آخر تحديث: الجمعة 26 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
بين السَّرَف والإنفاق

بين السَّرَف والإنفاق

تاريخ الإضافة: 2009/09/04 | عدد المشاهدات: 2736

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون الصائمون القائمون:

ها هو رمضان ينتصف، وإذا ما انتصف زمنٌ ما أو فترة ما، فعلى الإنسان أن يفكر في هذا الذي مرَّ، وأن يقوم بعملية تقويم أو تقييم في هذا الذي مرَّ، لقد مر عليك أيها الصائم أربعة عشر يوماً، فهل تحققت بما أراده لك الصيام أن تتحقق ؟

مرّ عليك أربعة عشرة يوماً وأنت تمسك عن الطعام والشراب والمفطرات المادية من الفجر وحتى المغرب، فهل أنت ممن وصل إلى رحاب غاية الصيام التي ذكرها الله عز جل في قوله:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ؟ فهل دخلت رحاب التقوى ؟

ولن أصدر الحكم، وإنما أدع الحكم إليك، من أجل أن تحكم على نفسك فيما إذا كنت فعلاً تستطيع أن تسمي نفسك: تقياً أو مشروع تقي. فهل أنت ممن دخل رحاب غاية الصيام وقد مرَّ شطر رمضان ؟ أم أنك لازلت تعدُّ الأيام يوماً بعد يوم، تعدها على سبيل الاعتياد، تنتهي من اليوم من غير أن تفكر في أن تزيد في اليوم التالي على ما كنت فعلته في اليوم السابق من الخيرات، ودائماً أكرر: "من استوى يوماه فهو مغبون"، إذا كان يومك هذا كيومك التالي - ولو كان يومك هذا جيداً - فأنت مغبون، فاليوم التالي يجب أن يكون أفضل من اليوم السابق، فهل أنت في هذا اليوم أفضل مما كنت عليه في أمسك ؟ وهل أنت في اليوم السابق كنت أفضل مما كنت عليه في اليوم الأسبق؟ وهكذا دواليك..

أيها الإخوة: سأتناول أمرين أو نقطتين اثنتين، أريد أن نُمعير أنفسنا عليهما:

الأمر الأول - وكما بينته من قبل -: هنالك صوم وهنالك صيام كما قلنا، الصيام امتناع عن المفطرات المادية من طعام والشراب ومعاشرة النساء، والصوم امتناع عن المفطرات المعنوية من كذب وخيانة وشهادة زور وغش وكلام بذئ و وفحش وتفحش..

صمتَ ما مضى من رمضان، صمت أربعة عشرة يوماً صياماً، ونحن نقرُّ لك بهذا، لكن هل أنت صمت أربعة عشرة يوماً صوماً ؟ أريدك في هذا اليوم قبل المغرب أن تجلس بينك وبين نفسك لتعدَّ الأيام التي مرَّت: كم يوماً صمته صياماً وكم يوماً صمته صوماً ؟ كم يوماً امتنعت فيه عن الطعام والشراب وعن المفطرات المادية فحسب ؟ وكم يوماً امتنعت فيه عن المفطرات المعنوية من كذب وشهادة زور وغيبة ونميمة وكلام فاحش وسب وشتم.. ؟

أريدك أن تمسك بالقلم، وأن تمسك بالورقة، وأن تسجل اليوم الأول ثم يوم الثاني ثم اليوم الثالث... وأن تتذكر: هل صمت اليوم الأول صوماً وصياماً أم صمته صياماً فقط ؟ ثم عد إلى اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس... إلى هذا اليوم الذي أنت فيه.

ومن لم يحاسب نفسه فقد افتقد إنسانيته، ولذلك جاء في الأثر: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)، فعلى الإنسان أن يقدر علامته عندما يدخل ويخرج  من الامتحان، ونحن الآن في أيام امتحانية، وهذه الأيام أيام جيدة فضيلة عظيمة، فيها الخير عميم وفيها العطاء من الله عز وجل غير متناه، فعليك أن تحصي على نفسك أخطاءك قبل أن تُحصى عليك، وأن تعتذر ولاتَ حين اعتذار.

فهذه الأيام التي مرَّت محِّصها وافحصها وتأكد منها، والأمر يستلزم منك جلسة بسيطة بينك وبين نفسك، ما أظن أن هذه الجلسة تطول أكثر من ساعة، اعتذر من الأوقات التي تشغلها بفراغات أو بأمور لا تنفع ولا تضر، بل ربما ضرَّت ولم تنفع، اعتذر من هذا الذي تنتظره ولا يؤدي إليك إلا كل سوء، اعتذر منه هذا اليوم، واجلس بينك وبين نفسك ساعة من زمن، وفكر فيما فعلته هل أنت من الذين:﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ ؟ أم أنت من الذين - لا سمح الله -: (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)، هل أنت ممن اتقى وتحقق أم أنت من الذين جاعوا وعطشوا لا أكثر ولا أقل ؟ هذه نقطة أولى أريدك أن تُمَعير نفسك وأن تمتحن وتحاسب وتزن نفسك من خلالها.

الأمر الثاني: وهي نقطة اقتصادية اجتماعية، جاء في البخاري، وهذا الكلام سيكون تمهيداً للنقطة الثانية، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كان في رمضان أجود في الخير من الريح المرسلة)، والسؤال: الذي أريد أن يطرحه كل منا على نفسه: شهر رمضان شهر الإنفاق، وشهر المواساة وشهر الصبر وشهر التعاون وشهر التباذل... دعونا من كل هذا لنذكر رمضان شهر الإنفاق: هل تنظرون إلى رمضاننا اليوم، إلى رمضانك أنت وإلى رمضان هذا الذي بجانبك، على أنه شهر الإنفاق أم تنظرون إليه على أنه شهر الإسراف ؟

لقد تحول رمضان من شهرٍ للإنفاق إلى شهر للإسراف، لم يعد رمضان شهر الإنفاق، ولم يعد رمضان شهر الجود كالريح المرسلة، وإنما رمضان أضحى شهر الإسراف، ربك يقول لك بكل وضوح في رمضان وفي غير رمضان: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين﴾، أم نحن في رمضان فنقوم بالنهار بالطاعة ولكننا في الليل أعتقد أننا نلامس المعصية، لأن الإسراف معصية أما وأن الله قال: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوا﴾ فالإسراف حرام، بصريح قول الله:﴿وَلاَ تُسْرِفُوا﴾،فإذا كان الإسراف حراماً، فأنا أدع الحكم إليكم من أجل أن تحكموا على أنفسكم: هل نسرف في الطعام والشراب بعد الإفطار وإلى الفجر أم لا ؟

هنالك إحصائية تقول: بأن مدينة حلب على سبيل المثال تأكل وتشرب في رمضان ما يعادل ما تأكله وتشربه في ثلاثة أشهر أخرى. فنحن في رمضان نسرف في طعامنا وشرابنا، وبدلاًَ من أن نقتصد في رمضان وأن نأكل نصف ما كنا نأكله في شعبان على سبيل المثال، وثمن النصف الآخر ينبغي أن نتصدق به على الفقراء، أصبحنا نأكل ثلاثة أضعاف ما نأكله في شهر شعبان أو أي شهر آخر.

فرمضان جاء من أجل أن نؤكِّد على قول الله تطبيقاً:﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوا﴾، حتى يؤتي الصيام أكله، أتريدون أن تتحققوا بالصوم والصيام كما قلنا في الفقرة الأولى ؟ إذاً عليكم أن تأكلوا وتشربوا وأن لا تسرفوا، وأن لا تسرفوا، وأن لا تسرفوا.

يروي صاحب كتاب حياة الصحابة عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يقول: إني لأكره، وفي رواية: إني لأبغض، أهل بيت ينفقون رزق أيام في يوم واحد)، وهذا الذي يحصل، نحن اليوم ننفق على طعام اليوم الواحد ما يمكن أن ننفقها على طعام أيام، بل ربما على طعام أسابيع، وهذه القضية قضية أساسية، ولا تظنوا أن الدين شيء سحري يأتيك من عالم الأوهام أو الأساطير، بل الدين حساب ومعادلات تطبيقية يجب أن تتخذها، وليس الدين شيئاً يأتيك من وراء العقل أو من وراء الخيال أو من وراء ما يسمى التفكير، بل الدين أمر منطقي، والقرآن الكريم كلمنا بمنطق فاستخدم: لعل، ومن أجل، و لهذا..، كل ذلك حتى نصل إلى غايات العبادات التي تحدثنا عنها في الأسبوع الفائت.

ربما قال لي قائل: هذا الكلام لو تكلمته في نهايات شهر رمضان. أقول: هذا الكلام تكلمته الآن لكي ترى أمامك فرصة للتدارك، فالشطر الأول قد مضى، وها أنت ذا أمام الشطر الثاني من أجل أن تتدارك على مستوى الصيام والصوم، ومن أجل أن تتدارك قضية الإسراف.

أيها الصائمون من أغنياء وفقراء ولكنني أخصص الأغنياء، أخصص المقتدرين إن صح التعبير، أقول لهم: إن سيدنا وحبيبنا يقول لكم: (إن الله كره لكم قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَال) ونحن نضيع المال، شئنا أم أبينا، أوليس الإسراف في الطعام إن كان من حيث النوع أومن حيث الكمية، أليس الإسراف في الطعام إضاعة مال ؟

فما بالكم يا أيها الصائمون تفعلون ما يكره الله لكم ؟! كيف توفقون بين سعيكم لإرضاء الله في الصيام وفي صلاة التراويح الكرنفالية الشكلية المحضة، التي لا أراها تنتج آثاراً طيبة، أنا لا أعمم ولكن في أغلبها، كيف توفقون بين سعيكم للصيام بين إرضائكم ربكم عز وجل من خلال فعل ما يكره لكم ربكم ؟!

(إن الله كره لكم: قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَال)، هكذا قال سيد الرجال محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول أيضاً: (كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ) أي إذا اجتنبت أمرين: السرف والمخيلة، لكننا اليوم نأكل بسرف ونلبس بسرف، ونأكل بخيلاء ونلبس بخيلاء، طعامنا خطأ لثنائية الإسراف والخيلاء، أي التكبر والعجب من خلال أن يرى الناس ما تأكل، ومن خلال التباهي بهذا الذي تأكله، من خلال الوقوف صفوفاً على أبواب أولئك الذين يبيعون أعلى أنواع الطعام، وأغلى أنواع اللباس، فالقضية أضحت تفاخراً وخيلاء ومخيلة حينما نأكل وحينما نلبس.

فيا إخوتي يا أيها الناس يا أيها الصائمون يا أيها الفقراء يا أيها الأغنياء:

لا يقول أحد اليوم بأن الأسواق ضعيفة، قد تكون كذلك من نظرة اقتصادية، لكنني أقول لك: إذا كنت عبداً لربك تستطيع أن تنفق وأن تتصدق وأن تعين وأن تتعاون من خلال توفير السرف في طعامك وشرابك، لا أريد أن أقترب من مالك المخزون في خزائنك، في بيوتات المال التي تودع فيها هذا الذي تملك، لكنني من خلال طعامك وشرابك يمكنك أن تكون معطاءً وأن تكون جواداً في الخير، من خلال توفير الطعام والشراب الزائد على كفايتك.

إذا كنا في غير رمضان نتحدث عن ثلث لطعامنا وثلث لشرابنا وثلث لنفسنا، وفي غير رمضان نأكل ثلاث مرات، وفي رمضان نأكل مرتين، ها نحن أولاء قد وفرنا ثمن وجبة، فأين ثمن هذه الوجبة ؟

في غير رمضان ربما نوعنا الطعام، في رمضان من أجل صحتك، ومن أجل اقتصادك، ومن أجل إخوتك، ومن أجل علاقاتك الإنسانية: اجعل الأنواع نوعاً، وبالتالي توفر ثمن سائر الأنواع التي امتنعت عنها في رمضان، وأنت تستطيع أن تمتنع عن الأنواع في رمضان، لأنك امتنعت في نهار رمضان عن أصل الأنواع، فالذي امتنع عن أصل الأنواع من الفجر إلى المغرب، يكون قد جند نفسه من أجل أن يمتنع عن سائر الأنواع وأن يبقي على نفسه وزاده نوعاً واحداً، فأنت توفر ثمن وجبة، وأنت توفر ثمن أنواع أخرى، لكن الأمر بالعكس، نأكل في غير رمضان ثلاث وجبات، لكننا في رمضان نأكل كل الليل، في غير رمضان نأكل نوعين، في رمضان نأكل ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أنواع... وحدث ولا حرج، من الطعام الأساسي ومن المقبلات ومن الحلويات ومن الفاكهة، وسمي ما شئت بعد ذلك من أطعمة وأشربة، تختار للتفكه والتسلي، وتضعها أمامك حينما تنظر التلفاز، وعندما تعود من صلاة التراويح التي لم تعد إلا شكلية محضة، لا تقدم ولا تأخر، إن قلت إنها تأخّر، اعذروني إن قلت هذا. فنحن نعرف بعضنا.

يا إخوتي: نصيحتي لكم ولنفسي، وأنا أنصح نفسي قبل أن أنصحكم، هلا جلسنا بيننا وبين أنفسنا من أجل أمرين اثنين: من أجل الصوم والصيام، ومن أجل التذكير بالإنفاق، نريد أن نحول رمضان من شهر للإسراف إلى شهر للإنفاق، أنفقوا أيها الناس فهنالك فقراء لا يجدون نوعاً، أو لا يجدون أضعف الأنواع التي توضع على موائدكم، وهم أقرباء لكم، وهم من بلدكم، قد تقولون: بأن هذا الكلام مبالغ فيه. أنا أعلم بأن هذا الكلام سيكون من قبلكم لأنكم تريدون أن تبرروا لأنفسكم أفعالكم ولا تريدون أن تفكروا.

أيها الأخوة الصائمون: هيا إلى الأنفاق، هيا لتحويل رمضان من شهر للإسراف إلى شهر للإنفاق، في رمضان الغلاء يشتد لأننا نقبل بكليتنا، والأسواق تمتلئ من أول يوم بل من قبل أيام، لأننا نهجم ونقتحم ونريد أن نعيش يوماً من رمضان على أنه آخر الأيام التي تتاح لنا من حيث الطعام والشراب، ولن يبقى بعد هذا اليوم طعام أو شراب، لذلك علينا أن نتذوق وأن نأكل كل أنواع الأطعمة والأشربة في كل الكميات المقدور عليها وغير المقدور عليها، أفيجوز هذا ؟!

(حاسبو أنفسكم قبل أن تحاسبوا) بإمكاننا أن يتصدق جميعنا حتى الفقير فما بالك بالغني، أيها الغني رمضان شهر رحمة، أذكرك بهذا، رمضان شهر التعاون، رمضان شهر التباذل، رمضان شهر التقتير على نفسك، والإنفاق الوافر الكبير على غيرك، رمضان شهر الاقتصاد على نفسك: (مَا عَالَ مَنْ اقْتَصَدَ) هكذا يقول سيدي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في مسند الإمام أحمد.

من هذا الذي يقتصد على نفسه، سيوفر مالاً من أجل أن ينفقه على الآخرين، وبالتالي سنعيش يا إخوتي عيشاً مرضياً وراضياً، نحدث الناس عن رمضان، ونحدث الغرب وغير المسلمين عن رمضان، ودعوني أقول هذا الذي يجيش في صدري وأريد أن أقوله في كل سنة: نحن الذين نحدث الناس عن رمضان، ونحدث الناس عن الصيام، ونحدث الناس عن الامتناع عن الطعام والشراب وعن الغيبة والنميمة وقول الزور والكلام الفاحش والبذيء، نحدث الناس عن رمضان الرحمة وعن رمضان المواساة وعن رمضان المساواة... نحدث الناس عن هذا، لكن هؤلاء الذين نحدثهم - ولنِعم ما يفعلون - لا يأتون ليتأكدوا فيما إذا كنا فعلاً نحقق ونطبق هذا الذي نتحدث عنه أم أننا بمعزل عن كل هذا الذي نتحدث عنه، وما هذا الذي نتحدث عنه إلا لقلقة لسان لا أكثر ولا أقل.

فالكلام الفاحش يكثر في رمضان، والغيبة تكثر في رمضان، ومهاجمة الناس بعضهم لبعض تكثر في رمضان، والتعدي على الحرمات تكثر في رمضان، وسهر الناس المزعج للآخرين يكثر في رمضان، وإني إذ أطلب من كل واحد منكم دليلاً، فكلكم يقف مئات الأدلة على ذلك من خلال جيرانه ومن خلال نفسه ومن خلال سوقه ومن خلال سيره ومن خلال جامعه ومن خلال اجتماعه ومن خلال تلفازه.

لذلك في النهاية أتوجه إلى النخب، والنخب في رمضان: تجار وعلماء ومسؤولون، أتوجه إلى التجار، هيا أيها التجار حولوا رمضانكم إلى شهر للإنفاق، وإلى شهر للاقتصاد على أنفسكم من أجل أن تعيشوا حالة الفقير، من أجل أن تعيشوا ما يعيشه أخوكم هذا الذي هو من ماء وطين كما أنتم من ماء وطين، فهيا أيها التجار إلى الإنفاق.

هيا أيها العلماء إلى القدوة،  هيا من أجل أن تكونوا قدوة ليس فقط في صلاة التراويح عشرين ركعة، وليس فقط في توجيه الكلام، بل من خلال تمكن الأخلاق، إن كنتم صوفيين فالصوفية أخلاق، وإن كنتم سلفيين فسلفنا رضي الله عنهم هو الذي قدم الأنموذج الأكمل في ميدان الأخلاق.

وأما المسؤولون فأنتم المسؤولون فعلاً عن التجار والعلماء والفقراء والأغنياء، ونريدكم أن تكونوا أسوة وقدوة في هذا المجال، أن تكونوا قدوة من أجل توفير الفرص حتى يطبق الناس الصيام، ويحولوا الصيام إلى صوم، وحتى يغتني الفقراء، وحتى يقتصد الأغنياء.

أيها المسؤولون: في رقابكم وضعت مسؤولية فلا تقصروا في أدائها، عليكم أن توفروا الظروف المناسبة من أجل رمضان يصومه الناس صوماً، ومن أجل رمضان ينفق فيه الناس بعضهم على بعض، ولا ينسى أحد أخاه في هذا الشهر الفضيل. أيها المسؤولون فكروا في مسؤوليتكم وارجعوا إلى ربكم حتى تكونوا على مستوى رمضان.

وأما أنت يا رمضان، نعتذر إليك لأنك مررت على أقوام أشكالهم كأشكالنا وكلامهم ككلامنا ولكنهم في حقائقهم وحقيقتهم ليسوا مثلنا وليسوا على شاكلتنا، نعتذر إليك يا رمضان ونقِرّ بأنك مررت على أقوام صاموا صياماً وصوماً فلله دَرُّهم ورضي الله عنهم، مررت على أقوام كان القرآن هاجسهم فيك، وكان القرآن رفيقهم فيك، وكان القرآن صاحبهم وملازمهم فيك، مررت على قوم كانوا يعيشون أخوة لا أجمل ولا أروع، كانوا يعيشون العطاء والإنفاق. أما نحن فنعتذر إليك يا رمضان لأنك تمرُّ علينا ونحن نعتبرك شهر طعام وشراب وصياح وعويل وأكل وشرب وسهر ولغو و ارتياحات في أمكنة ينبغي أن لا نرتاح فيها، اعذرنا يا رمضان ونسأل الله أن يوفقنا لنكون على مستوى أولئك الذين رضيت عنهم لترضى عنا، وهنالك فرصة للتدارك فشهر رمضان لازال باقياً في جعبة الأيام، مرّت أربعة عشر يوماً من رمضان والأيام القادمة مثلها فهيا إخوتي للتدارك.

اللهم اجعلنا من عتقائك من النار واجعلنا من عتقاء شهر رمضان وأدخلنا الجنة من باب الريان بسلام، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 4/9/2009

التعليقات

شاركنا بتعليق