آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
"كلنا شركاء" يحاور مفتي حلب د. محمود عكام 4/4

"كلنا شركاء" يحاور مفتي حلب د. محمود عكام 4/4

تاريخ الإضافة: 2008/09/16 | عدد المشاهدات: 3212

" كلنا شركاء".. والخوف من " كلنا مشركين"

نتابع حوارنا مع فضيلة المفتي الدكتور محمود عكام، تحت عنوان: "نحن كلنا شركاء في الوطن.. والخوف من أن نصبح كلنا مشركين في الوطن".

في هذا الجزء الرابع والأخير حول: تعدد الزوجات وكثرة الأطفال، العلاقات بين المسلم وأخيه المسيحي، رجل الدين والسياسة، التصوف، المشهد القادم للناس في سوريا ونظرته لمستقبل العلاقات الإنسانية فيها.

وفضيلة الدكتور محمود عكام من مواليد 1952، حاصل على شهادة الدكتوراه في الفكر الإسلامي السياسي من جامعة السوربون عام 1983، هو مفتي حلب، ومستشار وزير الأوقاف لشؤون التعليم الشرعي والتوجيه والإرشاد وخطيب جامع التوحيد، ورئيس لجنة التوجيه والإرشاد الديني في مديرية أوقاف حلب، كما أنه أستاذ محاضر في كليتي الحقوق والتربية بجامعة حلب، وله ما يزيد على خمسة وثلاثين كتاباً.

وكان فضيلة المفتي الدكتور قد تحدث في الجزء الأول من هذا الحوار عن سلوكيات الإنسان المعاصر، دور رجال الدين ودور العبادة في توعية الإنسان، والخطاب الديني، وفي الجزء الثاني حول انتشار المظاهر المتدينة في سوريا، التطرف، ثقافة الأئمة، أما في الجزء الثالث فتحدث عن الفتاوي وعولمة الفتاوي الدينية، مكبرات المآذن، ومجالس العزاء.

الجزء الرابع والأخير من الحوار:

"كل من يدخل في لعبة السياسة، سيصيبه شيئ من اللا فضيلة شئنا أم أبينا"

"الإصلاح إن لم يبدأ من الجذور بجد وصدق وآمان فسيبقى ترميماً هشاً"

"توجيه رجال الدين للناس اليوم لم يعد يؤدي أُكلُه"

"الناس غير عابئين بالتوجيهات المجانية التي لا تقدم لهم المال أو السلطة"

"يجب أن يزداد عدد أصحابي وأصدقائي من السياسيين ورجال الدين لهذا السبب"!

"نحن بحاجة إلى تنامي حس المسؤولية عند المسؤولين وعند الناس على حد سواء"

"عندما تسمع شخصاً يكرر الكلام عن واقع ما، فهو دليل على أن هذا الواقع ليس في حالة جيدة"

"لا أعني أحداً بذاته ويدفعني لهذا الكلام غيرة على البلد وأهل البلد"

"من الممكن أن تكون أمور الناس في المستقبل غير مبشرة!! أقولها والألم والحرقة والأسى تعتصرني"

"أقترح: تأسيس مراكز للدراسات تُعنى بتوصيف حال الأمة وتعنى أيضاً بتقديم البرامج الإصلاحية"

تعدد الزوجات، كثرة الأطفال:

كلنا شركاء: رجل لديه ثلاث زوجات، ولديه أكثر من 12 طفل وهو لا يستطيع تأمين الخبز اليومي لهم، ولذلك أخرج كل أولاده من مدارسهم، كيف تصفه وتحكم عليه ؟ وأين دور رجل الدين في هذه الحالات ؟

د. عكام: أنا من خلال تواصلي، أعتقد بأن نسبة هكذا حالات قليلة في حلب، وأنا أصف هذا الرجل بأنه "غبي ولا يدرك ما يفعل" وسيندم بلا شك.

يحتاج الناس اليوم إلى دولة، إلى مسؤول، إلى جهة تنفيذية، إلى سلطة سياسية، إلى قيادة حازمة حاسمة عادلة تبدأ بتطبيق القوانين على نفسها أولاً، فالتوجيه اليوم لم يعد يؤتي أُكلُه كما كنا نرجو أو يرجوه الناس، لأن التوجيه الآن يَصدر من الفم إلى ظاهر الأذن والناس مشغولون بالمال، بالفقر، بالعلاقة مع السلطة، أو ببناء جسور مع المسؤولين بحيث لم يعد هناك مساحة لدى الناس "الملطوشين" لتلقي التوجيهات التي تنفعهم في حياتهم، أي التوجيهات المجانية التي لا تقدم لهم مالاً ولا سلطة.

في إحدى لقاءات جمعية تنظيم الأسرة كنا ننادي بتنظيم الأسرة والذي ينادي به الإسلام فقال لي أحدهم: "يا دكتور بدلاً من أن تنادي الدولة لرفع الأجور والرواتب تنادينا كي نقلل عدد أفراد أسرنا!!!"، وهذا ما دعوته قبل قليل بالجواب المسكت وليس المقنع.

كلنا شركاء: في طريقك اليومي إلى دار الإفتاء، هل تلحظ الازدحام الفظيع أمام مبنى المحاكم الشرعية (قضايا الطلاق وإراءة الأطفال) ؟ ما هي الوسيلة لعلاج هذه المشاكل الاجتماعية ؟

د. عكام: الوسيلة: هي التربية والتي تعني تكوين الأسرة بشكل صحيح، تكوين المدرسة والجامعة وبؤر التربية بشكل صحيح، والعناية بالمدارس ورياض الأطفال والأسرة والإشراف المباشر للدولة على هذه البؤر إشرافاً صادقاً واعياً جدياً، حتى نضمن أن لا يكون هناك طلاق في النهاية.

وإشراف الدولة من الناحية المادية والمعنوية والمتابعة المستمرة وإحساس المسؤولين بالمسؤولية التي قال عنها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "والله لو أن دابةً في أقصى العراق عَثرتْ لخشيتُ أن أُسأل عنها يوم القيامة، فيقال لي لم لم تُعبد لها الطريق".

نحن بحاجة إلى تنامي حس المسؤولية عند المسؤولين وعند الناس على حد سواء وعندي أنا أيضاً فأنا لا أتكلم هنا كمعارض لا للشعب ولا للدولة بل أنا معارض لنفسي، ورحم الله امرءاً توجه إلى نفسه فاشتغل عليها، فإن صدق في ذلك فسيتأثر مَنْ حوله... مَنْ كانوا.

كلنا شركاء: هل سنشهد في المستقبل تراجعاً لأهمية دور الدين وتعاليمه في بناء الإنسان، في ظل تأثيرات: العولمة، العلمانية، اللا دينية، القنوات الفضائحية التي يملكها عرب، موبايلات وبلوتوث وأفلام و"سيديات"، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء.

د. عكام: لا لن نشهد تراجعاً في المستقبل فقط، لأننا نشهده الآن، فهناك طغيان ماديٌ والدين اليوم له دور شكلي فقط، والناس من حيث المضامين لا تقف أمام الدين موقف المتلقي والمتعلم للتطبيق والتدريس، أما المصطلحات و التعابير التي ذكرتها في سؤالك فهي مظهر وتجلٍ لوجود هذا البعد بين الدين وتعاليمه وبين الإنسان وبنائه، ولا نعرف إلى أين ستنتهي القضية.

رجل الدين والسياسة، التصوف:

كلنا شركاء: لماذا كلما تكلم رجل الدين في السياسة.. حابى، وكلما ابتعد عن السياسة ... جافى ؟

د. عكام: كل من يدخل في لعبة السياسة، سيصيبه شيء من اللا فضيلة شئنا أم أبينا، سواء أكان رجل دين أم رجلاً آخر، واللا فضيلة إما أن تكون محاباة أو مجافاة أو منافقة أو معاداة، لأن السياسة اليوم تقوم على شيئين غير جيدين:

1- المصالح الشخصية وإعطائها الأولوية وأهمها الحظوظ النفسية من ظهور وتسلط وما شابه.

2- الكسب المادي وتحويل كل الأمور إلى سلعة وتجارة (مادة)، وأنا لا أتهم أحداً هنا، فالمصلحة الشخصية والمتاجرة المادية هي القابعة خلف الإرادة للخدمة في العمل العام، فلم يعد هناك سياسي يسهر على تحسين الموقع الذي يشغله، ولم يعد هناك سياسي يقرأ تجارب السياسيين الناجحين حتى يكون سائساً لهذا الذي يشغله إلى بر الأمان.

كلنا شركاء: ألا تخشى من أن ينزعج أصدقاؤك السياسيون من رأيك السابق ؟

د. عكام: أنا بالنسبة لي بالعكس، فأنا أقول دائماً "الصديق من صَدقكْ وليس من صدَّقك"، فأنا يجب أن يزداد عدد أصحابي وأصدقائي من السياسيين ورجال الدين، لأنني أتكلم هذا الكلام عن نفسي أيضاً "من نفسي وعن نفسي" ويشهد الله بأنني لا أعني أحداً بذاته وإنما الذي يدفعني غيرة على البلد وأهل البلد".

كلنا شركاء: لماذا لا يتقبل الناس من رجل الدين تدخله في السياسة ؟

د. عكام: لأنهم يرون السياسة لعبة غير جيدة ورجل الدين يجب أن يكون جيداً، والسياسة تجبر الإنسان على المراوغة والكذب، أما عن رجل الدين فيرى الناس أنه يجب أن يبقى نظيفاً لا يراوغ ولا يكذب، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الدين اليوم... إذا دخل مع السياسة فستطغى عليه، بينما لن يطغى تأثير أخلاق الدين على السياسة وللأسف!!!.

كلنا شركاء: كيف تنظر إلى التصوف ؟ التصوف حقيقة معاشة، ولكن هناك من يقول : "لا تصوف في الإسلام" ؟

د. عكام: إنّ أفضل تعريف للتصوف بالنسبة لي وأعتقد بأنه مقبول من أغلب المتصوفين هو: "التصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في التصوف، ومن زاد عليك في التصوف زاد عليك في الأخلاق".

التصوف أخلاق وعناية بالجانب الأخلاقي للإسلام، أرني إنساناً أخلاقياً كي أقول لك عنه إنه متصوف.

تغير العلاقات الإنسانية وعلاقة المسلم بأخيه المسيحي:

كلنا شركاء: سابقاً لم يكن يتم الحديث أبداً عن طبيعة العلاقة بين الأخ المسلم وأخيه المسيحي وعلاقتهما وتواصلهما، أما اليوم فنجده أصبح شائعاً جداً، إلى ماذا سيؤدي بنا هذا الحديث ؟ وما هي انعكاساته على الواقع ؟

د. عكام: صحيح أنه لم يكن هناك حديث في السابق عن هذه العلاقة لكن كان هناك واقع أفضل من الواقع الآن، وعندما تسمع شخصاً يكرر الكلام عن واقع ما، فهو دليل على أن هذا الواقع ليس في حالة جيدة، ويزداد الحديث عنه الآن من أجل أن نضيفه إلى إحدى صنائعنا وإنجازاتنا نحن رجال الدين ورجال السياسة، فمنذ 40 عاماً كان العيش المشترك بين الناس أمراً تلقائياً وطبيعياً ولم نكن نتحدث عنه أبداً، أما الآن فأنا أعتقد بأننا نتحدث عن العيش المشترك الآن لأن الواقع هو غير الكلام الذي نتحدث عنه (بدأنا نشعر بدبيب النقص إلى الواقع)، وقلت في إحدى المقابلات التلفزيونية: "أنا لا أريد أن يتحدث الناس عن هذه القضية كثيراً !! خشية من أن تكون هناك ردة فعل"؟

كلنا شركاء: قد يقول أحدهم لك: بأن فضيلتك لا ترى إلا من خلال وجهة نظرك ومعرفتك ولا ترى وجهات النظر الأخرى، فكيف ترد ؟

د. عكام: أنا لا أقول بأن لا نتكلم عن أمر العيش والوحدة والأخوة لأن الكلام فيه غير جيد، بل أنا أقول يا ناس: لا تتكلموا عنه فالأمر حاصل وموجود أصلاً، وأنا أخشى من أننا حين نتحدث عنه نكون كمن أنتج أمراً ولم يعد يستطيع إنتاج غيره، فانكبَ على هذا الأمر يتحدث عنه من باب التعويض عن الفشل في صناعة وإنجاز الجديد المفيد.

ولكن عندما أفلسُ في إنتاج شيء جديد كقلعة حلب مثلاً فأبدأ بالتحدث عنها باستمرار وكأنها صنيعتي ومن إنتاجي.

المشهد القادم والآمال مع استقراءات للمستقبل:

كلنا شركاء: جميل أن نلتفت إلى الماضي ونتذكر، ولكن أليس من الأفضل بأن ننظر إلى المستقبل لنتوقع. ماذا تتوقع للإنسان السوري في المستقبل ؟

د. عكام: قل لي ما يهمك أقل لك من أنت، وماذا ستكون عليه في المستقبل، وهذا يعتمد على الإنسان السوري وصدقه وآماله وتفكيره وآلامه وتوجهه، فأنا من باب الأمنية أرجو له كل الخير وأتمنى أن يكون إنساناً رائداً على المستوى العربي والإسلامي والدولي، ولكن بالنظر للمعطيات الراهنة، فمن الممكن أن تكون الأمور غير مبشرة!! أقولها والألم والحرقة والأسى تعتصرني.

ولكن نبقى محكومين بالأمل وببعض ما يفعله الصادقون ولو كانوا قلّة!!!.

كلنا شركاء: غلاء، أمراض مستعصية، ضعف العلم، عادات لا أخلاقية تنتشر، ضعف الدخل وقلة الكفاءات، عدم وعي الأهل في تربية الأبناء، كلها عوامل مؤكدة. ويبقى الإيمان بالله هو وحده القادر على الوقوف أمامها، أما التصدي لها فهو عبر الفعل لا بالقول، فماذا يمكن أن نفعل ؟

د. عكام: نعيش أزمة!! بل أزمات شئنا أم أبينا، لذلك لا يمكن حل هذه الأزمة الأخلاقية والمعنوية كالطلاق وكثرة الأولاد ومكبرات المساجد ومكبرات الكنائس إلا بعزم جاد صادق على التغيير، يتعاون فيه على هذا الأمر الدولة ومسؤولوها ووزارؤها بشكل صادق مع الشعب مع ممثلي هذا الشعب وأن يُعاد تكوين الأحياء من قبل لجان الأحياء و المخاتير ويعطى قيمة للمختار برعاية الوزارة المعنية، والتوقف عن عمليات الترقيع التي لا تصنع ثوباً جديداً ولا تغيرُ واقعاً متردياً، فالإصلاح إن لم يبدأ من الجذور بجد وصدق وآمان فسيبقى ترميماً هشاً.

قبل عدة أسابيع خطبت من على منبر جامع التوحيد خطبة قلت فيها: لو أن إنساناً سألني عن برنامجه أو طلب نصيحتي لنصحته بالآتي: أن ينكفئ على ذاته، ويتأكد من إيمانه، ويتأكد من برنامجه لنفسه قبل أن يتحدث عن برنامجه للآخرين، وسأسأله إن كان يملك برنامجاً يتناول الأزمنة الثلاثة" الزمن الماضي للاعتبار، الزمن الحاضر للعمل والسعي، والمستقبل للتوقع والإثمار".

وليس ثمة مانع من تأسيس مراكز للدراسات تُعنى بتوصيف حال الأمة في مختلف المجالات وتعنى أيضاً بتقديم البرامج الإصلاحية وأن يكون ذلك بجدية ودعم مادي ومعنوي.

كلنا شركاء: قبل أيام وقعت حادثة انهيار جبل المقطع في مصر الشقيقة، هل نحن في انتظار كارثة طبيعية كي نعود إلى الله ونطلب منه الرحمة (وخاصة في أماكن السكن العشوائي ومناطق المخالفات) ؟

د. عكام: لا بل العكس، علينا أن لا ننتظر الكوارث كي ندعو ربنا عز وجل، الدعاء الصحيح في التحضير، في الاستعداد، في الوقاية مما يمكن أن يقع من كوارث، وصحيح كلامك بأننا لا نستعد ولا نأخذ الحذر وهذا ما عنيته أنا من أن المستقبل غير مبشر لنا، ما دمنا في أحسن أحوالنا نعتمد على الدعاء فقط دون العمل والتخطيط.

(نشكر فضيلة المفتي الدكتور محمود عكام على هذه الأريحية في أجوبة الحوار الذي دار تحت شعار: "نحن كلنا شركاء في الوطن... و الخوف من أن نصبح كلنا مشركين في الوطن)".

حاوره ريمون جرجي: ( كلنا شركاء ) 16/9/2008

لقراءة الحوار من المصدر، لطفاً اضغط هنا

التعليقات

شاركنا بتعليق