آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
إذاعة شهبا إف إم تستضيف الدكتور عكام في برنامج "ملفات"

إذاعة شهبا إف إم تستضيف الدكتور عكام في برنامج "ملفات"

تاريخ الإضافة: 2010/05/18 | عدد المشاهدات: 3073

أجرت إذاعة (شهبا إف إم) السورية يوم الثلاثاء 18/5/2010 لقاءً مع سماحة مفتي حلب الدكتور الشيخ محمود عكام ضمن برنامجها "ملفات"، تحدثت فيه عن العديد من المحاور والموضوعات، كان محورها موضوع "الدجل والشعوذة" الذي أصبح منتشراً في هذه الأيام. وقد أجاب الدكتور عكام على أسئلة المستمعين أثناء بث اللقاء. وفيما يلي نص اللقاء:

 إذاعة شهبا إف إم: موضوع اليوم "الدجل والشعوذة"، ولمعالجة هذا الملف يسعدنا أن نستضيف أحد العلماء الذين تفخر بهم حلب بشكل خاص، وسورية بشكل عام، وهو العلامة الدكتور محمود عكام المعروف بجرأته بصراحته وسعة علمه، مساء الخير دكتور.

الدكتور عكام: مساء الخير وأشكركم، وأشكر "شهبا إف إم" على كل ما تقدمونه من منافع خيّرة لأبناء بلدنا.

إذاعة شهبا إف إم: في البدء أضع بين أيديكم مقدمة، وهي عبارة عن مجموعة من الإحصائيات. غلبت على مجتمعاتنا المحلية معتقدات انقادت خلفها الناس عن علمٍ أو بدونه، مما هيأ لبنية خصبة لظاهرة المشعوذين، وأصبحت ظاهرة الشعوذة تفرض نفسها بقوة في مجتمعاتنا حتى تحولت إلى جزء من ثقافتنا الشعبية، وتفرض نفسها في الأوساط الاجتماعية الثريّة وحتى بين المتعلمين، وفي دراسة حول السحر والشعوذة في مركز البحوث الجنائية في القاهرة كشف الدكتور محمد عبد العظيم أن /250000/ ألف دجال يمارسون أنشطة الشعوذة في عموم الدول العربية، وأن العرب ينفقون زهاء خمسة مليارات دولار سنوياً في هذا المجال، وهناك إحصائية أخرى تقول أن نصف نساء العرب يعتقدون بالخرافات، ويترددون على المشعوذين سراً وعلانية، وتؤكد الإحصائيات أنه يوجد في العالم العربي عرّاف أو مشعوذ لكل ألف نسمة، وفي دراسة أخرى أعدتها الدكتورة سامية الساعاتي في السحر والشعوذة ونشرها موقع الجزيرة أكدت أن 55% من الترددات على السحرة هن من المتعلمات والمثقفات و24% ممن يجدن القراءة. دكتور أبدأ معك بالسؤال التالي:

ما تعريفك لمفهوم الشعوذة ؟

الدكتور عكام: ما أظن أن تعريفاً موحداً يمكن أن يتفق عليه المعرفون، لكن الشعوذة في النهاية هي عمل لا إنساني يُراد منه إسقاط عقل هذا الإنسان المُتعامَل معه، ويريد أن يخاطب نقاط الضعف فيه وأن يستغل هذه النقاط ليقدم له ما يُحزنه أو يسره، ليجني منه أرباحاً مادية ومعنوية مختلفة. فالشعوذة طريقة لا تمتُّ إلى العقل بصلة، بل تمتُّ إلى الدجل والكذب، وإلى مخاطبة الإنسان حال ضعفه، وعندما يكون قد أعتق عقله وتفكيره.

إذاعة شهبا إف إم: مالفرق بين الدجل والشعوذة من جهة، والسحر من جهة أخرى ؟

الدكتور عكام: الشعوذة كالسحر، لكن السحر عملية منظمة ومدروسة، وقائمة على بعض القواعد والأسس المعترف بها. ويشترك السحر والشعوذة بأنهما حالة يراد منها تغليب الخيال الذي يضر ويؤذي العقل، ويُراد منهما إبعاد الحركة الجادّة الموجودة داخل الإنسان والمبنية على عقل وتفكير.

ويفترق السحر عن الشعوذة بأن الشعوذة عملية فوضوية غير منظمة، بينما السحر أمر منظم، والشعوذة تتغير بتغير الإنسان المشعوَذ عليه.

إذاعة شهبا إف إم: الدَّجل والشعوذة أصبحت جزءاً من الثقافة الشعبية، ما رأيكم بهذا الرأي ؟

الدكتور عكام: الإنسان شئنا أم أبينا يتأثر بما وراء الطبيعة، وقد جاء الدين ليغطي كل تساؤلات الإنسان عما وراء الطبيعة، ولما تراجع دور الدّين الفاعل في التوثيق على الإجابات على الأسئلة التي تريد أن تتعرف على تساؤلات ما وراء الطبيعة، جاء البديل الباطل الذي يلبس لبوس الشعوذة والسحر والدجل.

فالإنسان بحاجة لإجابة عن تساؤلات ما وراء الطبيعة، ومع أننا نسمي من يقوم بهذه الفعلة بالدجل والشعوذة، إلا أنهم لا يُسمون أنفسهم مشعوذين ولا دجالين، بل يطلقون على أنفسهم أسماءً دينية تارة، وما وراء الطبيعة تارة أخرى، وهذه أسماء مقبولة بالأصل، لذلك وصف الله عز وجل عن السحر بأنه لا يعدو أن يكون لعبة وتخيلاً مفتعلاً، فقال: (سَحروا أعين الناس)، وقال أيضاً: (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى)، يعني أن ما فُعل من قبل السحر لا يمكن أن يُسمى عملاً، بل سماه كيداً، والكيد الشيء الموهوم الذي يؤذي ولكن لا وجود له لا في عالم الحركة ولا في عالم التفكير، فلما غاب الدين الحق وانحسر، جاء الدين الباطل تحت اسم السحر والشعوذة وما إلى ذلك من تسميات.

إذاعة شهبا إف إم: في جوابك في التمييز بين السحر والشعوذة قلت بأن الشعوذة تغليب للخيال على العقل، فهل هناك عقلانية في السحر ؟

الدكتور عكام: لا، فالسّاحر يجهد في أن يجعل الخيال يطغى على العقل، لكن من خلال قواعد وأسس، فالسّحر أمر مدروس، لذلك قال الله عز وجل: (سحروا أعين الناس)، وقال أيضاً: (ولا يفلح الساحر حيث أتى)، أي لا يمكن أن يجد الساحر إنتاجاً ملموساً على أرض الواقع، وإنما الفلاح أن تقدم إنتاجاً صالحاً على أرض الواقع، فالساحر حيث كان لا يمكن أن يكون مفلحاً، ونحن نسمي الفلاح فلاحاً لأنه يحرث الأرض، أما الساحر فلا يمكن أن يأتي بشيء واقعي بل بخيال، وهو يحاول أن يجعل عينيك تنظر الخيال وكأنها تنظر الواقع، وأما المشعوذ فهو الذي يستخدم الطرق الدينية على أساس غير صحيح وطرق غير موثوقة، والمشعوذ إضافةً لكونه يستخدم الخيال ويغلبه على العقل يقول لك أخباراً لما وراء الطبيعة، وينسب هذه الأخبار إلى جهات تثق بها أنت، فيقول لك تارةً بأنه رأى في المنام، أو أن الله أخبره، أو أن فلاناً الولي كلمه، وسمعنا عن كثير من المشعوذين أنهم يستولون على الناس من خلال ادّعاءاتهم أنهم رأوا الله في منامهم، أو جاءهم الولي الفلاني في الليل أو... فهم يستغلون الدين ومحبة الناس للدين، وما نجح هؤلاء المشعوذين إلا لأنهم يلبسون لباس التدين، ولو أنهم أعلنوا بعدهم عن الدين وصلتهم به لما قبلهم الناس، لكنهم خدعوا الناس باسم الدين، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدقه لما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد" أنت تريد أن تستعلم عن أشياء لما وراء الطبيعة عليك أن تسلك الطريق الصحيح، وهو الذي أتى عبر القرآن الكريم، ومن خلال الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليك أن تستقبل أحاديث الرسول بدراسةٍ وتمحيص، لذلك نعى القرآن الكريم على الذين لا يستخدمون عقولهم فقال: (إن في ذلك لعبرة لأولي الألباب) واللبُّ هو العقل الذي يفكر كثيراً ويجهد في تفكيره وإعماله، ولذلك الممرّ الوحيد للوصول للمعلومات التي تريد معرفتها عما وراء الطبيعة هو الدين الحق الآتي عبر الطريق الصحيحة الموثوقة، القائم على التوثيق والتحقيق، وإذا ما انحسر هذا الطريق وابتعد عن أن يكون مبادراً من أجل أن يقدم للناس هذه الحقائق الموثوقة يتطفل أولئك المشعوذون، وقد قال الله عز وجل: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتب أيديهم وويل لهم مما يكسبون)، ولو أنهم كتبوا ما كتبوا ولم يقولوا هذا من عند الله ما قبل منهم أحد. لكنهم يستخدمون من أجل أن يثبتوا في عقل مَن أمامهم بعض "الهيلمات" والشكليات والأمور التي توقع في نفس من أمامه الرهبة، وتراه يلبس زياً معيناً، ويطفئ بعض الأنوار، ويشعل بعضها الآخر، ويقوم باستخدام بعض الألوان كالأخضر والأسود والأحمر، ويضع بعض الروائح والبخور حتى يسيطر على مَن أمامه. فهو لا يستطيع إثبات أحقية ما يقول، لأنه يفقد هذه الأحقية والأدلة، فيلجأ إلى الشكليات، ومن هنا يجب علينا أن نقول بأن الشكليات لا علاقة لها بالدين، وقد مرت علينا فترة ربطنا الدين ببعض الشكليات، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على عدم ربط الدين بلباس أو بشكل أو بأنوار وأضواء، وحارب زينة المساجد، ودعا الناس من أجل أن يكونوا تلقائيين، وألا يكون لأحدهم هيئة تختلف عن الآخر، ورسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس كلباس مَن معه من الناس، بل كان لا يُعرف من خلال لباسه، حتى يقول الداخل إليه: أيكم محمد ؟

أما نحن فقد أعطينا الدين بعض الشكليات وغلبناها على الدين، وأقول نحن أي: "العلماء، والمجتمع، وحتى السياسيين" ولذلك يُسأل البعض عن وظيفته، فإذا أجاب بأنه مدرس ديني، وهو يلبس لباساً مدنياً، ترى من حوله يستغرب: لماذا لا تلبس اللباس الشرعي ؟! وكأن أمراً أساسياً أن تلبس لباساً ما، طغت الشكليات علينا، وطغيان الشكليات هذا فتح المجال للمشعوذين من أجل أن يستغلوا الشكليات ويضعوا مضموناً فاسداً ويسوقونه من خلال الشكليات المعتبرة. ونحن نكرر: ديننا لا يخضع لشكلياتٍ، ديننا حقائق ومفرزات عقل، فانظروا إلى دينكم بعين العقل وبعين العلم وبعين المعرفة وبعين التوثيق، وإذا ما نظرنا إلى ديننا بهذا الشكل أعتقد جازماً أنه لن يبقى هناك مشعوذ.

إذاعة شهبا إف إم: قلتم بأن المشعوذين والدجالين يستخدمون نفس الخطاب، كيف يميز الشخص العادي بين العالم الحق وبين الباطل ؟

الدكتور عكام: المشكلة حرمنا من أمامنا السؤال، وهذا خطأ، قلنا له إن السؤال مرفوض، وهذا في التعليم والسياسة والاقتصاد، مع أن السؤال طريقٌ لاستجلاب الحقيقة، فالواحد منا يمتلك سؤالاً ويريد جواباً عليه، ويصعد هذا السؤال من داخله إلى شفته، لكنه يبقى على شفته، ويعتقد أنه إذا سأل سؤالاً وكان غريباً فسيُجَابَه من قبل الآخرين بالرفض والاستنكار، علماً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لصحابته الكرام: سلوني أيها الناس، سلوني ما دمت في موقفي هذا. يأتيه شاب ويقول له: "يا رسول الله ائذن لي بالزنا"، ويسأله بعض الصحابة في بدر: "أهذا منزلٌ أنزلك الله إياه أم الرأي والمكيدة والحرب ؟". هنالك قضية أساسية في التعليم الذي أسّسناه نحن سواء أكان تعليماً دينياً أم في المدرسة والجامعة، حرمنا الطالب من السؤال، وبالتالي استغلّ المشعوذون حرمان هذا الإنسان من السؤال، فإذا سأل أجابوه حسب الظاهر بما نجيبه نحن، لا تسأل، علماً أن السؤال طريق العلم. جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إن أبي هذا زوّجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا له كارهة. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اختاري أمرك بيدك، فقالت اخترت ما اختار أبي. فقال لها النبي لم فعلتِ هذا ؟ قالت: حتى يعلم الناس أنه ليس للآباء على البنات في هذا الأمر شيء". الإكراه، وعدم السؤال، والضغط، وقانون العيب هو الذي غلب علينا والتهمنا، فنحن الآن أكثر ابتعاداً عن العيب منا عن الحرام، والعيب هو ما يعتبره الآخر - الموهوم والذي لا نعرفه – منكراً. إن فعلت هذا فهو عيب، والناس لا يرضون بالعيب.

منعنا عن الإنسان السؤال بحجة بقانون العيب، فجاء المشعوذون ليأخذوا دورهم وتكلموا في قضايا الجنس ولم نتكلم نحن في تلك القضايا، تكلموا في قضايا الغيب ولم نتكلم نحن فيها بناءً على القواعد الإسلامية الصحيحة، فسيطر عليهم المشعوذون ونسبوا أقوالهم للدين، فلو أن أحداً قرأ لهم قولاً على أنه قرآن لصدقوه لأنهم غفلوا حتى عن كتابهم. وأنا أقول للشباب اليوم: احترم عقلك تحترم دينك، احترم عقلك تحترم نفسك.

إذاعة شهبا إف إم: قلتم الطريق الوحيد التمحيص والبحث والمعرفة، إذا شاهدتُ شخص وأعجبت بكلامه عليَّ أن أعرض كلامه على هذا الطريق، القرآن والسنة، طرق المعرفة الصحيحة، هل يمكن أن أصدقه أم في كل مرة ينبغي أن أمحص ؟

الدكتور عكام: في كل مرة تبحث من خلال هذا الطريق لأنه الطريق الوحيد العلمي: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)، والله عز وجل قال: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) نحن نريد راسخاً في العلم يقول آمنت، ولا نريد راسخاً في الهوى والخيال يقول آمنت، لا يمكن لكلمة آمنت أن تكون مقبولة إلا إذا كانت عن علم، الرسول صلى الله عليه وسلم بلّغ رسالته من خلال العلم فقال لمن حوله: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن جيشاً خلف هذا الوادي يريد أن يغير عليكم أكنتم مصدقيَّ ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". خاطب عقلهم وتجربتهم، وعلينا أن نربي أولادنا من الصغر على المساءلة والحوار: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما)، أما السياسي اليوم فهو لا يحاورك وكذا الديني وكذلك الاقتصادي، ثم يأتي المشعوذ فيعطيك سماعاً ويعلي من شأنك للوهلة الأولى ويسمع أسئلتك مهما كانت ويعطيك الأجوبة التي ترضيك، يسمع منك ساعاتٍ وساعات وأنت تتكلم، يفتح لك المجال ليصل إلى هواه.

ما زلنا نتحدث عن أمور من العيب، فتربيتنا الجنسية مفقودة بشكل عام، وتربيتنا النفسية مفقودة بشكل عام... لا يوجد اليوم طبيب نفساني بالمعنى الحرفي للكلمة، فأطباء الأعصاب هم من يشتغلون بالطب النفساني، والعلاج غالباً دوائي، لا يوجد طبيب يسمع لك نصف ساعة أو ساعة، والإنسان بحاجة إلى من يسمعه، وإذا كان بداخلي سؤال يتعلق بالأمور السياسية فمن أسأل ؟ لا أدري، ليس بإمكاني أن أسأل.

إذاعة شهبا إف إم: إذا كان مدخل المشعوذ للأشخاص نقاط الضعف في عقولهم فبم تفسر تفشّي هذه الظاهرة حتى في المجتمعات المتعلمة والمثقفة ؟

الدكتور عكام: إن من يأتي للجامع وكأنه قد أجرى عقداً على إعطائي واحد على ثلاثمئة وستين من عقله، وكأنه يقول: ضع في هذا الجزء ما تريد قصص خرافية أو غير خرافية، لأن هذا الجزء البسيط غير قادر على معالجة ما تضعه فيه، أما إن ذهب إلى تجارته فإنه يعطيها ثلاثمئة وخمسين من ثلاثمئة وستين من عقله، وعندما يذهب للشعوذة فإنه لا يعطيها شيئاً من عقله، ولو أنه أعطاها شيئاً من عقله لوقف أمامها وكشفها بنفسه. فالمثقف يأتي إلى المشعوذ بغير الهيئة التي يأتي بها طبّه وتجارته وعمله، وهو لن يفكر بكلمات المشعوذ.

إذاعة شهبا إف إم: سمعنا عن أرقام وابتزاز بالملايين عبر سنوات من الابتزاز ؟

الدكتور عكام: هذه المبالغ التي أخذها من خلال النساء أولاً، النساء اللواتي لم يتعبن في جنيها، وهي تدفع لأن همها الأول ألا يتزوج زوجها عليها، أو أن تتزوج إن لم تكن متزوجة، وأمام هذا الأمر تسقط كل الثقافات والشهادات، لأن أغراضنا وأهدافنا صغيرة وحقيرة، فهدف الطبيب بدلاً من أن يكون المساهمة في رفع العمر الوسطي أو مساعدة الناس في القضاء على الأمراض أصبح هدفه جني المال، وهدف المرأة الآن بدلاً من تربية الأولاد والإشراف على منزلها ورعايته أصبح هدفها ألا يتزوج عليها زوجها، واستلم مكان الأمهات الخادمات وأصبحن بدائل عن الأمهات.

إذاعة شهبا إف إم: ما التوجيه الذي يمكن أن توجهوه للناس الذين قد يقعون بين يدي المشعوذين، وما السبب في لجوء الناس إلى المشعوذين ؟

الدكتور عكام: نحن كعلماء قصّرنا، ولم نقل بصرامة وحزم بأن طريق الميتافيزيقيا أو التعرف على ما وراء الطبيعة هو القرآن والحديث الصحيح المتواتر ولا طريق غيره، فلما قصّرنا نحن قام المشعوذون بتهديد الناس بتسليط المرض عليهم و... نقول اليوم للناس كافة لا يستطيع أحد أن يُسلّط على أحد شيئاً إلا بإذن الله عز وجل، فعالم الغيب لا أحد يعرفه إلا الله عز وجل، وهذا ما قرره الله في كتابه، فلا تصدّقوا ادّعاءات من يقول لكم بأنه يعرف ما سيكون في سُجف الأيام القادمة، القضية محسومة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الصحيح: (يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك... ثم قال: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

فيا ناس: ومن خلال هذه الإذاعة أقول لكم: العلم طريقنا إلى الإيمان بالله عز وجل، فالله هو الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويفرق ويجمع، وهو الفعال المطلق، ولا تصدقوا أي إنسان يريد أن يلعب بجهالتكم بالغيب ليضع في هذا الغيب ما يريد أن يضع مهدداً به إياكم، لا تصدقوا هؤلاء، وصدّقوا الحديث الصحيح المُمَحَّص، وعليكم أن تسألوا بعد الآن أرباب الاختصاص: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وأمعنوا في السؤال، وكرروه، فأنا أريد ممن يسألني أن يكرر علي السؤال، وأن يتأكد ويقول لي ما دليلك على ذلك. أريد من كل الشباب أن يعملوا عقولهم خاصّة في الأشياء التي تُنسب إلى الدين، لأن الدين قائم على العقل، وليس ثمة شيء في ديننا في معاكسة العقل، إذا لم تقبل هذا الأمر بعقلك عليك أن تسأل عنه، فالله عز وجل دعانا إلى التداوي من أجل المرض النفسي والعصبي: "تداووا عباد الله، فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء". فيا ناس: اسلكوا طريق العلم، فنحن نريد مجتمعاً قائماً على العلم، ولا يمكن للإسلام أن يكون إلا في المجتمع الذي يقوم على العلم، وإسلام بلا علم يعني لا إسلام، يعني ضياعاً وشعوذة ودجلاً، دين بلا معرفة يعني شعوذة، فالعلم هو الدعامة الأساسية التي نقيم عليها الإسلام، والعلم هو الدعامة الأساسية التي نقيم عليها السياسة والاقتصاد والتربية، والعلم هو الأساس في الدين والتربية والاجتماع والاقتصاد وكل مجالات الإنسان، والذي يميز الإنسان عن غيره هو العقل، ومن لم يعمل عقله فلا إنسانية له.

إذاعة شهبا إف إم: هل الأبراج حرام، وهل تدخل ضمن الشعوذة ؟

الدكتور عكام: أنا أقول: الأبراج للتسلية، وأنا أقول لمن يتعامل مع الأبراج على أنها تسلية لا شيء عليك، ولكن في مجتمعٍ كهذا الذي نعيشه أخاف أن يتحول الأمر من تسلية إلى تصديق، إلى قناعة، إلى هاوية، إلى ضياع ... لذلك أنصح حتى الإعلاميين ألا يعتادوا وضع برامج الأبراج يومياً، فهي من باب التسلية، وأنصح الإعلاميين أن يضعوا الأشياء الإيجابية الجيدة التي تحثّ على العمل والسعي واستغلال هذا الأمر لتوجيه الإنسان نحو الهدف الإنساني النبيل الصالح، فهي مثل المسابقات والتسلية فقط، وأتمنى من الناس أن يبتعدوا عن مثل هذه الأمور خوفاً من أن يتعلق الإنسان بهذه الأشياء.

إذاعة شهبا إف إم: هل الجهل عذر لهؤلاء المغرر بهم ؟

الدكتور عكام: الجاهل يرتكب جرماً مضاعفاً، لأنه مجرم بحق نفسه، ولأنه أهمل فرضاً من أهم فرائض الدين سواء أكان مسلماً أم مسيحياً، وأهمل أهمّ فريضة من فرائض المجتمع إن كان مدنياً، فجهله أكبر خطيئة، وستجرّ إلى مفسدة أكبر، فالجاهل غير مُعفى، ولو أنه طبّق تعاليم دينه ومجتمعه لما ورد هذه الموارد. لو قرأ: (وقل رب زدني علماً)، (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، فلو تعلم من البداية وما استقبل شيئاً إلا عن علم لكان في مأمن من هذا الأمر، والمشعوذ شريك في هذا الأمر.

إذاعة شهبا إف إم: كيف يسيطر هؤلاء المشعوذون على الناس ويجعلونهم يرتكبون الأخطاء، بل القتل والفظائع ؟

الدكتور عكام: كل إنسان يملك الاستعداد للخير والشر: (ونفسٍ وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها) ولولا هذا ما كان الإنسان مكلفاً ومشرّفاً، فالملائكة غير مكلفة لأنها لا تملك استعداداً للشر، أما الإنسان فهو مكلّف، لأنه يملك استعداً للخير والشر، لكن على الإنسان أن يرجّح استعداده للخير على الشر، وعليه من أجل ذلك أن يضع عقله أمام هذين الاستعدادين لا وراءهما، وبالتالي سيقوده عقله إلى تقوية الاستعداد للخير، شريطة أن يكون هذا العقل نظيفاً منوراً، والعقل بالأصل منور، لذا خاطب الله العقلاء، وجعل العقل مناط التكليف.

إذاعة شهبا إف إم: لم تنتشر هذه الظاهرة بين النساء أكثر من غيرهم، فحسب الإحصائية نصف نساء العرب يعتقدن بفعل الخرافات ويترددن على المشعوذين إما سراً وإما علانية ؟

الدكتور عكام: لأننا بالأصل نمنع المرأة عندما تريد أن تتكلم في الأمور الجادّة، فنحن من أسهم في هذا الأمر، وإذا سألت المرأة زوجها مثلاً ما الذي يحدث في العراق ؟ سيجيبها زوجها وما شأنك في هذا الأمر ؟ فنحن من أزاح المرأة عن الأمور الجادة، فانشغلت بتلك الأمور، فمن لم تشغله بالخير سينشغل بالشر.

إذاعة شهبا إف إم: هل المرأة ناقصة عقل ؟

الدكتور عكام: حاشا، المرأة تملك الاستعداد العقلي كما يملكه الرجل، ونحن من يحجّمها، هي تريد أن تشتغل بالمجال العام، بالفكر... فنقول لها: هل تصلحين لهذا ؟! إذا أرادت أن تسأل أخاها أو زوجها أو أباها عن أمر فكري عقلي فلن يجيبها، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت المرأة تأتيه وتسأله أمام الرجال، فيجيبها، وقال مرة: "نِعمَ النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقّهن في الدين". فهل تستطيع المرأة أن تسأل زوجها، والمرأة الممدوحة عندنا هي مَن لا تعرف شيئاً عن زوجها.

إذاعة شهبا إف إم: جعلتم عنوان إحدى مقالتكم: "ويحكم؛ جعلتم العادات المرفوضة فرائض مفروضة"، فهل يندرج الدَّجل والشعوذة تحت عنوان العادات والتقاليد ؟

الدكتور عكام: طبعاً، من جملة العادات المرفوضة الشعوذة والدَّجل وإتيان هؤلاء الذين يزعمون أنهم يتصلون بعالم الغيب وأنهم يشفون المرضى من خلال الإلهامات والاتصال بعالم الجن، هذه عادات مرفوضة وأصبحت شبه مفروضة ومحكوم بها، وهذه من العادات الرّذيلة التي حلّت محل العبادات والتوعية والإيمان والعلم والمعرفة.

إذاعة شهبا إف إم: ما سبب ضعف التوعية في هذا المجال على المستوى الإعلامي وعلى مستوى الخطاب الشرعي العامي ؟

الدكتور عكام: الحضارة في الإسلام واقع، وهذا الواقع يقوم على احترام الإنسان وتقديره وصيانة دمه وعرضه وحريته، وأنا أناشد الناس من خلال هذه الإذاعة الطيبة، أقول: إذا رأيتم إنساناً مخلَّصاً من هذه الأمراض فاحترموه وقدّروه، إذا أردتم أن يُقلع الإنسان عن الشعوذة والدّجل ويبتعد عنها فبادروا إلى تكريمه وتقديره واحترامه وصيانة دمه وكرامته. أعطِ لولدك حقه من الوجود، أعط تلميذك، ومواطنك، والعسكري عندك، والمريض عندك، فالطبيب عندنا لا يُعامل المريض على أساسٍ من احترام وتقدير وصيانة دم، بل يستهتر به، الصيدلي يستهتر بالذي يشتري من عنده الدواء، المدرس يستهتر بطالبه، الأب مستهتر بولده، الزوج مستهتر بزوجته، الإنسان لا يجد نفسَه في المجتمع بشكل عام، لذا يلجأ إلى المشعوذ من أجل أن يعوض هذا الضياع، ويقوم المشعوذ بتقديره، فيقول للمرأة مثلاً إن أمك تحتقرك وزوجك يحتقرك، فالمشعوذ يعوّض لها هذا الحرمان الذي تعيشه.

إذاعة شهبا إف إم: هل تعتقدون بأننا نعيش في عالم متقدم تكنولوجياً ومتأخر حضارياً ؟

الدكتور عكام: لا أستطيع أن أصف العالم بشكل مجمل، أرى في سورية مثلاً أناساً حضاريين أكثر من أشخاص في أمريكا أو أوربا، وأرى في أمريكا أشخاصاً متخلفين أكثر من أناس في جيبوتي والصومال، لا نستطيع أن نتحدث عن مجتمعٍ بأسره، هناك في بلادنا العربية ضعف في التقدم الفكري وفي التقدم العقلي... نحن نشكو من هذا الأمر والسبب الأساسي الذي أوصلنا إلى هذا هو التربية. يُذكر أن رجلاً أتى عمر بن عبد العزيز يريد أن يهنئه بالخلافة، فتقدم لتهنئة الخليفة ولد عمره ثماني سنوات، فقال عمر: أما وجد القوم أكبر منك ؟ فالتفت هذا الغلام وقال لعمر: لو كان الأمر بالسن لكان فلان أولى منك بالخلافة. فنظر إليه عمر وقال لمن حوله: "ليس أخو علم كمن هو جاهل".

إذاعة شهبا إف إم: سنأخذ بعض الاتصالات، ثم نتابع الحديث.

سائلة تقول بأنها وقعت فريسة أحد المشعوذين وكان الغرض من ذهابها التزوج، ودفعت له أموالاً كبيرة... ولم تحصل على ما تريد. بل استُغلت مادياً وجسدياً.

الدكتور عكام: الفتاة اليوم تعيش حالةً من القهر، فهي عند والديها مقهورة، وهي تدفع هذه المبالغ ثمناً لحريتها، لأنها تريد منفذ نجاة للتخلص من وضعها. وكما قلت المشكلة في التربية، تصور أن فاطمة رضي الله عنها كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم لها تقديراً، وتصور أن أحد الأشخاص في بلادنا وهو مسلم مؤمن يصلي... يكتب كل أمواله لولده ولا يعطي ابنته شيئاً وهو يقول عن نفسه بأنه مسلم مؤمن ! وهذا الإنسان سيُبَرَّر فعله من خلال العلماء، لأن أغلبنا حريص على إرضاء الناس، وأجوبتنا تنطوي تحت عنوان ما يطلبه الجمهور.

سؤال: هل يمكن أن يُكتب لإنسان أذىً أو أمر ما، وما علاقة الإنس بالجن، وهل يمكن للجن أن يتواصلوا مع الإنس ويؤذوهم، وما التحصينات التي يجب على الإنسان أن يقولها كي لا يُكتب له ؟

الدكتور عكام: أولاً أقول: مَن الذي أخبرك بأنه مكتوبٌ لك ؟! الذي أخبرك لا يعرفك وهو بعيد عنك وغير معروف بالعلم، ومن هنا تبدأ المشكلة، فلو لم تذهب إليه أنت لن يأتي إليك ويقول لك بأنه مُسلّط عليك، أنت مَن ذهب إليه، فالأصل خطأ. تبدأ المشكلة من الخطوة الأولى، مَن قال لك بأنه مكتوب لك ؟ ثانياً: لا أحد في هذا الكون يكتب لك إلا الله، و: "ما قُدّر لماضغيك أن يمضغاه لا بد وأن يمضغاه"، "واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك"، ثالثاً: هذا القرآن مليء بالآيات، اقرأ المعوذات، واقرأ الآيات التي فيها دعاء، (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، اقرأ فاتحة الكتاب، ولا تصدّق هذا الذي يقول لك بأنه مكتوب لك فهذا غير صحيح، وليس ثمة من يكتب لك، وليس ثمة من يكتب عليك، ولا علاقة لعالم الجن بعالم الإنس، والذي يبني علاقةً مع عالم الجن فليأتنا وليقل كيف يبني هذه العلاقة بوضوح وعلمية ومعرفية قائمة على توثيق وتحقيق، ومَن فعل غير ذلك فلا نريد أن نصدقه لأنه يتكلم عن عالمٍ لا نعرفه.

إذاعة شهبا إف إم: الكثير من المشعوذين يقولون عن أنفسهم بأنهم معالجون روحانيون، هل يوجد في الشرع ما يسمى بالمعالج الروحاني ؟

الدكتور عكام: المعالج الروحاني هو من يرتاح له قلبك ويوجهك للطريق القويم، فأنت معالج روحاني لنفسك، والمعالج الروحاني هو من يكلمك لصالحك بلهجة الصدق، الروحانية كلام لمصلحتك بصدق، أما استخدام كلماتٍ غير مفهومة أو عباراتٍ وشكليات غير مفهومة فليست معالجات روحانية بل معالجات شعوذية.

إذاعة شهبا إف إم: قلتم بأننا نطلب من كل إنسان إثبات لما يدّعيه، فهل لشخص الدين إثبات بأنه مؤهل للكلام وللخوض في قضايا الفتوى مثلاً ؟

الدكتور عكام: مهما سعتِ الدولة فلا يمكن تدارك هذا الأمر، فالدولة في ميدان الطب مثلاً لا تسمح للطبيب بمزاولة مهنته إلا بعد أن يكون قد حاز الشهادة والخبرة و...، وعلى الرغم من كل هذا فإن هنالك من يمارس التطبيب في السر. علينا أن نسعى من أجل تنظيم هذا الأمر، لكننا لا نستطيع أن نمنع هذا الذي يجلس في بيته ويأتيه مَن يأتيه من أجل أن يسأله، فالأصل في  العلم الشرعي أن يكون مرتكزاً على مخافة الله عز وجل أولاً، وعلى الرقابة الداخلية، وإلا فلا يمكن ضبطه.

إذاعة شهبا إف إم: لم لا يكون هناك تعميم واتفاق بين العلماء الشرعيين على تحريم هذا الأمر ؟

الدكتور عكام: أصدرت أكثر من فتوى في جريدة الجماهير الحلبية وعبر الكتب، وقلت بأن الشعوذة دجل وبُعدٌ عن الدين لا يُقرها الإسلام، وهي مرفوضة، ولو عدت إلى موقع إفتاء حلب، أو إلى موقعي على شبكة الإنترنت لوجدت هذه الفتاوى مسجلة هناك، وسأعمم خطباً على المساجد من أجل أن يتكلموا عن هذا الأمر في المستقبل القريب.

سؤال: ما رأيكم هل سُحر محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنه سيد الأنبياء، وإذا كان الرسول قد سُحر فإن المسلمين جميعاً يمكن أن يكونوا قد سُحروا أيضاً ؟

الدكتور عكام: أنا شخصياً لا أعتقد أن الرسول قد سُحر، لأن الله عز وجل قال له: (والله يعصمك من الناس)، وقال له: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً. وينصرك الله نصراً عزيزاً)، فأنا لا أرى أن النبي قد سُحر، وقد أجاب العلماء عن كل ما ورد في هذا الشأن أمثال الشيخ محمد الغزالي في كتابه "السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث"، وكما قلت أنت بفطرتك لا يمكن أن يكون قد سُحر، وأنا معك، لا يمكن ذلك، وقد اتُّهم رسول الله بالسّحر من قبل المشركين في مكة، فقالوا: (إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً)، ولو أنه سُحر فعلاً لثبتت التهمة عليه. حاشا أن يُسحر أو أن يتسلط عليه اليهود بالسحر.

سؤال: موضوع حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم موجود في الصحيحين، هل يمكن حذف هذا الحديث ؟

الدكتور عكام: فيما يخص هذه الأمور أمامنا القرآن، ونحن لا نحذف شيئاً ولا نضيف شيئاً، هذا الكتاب كتبه البخاري رحمه الله، ونحن نقول: لا أرى أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر، ودليلي ما ورد في القرآن وما ورد في مجمل الحديث الشريف. إذاً: هذا الحديث يقف في مواجهة القرآن الكريم، وهذا الحديث خبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سحر، هو لم يقل عن لسان النبي بأنني سحرت، هناك أحاديث لا نأخذ بها مع اعتقادنا بأنها صحيحة، لأن القرآن ورد بخلافها. لأن يمكن أن يُلغى أي حديث، لكن أقول للناس بأن هذا الحديث يتعارض مع القرآن وينتهي الإشكال، فأنا لا أستطيع أن أحذف صفحة في كتاب لمؤلف معاصر حتى لو ثبت خطأ هذه الصفحة، لكننا ننبه الناس إليها.

سؤال: شكراً للموضوع، نحن ينقصنا تقوية الإيمان في قلوبنا وعقولنا، فهل ينقصنا تقوية الإيمان أم الإيمان نفسه ؟

الدكتور عكام: أصل الإيمان موجود، يمكن أن نقوّي الإيمان.

سؤال: أريد أن أقول إذا أردنا أن نعالج مشكلة السحر والشعوذة علينا أن نتوجه إلى التربية، أي إلى الشريحة الصغيرة العمر نسبياً، ما رأيكم بهذا ؟

الدكتور عكام: أشرت في كلامي السابق: علينا نربي أولادنا على العلم، علينا أن نربي أولادنا على الدين الصحيح وعلى المعرفة الصحيحة لهذا الدين، وعلى الطريق السليمة التي توصلنا للتعرف على هذا الدين، وهي التوثيق والتحقيق، وأطالب وزارة التربية والأوقاف في أن يضعوا في مناهجهم ما يعين على التحقق والتثبت في كل أمر علمي، قضية التوثيق والمعرفة والعلم وأهميته، وأن يكون كل شيء آتٍ إلينا عبر قناة العلم، وسنحاول أن يكون مُطبَّقاً، وهذا موجود في مناهج التربية الإسلامية، وعلينا أن نزيد منه.

سؤال: إن السحر يؤثر على العصب البصري للإنسان إذا خاف، ومن هنا فالله عز وجل قال لموسى: (لا تخف إنك أنت الأعلى).

الدكتور عكام: هذا الذي تفضل به السائل نوعٌ من أنواع السحر، وقد قلت بأن السحر تغليب للخيال على الواقع، وهذا التغليب من خلال اللعب بالحالة النفسية لهذا الإنسان، والخوف انفعال وجزء من الحالة النفسية، لذا قال الله عز وجل: (يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى)، هي عملية تخييل وليست عملية إراءة حقيقية: (ولا يفلح الساحر حيث أتى)، الساحر يجعل مِن أمامه يتخيل، ويقوى هذا التخيل حتى يطغى على الحقيقة من خلال الخوف واستغلال هذه النقطة، فيتحول الشيء المتخيل إلى شيء أقوى من الواقع من خلال السيطرة على عقله وتفكيره من خلال إغرائه أحياناً إغراءً مادياً أو جنسياً... فيخالف الحقيقة إلى وهم.

سؤال: السحر آفة العصر وابتزاز الأموال والأعراض وهذا يحدث باسم الدين، وكما هو معروف بأن السحر كفر، بعضهم يدعي بأنه من أهل البيت ويوقع الخلاف بين الزوج والزوجة والأولاد حتى يوصل الخلافات بين الزوجين إلى الطلاق، وبعضهم يضع نفسه بأنه وكيل ومرسل من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم. هل يمكن أن يحدث هذا ؟

الدكتور عكام: قلنا في البداية بأن الدين الحق يمحق الدين الباطل حينما نعلّم الناس الدين الحق وقواعده وأركانه ووسائله. والإنسان يحب الدين ويتأثر به، ويقول علماء النفس والاجتماع: قد توجد جماعات من غير فن، أو من غير... لكن أن توجد جماعات من غير دين فهو أمر مستحيل. فحاجة الإنسان إلى الدين، حاجة إلى الدين الحق، وعند غياب الدين الحق يأتي الباطل. أرأيت إلى مسيلمة الكذاب ادَّعى بأنه نبي وقدَّم نفسه للناس، فالصراع اليوم قائم بين النبي الحق وبين المتنبي الكاذب، بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة، بين الشيخ الداعية للحق بالوسائل الصحيحة وبين ذلك المشعوذ الذي يدعو إلى ظاهر الدين وإلى مضمون مصلحته الخاصة القذرة.

الجرائم تتخذ عدة أشكال، هناك جرائم تأخذ اللبوس الديني، وهناك جرائم تأخذ اللبوس الاقتصادي، وجرائم الحاجة، والسياسة و... ونحن نقول للناس باعتبارنا نتكلم عن المجال الديني: هذا الدين قائم على علم، قائم على بينة: "لو يُعطى الناس بحق دعواهم لادَّعى قومٌ دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدّعي واليمين على من أنكر".

يا ناس: عليكم بالعلم: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، نحن نريد مسيرةً علمية معرفية، يسير عليها أبناؤنا وطلابنا وأحفادنا وأجيالنا القادمة، لأن الطريق العلمي هو الذي يوصلهم إلى الدين الحق، والاقتصاد الحق، والتربية الحقة، والسياسة الحقة، وكل شيء حق، وما سوى ذلك لا يمكن أن يكون ديناً ولا اقتصاداً ولا سياسة.

إذاعة شهبا إف إم: نتمنى أن تصل الرسالة إلى عقول مستمعينا، وأن تقل ظاهرة الشعوذة، وسنستمر في حلقاتٍ أخرى. نشكركم دكتور محمود عكام على إعطائنا هذه الفرصة من وقتكم لإيصال هذه الرسالة المهمة وهذه بداية تواصل بيننا وبينكم، شكراً لكم.

الدكتور عكام: شكراً لكم، وأتمنى أن تكون شهبا إف إم كما عهدناها طريقاً طيبة وسليمة للعلم والمعرفة الحقيقية.

أجرى الحوار:

عبد المنعم جدّوع

شادي الجندي

التعليقات

شاركنا بتعليق