آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
خطبة عيد الفطر 1430

خطبة عيد الفطر 1430

تاريخ الإضافة: 2009/09/22 | عدد المشاهدات: 3513

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، ويا أيها الإخوة الصائمون المفطرون بأمر الله وفضله وتكليفه وإحسانه:
نحن الآن في يوم عيد، والعيد يعني أموراً ثلاثة نرجو ألا تغيب عن بالنا هذه الأمور:
العيد أولاً: فرحة قبول، عندما يُقبل الإنسان حيث يريد أن يُقبل فهذا بالنسبة له عيد، حينما تنتظر قبولاً في جامعة وأنت تريد هذا القبول فتقبل، وحينما تنتظر قبولاً في وظيفة ما وأنت تنتظر هذه الوظيفة فتقبل فالقبول بالنسبة لك عيد وفرحة، فالعيد فرحة قبول، وها نحن أولاء قد أتممنا صيام رمضان ونأمل أن نكون قد وُفِّقنا إلى صيامه وإلى صومه، إلى صيامه حيث امتنعنا عن المفطرات الحسية، وإلى صومه حيث امتنعنا عن المفطرات المعنوية، فالصيام امتناعٌ عن المفطرات الحسية والصوم امتناعٌ عن المفطرات المعنوية. ولقد دُخل على الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه في مثل هذا اليوم، في عيد الفطر، فرؤي يأكل خبز شعير فقيل: يا أمير المؤمنين خبز شعير في يوم عيد ؟ فقال وهو يتحدث عن فرحة القبول: "اليوم لنا عيد، وغداً لنا عيد، وفي كل يومٍ لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد، اليوم عيد من قُبل بالأمس صيامه، وحسن بالليل قيامه". فالعيد فرحة قبول فهل يفرح الواحد منا وقد علم من نفسه ما أدَّاه من رمضان إن كان الذي أداه يستأهل القبول أو لا يستأهل القبول، إن كان قد صام صياماً فقط فامتنع عن المفطرات الحسية أو كان قد صام صوماً فامتنع بالإضافة إلى المفطرات الحسية امتنع عن المفطرات المعنوية من غش وخداع وغيبة ونميمة وقتل وسفك دماء وسب وشتم إلى آخر ما يمكن أن يعود من رذائل والعياذ بالله.
العيد ثانياً: تعميق إنسانية، فلينظر كل إنسانٍ منا نفسه، أتريدون أن تتعرفوا على مقومات الإنسان ؟ وبالتالي إذا ما نظر الواحد منا إلى ذاته فرأى نفسه متحققاً بذلك فليفرح وليكن معيِّداً وليكن صاحب عيد، مقومات الإنسان أيها الإخوة المعيدون ثلاثة:
المقوم الأول: الإحسان، فالإنسان هو الإحسان، في الإنسان نون النشأة وفي الإحسان حاء الحياة، والإحسان أن تؤدي واجبك بأسلوبٍ أمثل، فيا أيها المواطن ويا أيها البائع ويا أيها الطالب ويا أيها الموظف: عليك أن تؤدي واجبك بأسلوبٍ أمثل إن فعلت ذلك فأنت محسن وقد حققت المقوم الأول من مقومات إنسانيتك.
وأما المقوم الثاني فالعدل، والعدل أن تعطي كل ذي حقٍ حقه بأمانة ووفاء: ﴿إن الله يأمر بالعدل﴾ وعدل ساعة يعدل عند ربنا صلاة كذا وكذا، فيا أيها الإخوة انظروا أنفسكم فيما إذا كنتم متحققين بالإحسان والعدل فقد حققتم مقومين من مقومات الإنسانية.
وأما المقوم الثالث فالرحمة، والرحمة هي عطاءٌ نافعٌ برفق، أتريد أن تكون إنساناً ؟ فما عليك إلا أن تعطي من حولك وما حولك عطاءً نافعاً وبرفق إن فعلت ذلك فقد حققت مقومات الإنسانية فيك: إحسانٌ وعدلٌ ورحمة. وإلا فالإنسانية منحسرة عنا ولا نستطيع أن نسمي أنفسنا إنسانيين.
العيد ثالثاً: تقوية ارتباط، مع الله أولاً: هل ارتباطك مع الله قوي ؟ وهل يمكن أن تصف نفسك بالعبودية والعبودية إخلاصٌ وعمل خير: ﴿اركعوا واسجدوا وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾ العبودية إخلاص: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين﴾، ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ العبودية إخلاصٌ وفعل خير، إن كنت على قدرٍ من تطبيق هذا فأنت عبدٌ وأنت قوي الارتباط مع الله عز وجل.
ثانياً تقوية ارتباط مع الإنسان من خلال التعاون، ومن خلال التباذل، ومن خلال التناصح، يا أمتي لقد أصبحنا متناحرين بعد أن أُمرنا وأمرنا ربنا وقرآننا أن نكون متعاونين صار الواحد منا يخاف الإنسان الآخر وكما قال الشاعر:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى             وصوَّت إنسانٌ فكدت أطير

لم هذا ونحن الصائمون القائمون ؟ لم هذا القتل فيما بيننا ؟ لم هذا الذي نعيشه من تزاحم على الرذيلة ؟ لم هذا التدابر فيما بيننا ؟ وهذا لا يبشر بأننا نعيش يوم عيد، يقتل الواحد منا إنساناً آخر ويكون هذا الإنسان قريبه ويكون صديقه ويكون جاره ويكون أخاه يقتله كأنما يقتل شيئاً بسيطاً جداً جداً، لا يؤبه به ولا له، أفيجوز هذا يا صائمون ؟ أخبرت عن ستة عشر شخصاً قُتلوا أثناء رمضان هنا في بلدتنا إن لم يكن العدد أكثر، هناك قُتل خمسة أشخاص وهنا قُتل أربعة أشخاص وهنا في حي من أحياء حلب قُتل شخص وبعد ذلك ندعي بأننا صائمون وأن الصيام فريضة تهذبنا ؟ فأين هذا التأديب والتهذيب والتشذيب ؟ اتقوا الله يا أيها الإخوة لا يجوز لك أن تعتدي على جماد فضلاً أن تعتدي عن إنسان بل الواجب عليك أن تكرِّم مخلوقات الله عز وجل جميعها من إنسان وحيوان وجماد عند ذلك يمكنك أن تكون إنساناً. تقوية ارتباط مع الله ومع الإنسان من خلال التعاون والتباذل والتراحم، (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وإن لم ترحموا من في الأرض فلن يرحمكم من في السماء.
أيها الإخوة:
منذ يومين كنا وقد شُرّفنا أن دعينا إلى مأدبة السيد الرئيس حفظه الله فقال كلمة من جملة ما قال شدَّت انتباهنا، ولله وللتاريخ ينبغي أن نفيد من تلك الكلمات التي تهيئ منا أناساً صادقين واعين لقد قال: "منذ أربع سنوات وفي عام ألفين وخمسة قلت يومها: سورية الله حاميها، لم أكن في كلامي هذا إنشائياً ولا عاطفياً، وإنما قلت سورية الله حاميها، فالله عز وجل يحمي الإنسان عندما يقوم بواجبه ولا يمكن أن نتحدث عن كسول ونقول الله سيحميه" الكسول لن يحميه الله والذي يقصِّر في واجباته لن يحميه الله وإنما الذي يحميه الله عز وجل هو من يقوم بواجبه ولذلك سورية الله حاميها لأنها تقوم بواجباتها أو على الأقل تسعى جادة من أجل أن تقوم بواجبها، لا نقول للمنتحر الله حاميه ولا نقول للذي يسب الناس ويشتم الناس الله حاميه ولا نقول للذي يعتدي على أعراض الناس الله حاميه ولا نقول للذي ينتهك حرمة الوطن الله حاميه ولا نقول لهذا الذي لا يعمل ويبقى يعيش فضولياً على فتات الآخر ين لا نقول له الله حاميه وإنما نقول للمجد الله حاميه نقول للذي يعمل الله حاميه نقول للذي يؤدي واجبه الله حاميه.
أيها الإخوة: إنها لفتة طيبة كريمة، أرجو أن نضع هذا في أذهاننا وعندما ندعو لبعضنا في أن يحمينا ربنا ينبغي أن نذكِّر أنفسنا وبعضنا وكلنا بواجباتنا وبعد ذلك نقول الله يحمينا، وفعلاً ما أجمل هذا الذي سمعنا، وهنالك كلمات كثيرة لا أريد أن آتي عليها في هذه الخطبة التي أرجو الله عز وجل أن تكون فاتحة لشهر طيب خيّر لا نرى فيه قتلاً ولا سفكاً للدماء ولا نرى فيه اعتداءً ولا نرى فيه تقصيراً.
أما الأمر الثالث الذي يجب أن نقوي الرابطة معه فهو الوطن، وأؤكد لكم: العيد فرحة قبول وتعميق إنسانية وتقوية ارتباطٍ مع الله ومع الإنسان ومع الوطن، هنالك واجبٌ عليك نحو الوطن، هذا الوطن وهذا المواطن أمانة في عنقك، المواطن حصانة عليك أن تحصِّن هذا المواطن كما تحصن نفسك وإلا فأنت خائن، هذا الذي يعيش بجانبك هذا الذي يعيش بجوارك من كان هو مواطن وعليك أن تحميه وأن تحصنه وأن تجيره وأن ترعاه، الوطن بأبنائه وأحجاره وأرضه وسمائه، وواجبنا نحو الوطن أمران اثنان: الحماية من كل مكروه والرعاية ليكون وطناً منتجاً وطناً معطاءً وطناً متقدماً وطناً رفيعاً عالي الجبين، وطناً صناعياً زراعياً اجتماعياً دراسياً علمياً، وطناً يتمتع بكل الصفات الحميدة التي تليق بالوطن، وطناً حراً فالوطن كما قيل إن لم تكن الحرية جذره فقد غدا أرضاً لا قيمة لها، الوطن بحريته وبحرية أبنائه وبحرية العلاقات فيما بين أبناء هذا الوطن على أساسٍ من رحمة وعدلٍ وإحسان كما تكلمنا.
أرأيتم إلى مقومات العيد: فرحة قبول وتعميق إنسانية وتقوية ارتباط مع الله مع الإنسان مع الوطن.
اللهم إني أسألك أن تحققنا بمقومات العيد لنعيش العيد بصدقٍ وأمانة، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في الجامع الأموي الكبير بحلب بتاريخ 20/9/2009

التعليقات

شاركنا بتعليق