آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حرية التعبير عن الرأي

حرية التعبير عن الرأي

تاريخ الإضافة: 2012/01/06 | عدد المشاهدات: 3433

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله شهداءنا وحمى أوطاننا من كل مكروه.

سألني بالأمس سائل قال لي: في الإعلان العام لحقوق الإنسان حق يدعى حق التعبير عن الرأي، ويمكن أن يسمى حق حرية الرأي، هذا في الإعلان العام لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فهل هنالك مثل هذا الحق في الإسلام ؟ هل الإسلام يتبنى حق حرية الكلمة أو حق التعبير عن الرأي ؟

أجبته: إذا كنت تعتقد أن هذا الحق يصبُّ في مصبِّ صالح الإنسان، فلا شك في أن الإسلام يتبنى مثل هذا الحق، بل إنه الذي أصَّل هذا الحق، ما دام هذا الحق يصب في مصب نفع الإنسان فالإسلام جاء من أجل نفع الإنسان، وأنا ولا أريد أن أقول وأتحدث، ولكن أقول للناس جميعاً هيهات أن تجد شيئاً يصب في مصب نفع الإنسان ثم ترى الإسلام لا يدعو إليه ولا يتبناه، يستحيل أن يكون هذا الذي نتحدث عنه.

قال لي هذا السائل فحدّثني إذاً عن هذا الذي يسمى حق التعبير عن الرأي.

قلت له أولاً إن هذا الحق ضمنه الإسلام للإنسان ما دام يصب في مصب نفع الإنسان، ضمنه أيها السائل الكريم، وتعال معي من أجل أن تنظر القرآن الكريم، ألم يفسح النبي صلى الله عليه وآله وسلم المجال للآخر من أجل أن يعبِّر عن رأيه بحرية مطلقة ؟ ألم تأتِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة تجادله، ووصف القرآن هذه القصة ونشرها ورصدها، ألم يقل القرآن الكريم: ﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما﴾، ألم يذكر القرآن الكريم الحوارات بين الأنبياء وبين رؤوس المشركين في عصورهم، ألم يقل القرآن الكريم: ﴿قال له صاحبه وهو يحاوره﴾ وكلمة يحاوره أي يقول له كلاماً وينتظر منه كلاماً، ولم يقل القرآن الكريم قال له صاحبه وهو يفحمه، بل قال: ﴿وهو يحاوره﴾ ألم يعرض القرآن الكريم ما جرى بين إبراهيم أبي الأنبياء عليه الصلاة والسلام وبين رأس الكفر آنذاك "النمروذ"، ألم يقل إبراهيم: ﴿ربي الذي يحيي ويميت﴾ فيجيب النمروذ ﴿أنا أحيي وأميت﴾ يعبر عن رأيه وفكره، ﴿قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب﴾ تابع معه الحوار وتابع معه السماع لرأيه ولم يقل له عندما قال النمروذ: ﴿أنا أحيي وأميت﴾ لم يقل له خسئت، لم يقل له هذا، وإنما تابع معه: ﴿قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر﴾ ألم يعرض القرآن الكريم لحوار السحرة بعد أن آمنوا وعرض تهديد فرعون لهم: ﴿قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى﴾ أجاب السحرة: ﴿لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض﴾ ألم يعرض القرآن الكريم حوارات وحوارات بين مسؤولين وبين أتباع، عرض هذه الحوارات من أجل أن يقول لنا: أيها الإنسان لك الحق في أن تعبر عن رأيك وإذا كان المسؤول عنك لا يتيح لك هذا الحق فهو مضيِّع وهو مقصِّر وسيسأله ربه عز وجل كما أتى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح ابن حبان: (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيَّع) هل حفظت أنت أيها الراعي أيها المسؤول هذا الحق لشعبك لموظفيك لأسرتك أنت أيها الأب ؟ هل حفظت هذا الحق أنت أيها المدرِّس لتلاميذك ؟ أيها الوزير لمن هم في وزارتك ؟ أيها المدير لمن هم في إدارتك ؟ هل حفظت هذا الحق أم أنك ضيعته عليهم وبالتالي سيسألك ربك: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع) لكن أيها السائل الكريم، الرأي أو الكلمة التي يعبر عنها بالنسبة لنا نشترط لها شروطاً حتى تكون كلمة وحتى تكون رأياً بالنسبة لنا حينما نقولها، نحن نحمل الكلمة نريد أن نتكلم بها ولا نواجه بغيرها من يكلمنا بها، لهذا الرأي شروط.

الشرط الأول: أن تكون الكلمة التي تريد أن تذكرها وأن تعبِّر عنها مُتحرِّية للحق، لا أن تقول الكلمة التي تريد، وأنا أتكلم عن ضبط الإسلام لأتباعه: ﴿اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً﴾ تحرَّ الحق بكلمتك التي تريد أن تذكرها وأن تعبر بها، لأن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري ومسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين منها - لا يتحرى الحق فيها - يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) لا نريد أن نتكلم كلمة لا نتبين منها، على كلمتنا أن تكون متحرية للحق، هذا أولاً.

-الشرط الثاني: على كلمتك أن تكون لينة: ﴿فقولا له قولاً ليناً﴾ لينة في أسلوبها لا في مضمونها – وأرجو ان نستوعب هذا - أن تكون كما قلت ذات مرة إحسانية الأسلوب، جاء في مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للسيدة عائشة رضي الله عنها: (يا عائشة عليكِ بالرفق وإياكِ والفحش والعنف) أن تكون لينة.

الشرط الثالث: أن تكون جريئة بينة من حيث المضمون، لا مهادنة على المضمون، ورسولنا صلى الله عليه وآله وسلم كان يمشي ويقول الكلمة البينة الواضحة الجريئة: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) هذا مضمون كلمتنا التي نريد أن نعبر بها عن المضمون، بينة المعنى والدلالة واضحة: ﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله﴾ أن يكون المعنى واضحاً وبيناً وجلياً ونصاً كما يقول الأصوليون، ومحكماً ومفسراً، وألا يكون ثمة غموض للدلالة والمعنى، نحن ندعو إلى هذا القرآن الكريم، إلى المحجة البيضاء، إلى ما جاء عن ربنا عبر رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم، فالكلمة يجب أن تكون واضحة بينة، ثمة فرق بين أن تكون لينة الأسلوب وأن تكون بينة المعنى، ويجب على هذه الكلمة أن تحوي هذين الشرطين.

الشرط الرابع: أن تكون هذه الكلمة مخلصة لله عز وجل، وهنا تكمن الطامَّة الكبرى، لعلنا أو لعل كثيراً منا أو لعل أغلبنا أو لعل السواد الأعظم منا لا يرعى هذا الشرط وهو يتكلم وهو يخطب وهو يتحدث، وإني لأحثُّ نفسي وأحثكم على رعاية هذا الشرط وعلى التفكير الجاد في هذا الشرط لأننا إن أضعنا هذا الشرط أصبح عملنا هباءً منثوراً لا قيمة له لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾.

أيها المتكلمون بحرية، أيها الباحثون عن الكلمة لتعبروا بها عن حق وعن اجتهاد يصب في مصب نفع الإنسان: أخلصوا نياتكم لربكم، وأنا أخاطب المسلمين، وأخاطب من باب أولى المؤمنين: (إنما الأعمال بالنيات)، لا تتولوا بكلماتكم شرقاً ولا غرباً ولا تخافوا وأنتم تتكلمون شرقاً ولا غرباً، وإنما انظروا ربكم وليكم عنوان كلامكم والتعبير عن كلامكم: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، وكما كررنا وقلنا لا شرقاً ولا غرباً وإنما الوجهة هي الله عز وجل، فيا أبناءنا، يا علماءنا، يا شيوخنا، نحن نريد بكلمتنا أن تكون مخلصة وخالصة لوجه الله عز وجل، أوَما تذكرون يوم قلت لكم مقولة الإمام علي كرم الله وجهه الرائعة عندما قال: "لا تُرضِ الناس بسخط الله" أي من حيث النية إياك ان تتوجه لترضي هذا أو ذاك، إياك ان تتوجه بنيتك لترضي معارضة أو موالاة، وعليك أن ترضي ربك وأن تتوجه إلى ربك، لأن ربك يريدك عبداً له، وإذا كنت عبداً لله فأنت الحر الأكبر، وإذ تعرض عن عبوديتك لله فأنت المستعبَد الأصغر، توجه بنيتك لربك، فسيدنا الإمام علي يقول: "لا ترض الناس بسخط الله فإن في الله خلفاً من الناس، وليس في الناس خلفٌ من الله". الله يعوضك عن الناس لكن الناس لا يعوضونك عن الله، وهذا صحيح فهل أنت ترى في الناس بدلاً عن الله وحاشا لكننا نرى في الله بدلاً عن الناس، وإذا رضيت ربي فحسبي أنك رضيت، ولطالما تغنينا ببيتٍ يتوجه في هذا المعنى:

وليت الذي بيني وبينك عامر                  وبيني وبين العالمين خراب

وإن كنا نطلب أن يكون ما بيننا وبين الله عامراً، وأن يكون ما بيننا وبين الناس عامراً، لكننا إن خيِّرنا:

وليت الذي بيني وبينك عامر                  وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هيّن                وكل الذي فوق التراب تراب

يا شباب أمتنا لا سيما وأن هذا الذي سألني شابٌ لم يتجاوز سن المرحلة الثانوية، فهو طالبٌ في الصف الحادي عشر، أتوجه إليه وإلى أمثاله إلى شبابنا جميعاً: يا شبابنا نحن نحتاج إلى مخلصين، نحن نحتاج إلى من يتوجه إلى ربه، إلى من يقصد ربه، إلى من يقول لربه إلهي أنت مبتغاي، إلهي أنت مقصودي، إلهي أنت المُرجَّى وحدك، إلهي أنت الأمل، إلهي إليكم أتوجه ولا أتوجه إلى أحد سواك، إلهي إياك أعبد وإياك أستعين، إلهي نحن مشينا على هذا الطريق لنرضيك أنت فإرضاؤك عنوان أعمالنا وأقوالنا، نريد أن ترضي يا رب، ليس هذا الرضا على سبيل الإجمال وإنما هو على سبيل التفصيل، نريد أن ترضى عنا في كل سلوك نسلكه صغر هذا السلوك أم كبر.

فيا ربنا اجعلنا مخلصين لك في كل ما نقول، اجعلنا مخلصين لك، لا سيما ونحن نعبر بكلمتنا عما يجول في خواطرنا وقلوبنا، وفقنا يا رب من أجل أن تكون نياتنا خالصة لوجهك الكريم، يا ربنا ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، نعم من يسأل إلهنا، ونعم النصير ربنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 6/1/2012

التعليقات

شاركنا بتعليق