آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
سمات علاقة الإنسان مع روحه

سمات علاقة الإنسان مع روحه

تاريخ الإضافة: 2008/10/31 | عدد المشاهدات: 3701

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

كنا قد تحدثنا في الأسابيع الماضية، أو بالأحرى بدأنا في سلسلة ما يجب أن تكون العلاقة عليه مع الله بالنسبة للإنسان المسلم، ومع نفسه أي مع ذاته من جسمٍ وقد بيَّنا مكونات هذه العلاقة، ومع عقله، ووعدنا أن نتكلم اليوم عن علاقة الإنسان بروحه، لأن الروح هي أحد مكونات الإنسان بعد الجسم والعقل، فما مكونات علاقتكَ بروحك ؟ وما الذي يجب أن تكون عليه أنت في سلوكك عندما تنظر إلى روحك ؟

قبل الحديث عن مكونات هذه العلاقة لا بد من أن نوضح المراد من الروح التي نتحدث عنها، أنا لا أتحدث الآن عن تلك القوة التي أمدَّك الله بها فكانت هي التيار الذي يجعل من جسمك متحركاً، لا أتكلم عن الروح تلك التي قال عنها القرآن الكريم: ﴿يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي﴾ ولكنني أتكلم وبكل بساطة عن الروح التي هي اللطيفة القابعة خلف الشفافية وخلف اللطف وخلف الرقة وخلف الصدق. ترى إنساناً فتقول عنه إنه شفاف، وترى آخر فتقول عنه إنه لطيف، وترى ثالثاً وتقول عنه إنه صادقٌ في كلامه، وترى رابعاً وتقول عنه إنه كثيف وثقيل الدم على الرغم من إنه يصوم ويصلي ويفعل الخير...

أتحدث عن تلك اللطيفة التي تنبثق منها هذه الصفات التي هي الشفافية واللطف والرقة والصدق والمقبولية عند الآخرين، أتحدث عن الروح تلك التي تجعل منك إنساناً خفيف الظل خفيف الدم، أتكلم عن تلك التي تقبع في داخلك وتوزع على كل مظاهرك ما يجعل منك مقبولاً ومرتاحاً له عند الآخرين، عن هذه أتكلم.

يسألني سائل: كيف ألطِّف نفسي، كيف أجعل مني إنساناً خفيف الظل ؟! عن هذه الغاية أتحدث هذا اليوم. لذلك عندما أقول وأخصص خطبة اليوم لطبيعة ما يجب أن تكون عليه العلاقة مع روحك هذا الذي أعنيه بالروح. من أجل أن تكون لطيفاً ومن أجل تكون شفافاً ومن أجل أن تكون رقيقاً ومن أجل أن تكون مقبولاً ومن أجل أن تكون كما يُقال مهضوماً ومن أجل أن تكون خفيف الظل ومن أجل أن تكون خفيف الدم، أنصحك وأنصح نفسي بما يلي:

أولاً: عليك أن تصقل نفسك وذاتك وأن تُهذِّب نفسك وذاتك بالعبادة: فإن الإنسان الذي يعبد الله بصدقٍ وأمانة وإخلاص سيكون لطيفاً بشكل عام إلا إذا قرر أن تكون العبادة شكلية لا أكثر ولا أقل لا تحقق غاياتها، أوليس الله عز وجل قال: ﴿لعلكم تتقون﴾ بما يخص الصيام: ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ والمتقي إنسانٌ يتعامل مع روحه كما أراد الله أن يتعامل، والمتقي يجب أن يكون مقبولاً، والمتقي إذا ما رفضه الآخرون أعني المسلمين فليبحث عن نقصٍ في تقواه التي يتحلى بها: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ والإنسان المنتهي عن الفحشاء والمنكر من قولٍ أو فعلٍ أو حركة أو سكنة لا بد من أن يكون مقبولاً، الإنسان الذي يتخلق بأخلاقٍ، هذه الأخلاق تتنافى مع الفحش ومع المنكر ومع الألفاظ البذيئة لا بد أن يكون مقبولاً، ولا بد من أن يُرتاح له، لذلك أيها الباحث عن علاقة طيبة لروحك هيا إلى العبادة من صلاة وصيام وحج وعمرة، ومن قراءةٍ للقرآن الكريم، ومن تعظيمٍ لشعائر الله: ﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ عظِّم شعائر الله عز وجل، عظِّم أهل العلم، عظم الأولياء والصالحين، قدِّر العلم ذاته لأن العلم شعيرة من شعائر الله عز وجل، فإنك إن عظمت شعائر الله كنتَ على أبواب التحلي بصفات اللطف وصفات الرقة وصفات هذا الذي ذكرناه من أُنسٍ بك ومن ارتياحٍ إليك، أكثر من هذه العبادة حتى تكون على علاقة جيدة بروحك.

ثانياً: أتريد أن تكون مستلطفاً، أتريد أن تكون مرتاحاً له، أتريد أن تكون مقبولاً: هيا فالزم صاحباً صادقاً ولازم مجالس الإيمان، حدثني عن صحبك، حدثني عن أصدقائك، حدثني عن هؤلاء الذين تجلس معهم ويجلسون معك، حدثني عن صفاتهم وأخلاقهم، حدثني عن كلامهم، حدثني عن همومهم، إن كانوا لا يتمتعون بهذا الذي نتكلم عنه فكيف تريد أن تكون مستلطَفاً رقيقاً مؤنساً به والصاحب ساحب، والجنس يألفه الجنس، لذلك قال ربي عز وجل: ﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ حتى تحافظوا على التقوى التي حُزتموها أنتم في صدوركم، وتجلَّت آثارها على أجسامكم وتصرفاتكم وحركاتكم وسكناتكم: ﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾، ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم﴾ اصحب صاحباً وصديقاً صادقاً صديقاً لطيفاً وصديقاً أنيساً وصديقاً عفيفاً حتى يسري ما فيه عليك، وإذا كان فيك شيء من هذا الذي ذكرنا فاجتمع هذا الذي فيك مع الذي فيه فسينتج عند ذلك قوة تتجاوز القوتين المجموعتين حساباً وسيكون الأمر أكبر وأفضل وأعظم وأرقى وأحسن، فاصحب صادقاً وصحب لطيفاً واصحب أنيساً من أجل أن تتأثر به، ولازم مجالس الإيمان، انظروا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه كما يروي أحمد في مسنده كان إذا لقي بعض الصحابة يقول لهم أو لأحدهم: تعالَ نؤمن ساعة، ويبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله ابن رواحة فإنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة) والملائكة نور ولا يتباهون إلا بالنور والشعاع اللطيف ولا يتباهون إلا بما يرونه حسناً وجميلاً ورائقاً وهم من هم الملائكة عليهم السلام، فلازم مجالس الإيمان.
ثالثاً: الذكر والدعاء: فليكن لسانك رطباً بذكر الله، ومن ذكر الله ضاء وجهه وغدا مقبولاً عند الآخرين حتى عند المخلوقات الأخرى وأحبه كل شيء، وأحبه كل مخلوق، وجاء إليه كل شيء منقاداً ليس على سبيل القسوة والقهر وإنما على سبيل الحب والتعلق والانقياد الطوعي الذي ينمُّ عن أنس واطمئنان، ليكن لسانك دائماً رطباً بذكر الله إذا ما أردت أن تكون على علاقة جيدة بروحك وإذا ما أردت أن تكون لطيفاً مستلطفَاً رقيقاً مستأنساً به مرتاحاً له اذكر ربك دائماً، اذكر ربك في الصباح وفي المساء، ولطالما قلت لإخواني الطلبة ولإخواني التجار ولإخواني الأطباء ولإخواني المسؤولين ولكل أولئك الذين يشكلون المجتمع: اذكروا الله جميعاً إذا ما أردتم أن تكونوا مقبولين، ما المانع أيها المحاضر أتريد أن تكون في محاضرتكَ مقبولاً أنت أيها المدرس أنت أيها الطبيب أنت أيها الوزير أنت أيها المدير أنت أيها المسؤول أنت أيها الرئيس أنت أنت أولا تريد أن تكون مقبولاً حينما تظهر للناس ؟ إذن ما المانع أن تلتجئ لربك لتقول له ولتذكره ولتقول: ﴿رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني﴾، ما المانع من أن تقول: ﴿رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً﴾ ومن فمك أدينك فأنت الذي تقول بأنك تؤمن بالله عز وجل، ما المانع حينما تدخل إلى عيادتك أو إلى مكتبك أو إلى أي مكان تعمل فيه أو إلى بيتك أن تذكر ربك من خلال الأدعية المسنونة، أو من خلال دعاءٍ أنت تقوله بينك وبين نفسك ؟ ما المانع من أن تذكر ربك وأنت في مجلسك تستمع إلى محاضرة لتقول بمعنى أن تجعلني ربي ممن وفهمناها سليمان ؟ لمَ لا يا أخي ؟ لم لا أيها الطالب هل أنت تتكبر على هذا ؟ هل تتكبر على الاستعانة بالله ؟ إذن إذا أرت أن تكون مقبولاً فاذكر الله وادع الله واسأله الصغيرة والكبيرة، وقد جاء عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي: (من لم يسأل الله يُغضب الله عز وجل) وفي رواية: (من لم يسأل الله يَغضب الله عليه) أتريد أن تُغضب ربك ؟ اسأله إذن ونحن بحاجة إلى مسؤول فعَّال لا يمنعه شيء، إلى مسؤول يقدِر على كل شيء، إلى رب يعطينا كل شيء، إلى رب يتولانا في كل أحوالنا، إلى مسؤول يرعانا حيثما كنا، إلى مسؤول يستجيب لنا الصغيرة والكبيرة لقد جاء في أبي يعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (سلوا ربكم كل شيء حتى الشسع من النعل) يريد ربك عبودية منك متذللة، والعبودية المتذللة فقيرة والفقير يسأل ربه كل شيء لأنه فقير في كل شيء: ﴿أنتم الفقراء إلى الله﴾.

ومن أجل أن يكون مجتمعنا مقبولاً برمّته من حيث كونه مجتمعاً نأمل أن يتعاون في أداء هذا الذي ذكرنا في صقل وتأديب في اللطيفة بالعبادة في التزام الأصحاب الصادقين وملازمة مجالس الإيمان في ذكر الله والدعاء إلى الله عز وجل وحينها فما أظن وأنا لا أقدم معادلة من الرياضيات ولكن أقول ما أظن إذا ما كنا معاً نقوم بهذا على أساسٍ من جسدٍ واحد ومن فرد واحد ما أظن أن غارةً كتلك التي وقعت ستقع، هذه الغارة ما وقعت إلا لأننا في معاداةٍ لأرواحنا وفي معاداة لأجسادنا وفي معاداة لعقولنا. هذا العدو الآثم البغيض استغل فرقةً حلت بنا لا أكثر ولا أقل واستغل بُعداً منا عما يجب أن نكون عليه مع ربنا ومع جسمنا ومع عقلنا ومع روحنا استغل هذا الذي نحن فيه، وهذا الذي نحن فيه يسمى ضعفاً ففعل فعلته الشنيعة. تذكرون في كل أسبوع نحن نقول اللهم عليك بالإدارة الأمريكية الفاسدة ومن عاونها وساعدها، وأنا أخشى من خلال ابتعادنا عن منهاج ربنا أن نكون من المعاونين غير المباشرين لهذه الإدارة، ومن أجل أن نكون في مواجهة هذه الإدارة الفاسدة الظالمة هنالك طريقٌ واحد هو حسنُ إقامة العلاقة مع الله، وإقامة العلاقة الحسنة مع الجسم ومع العقل ومع الروح ومع سائر ما سنتحدث عنه في الأسابيع القادمة.

إن أردتم مواجهة لهذا العدو الأثيم البغيض فاجتمعوا وانظروا علاقاتكم ببعضكم وانظروا علاقاتكم بربكم وانظروا علاقاتكم بعلمكم وانظروا علاقتكم بقرآنكم بأخوتكم ببلدكم بوطنكم أولسنا قد تحدثنا عن واجباتنا نحو الوطن وذكرنا هذا في أكثر من خطبة فهل هذا قائمٌ فينا ومتمثلٌ في أذهاننا، وبالتالي نسعى من أجل أن نجسده حركةً وسلوكاً وموقفاً.

أسأل الله عز وجل أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً وأن يجعل أعداءنا ممن يرتد كيدهم إلى نحرهم وفي نحرهم، وأسأل الله عز وجل لهؤلاء الأبرياء الشهداء الرحمة والمغفرة وأن يتقبلهم ربي خالصين مخلصين من كل خطيئة وذنبٍ وإثم، وأن ينقيهم من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدَّنس وأن يجعل مصاب ذويهم فيهم ابتلاءً يستقبلونه بإنا لله وإنا إليه راجعون وأن يكون ذلك كله درساً لنا من أجل وحدة منشودة على قرآن ربنا، على أخلاق حميدة، على علاقة جيدة مع ربنا مع أنفسنا مع وطننا مع جيراننا مع كل شيء نبني علاقة معه، اللهم تقبَّل منا ذلك يا رب العالمين، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 31/10/2008

التعليقات

شاركنا بتعليق