أن تثبت على إيمانك الذي يسعدك ويسرك أمام التشكيك والترهيب والترغيب ؟ ربما طلبت مني فقلت حدثني عن وسائل من خلالها أثبت وأحافظ على إيماني كما حدّث الكاتب في الكتاب الذي هو بعنوان كيف تحافظ على ثروتك ؟ ذَكر أموراً من خلالها يحافظ الغني على ثروته.

نظرت إلى الجيل الأول رضي الله عنهم، إلى جيل الصحابة، قبل أن أحدثكم عن الوسائل التي من خلالها يمكن أن تحافظوا على إيمانكم وإسلامكم ودينكم، مددت عيني إلى عصر الجيل الرائد فوجدتهم قد وقفوا وقفة صامدة قوية أمام التشكيك وأمام الترهيب وأمام الترغيب، عُرضت عليهم الدنيا من أجل أن يعدلوا عن شيء من دينهم فما عدلوا، ونظروا إلى هذه الدنيا التي يراد من تقديمها التشكيك والترهيب والترغيب وقالوا بملء أفواههم وقلوبهم، إليكِ عني، بتتك ثلاثاً، أي طلقتك طلاقاً بائناً بينونة كبرى. تذكرت قولة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما جاء المشككون يقولون له كما يروي ابن هشام: يا أبا بكر، انظر صاحبك يزعم أنه أسري به في ليلةٍ إلى المسجد الأقصى وعاد في نفس الليلة فهل تُصدّق هذا ونحن نستغرق في ذهابنا شهراً وفي رواحنا شهراً ؟ التفت إليهم الصديق فقال كلمة إنسان يحافظ على إيمانه ويقف صامداً أمام المشككين: "إن كان قالها فقد صدق".

جيء إلى سيدنا علي رضي الله عنه أيضاً فقالوا له: هل تؤمن بالجنة والنار ؟ فقال: نعم. فقالوا له: هل رأيت الجنة والنار بعينيك ؟ فأجاب – وانظروا تلك الكلمة التي من خلالها تصفعون المشككين صفعاً – : "لقد رأيت الجنة والنار بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعينا رسول الله أوثق من عيني".

صمدوا أمام التشكيك وأمام الترهيب، وكلنا يعرف بلالاً ويعرف ياسراً وسمية، لكنني قرأت منذ فترة قصة عن صحابي يسمى عبد الله "ذا البجادين" هذا الصحابي كان فقيراً وكان يعيش في كنف عمه الغني، وسمع عمه أن عبد الله قد أسلم، فالتفت إليه مهدداً: يا عبد الله إن بقيت تذهب إلى محمد قطعت عنك عطائي. التفت عبد الله إلى عمه وقال: "يا عم، والله لنظرةٌ إلى رسول الله أحبّ إلي من الدنيا وما فيها، إن أعطيت أو منعت".

قرأت بيتين من الشعر يُنسبان إلى مجنون ليلى، يدعمان الوقوف والصمود أمام الترغيب والترهيب، يقول مجنون ليلى:

ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها               تريد أم الدنيا وما في طواياها

       لقال غبار من تراب نعالها                 أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها

هذا مجنون حبٍ لليلى، فما بالكم بالعاقل المحب لربه ودينه وإيمانه.

أمام المرهبين والمهددين كلمة عبد الله ذي البجادين هي التي يجب أن تقال، ستتعرضون لتشكيك فقولوا لهم ما قال أبو بكر وعلي رضي الله عنهما، وإن تعرضتم إلى ترغيب وإلى إغراء فقولوا لهم كلمة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم: (والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه).

تسألني ما الوسائل التي من خلالها أثبت إيماني ؟ أقول لك:

أولاً، بملازمة القرآن: كم من مرة قلت لكم يا شبابنا هل تقرؤون القرآن الكريم ؟ هل تنظرون المصحف الشريف ؟ هل تتلون من هذا الكتاب في كل يوم ؟ هل تمتعون نظركم وعيونكم بالنظر إلى قرآن ربنا عز وجل ؟ ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾ وفي الدارمي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ستكون فتن). قلت: وما المخرج منها ؟ قال: (كتاب الله). إلى القرآن من أجل من قراءته من أجل تلاوته من أجل تدبره. بملازمة القرآن الكريم تحافظ على إيمانك، وبملازمة القرآن الكريم يقوى إيمانك كما قال ربي عز وجل: ﴿وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون﴾.

ثانياً، بلقاء الصالحين الأقوياء إيماناً: بلقاء المتقين تكونوا على قدر عظيم في مواجهة التشكيك والترهيب والترغيب: ﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾، ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين﴾، ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾. كن مع أخيك المؤمن متعاوناً، كان الصحابة الكرام يقول الواحد منهم للآخر: تعالَ نؤمن ساعة، فهل أنت تقول لأخيك لجارك لزميلك لصديقك تعالَ نؤمن ساعة أم أنكما في غفلة عن هذا، وبالتالي يتسرب إلينا الفساد من حيث لا ندري ومن حيث ندري، الوضع العام في العالم كله لا يُبشر بكبير خير، فإذا كان الأمر كذلك فبالله عليكم ماذا تنتظرون ؟ هل تنتظرون ملكاً من السماء ينزل ؟ أم تنتظرون من أنفسكم رجوعاً وعوداً حميداً إلى مبادئ قوية أُنزلت في كتاب ربنا إلى مبادئ سليمة كانت محور كتاب ربنا عز وجل ؟

ثالثاً، اُدع إلى إسلامك: لماذا لا تمارس الدعوة ؟ والدعوة إلى إسلامك تقوي إسلامك، فمن آمن بشيء حق الإيمان، دعا إليه وكان موضوع حديثه حيثما كان، فهل أنت ممن يدعو إلى دينه وأنت تقول بأنك تعيش في دينك سعيدٌ، بإيمانك مسرورٌ بدين ربك ؟ إذا كان الأمر كذلك فهيا من أجل أن تدعو الآخرين إلى هذه السعادة وهذا السرور، اللهم إلا إذا كنت مدعياً وغير صادق فيما تقول، بادر بالدعوة إلى دينك حتى لا يُبادر دعاة الباطل بدعوتك إلى باطلهم، وللأسف فإن حال السكون هو الذي يلفنا ولذلك يبادر علينا الآخرون بمبادرات متنوعة، يُبادرون علينا بالسلام الذي لا يُرضينا ويبادرون علينا بالحرب التي لا تسعدنا، ويبادرون ويبادرون... ونحن مُلتهون بعداوات فيما بيننا ولو أنا كنا متعاونين وكنا مؤمنين وكنا ملازمين لكتاب ربنا لما بادر علينا والمبادرة التي يحملها غيرنا تضر بديننا وأرضنا وسمعتنا وإنسانيتنا ولكننا ضعفنا واستكنَّا وحزنا على دنيانا وأصبحنا نبكي وهماً نريده ونبكي سراباً نطلبه حثيثا فهل هذا إلا وضعٌ لا يمكن أن نُحسد عليه ؟

رابعاً، بالعلم: وقد قلت لكم هذا في الأسبوع الماضي وأؤكد: إن الجهل هو داء كل ما يمكن أن يكون من أمراض، هو داء الأمراض، بل هو مرض الأمراض بل هو الفيروس الذي يسبب كل ما يمكن أن يأتيك من شر ومصيبة، والمشكلة أننا نعيش في الجهل إلى أذقاننا، نعيش في الجهل إلى نحورنا، بل إن الجهل في بعض الأحايين هنا يغمرنا ويغمر رؤوسنا، الأمية مستشرية، عدم القراءة استفحاله انتاب أعصابنا وأدمغتنا حتى أصبح هذا الجهل دماً يسري في كل العروق التي نعيش من خلالها ونعيش عليها، أصبح الجهلُ نُسغَنا، أصبح الجهل طعامنا وشرابنا، أين العلم والمعرفة ؟ أين البحث ؟ كلنا مُلتهٍ بالسياسة، كلنا ملتهٍ بدنيا وهمية وليس بدنيا فيها مقومات الحياة الكريمة المتقنة، هذا مُلتهٍ بالسياسة الفارغة التي لا طائل تحتها، وهذا مُلتهٍ بسرابٍ دنيوي يريد أن يَلحق به ولا يستطيع أن يصل إليه، ثالث مُلتهٍ بتغنٍّ بمنصب يريد أن يتحقق به، ورابع وخامس وسادس ملتهٍ بمسؤول يريد أن يتعرف عليه حتى إذا ما جالسه شعر بالنشوة التي ما بعدها نشوة، فهل هكذا تُورد يا سعد الإبل ؟ العلم ضاع منا، مدارسنا تفتقر إلى العلم، جامعاتنا تفتقر إلى العلم، مساجدنا تفتقد إلى العلم، مراكز بحوثنا تفتقر إلى العلم، هيا إلى العلم، انظر عمرك أين تضيعه وأين تفقده وأين تذهب به ؟ هذا العمر الذي هو ساعات وأسابيع وأشهر وسنون، أين تذهب به ؟ هل تقرأ في كل يوم ؟ هل تطلع على المستجدات فيما أنت مختصٌ به ؟ طبيبنا غدا كما يقال جزاراً، ومحامينا غدا كذاباً، وقاضينا غدا مرتشياً، وعسكرينيا غدا باحثاً عن لقمة عيش، وغدا يبحث عن رزق خارج السرب، وهكذا التاجر وكل من يعيش على الأرض، إلا من رحم الله، وأنا لا أعمِّم لأن التعميم خطأ فادح، لكنا إن نظرنا نظرة تمحّص وتفحّص وجدنا هذا الذي قلته، هيا إلى علم، يا أيها الممتحنون الآن في المدارس في الصفوف الانتقالية، ويا أيها الممتحنون في الأسابيع القادمة في الشهادات الإعدادية والثانوية والجامعية، نريد علماً، نريد بحثاً، نريد أن تضاهي في علمك تلك العلوم التي تنبت هناك في الغرب والتي من خلالها الغرب يتفوق علينا، بالعلم نقوي إيماننا.

خامساً وأخيراً، نقوي إيماننا بالدعاء الصادق: وليس بالدعاء على شاشة التلفاز، فأنا لا أريد أن يكون دعاؤنا على شاشة التلفاز، ولكن بالدعاء الذي تبثه أنت من صدرك في خلوتك بربك، لا أريد دعاءً جماعياً يأخذ صفة الكرنفالية، ولكن أريد أن يكون بينك وبين ربك دعاء في خلوتك في جامعك حيث تسجد في بيتك حيث تصلي، في مقعدك حيث تدرس، ارفع يديك بينك وبين نفسك وأمام ربك وقل: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، يا وليَّ الإسلام وأهله ثبتني على دينك، يا رب ثبت بلادي على الالتجاء إليك، على عبوديتك، ثبت بلادي على محبة أفرادها بعضهم لبعض، يا رب ثبت بلادنا على الاستقامة على الدين الحنيف على المبادئ السليمة على الأخلاق الحميدة على الشريعة المجيدة، على العقيدة السديدة، يا رب ثبتنا، ادع لأبناء وطنك، ادع لبلدك، ادعُ بينك وبين نفسك، قل: ﴿رب لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة﴾، هل تدعُ ربك وأنت ذاهب إلى عملك إلى وظيفتك إلى منصبك وإدارتك ومتجرك ؟ هل تدع ربك ؟ آمل أن تدعو ربك أيها المسلم حتى تواجه المشككين والمهددين والمرهبين والمرغبين.

أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لكل خير، وأن يعصمنا من كل شر، اللهم إني أسألك حفظاً لبلادنا، اللهم إنا نسألك يا ربنا أن تجمعنا في بلادنا على الخير الذي يرضيك، أسألك يا ربنا أن تجعلنا متعاونين على البر والتقوى في بلادنا التي نحبها وتحبنا، اللهم احفظ بلادنا من كل مكروه، اللهم ارفع عنا الغلاء والبلاء، اللهم وفق أولي الأمر من أجل أن يكونوا خُدَّاماً صالحين صادقين لبلادنا ولعبادنا، نعم من يُسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.    

ألقيت بتاريخ: 23/5/2008

التعليقات

شاركنا بتعليق