آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
صيانة النفس عما يدنِّسها: خِطاب للشباب والإعلاميين

صيانة النفس عما يدنِّسها: خِطاب للشباب والإعلاميين

تاريخ الإضافة: 2008/06/20 | عدد المشاهدات: 3888

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

في الأسبوع الماضي توجهنا إلى المسؤولين عن الطفل من أجل أن يُربى الطفل تربية سليمة صالحة، ذكرنا منطلقاً وسبع قواعد، والطفل كبُر وعندما يكبر الطفل يصبح أهلاً للخطاب وصالحاً لأن يُتحدث معه ويصبح محلاً جديراً بالكلام وبالحكم وبالتعاطي الفكري، فيا أيها الطفل الذي غدوت شاباً أتريد أن تضع لنفسك شعاراً ؟ أتريد أن تضع لنفسك عنواناً ؟ قرأت شطراً لشاعر عباسي أحببت أن يكون عنواناً لشبابنا، قلت في نفسي لأحدثنَّ إخوتي الشباب غداً عن موضوع اسلتهمته من هذا الشطر الشعري. يقول هذا الشطر وأريدكَ أن تقوله أيها الشاب، أن تقوله على أنه عنوان لك: "صنت نفسي عما يدنس نفسي". أريدك أيها الشاب أن تصون نفسك عما يدنس نفسك في وقت دخل الدنس كل شيء، لكنني أربؤ بك كما أربؤ بنفسي أن يدخل الدنس علينا وأن يقتحم الدنس عقولنا وأفكارنا وقلوبنا، قل يا أيها الشاب، قل يا أيها اليافع، قل يا أيها الرجل، قولي يا أيتها الشابة، قولي أيتها اليافعة: صنت نفسي عما يدنس نفسي.

تسألني ما الذي يدنس نفسي وما الذي يدنس نفسك، يدنسها يا أيها الشاب أمور كثيرة لخصتها بأربعة أمور أريدك أن تصون نفسك عنها:

أولاً: أريدك أن تصون نفسك عن المعصية، فالمعصية تدنس نفسك لأن المعصية دنس:

وخالف النفس والشيطان واعصِهما       وإن هما محَّضاك النصح فاتهمِ

ثانياً: صن نفسك عن السفاسف والتفاهات والسخافات، واسمع قول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، جاء في صحيح الإمام مسلم: (حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) ولا أريدك أن تتبع الشهوة الشهوة:

والنفس راغبة إذا رغبتها      وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقنع

صن نفسك عن اللهو عن المجون عن السهرات الفارغة عن أمور تدنس نفسك عن أمور تنقص من طهر نفسك عن أمور تتجافى مع طهرك، صن نفسك عما يدنس نفسك من السفاسف والتفاهات واللهو والفراغ المضيِّع.

ثالثاً: صن نفسك عن الإهمال والتسيُّب، واعلم بأنك مسؤول عن وقتك، مسؤول عن قلبك مسؤول عن عقلك، قف أمام المرآة وقل: "اللهم متع لساني بذكرك، وعقلي بمعرفتك، وقلبي بمحبتك، وجوارحي بطاعتك، وجسدي وجسمي بعافية منك".

تذكّر قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الدارمي: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه) فإياك أن تهمل عمرك (وعن جسده فيما أبلاه) فإياك أن تهمل جسدك (وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما وضعه) فإياك أن تهمل مالك، إياك أن تهمل الحلال في كسب المال وإياك أن تهمل الحلال في إنفاق المال (وعن علمه ماذا عمل فيه) وأقرأ أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في الحاكم على شرط البخاري ومسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) اغتنم هذا الذي أنت فيه، وإياك والإهمال صن نفسك عن الإهمال.

رابعاً: صن نفسك عن الجهل، فالجهل هدَّام، الجهل يهدم بيوت العز والكرم، صن نفسك، يا مّنْ بلغت على الأقل سن الإعدادية: أريدك أن تصون نفسك عما يدنس نفسك، والذي يدنس نفسك، ومما يدنس نفسك الجهل، فلا تكن جاهلاً، الجهل أكبر مدنس وأفظع مدنس، يدنس عقلك وفكرك وروحك. صنت نفسي عما يدنس نفسي من معصية وإثم، من تفاهة وسخافة، من إهمال، من جهل، ضع عنواناً لنفسك هذا.

تسألني أيضاً: كيف أصون نفسي عن هذه الأمور التي ذكرتها ؟ أقول لك:

أولاً: صن نفسك بالعلم والمعرفة، ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾ تعلموا اقرؤوا يا شباب كونوا على درجة مقبولة من العلم والمعرفة، وبالعلم تصونون أنفسكم عما يدنس أنفسكم.

ثانياً: بصحبتك الكرام، بعشرتك الكرام تُعدُّ منهم، كونوا مع الصادقين، اصحب من ينهضك حاله ويدلك على الله مقاله، إياك وصحبتك السوء، إياك ومصاحبة الفاسدين، يا شبابنا لا نتحدث نحن عن أناس لا نعرفهم، لكننا نتحدث عن أناس هم جيراننا وأبناؤنا وطلابنا وتلاميذنا وأساتذتنا، نتحدث عن مواطنينا هنا نتحدث عن أنفسنا، عليك أن تصون نفسك من خلال صحبتك الكرام، انظروا أحياءنا فقد مُلئت شباباً، اسمحوا لي إن قلت، بأنهم ليسوا على مستوى الكرامة ملئت شباباً يضيعون أعمارهم بالفساد لا يصونون أنفسهم عما يدنس أنفسهم، لذلك أنت يا من تسمعني: أريدك أن تصحب الكرام أن تكون مع الصادقين، أن تكون مع العفيفين، أن تكون مع الطاهرين ﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾.

ثالثاً: عليك بذكر الله عز وجل، أتريد سبيلاً تصون به نفسك ؟ إذاً عليك بذكر الله، لطالما قلت على هذا المنبر: أيها الشاب هل لك وِرد ؟ هل تذكر ربك صباح مساء ؟ هل تستغفر ربك ؟ أنت تحدث الآخرين عن نفس قلقة، والله يقول لك أتريد أن تطمئن ؟ الجواب: نعم، عليك بذكر الله عز وجل ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ بذكر الله تصون نفسك عما يؤذي نفسك، هل لك ورد ؟ أتقرأ القرآن الكريم في كل يوم ؟ هل تستيقظ كل ليلة في الأسبوع، في الشهر، تدعو فيها ربك أن يحفظ نفسك عما يدنس نفسك ؟ إلامَ أنت مضيَّع مضِّيع ؟

رابعاً: صن نفسك عما يدنس نفسك بعملٍ نافع، بهواية راقية، بهواية مفيدة، بادروا بالأعمال، اعملوا فإن العمل يقضي على الملل، فإن العمل يقضي على الفراغ، فإن العمل يقضي على الفساد، جاء في الحديث وإن كان الحديث في سنده شيء: (إن الله يحب العبد المحترف)، لقد خاطبتكم منذ ثلاثة أسابيع قلت لكم: ليكن لكم عمل إلى جانب الدراسة فإن العمل يقضي على ما يمكن أن يُدنِّس نفسك، وجاء في صحيح الإمام مسلم: (بادروا بالأعمال، فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً) ابحث عن عمل يشغلك عن السفاسف والتفاهات، صن نفسك بالعلم والمعرفة، بصحبتك الصالحين، بذكرك ربك، بعمل نافع يدوي ترى فيه ذاتك وتُشبِع من خلاله سعيك، ففي داخلك حب للسعي في مضمار الخير وهذه فطرة: ﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها﴾.

صن نفسك عما يدنس نفسك بالأمور التي ذكرناها، لكنني سأتوجه الآن إلى المسؤولين لأقول لهم في مختلف المجالات لا سيما أولئك الذين يعملون في مجال الإعلام لأقول لهم:

اتقوا الله في شبابنا، أعينوا شبابنا على أن يصونوا أنفسهم عما يدنس أنفسهم، أيها المسؤلون في مجال الإعلام: أعينوا شبابنا على أن يصونوا أنفسهم عما يدنس أنفسهم، لا تُظهروا في قنواتنا الفضائية ما يُدنس أنفس الشباب، لا تظهروا على قنواتنا الفساد الذي يأكل عقول شبابنا وأرواحهم وقلوبهم ويبقيهم أناساً لا خلاق لهم ولا هدف لهم، اتقوا الله أيها المسؤولون في الإعلام عبر قناة فضائية أو مجلة أو صحيفة، أناشدكم الله أنتم أيها المسؤولون عن القنوات الرسمية وأنتم أيها التجار عن القنوات الخاصة كيف يسوغ لكم، بالله عليكم وبربكم ما التبرير عندكم أن تظهروا على قناتكم فساداً جنسياً، فساداً أخلاقياً، فساداً اقتصادياً، أتريدون الرَّفث في الميدان الأخلاقي على حساب شبابنا ؟ بئسما تفعلون، كثرت قنوات الفساد، قناة تبث أفلاماً تسمم الإنسان ولا أقول تسمم عقله فقط ولكنها تسمم جسمه، تسمم وطنه، تسمم وطنيته، تسمم كل شيء حميد فيه، اتقوا الله أيها المسؤولون عن الإعلام من أجل أن تساعدوا شبابنا حتى يصونوا أنفسهم عما يدنس أنفسهم، كنا صغاراً وقرأنا عبارة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيها: "والله لو أن بغلة في أقصى العراق عثرت لخشيت أن أسأل عنها يوم القيامة".

أيها المسؤولون ليست الدابة هي التي تعثر لكن شبابنا هم الذين يعثرون، هم الذين يُضيَّعون، هم الذين يُفحَّشون، هم الذين تُقدَّم لهم الفاحشة بأسلوب جذّاب وبخلفية كذابة قذرة وسخة، يا هؤلاء اتقوا الله في شبابنا، ما الفائدة من عرض فيلمٍ خليع ؟ وما الفائدة من عرض برنامج لا يمتُّ إلا إلى الفساد، ولا يمتُّ إلا إلى الضياع، ولا يمت إلا الإنحلال ؟ أنتم مسؤولون عن شبابنا، أنتم أيها المسؤولون في ميادين الإعلام وفي ميادين السياحة وفي ميادين الثقافة وفي ميادين كل الشؤون التي تلف شبابنا وأبناءنا وبناتنا، اتقوا الله فيما يخص هذه الأمور.

لقد ضاعت أخلاق شبابنا بعونٍ غير محبب منكم، بعون مفسدٍ منكم، فاتقوا الله ونظفوا وسائلكم الإعلامية مما يدنس نفس شبابنا، أناشدكم الله، قد تقولون إن نظفناها نحن فهناك قنوات أخرى، هل هذا تبرير أو تفكير أم أنه نوع مخاتلة تعلمتوها من الشيطان ليس إلا ؟ أنا أخاطبك أنت باعتبارك مسلماً، باعتبارك عربياً، باعتبارك شرق أوسطي، باعتبارك تدَّعي النسبة لهذه المنطقة التي نريد أن تكون مباركة وصفها ووسمها الله: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾ قنوات عربية، ومجلات عربية، وصحف عربية للأفلام وللدعايات وللبرامج السخيفة، ولكل ما يؤذي شبابنا، ولكل ما يؤذي أخلاقهم، ولكل ما يؤذي وطنيتهم.

تريدون لشبابنا الوطنية وتريدون لشبابنا أن يكونوا أوفياء للوطن وأنتم تجرحون وتقتلون الحس الوطني من خلال إشاعة الفحشاء، من خلال إشاعة ما يضر بوطننا وأبنائنا وشبابنا وطلابنا وتلاميذنا وأساتذتنا، أناشدكم وأكرر المناشدة أن تعينوا شبابنا من أجل أن يصونوا أنفسهم عما يدنسوا أنفسهم، أناشدكم الله.

يا أيها الشاب كن قوياً وأعلن أمام نفسك وقل: صنت نفسي عما يدنس نفسي من معصية وتفاهة، من جهل وإهمال، صنت نفسي بعلم ومعرفة، صنت نفسي بصحبة الكرام، صنت نفسي بذكر ربي، صنت نفسي بعمل نافع مفيد خير، وأنتم أيها المسؤولون عني أريدكم ألا تكونوا يوم القيامة كهذا الذي يشار إليه من قبل معذَّب في جهنم يقول هذا المعذَّب: يا رب خذ حقي من هذا. وماذا فعل هذا حتى نأخذ حقك منه ؟ يقول يا رب كان يراني على المنكر ولا ينهاني. فيقول الله عز وجل: خذوه فاطرحوه في النار. فما بالكم لو أن هذا الشاب المضيَّع قال يوم القيامة: يا رب خذ حقي من هذا. وما حقك من هذا ؟ ليس كان يراني على المنكر فلا ينهاني، ولكن فتح لي كل أبواب المنكر وأعانني على المنكر، ويسَّر لي سبل المنكر والفحشاء والضياع، فستؤخذ أيها الإنسان يا من لا تساعد الشباب على أن يصونوا أنفسهم عما يدنس أنفسهم، فستؤخذ لتطرح في النار وأنت تطرح في نار الدنيا قبل أن تطرح في نار الآخرة.

أسأل الله عز وجل أن يوفقنا من أجل أن يكون كل واحد منا على قدر المسؤولية الشبابية، على قدر السن الذي هو فيها، على قدر عمره الذي هو فيه، أن يوفقنا من أجل أن نعمِّق صون أنفسنا عما يدنس أنفسنا.

هنيئاً لك أيها الشاب الطاهر، هنيئاً لك أيها الشاب الساعي في مضمار بناء النفس والعقل والروح والوطن والبلد، هنيئاً لك أنت أيها الشاب، النتيجة الخيرة قادمة والنتيجة غير الخيّرة والفاسدة والضارة قادمة أيضاً لذاك الإنسان المغاير.

اللهم رد شبابنا ومسؤولينا وحكامنا ووزراءنا والمسؤولين عن كل وسائل الإعلام والثقافة والسياحة وكل ما يُكون الوطن، ردنا جميعاً إلى دينك رداً جميلاً، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 20/6/2008

التعليقات

محمود

تاريخ :2008/06/30

الحمد لله رب العالمين انت محمود وحديثك محمودءكلامك محمود. فدمت محمود لشباب محمود والسلام يادكتور محمود

فراس الحاج

تاريخ :2008/07/07

إنه لرائع أن يخصص المفكر الكبير الدكتور عكام في تلك الخطبة زاوية للاعلام والاعلاميين نظراً لأهميتها ومعرفة الدكتور عكام مسبقاً بتلك الاهمية فلك كل التقدير والاحترام.. وإن ما تحدثت به حول الاعلام ما هو إلا ورقة عمل يجب الاخذ بها من قبل جميع العاملين في هذا المجال فلقد شملت وأوجزت..

شاركنا بتعليق