آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سمات علاقة الإنسان بأرحامه

سمات علاقة الإنسان بأرحامه

تاريخ الإضافة: 2008/12/05 | عدد المشاهدات: 3116

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

نسأل الله عز وجل أولاً أن يوفق حجاجنا والمعتمرين، وأن يتقبل منهم وأن يعيدهم إلى بلادهم سالمين غانمين، سالمين من كل مكروه، غانمين القبول من رب العزة جلت قدرته، كما نسأل الله عز وجل لهم أن يوفقهم من أجل أن تترسخ في أذهانهم وقلوبهم وعقولهم ضرورة التآخي فيما بينهم، وأن يكون هذا الحج سبيلاً إلى الترابط والتضامن والتعاون والتباذل والتراحم، فاللهم تقبل منا ما دعوناك بسرِّ من قبلت وتقبل حجه.

أعود بكم إلى السلسلة التي بدأناها حول علاقة المسلم مع من حوله ومع ما حوله، وأعتقد أنكم تذكرون إذ تحدثنا عن علاقة المسلم بربه وعن علاقة المسلم بنفسه أو بذاته جسداً وعقلاً وروحاً ونفساً، كما تحدثنا عن علاقة المسلم بأبويه وعن علاقة المسلم بأولاده، وها نحن أولاء اليوم نتناول حديثاً عن علاقة الإنسان المسلم بأرحامه، والحديث عن هذا الأمر حديث هام لا سيما ونحن مقبلون على عيد، وفي مثل هذه الأيام قبل العيد وفي العيد لا بد للإنسان من أن يتذكر هذه العلاقة بينه وبين أرحامه لأن عيداً من غير صلة رحم عيد بائس، ولأن أياماً تسبق العيد من غير أن يكون فيها ما ينفع الأرحام أيامٌ بائسة فقيرة أيضاً، فمن جملة بل ومن أهم العبادات التي نريد أن نقوم بها في هذه الأيام المباركة وفي أيام العيد أيامٍ مباركة أيضاً من أهم العبادات التي يجب أن نقوم بها هي صلة الأرحام فلنتحدث عن مقومات هذه العلاقة بينك وبين أرحامك.

من هم الأرحام أولاً: الأرحام هم أولئك الذين ترتبط معهم بنسب سواءٌ أكانوا من الوارثين أم لم يكونوا من الوارثين. لأن بعضاً من العلماء اتجه إلى أن الأرحام الذين تجب صلتهم هم من يرثونك وترثهم، أما أنا مع ثلة من علماء أفاضل، أذهب إلى أن الأرحام هم الذين ترتبط معهم بنسب سواءٌ أكانوا من الوارثين أم لم يكونوا من الوارثين. المهم أن تقول عنهم بأنهم أقرباؤك، حينما تتحدث عن فلان ولو كان هذا الذي تتحدث عنه قريباً لك عن بُعد، لكنك تقول أمام الناس ولا سيما إن كان هذا الذي تتحدث عنه ذا منصب، ذا مكانة، وأرجو الله أن تكون هذه المكانة راضية مرضية عندما تقول عن هذا الإنسان أنه قريبك، هذه القرابة تجعل من هذا الإنسان ذا رحم بالنسبة لك، هذا أولاً، الأرحام هم الأقرباء سواءٌ أكانوا وارثين أم لم يكونوا وارثين.

ثانياً: عليك أن تعلم علم اليقين بأن الإسلام احتفى بالأرحام وعظمهم وكرمهم، والعلم بالفريضة جزءٌ من القيام بها، إن تصورت فرائض الإسلام ومطالب الإسلام منك فينبغي أن يكون من بين ما تتصوره من مطالب ومن فرائض صلة الرحم لأن الإسلام احتفى بهم وعظمهم، ولقد ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم (أن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك ؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم﴾). وجاء في البخاري ومسلم أيضاً أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم). أتريد شيئاً يدخلك الجنة ؟! هذا ما أخبر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم الرجل الذي سأله عن سببٍ يدخله الجنة، وقد قال أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم، وليسمع المسلمون، وأكرر نحن هنا من أجل تحصيل المعرفة والعلم التي نريد تطبيقها والتي نريد تنفيذها، والتي نريد أن تكون حجة لنا لا أن تكون حجة علينا، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم أيضاً: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) أتسمعون: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) فيا أيها القاطع لرحمك وأنت تصلي وتصوم وتزكي: لقد أنقصت شيئاً خطيراً، ولقد أنقصت شيئاً لا بد من أن تتداركه، وإلا فأخشى أن تكون في عداد من لا يدخلون الجنة بكلام ومستند ما قاله سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع رحم).

ثالثاً: لعلك تسألني ما مضمون الصلة ؟ ما الذي تعنيه الصلة ؟

الصلة تعني: البر. والبر اسم جامع لكل صنوف الخير، فالصلة تعني معروفاً يُصنع، وحاجة تُلبى، وملهوفاً يُغاث، ومحتاجاً يُعطى، وعاجزاً يُساعد، وغنياً يُعان، على أن يستهلك ماله فيما يرضي ربه، وفقيراً يُعان بما يعيش به وعليه. فالصلة تعني: البر. والبر اسم جامع لكل صنوف الخير، وتحدّث ما شئت أن تتحدث عن كل صنوف الخير، فستدخل كل هذه الصنوف في الصلة التي طُلبت والمطلوبة منك تجاه أرحامك، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي البخاري: (الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان، صدقة وصلة) أتريد أن تساعد أرحامك إذن سيكون الأمر صدقتين صلة وصدقة، سيكون الأمر مضاعفاً لأنك بهذا بالهدية أو بالصدقة أو بالعطاء أو بالمساعدة أو بالإغاثة أو بالزيارة أو بالمؤانسة فأنت تقوم بعملٍ مضاعف من حيث الأجر، هو عمل واحد تقوم به أنت لكن الأجر مضاعف صدقة وصلة.

رابعاً: صلة الرحم سواءٌ أكان قريبك مسلماً أو غير مسلم: فينبغي عليك أن تصله، صلة الأرحام للأرحام المسلمين وغير المسلمين، لأن ديننا دين التسامح، لأن ديننا دين الإنسان، لأن ديننا دين العرفان بالجميل، لأن ديننا دين واقعي يقر الواقع ويحضُّ على أن يكون الخير عاماً. النبي صلى الله عليه وسلم قال عن جماعة أقرباء غير مسلمين قال: (إن آل أبي فلان ليسوا أوليائي) وهؤلاء كانوا غير مسلمين (وإنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لي فيهم رحم أبلها ببلالها) أي أعطيها حقها وأقدم لها ما يليق بها من مساعدة وعون وزيارة وتواصل.

كم نحن مقصرون في هذا الأمر ! أتكلم عن نفسي، وتكلموا أنتم عن أنفسكم. نحن مقصرون في بناء مجتمع متماسك، وأعتقد أننا لو قمنا بهذا الأمر، بهذه الفريضة الاجتماعية لتحسنت أحوالنا تلك التي أضحت سيئة اليوم، لأننا هجرنا مثل هذه الفريضة، لو أن الواحد منا وضع في ذهنه ووضع في خَلَده ووضع في حسبانه أن يقوم بصلة الأرحام، بالبر لهم، بصنع المعروف لهم، بزيارتهم، بمؤانستهم، بتلبية احتياجاتهم، لتحسن وضع مجتمعنا اليوم، وضع مجتمعنا في خطر لأننا لا نقوم بالفرائض الاجتماعية المطلوبة، ومن الفرائض الاجتماعية المطلوبة بر الوالدين، صلة الأرحام. قصّرنا في هذين الأمرين فراحت التعاسة تعبث فينا، وراحت التعاسة تنتشر بيننا، وراحت التعاسة تعشش في كل ما يمكن أن يُطلق عليه بؤرة اجتماعية معينة.

أريد أن أقول أخيراً: ليس الواصل بالمكافئ، إن زارك رحمك فأنت تزوره فأنت لا تُعد واصل رحم، ليس الواصل بالمكافئ، إذا زارك رحمك أو أقرباؤك، أو أعانك أقرباؤك فقمت أنت بإعانتهم، أي رددت الجميل بالجميل، فلست بالواصل، لست بهذا الذي عناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بواصل الرحم، لكن من الواصل إذن ؟ الواصل كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الترمذي وغيره بسند حسن صحيح: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها). من قطعك من أرحامك عليك أن تصله عندها ستكون منفِّذاً لصلة الرحم، عندها ستكون واصلاً للأرحام: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها) أما أولئك الذين تقطعهم أرحامهم فيقطعونها، والذين إذا وصلتهم أرحامهم يصلونها، فليسوا بالواصلين أو بأصحاب صلة رحم، وليسوا المعنيين بالثواب في أحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم تتعلق بمن يصل رحمه.

فلنتنبه لهذا الأمر الخطير، وإياكم وإياي أن نكون إمَّعة نقول: نحن مع الناس، إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن أساؤوا أسأنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم، وفي رواية: (وطِّدوا أنفسكم، على إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا ألا تظلموا)، (اذهبوا فأنتم الطلقاء) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأرحامٍ قطعوه، لأرحام عادوه ليل نهار، بل إنهم شتموه وضربوه ورموه بالحجارة، قال لهم في النهاية: (لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء).

اللهم وفق مجتمعنا من أجل أن يكون واصلاً رحمه، ومن أجل أن يكون باراً بوالديه، ومن أجل أن يكون على مستوى الفرائض الاجتماعية، منفذاً قائماً بحق وجدارة، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 5/12/2008

التعليقات

شاركنا بتعليق