آخر تحديث: الجمعة 26 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
خطبة عيد الفطر 1432

خطبة عيد الفطر 1432

تاريخ الإضافة: 2011/08/30 | عدد المشاهدات: 3610

أما بعد، فيا أيها الإخوة الصائمون القائمون، ويا أيها الإخوة المواطنون:

رحم الله شهداءنا وأمَّننا في أوطاننا.

دُخل على الإمام علي كرم الله وجهه في يوم العيد فرؤي يأكل خبز شعير، فقيل له: يا أمير المؤمنين خبز شعير في يوم عيد ؟ فقال الإمام رضي الله عنه وأرضاه: اليوم لنا عيد وغداً لنا عيد، وفي كل يومٍ لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد. هذه قصة أولى.

وأما القصة الثانية فعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في نهار مثل هذا اليوم يقول: نظر عمر بن عبد العزيز إلى ولده وليس على ولده جديد ثياب فبكى عمر، فذهب الولد إلى أبيه وقال: لم البكاء يا أبتاه، قال يا بني ستخرج إلى الناس وعليهم الجديد من الثياب ولا جديد عليك، فأخاف أن ينكسر قلبك. فنظر الغلام إلى أبيه بقوة وجرأة وحنو ومحبة وقال: يا أبتاه إنما ينكسر قلب من عَدَمه الله رضاه، وعقَّ أمّه وأباه، يا أبتاه إن رضيت عني فهذا عيدي.

ومن هاتين القصتين أتوجه إلى أبنائنا وإلى آبائنا وإلى مسؤولينا وإلى كل من يعيش على أرض هذا الوطن الغالي:

إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه، وعق أمه وأباه، وعق وطنه، وجافى وطنه، وخرّب وطنه، واعتدى على وطنه، وآلى على أن يكون المسيء إلى وطنه، هذا الذي ينكسر قلبه. أتريدون أن نعيش العيد مع الوطن ؟ أتريدون ونحن نمر اليوم بأزمة وطن، فهلّا وعينا هذه الأزمة، وهلّا كنا على مستوى هذه الأزمة، أم أننا مع الوطن نستفيد أيام الرّخاء، وإذا جاءت الشدّة استنكرنا وأعرضنا ولم نكن على مستوى هذا الوطن الغالي الحبيب ؟

يا إخوتي من أجل أن نعِي الأزمة التي تمر بها سورية الغالية نتذكر واجبنا نحو الوطن لا أكثر ولا أقل، وهذا الذي أريد أن يتكرر على ألسنتنا ونحن نستقبل أو نزور، إن زرت بيوت أقربائك فحدثهم عن واجبهم عن وطنهم لأن وطننا اليوم يقول لنا: من أنصاري إلى الله ؟ من أنصاري إلى الحق ؟ من أنصاري إلى الخير ؟ من أنصاري إلى البناء ؟ من أنصاري إلى الحضارة إلى الارتقاء ؟ من أنصاري من أجل أن أكون وطناً عزيزاً حراً كريماً ؟ إذ تستقبل أو تُستَقبل هيا إلى ذكر واجبك نحو وطنك ولا أريد أن أكثر عليكم وإنما أريد أن أحدد وأبنّد فإن الكلام إن لم يُحدَّد فلن يكون قابلاً للتطبيق، ولعل من مشكلاتنا في عالمنا العربي أن من يتكلم منا يتكلم من غير أن يحدد أو يبنّد لذلك ترى الفعل في واد والكلام في واد.

واجبك أيها المواطن الحريص على الخير، مَن كنت وفي أي موقع كنت، واجبك نحو وطنك ثلاثة أمور، لا أريد أن تنساها، ولا أن تنزاح عن قلبك ولا عن عقلك ولا عن فكرك ولا عن وجدانك، ثلاثة أمور مستوحاة من ديننا الحنيف لأن ديننا دين يحضُّ على حب الوطن، ديننا يعد الوطنية إيماناً والإيمان وطنية، واجبك نحو وطنك:

أولاً: محبة ووفاء: عليك أن تحب وطنك أن تتغنى بوطنك لتتبنى، ونحن نريد أن تتغنى لتتبنى ولا نريد أن نتغنى لننهش وطننا، نحن نريد أن نتغنى لنتبنى قضايا الوطن، لنتبنى حماية الوطن، لنتبنى رعاية الوطن، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحبَّ الوطن ؟ ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخاطب مكة كما في الترمذي: (ما أطيبك من بلد، وأحبك إلى الله)، وسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضاً من القوم يتغنى بمكة بوطن النبي بكى النبي وقال لهذا الذي يغني من أجل وطنه وكان اسمه أصيل: (إيه أصيل - أي تابع - وإني لمكة لمشتاق). محبة ووفاء، واجبٌ أول، فهل تحب وطنك إذن فأنت مؤمن.

ثانياً: بذلٌ وعطاء، عليك أن تقدّم لوطنك، فوطنك قدّم لك الكثير، وطنك أعطاك، وطنك ضمَّخَك بعطاياه، وطنك قدم لك هوية جميلة شريفة، أولسنا أولاد بلاد الشام، أولسنا أبناء بلاد الشام ؟ وبلاد الشام مباركة مقدسة، فعليك أن تقدّم لوطنك البذل والعطاء، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في البخاري ومسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فأدنى شعب الإيمان إماطة الأذى عن الوطن، الأذى المادي والأذى المعنوي، وإلا فإيمانك فيه خلل كبير، ومن جملة شعب الإيمان إن أردنا أن نعدَّها فستدخل الصناعة والزراعة والدراسة والاجتماع وحدّث ولا حرج عن كل هذه الشعب، بذلٌ وعطاء.

ثالثاً: تضحية وفداء، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قُتل دون دمه فهو شهيد) أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قتُل دون أهله فهو شهيد) أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قُتل دون ماله فهو شهيد) وهل الوطن إلا الدم والأهل والمال، علينا أن نفتدي هذا الوطن.

محبة ووفاء، بذل وعطاء، تضحية وفداء، هذه واجباتنا نحو وطننا، وإلا فإيماننا ناقص إن لم أقل في حالة زوال.

وأما واجبك نحو المواطن الآخر فهما أمران اثنان لا أريد أن تنساهما لا في العيد ولا في غير العيد، يا أيها الناس يا أيها السوريون يا أيها المواطنون بشكل خاص، واجبك نحو المواطن الآخر أمران: الأمر الأول الحصانة، والأمر الثاني الإعانة.

أما الحصانة: فالمواطن الآخر دمه في حصانة منك وعرضه في حصانة منك وإياك أن تعتدي على المواطن الآخر أو على دمه وإلا فأنت في حالة إيمانية متراجعة وسيزول هذا الإيمان.

أيها المواطنون، أيها الإخوة:

دم المواطن الآخر في حصانة، عرضه في حصانة، كرامته في حصانه، هو في حصانة: (ذمة المسلمين واحدة يجير عليهم أدناهم) هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم: (فمن أخفر مسلماً ذمته فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). إياك أن تخفر ذمة مواطن آخر.

أيها الباحثون عن حضارة الإسلام تبغونها واقعاً، هيا إلى الإنسان كَرِّموه وقدّروه وصونوا دمه وكرامته وحريته وماله، هو في حصانة، فالمسلم أخو المسلم. قال لي بعضهم: أنت تتحدث عن المواطنين لكنك تقول: المسلم أخو المسلم، ولم يقل النبي المواطن أخو المواطن ؟ أقول: ارجع إلى دستور المدينة الذي وضعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المادة الثانية من هذا الدستور: يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع الدستور: "وأن المسلمين مع مَن معهم أمة واحدة على من عَدَاهم".

فكل فرد من أفراد هذه الأمة هو مسلم أي هو مواطن، فكلمة المسلم حين قالها النبي كان يعني بها المواطن، فـالمسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المواطن، كل المواطن على المواطن، حرام كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.

أيها الإخوة: أنت مع المواطن الآخر في معاهدة، أنت تحمل نفس الهوية التي يحملها، والهوية هذه التي تضعها في جيبك هذه وثيقة، معاهدة بينك وبين المواطن الذي بجانبك، وإذا ما كنتم متعاهدين بحسب هذه الوثيقة فأنت حريصٌ عليها، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنسبة للمتعاهدين: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلَّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة) هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في سنن أبي داود.  يا ناس تذكروا واجبكم نحو الوطن وواجبكم نحو المواطن.

وأما الأمر الثاني فالإعانة، والإعانة تعني أن تعين أنت أيها الغني الفقير من أبناء وطنك، وأن تعين أنت أيها القوي الضعيف من أبناء وطنك لا أن تكون شرساً وقاسياً عليه إذا ما أوتيت القوة: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) هيا إلى التعاون، والتعاون أن تقدم العون إلى المواطن الآخر. الحصانة والإعانة.

أيها المواطن حيثما كنت فأنت راعٍ في مساحتك التي تشغلها، الأب راع في أسرته، والمدير في إدارته، والوزير في وزارته، والضابط في ثكنته، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) والحديث صحيح في البخاري ومسلم، الحصانة والإعانة.

أخيراً: هنالك ثلاثة أنواع من المواطنين: هنالك مواطن أكبر يشغل منصباً عالياً، وهنالك مواطن صغير يشغل منصباً صغيراً، وهنالك مواطن وهذا ما نريد أن نكونه أن نسعى من أجل أن نتحقق به، هنالك مواطن أفضل، فهيا أيها الكبير وهيا أيها الصغير بحسب المنصب والمسؤولية من أجل أن تكون أفضل. لا نريد أن يسعى الصغير من أجل أن يكون كبيراً من حيث المنصب، ولكن نريد للكبير والصغير أن يسعى كل منهما من أجل أن يكون أفضل، وذلك من خلال قيامه بواجباته بالمحبة والوفاء بالبذل والعطاء بالتضحية والفداء بالإعانة والحصانة، هذا ما نريد يا إخوتي.

وفي النهاية وبعد الأخير أنتم يا أبناء هذا البلد، بالله عليكم، أناشدكم الله أن تعنوا ببلدنا، بأرضنا، بأحجارها، بترابها، لا أريد أن أنهاكم عن إيذائها، فهذه قضية مفروغ منها، من آذى وطنه آذى دينه، آذى نفسه، لا أريد أن أنهاكم عن الإيذاء، فهذه قضية مفروغ منها، ولكن أريد أن تكونوا من البناة لأوطانكم، أريدكم أن تحافظوا على أوطانكم، أن تسعوا من أجل أن يكون وطننا مادياً ومعنوياً وطناً راقياً مزدهراً عزيزاً كريماً، لا أريد لأحد أن يعتدي على القانون في بلدنا، ولا أريد لأحد أن يعتاش على حساب الوطن، ولا أريد لأحد إلا أن يكون وفياً باراً بوطنه، وأنا أخاطب كل الناس في هذا الوطن، لأنني أحب أبناء وطني، لأنني أشهد الله بأنك يا وطني غالٍ على قلبي، لأنك يا وطني، الواو فيك وفاء، والطاء فيك طهارة، والنون فيك نقاء، وطني أنت غالٍ على قلبي وأنت عزيز، سأفتديك بكل ما أستطيع، وسأدعو أبناءك من أجل أن يكونوا حُماتك، ومن أجل أن يكونوا فيما بينهم متعاونين متضامنين متباذلين كالبنيان المرصوص حتى لا يعتدي علينا معتدٍ إن من داخلٍ أو من خارج، فالذين يريدون الاعتداء على وطننا على سورية لا يَمُتُّون لوطننا ولا إلى الدين ولا إلى سورية بصلة.

فاللهم إني أسألك بحق سيدنا زكريا هذا الذي نعيش في رحابه، أن تحفظ بلادنا من كل مكروه، أن تحفظنا يا ربنا من الحاسدين، من الكائدين، من الشريرين ظاهراً وباطناً، داخلاً وخارجاً، نعم من يُسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 30/8/2011

التعليقات

محمد نور الدين

تاريخ :2011/09/09

وفقك الله يا دكتور محمود عكام إلى ما يحبه الله ويرضاه وجعل أعمالك في ميزان حسناتك

شاركنا بتعليق