آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سمات علاقة الإنسان بأصدقائه -3

سمات علاقة الإنسان بأصدقائه -3

تاريخ الإضافة: 2009/01/30 | عدد المشاهدات: 2605

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

ما زلنا في حديثٍ عن علاقة الإنسان بإخوانه وأصدقائه، واعتقد أنكم تذكرون يوم تحدثنا عن عنوان هذه العلاقة وأنه الحب في الله، وخصَّصنا خطبةً لذلك، فالحبُّ في الله هو عنوان علاقتك بإخوانك وأصدقائك، ومن أجل أن يتحقق هذا العنوان لا بدَّ من فقراتٍ تتحقق ليتحقق، ولا بدَّ من أمور وبنود وعناوين فرعيه تتأصل فينا ليتأصل هذا الأمر الذي هو الحب في الله عنواناً لنا، وما أعظم الحب حين يغدو عنواناً لعلاقتكَ مع صديقك، وهل ثمة عنوان أجمل وأفضل من هذا العنوان الذي هو الحب، والحب في النتيجة عطاء، والحب في النتيجة تضحية، وحينما تقول لأخيك وصديقك: أحبك. هذا يعني أنك تعطيه ويعطيك وأنك تضحي من أجله ويضحي من أجلك، وأنك تبذل له الغالي والنفيس، وهو يبذل لك كذلك الغالي والنفيس، من أجل أن يتحقق هذا العنوان شعاراً بل حقيقة بيننا علينا أن نتصف وأن نتسم وأن نتحقق بما ذكرناه في الأسبوع الماضي وبما سنذكره اليوم.

فيا أيها الأخ الساعي إلى أن يكون الحب عنواناً لعلاقتك مع أخيك وأصدقائك، قلت لك في الأسبوع الماضي ودعوتك إلى التسامح وعدم الهجران، ودعوتك إلى العفو، ودعوتك إلى أن تلقاه بوجهٍ طليق، ودعوتك إلى النصح، وذكرت ذلك تحت أربع فقرات، وأؤكد على أن هذه الفقرات، هذه الأمور، هذه العناوين من أجل أن تصل أنت ومن معك من إخوتك، ومن أجل أن تصلوا إلى التحقق في الحب في الله عز وجل وأن يضحي أحدكم من أجل إخوته وأصدقائه، ويفضي إلى أن يبذل أحدنا ما يستطيع بذله من غالٍ ونفيس من أجل إخوانه، أتريد ذلك ؟ إذن تسامح، لا تهجر، كن عفوّاً، كن طليق الوجه، كن ناصحاً. هذا ما ذكرناه في الأسبوع الفائت، وأما اليوم فأنا أقول لك: كن بارّاً ووفياً مع إخوانك، والخطاب للجميع لمن يشكلون معاً أخوَّة أو إخوة، لمن يشكلون أخوة تتجسد فيكم وفيهم، أو لمن يريدون أن يتصفوا بصفة أخ أو أن يتصف كل واحدٍ منهم على أنه أخ للآخرين.

خامساً: كن بارَّاً، وأنا أحب دائماً أن أبنّد وان أحدد حتى يكون الاستقبال من قبلكم أسهل وأضمن، كن باراً ووفياً مع إخوتك، وهذا البر والوفاء يقتضي النصرة، هل أنت بارٌ بأصدقائك وإخوانك ؟ هل أنت وفيٌ معهم ؟ ربما قلت ادّعاء: نعم. لكن لهذا الادعاء دليل، والدليل على أنك بارٌ ووفيٌ لأصدقائك النصرة، انصرهم ولذلك قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم: (لينصر الرجل أخاه إن ظالماً أو مظلوماً، إن كان ظالماً فلينهه فإنه له نصر، وإن كان مظلوماً فلينصره) وهنا أحب أن أؤكد على قضية إن كان ظالماً فلينهه، قد يسمع مني بعض الإخوة وقد أسمع منهم كلاماً على إنسانٍ طيب على إنسان جيد بشكل عام فما هذا الكلام إلا نوعٌ من النصرة ما دام يتشكل تشكل النصيحة أو ما دامت النية صادقة في توجيه هذا الكلام الذي يحمل معنى النهي عن الظلم، والظلم لا فرق بين أن يكون صغيراً أو كبيراً، فنحن منهيون عنه ويجب أن ننهى بعضنا عنه، ولا يقولنَّ أحد أن هذا الذي يظلِم أخي يصلي أكثر مما أصلي ويصوم أكثر مما أصوم لكنه ظالم في قليل من الأمور فعليَّ أن أنهاه، ولا يقولن أحد لمن ينهى الظالم حتى ولو كان أخاه حتى النخاع ينبغي ألا يُقال لهذا الذي ينهى الظالم عن ظلمه هذا أخوك، هذا من دينك، هذا من يقينك، هذا رجلٌ متدين، هذا رجلٌ معطاء، لكن الشرع الحنيف قال لي: على الرغم من كل ما يتحلى به أخي من عطاءٍ ودين لكنه في هذه النقطة ظالم فيجب أن أنهاه، ويجب أن أعلن عدم الرضا عن هذا الظلم الذي تجسَّد في كلامه أو فعله أو سلوكه أو حاله. هذه نقطة أحببت أن أذكّر نفسي وإياكم بها لأنها تغيب كثيراً عن بالنا وعقولنا نتيجة تضامن غاشم أحياناً فيما بيننا، الجماعة الفلانية نحبها هي متدينة، القائم على أمرها ذو لحية، القائم على أوضاعها يصلي وهو رجلٌ صالح لا شكَّ في ذلك، لكنه ظَلَمَ في كلام أو في فعل هذا الرجل، شيخي هذا الرجل أُجلّه وأُقدّره، لكنه ظَلَمَ في مقولةٍ قالها، لكنه ظَلَمَ في فعلةٍ فعلها فيجب أن أنهاه، ويجب أن أعلن أمام إخوتنا جميعاً عدم الرضا عن هذا الذي صدر عن هذا الرجل الذي أحب والذي أقدّر. يجب أن نجافي وأن نجانب الجاهلية التي كانت تقول: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً من غير ما شرحٍ كذاك الشرح الذي شرحه سيدي رسول الله من خلال الحديث الذي ذكرنا، إن كان ظالماً فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلوماً فلينصره.

سادساً: عليك أن تكون رفيقاً لطيفاً بإخوانك، إياك أن تكون مع إخوانك من الثقلاء، إياك أن تكون مع إخوانك وأصدقائك ممن يعدُّ عليهم أخطاءهم اللامعتبرة، إياك أن تكون مع إخوانك وأصدقائك ممن يحسب حسابه عندما يكون مع إخوانه، إياك أن تقيدهم من خلال نظرةٍ لا تمتُّ إلى الرفق بصلة، إياك، فهذا لا يُعد من شيم الأصدقاء والإخوة، وليس من شيم الصداقة، كن رفيقاً لطيفاً مع إخوانك وأصدقائك، كن دمثاً، أشعرهم أنك إن حضرت معهم حضر اللطف والأنس، استأنسوا، لا تشعرهم بأنك ثقيلٌ عليهم، وهكذا دواليك، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما جاء في صحيح الإمام مسلم: (إن الرفق ما وضع في شيءٍ إلا زانه، وما رُفع من شيء إلا شانه) أوليس النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن آلِفٌ مألوف) كما جاء في صحيح الإمام مسم أيضاً، أوليس النبي صلى الله عليه وسلم أنزلت عليه الآية القائلة: ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾، فإن جلستَ مع إخوانك وأصدقائك وكان إخوانك وأصدقاؤك يخافون منك من أن تحمل عليهم لكلمةٍ يقولونها، يخافون من أن تقف منهم موقف المعادي جرَّاء غلطةٍ ارتكبوها، أو نتيجة فعلةٍ صدرت هكذا بشكلٍ تلقائي، شر الناس من أُكرم اتقاء شره، لأنه لا يتعامل معه إلا كذلك اتّقاء عنفوانه اتقاء تسلطه المرعب، شر الناس هؤلاء.

سابعاً: عليك أن تكون كريماً مؤثراً إخوانك على نفسك، أوما قرأتَ قول الله عز وجل حينما وصف المهاجرين والأنصار: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ ؟ هل أنت تؤثر صديقك ؟ هل أنت تؤثر أخاك ؟ ذكرتُ لكم أبياتاً تُنسب للإمام علي في خطبتنا التي تحدثنا فيها عن الحب في الله حينما قال، وتمعَّن فيها، وأنا لا أقول طبقها كلَّها، ولكن هيا من أجل أن تنزّل من مثل هذه المعاني معانٍ قريبة تتحلى بها:

إن أخاك الحق من كان معك                   ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريبُ الزمان صدعك                   شتَّتَ فيه شمله ليجمعك

هل تؤثر صديقك ؟ هل تؤثر أخاك هذا الذي تدّعي صداقته ؟ أم أنك في بعدٍ في مسافة طويلة جداً من هذا ؟ هل أنت تفعل مع أخيك بعض الذي فعله الأنصار مع المهاجرين ؟ هل تفعل مع أخيك بعضَ بعضِ بعضِ ما فعله الأنصار مع المهاجرين ؟ سَلِ المهاجرين عن الأنصار، وما فعله الأنصار مع المهاجرين، هؤلاء الذين نعدّهم سلفنا، هؤلاء الذين نعدّهم أجدادنا، هؤلاء الذين نعدّهم أبطالنا، هؤلاء الذين نتباهى بهم أمام الناس وأمام الغرب والشرق، لكننا يا إخوتي - وأيم الحق - ننتسب إليهم كلاماً، غير أنه ما بيننا وبينهم في الواقع كما بين المشرق والمغرب، يقول المهاجرون عن الأنصار كما يروي البخاري في الأدب المفرد: "يا رسول الله ما رأينا مثل قومٍ قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل وأكثر بذلاً في كثير". في القليل يواسوننا حتى في هذا القليل الذي يملكونه وفي الكثير يبذلون وما رأينا باذلين عندهم الكثير مثل هؤلاء وما رأينا مواسين وعندهم القليل مثل هؤلاء.

أيها الأغنياء أيها المسؤلون أين مواساتكم وأين بذلكم ؟ أيها الضباط لماذا نتكلم عن ضابط متأفف ولماذا لا نتكلم عن ضابط باذل ومواسي ؟ لماذا نتكلم عن مدير عابسٍ يلتقي موظفيه ولكنه لا يلتقي معهم على أساسٍ من مواساة وبذل ؟ لماذا يا إخوة ؟ ما ذنب هؤلاء إذا ما رأوا المدير أو الوزير أو المسؤول أو الضابط نظروا إليه على أنه من آكلي لحوم البشر ؟ هكذا علمّهم وهكذا أوحى إليهم، والشخصية الكبيرة في نظره ونظرنا هو من يُرعب، هو من يُخوّف، هو من يلاحقك في داخلك، هو ذاك الذي لا ينفكُّ عن تصورك ليتشكل بعبعاً يلاحقك في ليلك ونهارك، أهذه هي الأخوة ؟ أهذه هي العلاقة ؟ أهذه هي المواطنة ؟ أهذا ما يمكن أن نتحدث عن تطبيقه من ديننا ؟ لا ورب الكعبة. "ما رأينا مثل قومٍ قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أكثر بذلاً في كثير".

ثامناً وأخيراً: الدعاء لأصدقائك، هل تدعو لأصدقائك ؟ هل تدعو لإخوانك باسمهم ؟ ولطالما ذكرتُ هذا الأمر في خطب قريبة وبعيدة، هل تذكرني بدعائك وهل أذكركَ بدعائي ؟ هل تذكر اسمي وهل أذكر اسمك في دعائي ؟ هل أعبّر عن محبتي في غيبتك وبعض التعبير عن المحبة في الغيبة، أن أذكرك في الدعاء حيث لا رقيب من البشر وإنما الرقيب هو من ادّعي عملي له خالصاً، فهل تدعو لي وهل أدعو لك ؟ قرأنا فيما قرأنا يوم كنا صغاراً، وكان كتاب إحياء علوم الدين مقرراً علينا، قرأنا فيه عبارةً منسوبةً لأبي الدرداء رضي الله عنه، هذا الصحابي كان يقول وما زالت تلك الكلمة منذ أكثر من أربعين سنة ترنُّ في أذني، كان يقول: "إني لأدعو لسبعين رجلاً من أصحابي في صلاتي أسميهم بأسمائهم".

الواحد منا لا يدعو لأخيه ولا لأبيه ولا لأمه، هل تدعو لأبيك وأمك في صلاتك الذين توفَّاهم الله عز وجل ؟ إنا لننسى آباءنا وأمهاتنا فضلاً عن أن نذكر إخوتنا وأصدقائنا، من منكم يا إخوتي يدعو كلَّ يومٍ لأبيه المتوفى أو لأبيه الحي ؟ من منكم يدعو في كل يوم لأمه المتوفاة أو لأمه التي على قيد الحياة ؟ إنما أصبحنا ننادي اليوم بضرورة أن ننتصر ولكننا بالتمحيص والفحص والبحث والإمعان سنرى أننا لسنا على مستوى نصرٍ، ولا أتكلم عن النصر على الأعداء، ولكن أتكلم عن النصر على مشاكلنا، على قضايانا، على علاقاتنا السيئة التي استحكمت والتي حكّمناها فيما بيننا، الدعاء للمسلم، واعلم إن كنت من الذين يريدون الحساب، اعلم من خلال ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أن دعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب مستجابة، وإن كنت ممن تحسب الصادر والوارد فإن دعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب مستجابة، وعند رأسه ملك مُوكَّلٌ يقول آمين ولك مثل ما دعوت به، هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح، أتريد أكثر من ذلك ؟ نحن نقول لك ادعُ لأخيك، وهذا الدُّعاء الذي تتوجه به إلى ربك من أجل أن يحفظ أخاك، من أجل أن يشفي أخاك، من أجل أن ينصر أخاك، من أجل أن يساعد أخاك، ستتلقى أنت من الملَك الذي وكّله الله عند رأسك، هذا الملك يقول لك آمين، ويقول ولك مثل هذا الذي دعوت به.

علينا أن نفكر في هذه الورقة التي أسميناها ورقة عمل في علاقتنا بإخوتنا وأصدقائنا، أتريدون أن نصل إلى عنونة هذه العلاقة في الحب في الله، وبالتالي من أجل أن ينتج الحب تضحية وعطاءً وتضامناً واجتماعاً وتآلفاً ونصراً ؟ إذن هذه هي السبل التي ذكرناها هي التي توصلنا إلى المحبة في الله عنواناً، وقد ذكرناها وهي من حيث العدد ثمانية، لكن آمل أن تكون في التطبيق مُطبَّقة في كليتها من غير أن نعدَّ الواحدة من هذه الأمور بعد الواحد، آمل أن نطبقها بكليتنا، وأن تكون ملء أسماعنا، وملء عقولنا وملء تفكيرنا.

اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 30/1/2009

التعليقات

احمد الشوا

تاريخ :2009/01/31

وقال لي الاستاذ الشيخ محمود عكام حفظه الله منذ اكثر من اربع وعشرين عام (قل لي من تصاحب اقل لك من انت )

شاركنا بتعليق