آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سمات علاقة الإنسان بأصدقائه

سمات علاقة الإنسان بأصدقائه

تاريخ الإضافة: 2008/12/26 | عدد المشاهدات: 2989

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

مع تلك السلسلة التي بدأناها نتابع الحديث، كانت لنا وقفة في الأسبوع الفائت تحدثنا فيها عن المبادئ التي تحكم علاقة المسلم بجيرانه، بعد أن تحدثنا سابقاً عن المبادئ التي تحكم علاقة المسلم بأرحامه، وقبلها عن علاقة المسلم بوالديه وأولاده، وقبلها عن علاقة المسلم بذاته ومع ذاته، وقبلها عن علاقة المسلم مع ربه، واليوم ما المبادئ التي تحكم علاقتك بإخوانك وأصدقائك ؟ ومن منا ليس له صديق أو أخ ؟ بل من منا لا يحرص على أن يكون له صديق أو أخ ؟ ولعلك حين تُسأل عن صفات الصديق المنشود تذكر أشياء جميلة جداً فيه، فها أنذا أقول لك المبادئ التي تحكم علاقتك بصديقك وأخيك في الله من أجل أن تطالب بها نفسك قبل أن تطالب بها صديقك، والعاقل من طالب نفسه قبل أن يطالب غيره. الحديث عن علاقةٍ مع صديق حديث عن أمر ننشده ونطلبه، فما المبادئ التي تحكم هذه العلاقة بينك وبين صديقك، بينك وبين أخيك؟

ابتدأتُ بما يجب أن أصل إليه في النهاية، ولكن دفعني للابتداء بما يجب أن يكون عليه في النهاية أن هذا الذي سأبدأ به هو الأساس وهو الغاية في نفس الوقت، وإذا ما أردنا لعلاقةٍ ما أن تكون متينة وقوية فيجب البحث عن أساسها.

أساس علاقتك مع صديقك الحب في الله: ما أكثر ما تسمع هذه الكلمة، وإذا كان الحب هو ميلُ القلب فما أحرانا حين نتحدث عن علاقةٍ مع صديقك أن نبدأ من القلب، لأن القلب هو الأساس في هذه العلاقة، وإن أي علاقةٍ مع صديقك ليست مؤسسةً على ميل قلب صادق وصحيح فلا يمكن أن نسمي هذه العلاقة علاقة صداقة أو علاقة أخوة. المبدأ الأول الذي يجب أن يحكم علاقتك بصديقك الحب في الله، والحب في الله أن يميل قلبك إلى هذا الأخ، لأن الله أمرك بذلك، ولأن بينك وبينه مشتركات كثيرة وأساسية، وهذه المشتركات يجب أن تجعل قلبك يميل إليه وأن تجعل قلبه يميل إليك.

الحب في الله أمران يجب أن نعيَهما: الأمر الأول أن تحبه لأن الله أمرك أن تحبه، ولأن الله يحبك إذا أحببته، والأمر الثاني أن تحبه لأن بينك وبينه مشتركات كثيرة، وكما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان) أتريد أن تتذوق حلاوة الإيمان ؟ أتريد أن تستشعر هذا الإيمان استشعاراً لطيفاً نظيفاً ذائقاً حلواً رطباً ؟  (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) ليس لمنفعة وليس لغرض وإنما يقف من وراء الحب أنك ترضي ربك وأنك تبتغي أن حبك ربك، ربك يحبك إذ تحب أخاك إذ تحب صديقك وربك أمرك بذلك لأنه لا يأمرك إلا بما ينفعك (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) رواه البخاري ومسلم.

الحب في الله له مقام عظيم، أن تحب صديقك في الله فعند ذلك ستكون صاحب مقام عظيم، أسمعت حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم القائل كما في الصحيحين: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) من هؤلاء (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) أتريد أن تستظل في ظل الله يوم لا ظل إلا ظل الله ؟ إذن من هؤلاء: (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) لا يجمع بينهما إلا الله والطهر والنفع والخير لوجه الله عز وجل، والمحبة والسعي من أجل أن يكون الآخر راضياً مرضياً.

المحبة في الله مقام عظيم أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في صحيح الإمام مسلم عن رب العزة جلت قدرته: (أين المتحابون فيَّ، أو في جلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) ويقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي: (المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يوم القيامة يغبطهم النبيون والشهداء) لماذا يا إخوتي لماذا لا نستعظم هذا الأمر، ولم نحن في إعراض عن هذا الأمر وهو أمر بسيط يحتاج إلى شيء من المجاهدة، هذا الذي يصلي بجانبك هو أخوك، هذا الذي يعمل معك في مديريتك في مدرستك، هذا الذي يدرس بجانبك في جامعتك في مدرستك، هذا الذي يعمل معك في معملك في مصنعك، يصلي كما تصلي، يصوم كما تصوم، يعبد رباً واحداً وتعبد رباً واحداً، يساكنك ويجاورك ويعيش معك، لماذا لا تسعى من أجل أن تحبه ؟ وإذا ما أحببته حصدت الكثير في الدنيا قبل الآخرة، وفي الآخرة قبل الدنيا، حصدت ريحاً طيبة تنتشر في المجتمع، حصدت أمراً عظيماً، حصدت تماسكاً واجتماعاً وتعاوناً، حصدت راحةً لقلبك، فالقلب يريحه أن يلقى أخاً يحبه، هذا ما يريح القلب ولذلك يضرب القلق بيننا اليوم أطنابه لأننا لم نُرِح قلوبنا من خلال محبتنا بعضنا، لأن الواحد منا لا يجاهد نفسه من أجل أن يحب أخاه ومن أجل أن يحب صديقه ومن أجل أن يحب هذا الذي يصلي معه ويدخل المسجد معه، يقول ما يقول، ويفعل ما يفعل، ويعبد ما يعبد. للمحبة في الله مقام كبير رفيع عظيم فهيا إلى هذه الفضيلة وإلى هذا المبدأ من أجل أن نجعله حاكماً على علاقتنا بإخوتنا وبإصدقائنا.

لعلكم تسألون: ما الواجب عليَّ إذ أحب أخي أو صديقي ؟

الواجب عليك أن تتوجه إلى هذا الأخ إلى هذا الصديق لتقول: إني أحبك. فإذا ما قلت إني أحبك فسيحبك، أَعلِم أخاك بأنك تحبه، لماذا نبخل على بعضنا بهذه الكلمة وقلبك يحب أخاك، لكن لسانك يأبى، ولا أعرف السبب الكامن وراء إباء اللسان عن هذا الأمر الخيّر (إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه) هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. تصور لو أن إنساناً بجانبك قال لك هذه الكلمة، إنني أحبك، ما الذي ستفعله هذه الكلمة في قلبك في كيانك في ذراتك في وجودك، ستذهب إلى بيتك وأنت نشوان ستذهب إلى بيتك وأنت مسرور ستذهب إلى بيتك وأنت تقول لربك: الحمد لله يا رب، ستذهب إلى بيتك وأنت تستشعر النعم الكبرى عليك، تصور لو أن واحداً لا تعرفه كما يجب قال لك: والله عندما رأيتك البارحة أو رأيتك في المسجد أو رأيتك في المكان الفلاني أحببتك. تصور الأثر الطيب الذي ستتركه هذه الكلمة فلماذا نبخل بها ؟ (إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه).

أتدرون إذا كنت تحب أخاك وإذا كان أخوك يحبك أتدرون من الأفضل منكما عند الله عز وجل ؟ الأفضل منكما كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما تحابَّ رجلان إلا كان أفضلهما عند الله أشدهما حباً لصاحبه) فانظر قلبك هل تحب إخوتك ؟ هل تحب أصدقاءك ؟ أنت تصلي بجانب هذا الذي تصلي بجانبه مدة أربع سنوات ثلاث سنوات سنتين، أقول لك بعدها من هذا ؟ تقول لي لا أعرفه. وهل وُجدت صلاة الجماعة والجمعة إلا من أجل التعارف، ومن بعد التعارف التآلف، والتآلف عنوان من عناوين الحب وتجلًّ من تجليات الحب، فتصوروا وهذه حالٌ نعيشها أن الواحد منا يسكن في مكانٍ ما عشر سنين، خمسة عشر عاماً مع إنسانٍ ما، وبعد فترةٍ يُقال لهذا الإنسان وهذا ما نقع فيه جميعاً: هل تعرف هذا الذي يسكن بجانبك وهو مسلم مؤمن يصلي معك في المسجد ؟ لا أعرفه. أين الحب في الله ؟ و(الحب في الله من أوثق عرى الإيمان) كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أين أنت من هذا الأمر الذي يجب أن يحكم علاقتك بأصدقائك، بإخوانك، والمؤمن والمسلم كثيرٌ بإخوانه، وكلما كان لك أصدقاء أكثر كنت أقوى، لكننا اليوم نتحدث عكس ذلك فنقول: كلما كان لك أصدقاء أكثر فأنت مصابٌ أكثر ومبتلى أكثر، لأن الصداقة غدت عبئاً ولأن الصداقة غدت تكلفاً ولأن الصداقة غدت أمراً شكلياً لا يمتُّ إلى القلب بصلة، وبالتالي مرحباً لمن يقول في عالم الصداقة اليوم فاز المُخِفُّون، لا صديق، وإنما أصبح الدارج أن يقول كل إنسان: صديقك جيبك، وصديقك قرشك. هكذا أصبحنا نقول، فهل هذا كلام مجتمع نزل فيه القرآن وقرأ فيه المجتمع هذا القرآن وعرف المجتمع هذا النبي العدنان محمداً صلى الله عليه وآله وسلم.

هذه المحبة يجب أن تثمر تعاوناً ولذلك فإن صورة التعاون قلناها ونكررها جاءت في لوحةٍ رسمها سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أظن أن إنساناً على الإطلاق يستطيع أن يرسم صورة للمجتمع المتماسك المتعاون المنشود تماسكه وتعاونه كهذه اللوحة التي رسمها محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال كما في البخاري ومسلم: (مثل المؤمنين فى توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فهل أنتم كذلك أم أن إنساناً بجانبك يشتكي وأنت تفرح ؟ أم أن إنساناً بجانبك جائع وأنت مُتخَم ؟ أم أن إنساناً بجانبك يعيش البرد حالة تخترق جسمه وتخترق ذراته وأنت في دفء كبير ؟ إنسان بجانبك لا يجد القوت وأنت تجد الألوان والأشكال من هذا الذي تأكل وذاك الذي تشرب ؟ يقول صلى الله عليه وسلم في حديث يرويه الإمام مسلم: (المسلمون كرجل واحد، إذا اشتكت عينه اشتكى كله، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله) بعضنا يُعبر عن كلنا، وكلنا يتجاوب مع بعضنا، وكلنا يتجاوب مع كلنا، وكلنا في خدمة كلنا، هكذا يجب أن يكون. هذه هي الصورة المنشودة والغاية المرسومة لحبٍ نسعى إليه في الله.                       

لعلكم تسألون أخيراً: كيف نجاهد أنفسنا على الحب في الله ؟ ما الطريق التي إذا سلكناها وصلنا إلى الحب في الله ؟

الطريق بكل بساطة قالها سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح الإمام مسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) وقلت مرة لكم وأكرر: ليس السلام الذي دعينا إلى إفشاءه هو فقط أن نقول لبعضنا: السلام عليكم، ولكن السلام الذي دعينا إلى إفشاءه أن تشعرني بالسلام وأن أشعرك بالسلام مني، أن أشعرك بالسلام مني وأنك سالم مني من لساني ويدي وكل ما يمكن أن يؤدِّي إلى إيذاء يصدر عني، أن أشعرك بالسلام والأمان مني وأن تشعرني بالسلام والأمان منك، إذا رأيتك وأنت تسلم علي فالسلام ينبعث من لسانك وقلبك وذراتك ويدك ورجلك وكل أعضائك، وإذا قلت لك السلام عليك فالسلام ينبعث من عيني ورأسي وذراتي وكل ما أملك (أفشوا السلام) اجعلوا السلام نسيماً تتنسمونه، اجعلوا السلام هواءً تستنشقونه، اجعلوا السلام سحابة شتاء تدر بالخير تستمطرونها، اجعلوا السلام تربة طاهرة تستنبتون منها ما يعود على أجسامكم وأرواحكم في الخير العميم، (أفشوا السلام بينكم) ليس فقط أن تقول السلام عليكم، ولكن السلام أن ننشر السلام فيما بيننا على مستوى الأفراد وعلى مستوى الحركات وعلى مستوى الجماعات وعلى مستوى الوزارات وعلى مستوى الدول وعلى مستوى الجوار، أن ننشر السلام فيما بيننا وأن نُشعر إخواننا الذين ينتمون إلى ديننا بالسلام والأمان، فهيا إلى سلامٍ نفشيه فيما بيننا، وهيا إلى سلام نهديه إلى إخوتنا في غزة من أجل أن ينكشف الحصار الجائر الخائن البغيض عليهم، هيا من أجل أن نفشي السلام فيما بيننا، قل لصديقك: السلام عليك، بلهجةٍ يستشعر هذا الصديق أنه سليم منك وأنه مسلم منك وأنه مؤمن عليه عندما تكون معه وعندما تكون غائباً عنه.

أسأل الله عز وجل وقد ذكرنا مبدأ واحداً من المبادئ التي تحكم علاقة المؤمن بأصدقائه وإخوانه وسنتابع الحديث عن علاقة المسلم بأصدقائه وإخوانه في الأسابيع القادمة إن شاء الله لنذكر المبادئ الأخرى.

اللهم اجعلنا من المتحابين فيك المتعاونين فيك المتباذلين فيك المتضامنين فيك المتسالمين فيك المتآلفين فيك يا رب العالمين، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 26/12/2008

التعليقات

احمد الشوا

تاريخ :2008/12/30

الدكتور الشيخ الموقر محمود عكام نحبك في الله، نحبك في الله، نحبك في الله.

شاركنا بتعليق