آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سمات علاقة الإنسان بأولاده

سمات علاقة الإنسان بأولاده

تاريخ الإضافة: 2008/11/21 | عدد المشاهدات: 3077

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون المسلمون المؤمنون إن شاء الله:
لا زلنا نتابع تلك السلسلة، سلسلة العلاقة والصلة مع الله مع الإنسان نفسه مع من حوله مع ما حوله، تحدثنا عن مكونات صلتك بربك وعن مكونات علاقتك مع ذاتك، مع عقلك مع جسمك مع روحك مع نفسك، ثم كان آخر ما تحدثنا عنه هو تلك العلاقة بينك وبين والديك، وكان هذا في الأسبوع الفائت، وقد جاءني بعض الإخوة أيضاً عقب الصلاة فقالوا لي: هل ستتحدث عن علاقة الوالدين بأولادهم بشكل عام، عرفنا مكونات علاقة الإنسان مع والديه، لكن ما الذي يجب أن تكون عليه العلاقة، علاقة الوالد والوالدة مع الأولاد، أو بعبارة مختصرة عن علاقة الإنسان بأولاده.
أتوجه إلى كل الآباء والأمهات قائلاً لهم: أولادكم أمانة في أعناقكم، وهذه الكلمة تمهيدية لأمور وبنود سنذكرها وهي التي تحدد طبيعة العلاقة مع الأولاد.
أولادكم أمانة في أعناقكم، وما ينبغي أن تكونوا عليه في علاقاتكم مع أولادكم هو ما يلي:
أولاً: عليكم أن تستشعروا مسؤوليتكم عن أولادكم ،وأنكم ستسألون في الدنيا وفي الآخرة، في الدنيا أمام الأجيال اللاحقة والراهنة، وأمام الله عز وجل في الآخرة، لذلك أكرر وأؤكد على مقولتي التي قلتها آنفاً: أولادكم أمانة في أعناقكم، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث المعروف الذي يرويه البخاري ومسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها).
هل يستشعر كلٌ منا مسؤوليته عن أولاده ؟ وهل يتعامل مع أولاده معاملة الإنسان الذي يعد نفسه مسؤولاً عن تلك الفعلة أو عن هذه الفعلة ؟ هل يتصرف مع أولاده على أساس من إحساس لمسؤولية أنت معرَّض لها بشكل أكيد في الدنيا والآخرة ؟ ستسألك الأجيال اللاحقة والأجيال الراهنة بكل ما يمكن أن تتجلى من خلاله، عن مسؤوليتك عن أولادك، هل قمتَ بهذه المسؤولية خير قيام أم أنك كنت مقصِّراً، بل ربما كان الواحد منا منعتقاً من المسؤولية ؟
وما وصلنا إلى هذا الذي وصلنا إليه، وأعتقد أن جميعكم يوافقني، ما وصلنا إلى هذا الذي وصلنا إليه من تفلّت نرى آثاره في مجتمعنا، ومن ضياع يعيشه شبابنا ومن تقهقهر فيما يخص الأخلاق، ومن بعدٍ عن جادات الصواب والصلاح ما وصلنا إلى هذا إلا لأن الآباء والأمهات قصَّروا وقصرنا بالشعور بالمسؤولية نحو أولادهم وأولادهن، فاستجيبوا لربكم، واستجيبوا لنبيكم عليه الصلاة والسلام من أجل حسن قيامك بالمسؤولية نحو أولادكم، ابنك أمانة فهل ترعى هذه الأمانة ؟
ثانياً: من مكونات العلاقة مع الأولاد أن تربيهم أيها الأب بإحسان، وماذا تعني التربية بإحسان ؟ التربية بإحسان: أن تعطف عليهم وأن تحنوَ عليهم وأن تجعل طاعتهم إياك طاعة قائمة على الاحترام على التقدير على التبجيل، وألا تكون تلك الطاعة قائمة على القهر والكبت والقسوة، ربما فرِحَ بعض الآباء أن أولادهم طائعون لكن عليك أن تبحث عن دافع هذه الطاعة، ما الذي يدفع هؤلاء الأولاد لتلك الطاعة حب تقدير تبجيل مودة رغبة أم أن الأولاد يطيعون آباءهم بدافع القهر والقسوة والكبت والضغط، عليك أن تبحث أنت فيما يقبع في دواخل أولادك إن كان الأمر حسب ما ذكرنا على الجانب الأول فاعلم أنك مربٍ ناجح وإن كان الأول على الجانب الثاني فاعلم أنك مربٍ غير ناجح، هل يصارحك ولدك بمشاكله، وهذا من التربية بإحسان، هل يطرح ولدك أمامك ما يعتريه من شؤون قد تُشكل عليه أو قضايا قد تدحم على داخله ؟ أم أن ولدك بمجرد أن يراك يقف أمامك وكأنه كما تقول له وكما تريد أن يكون حسب رأيك غير الصحيح يقف أمامك بقوة وتماسك لكن هذه القوة والتماسك وراءها الضغط والقهر منكَ عليه، وهذه ليست تربية إحسانية، وليست تربية ناجحة، أتريد التعرف على أنموذج في هذا الميدان ؟ اقرأ سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، اقرأ ما دعاك إليه هذا النبي الذي تٌقرُ بعظمته، وتُقر بكونه قدوة وأسوة لك، اقرأ كيف دعاك لتكون خيِّراً مع أهلك مع زوجك مع أولادك يوم قال:(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) هل أنت على هذه المكانة التي توصف وتوصم بالخيرية تجاه أولادكم أم أنك مجانبٌ لهذا ؟ هل سمعت ما قاله أنس الصحابي الجليل الذي خدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنوات، يقول هذا الشاهد الذي عاش الأمر في ذاته وعاش في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الشاهد على هذا الأمر الداخلي: ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت لك على هذا المنبر منذ أكثر من عشرين سنة، وأنا أتذكر ذلك تماماً قلت لك: إذا بلغ ولدك سن العشرين فما رأيت هنا أحداً إلا قليلاً يُقبِّل ولده عندما يكبر في العمر والسن، ما رأيت ذلك الأب الذي يلتفت إلى ولده ليقبِّله ليشجعه ليكلمه كلاماً رقيقاً جميلاً، إن أحسن ولده مدحه، وإن أساء نصحه برفق. ما رأيت هذا إلا قليلاً، وإذا كان مثلُ هذا الأمر قليلاً فلن تنهض المجتمعات ولن ينهض مجتمعنا.
دخل أعرابي كما في البخاري على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرآه يقبِّل الحسن أو الحسين فقال: تقبلون صبيانكم فما نقبلهم. فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (أوَ أملك إن كان الله نزع من قلبك الرحمة، من لا يَرحم لا يُرحم) روى الحديث البخاري. أنت تقوم بتقبيل وبعطاء وبفعل الرحمة ربما تجاه ولد المسؤول، عندما ترى ابن مسؤولٍ ما تحنو عليه تقبّله تقدّره فإذا ما جاء ولدك أشحت بوجهك عنه، تقدّر ولد الغني عندما يأتيك ولدك ربما تستحي أو تخجل من أن تنسب هذا الولد إليك لأنه لم يكن ولم يصبح الطبيب الذي كنت تنتظر منه أن يكون طبيباً بل غدا عاملا، وأنتَ حين ذلك تريد ولداً طبيباً أو مهندساً وقد غدا ولدك عاملاً لكنه ذو خُلُق وذو نظافة يد، وذو بحثٍ عن لقمة حلال، فأنت لأن الولد لم يكن على الصيغة التي أردتها له، وإنما أردت منه أن يكون كذلك من أجل الناس لا أكثر ولا أقل وليس من أجل قدراته وليس من أجل نفعه، وليس من أجل ما يحتاجه المجتمع منك ومن ولدك، (من لا يَرحم لا يُرحم). التربية بإحسان أن تقدّم له الرحمة على طبق من رفق، على طبق من تعامل طيب، على طبقٍ من بسمة وجه صادقة، على طبق من إشعار بأنك أنت من تحرص عليه أكثر مما يحرص هو على نفسه.
الأمر الثالث من مكونات علاقة الأب والأم مع الأولاد: عليك أن تنفق عليهم بسخاء وطيب نفس لا أن تشعرهم بأنك تنفق عليهم صباح مساء، لا نريد آباء منانين، ولا نريد أمهات منانات، لا نريد آباء يتضجرون إذ ينفقون وهم قادرون على الإنفاق، فإذا ما أصبح الصباح سمَّعوا، وإذا ما أمسى المساء سمّعوا يقول الأب لولده: انظر جارنا عنده ولد يعمل ويقدّم لأبيه، انظر ولد جارنا يعمل ويقدّم لأمه، متى ستعمل ؟ والولد يعيش بحرج نفسي ويتمنى لو أن يوماً يأتي لا يريد الولد فيه بيت أبيه ولا يرى فيه الولد أباه، ولا يرى أمه، النفقة على الأولاد بسخاء وطيب نفس، قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح الإمام مسلم: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) أنفق بسخاء وطيب نفس، ولا تقتّر، ولا تبحث عن رصيد يتزايد على حساب المال الذي تنفقه على أولادك، أنت تملك ما تملك، لا يكن همّك أن تجمع ليكثر رصيدك على حساب الإنفاق على أولادك، وأولادك يحتاجون إلى هذا الذي تملكه أنت، إياك أن تفعل هذا، عند ذلك إذا أنفقت فلن يكون إنفاقك إحسانياً وإنما ستنفق آنئذٍ على أنه ينزل عن كاهلك عذاب ذاك البخيل ولكنك لن تحصّل أجراً كبيراً كهذا الذي تطلبه أنت من ربك حينما ترجوه وتدعوه وتتوسل إليه.
أخيراً: من سمات العلاقة مع الأولاد، أريدكم أن تكونوا عادلين في التعامل مع الأولاد ذكوراً وإناثاً، لا يُفضَل في الرحمة في العطاء في منح الأدب في منح التربية لا نفرق بين ذكرٍ وأنثى، نريد أن نكون عادلين في تعاملنا مع أولادنا ذكوراً وذكوراً وإناثاً وإناثاً، وذكوراً وإناثاً، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري ومسلم: (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم) ورأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي وسواه رجلاً يدخل عليه ولده الذكر فيقبّله ويجلسه على ركبته، وتدخل بعد ذلك ابنته فيقبّلها ويجلسها بجانبه لا يجلسها على ركبته فيغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول له: (ما عدلت بينهما) قبلت الذكر وأجلسته على ركبتك، والبنت قبلتها وأجلستها بجانبك، أعطيت للذكر شيئاً من العطف والحنان زيادة على ما أعطيته للبنت، غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (ما عدلت بينهما).
يا أيها الآباء، يا أيتها الأمهات:
ضعوا في ذهنكم الشعور بالمسؤولية نحو الأولاد، ضعوا في ذهنكم التربية الإحسانية، ضعوا في ذهنكم الإنفاق بسخاء وطيب نفس، ضعوا في ذهنكم العدل بين الأولاد، عنها أعتقد أن مجتمعنا سينهض من الناحية الاجتماعية ومن الناحية النفسية ومن الناحية التربوية ومن الناحية الأخلاقية، وكفانا أن نبحث عما ننهض به مجتمعنا من الناحية السياسية، كفانا أن نتحدث عن السياسة، آن الأوان أن يتفرغ كل أبٍ لبته لأولاده، وأن تتفرغ كل أم لأولادها وبيتها، آن الأوان، لأن الأسرة هي أساس المجتمع فإن صلحت الأسرة صلح المجتمع وصلح السياسي أينما كان، وإذا فسدت الأسرة فسد المجتمع وفسدت السياسة وفسد الاقتصاد، فالأسرة هي الركن الركين للمجتمع، أتريدون صلاحاً لمجتمعكم ؟ ابحثوا عن صلاح أسركم عندها سيكون صلاح المجتمع نتيجة حاصلة غير مقصودة ما دمنا نتوجه بصدقٍ وإخلاصٍ وتفانٍ وأمانة إلى إصلاح الأسرة التي هي الركن الركين لمجتمعنا المنشود ولكل المجتمعات الأخرى.
أسأل الله عز وجل أن يوفق الآباء والأمهات من أجل تربية إحسانية، ومن أجل مسؤولية صادقة جادة، ومن أجل إنفاق سخي، ومن أجل عدلٍ بين الأولاد، إن ربنا على ما يشاء قدير، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 21/11/2008

التعليقات

خالد نابلسي

تاريخ :2008/12/09

كل عام وأنتم بخير , جزاك الله خيرا كنت نعم الناصح لي عندما كنت ولدا ، واليوم والدا ، وأسأله سبحانه أن يحفظك بلطفه ومنه وكرمه

شاركنا بتعليق