آخر تحديث: الإثنين 15 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
عناصر المروءة

عناصر المروءة

تاريخ الإضافة: 2012/03/09 | عدد المشاهدات: 4097

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله شهداءنا وحمى أوطاننا.

أيها الأحبة: دخل عليَّ رجل كما نسميه عامي فقال لي بلهجته: (الله يكثِّر أهل المروّة).

فكّرت في هذه الكلمة وقلت لأجعلن من هذه الكلمة خطبة، رجعت إلى نفسي وقلت: حينما نمتدح إنساناً ما أمامنا اليوم نقول هذا الرجل عنده إنسانية عالية، والإنسانية مشتقة من الإنسان، أي إن هذا الإنسان لديه نسبة إنسانية متحققٌ بوجوده الذي ارتضاه الله عز وجل له تحققاً عالياً، الإنسانية كلمة لطيفة لها أبعاد جميلة كلنا يسعى من أجل أن يتحقق بها.

المروءة تكاد تماثل وتشابه الإنسانية في القديم، اليوم نقول إنسانية وكانوا يقولون مروءة، دلالة المروءة في القديم كدلالة الإنسانية في عصرنا الراهن الحديث، والمروءة مأخوذة من المرء، والمرء هو الإنسان، فكما أن الإنسانية من الإنسان فالمروءة مأخوذة من المرء، والمرء هو الإنسان ذكراً  كان أو أنثى.

حاولت وأنا أقرأ القواميس أن أتعرف على معنى المروءة وما كانت تدل عليه المروءة، وإذ بي أقع على تعريف للمروءة لدى رجل لا كالرجال، لدى سيد التابعين الحسن البصري رضي الله عنه، فوجدته يقول عن المروءة إنها ثلاثة أمور، وما أقول هذا إلا من أجل أن ينظر كلٌ منا إلى نفسه هل هو من أهل المروءة أم لا، وبالتالي أدركت روعة دعاء هذا الرجل الذي دخل علي وقال الله يكثر أهل المروة.

الآن سأذكر ما قاله الحسن البصري عن المروءة وهي ثلاثة أمور، ولينظر كلٌ منا نفسه فإن كان متحققاً بها فنسأل الله أن يزيدنا تحققاً وأن يزيد المتحققين بها، وإن لم يكن متحققاً بها فأسأل الله أن يوفقنا من أجل أن نتحقق بها لأن أهل المروءة إذا كثروا نعمنا وسعدنا وسعد شبابنا وأنِسنا وتفاءلنا وكانت الراحة ساكنتنا وساكنة القلوب التي نملكها.

المروءة ثلاثة أمور حسب رأي الرجل العظيم الحسن البصري رضي الله عنه: صدق لسان، وكف أذى، وبذل معروف.

الأمر الأول: صدق لسان: انظر نفسك بالنسبة للأمر الأول هل لسانك صادق ؟ ستقول لي أسعى. أقول لك عليك أن تسعى وأن تدرك، إذا كنت مطمئناً فلسانك صادق لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في الترمذي: (الصدق طمأنينة والكذب ريبة) وأغلبنا اليوم مرتابون وليسوا مطمئنين لأنهم يتبعون ألسنتهم وألسنتهم بعيدة عن الصدق إلى حدٍ ما: (الصدق طمأنينة والكذب ريبة) هكذا قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول أيضاً كما في البخاري ومسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) لا يمكن للكذاب أن يكون صاحب مروءة، لا يمكن لمن يحب الكذب أن يكون صاحب مروءة مَن كان، لا يمكن لمن يدعو للكذب أن يكون صاحب مروءة، لا يمكن إلا للصادق أن يكون صاحب مروءة، الصادق وحده هو صاحب المروءة. هل تتكلم كلمة لا تتبين منها ؟ إذاً أنت قريبٌ من الكذب وبعيد عن الصدق: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين منها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) كما جاء عن سيدنا المصطفى حسبما رواه الإمام أحمد، كم نتكلم كلمات وكلمات لا نتبين منها ولا نتأكد منها وأصبح الكلام اللا متبين منه وأصبح الكلام الموثق المحقق نادراً جداً عبر وسائل الإعلام كلها، وعبر أحاديث مجتمعاتنا جُلها وأغلبها: (الصدق طمأنينة والكذب ريبة) المروءة ثلاثة أمور من اجل ألا تغادر دلالة المروءة عقولنا ولا تفكيرنا صدق لسان.

الأمر الثاني: كف أذى: ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً﴾ فالمسلم كما جاء في الحديث الذي يرويه النسائي: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) فهل أنت ممن سلم المسلمون من لسانك ويدك ؟ إذاً حققت الأمر الثاني من المروءة، فهل أنت ممن سلم المسلمون من لسانك ويدك ولو كان مسلماً ظاهراً هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) كف أذى صفة ثانية لذي مروءة لمن يريد أن يتحلى بالمروءة، قلت لكم يقول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) وقد ذكرت هذا الحديث خلال السنة أكثر من خمس مرات، فهل أنت مؤمن ؟ إذا كنت كذلك فأنت من أهل المروءة، لماذا تؤذون الفقير يا أغنياء ؟ اليوم الفقير ومن فوقه بقليل هو من يتأذّى من قبل الأغنياء وأصحاب السلطة والأعداء الخارجيين والاتحاد الأوربي والاتحاد الشرقي والغربي كلهم عليك أيها الفقير يا إيها المتوسط كلهم يؤذونك، لا تملك ديناراً ولا دولاراً، يملكون ويتاجرون على حسابك، على حساب طعامك، فلعنة الله على كل من يريد تجويع وترويع الفقير، لعنة الله على كل من يريد تجويع وترويع الشعب وأعني بالشعب بشكل خاص الطبقات المتوسطة والفقيرة، يا ناس كفوا أذاكم عن الفقير عن الضعيف إن كنتم تريدون أن تتصفوا بالمروءة وإن لم تريدوا الاتصاف بالمروءة ألا لعنة الله على الظالمين، على الآثمين، كف الأذى يا ناس: (ملعون من ضار مؤمناً أو مكر به) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم، يسأل الفقير عن العملة هل ارتفعت أو نزلت لا لشيء ولكنه يريد أن يذهب ليشتري السكر والرز والخبز والمحروقات، يأتي البائع يوم السبت يقول له البائع كيلو هذه المادة بخمسين ليرة يأتيه يوم الأحد يقول له كيلو هذه المادة بسبعين ليرة يأتيه يوم الثلاثاء يقول له بمئة ليرة وهذا التاجر وهذا الغني وعذراً أيها الأغنياء الطيبون فأنا لا أتحدث عنكم وإن كنتم قلة، وهكذا يسمع الغني الأخبار فيفكر بتكثير الأموال أما الفقير ومتوسط الحال فبالله عليكم بمَ يفكر ؟ كفوا الأذى يا ناس يا أيها الفارضون العقوبات علينا لن يتأثر بهذه العقوبات إلا الفقير والمسكين أتريدون أن تبعدوه عن ربه ؟ لن يبتعد، سيبقى مؤمناً بالله سيبقى ملتجأً إلى الله سيبقى مع الله رغم أنوفكم سيدعو الله في ليله ونهاره في خلوته وجلوته لأنه يعتقد تماماً أن الرزاق هو الله وأن المطعم هو الله فافعلوا ما بدا لكم فإن عليكم الإثم ولنا ما قدّر الرحمن الرحيم، عليكم الإثم ولنا الرضا بقدر الله ولن يقضي الله فينا إلا ما يسعدنا فافعلوا ما شئتم الله معنا، لا تحزن أيها الشعب ولا سيما الفقير إن الله معنا لا تحزن أيها الضعيف إن الله معنا، لا تضطرب فورب الكعبة إن الله معك يريد منك اطمئناناً إليه ويريد منك استقراراً به ويريد بك رسوخاً على هذا الذي قلبك كان راسخاً عليه وهو الإيمان بالله عز وجل، كف أذى.

الأمر الثالث: بذل المعروف: أين المعروف تبذلونه ؟ نحن اليوم نطالب بكف الأذى، مروءتنا اليوم أصبحت دلالتها تقتصر على كف الأذى ونرضى بذلك لكننا نريد أن نكمل تعريف سيد التابعين الحسن البصري للمروءة، بذل المعروف: (كل سلامى من الناس عليه صدقه) كل عضوٍ من أعضائك عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس وعلى كل مفصل من مفاصلك صدقة هكذا قال سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري ومسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة) تعدل بين الاثنين صدقة ونحن لا نعدل بل نجور بين الاثنين، نحن الآن نمارس دور الجور بين الاثنين التاجر الذي يحتكر ويظلم والحاكم الذي يظلم يجور بين الاثنين بين الرجل وامرأته يرفع الأسعار وإذ بالرجل لا يخاطب زوجته بعدل يصيبه شيء من الاضطراب أنا أقول لهذا أصلحك الله كن مطمئناً كما قلت لك آنفاً بالله ولكن البشرية تأخذ أبعادها وآثارها: (ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة) أعينوا الناس يا ناس، أعينوا الناس يا أيها المسؤولون على اختلاف أصنافكم يا أيها المسؤولون السياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون والتربويون يا أيها الطلاب يا أيها المجتمع الدولي أنت لا تعرف كيف يعيش هذا وذاك من الناس: (والكلمة الطيبة صدقة) تلك العملة المفقودة الآن، لا تستطيع أن تعين الرجل ولا تستطيع أن تعدل بين الاثنين هيا إلى كلمة طيبة انشر الكلمة الطيبة المتفائلة المؤمنة الواثقة بالله قلت لكم على هذا المنبر يسألني أحدكم كيف ترى الوضع ؟ أقول له بخير يقول لي كيف تقول هذا بخير ؟ أقول له يا أخي أنت تنظر إلى وسائل إعلامك وتقول لي إن الوضع ليس بخير. أنا انظر إلى تفاؤلي بربي وأقول إن الأمور بخير وربي أقوى وأعلم وأعظم وأكرم وأجود منك، مصادرك تجعلك مضطرباً ومصادري تجعلني مطمئناً: ﴿إن الله معنا﴾. اللهم اشهد بأننا لا نريد إلا مرضاتك وخدمة بلدنا ونصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، اللهم اشهد بأننا لا نبتغي إلا كرامة الوطن والمواطن، اللهم اشهد بأننا لا نريد إلا الخير لبلادنا وللناس أجمعين ومن أراد غير ذلك فاصرفه عنا ومن كادنا فكده يا رب مَن كان: (اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم أعوذ بك من شر فلان بن فلان – وعبّر فلاناً أنتَ بالذي تريد – ومن شر الجن والإنس وأتباعهم أن يفرط عليَّ أحد منهم عزَّ جارك وجلَّ ثناؤك ولا إله غيرك) هكذا كان يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الطبراني بسند حسن: (والكلمة الطيبة صدقة)، نعود إلى الحديث: (ويميط الأذى عن الطريق صدقة) فهل أنت تميط الأذى عن الطريق أم تضع الأذى على الطريق الحسي والمعنوي على الطريق المادي وغير المادي ؟ (وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة) إلى الصلاة وليس إلى الحركات التي نتحركها، إلى الصلاة التي هي صلة الإنسان بربه، الصلاة صلة فهل أنت في صلاتك متصلٌ بربك ؟ قل لي أم أنك تذهب إلى المسجد لتتحرك بعض الحركات التي تشبه الحركات الرياضية البسيطة التي لا تقدم في ميدان الجسم ولا تؤخر أم أنك تذهب إلى المسجد لتتصل بالله لتقوم بإرسال رسائل إلى رب العزة جلّت قدرته ملؤها العبودية وملؤها الثناء وملؤها الافتقار، اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك، اللهم أنت ربي، اللهم أنت مقصودي، اللهم أنت معبودي، هل تتوجه إلى ربك في صلاتك ؟

المروءة ثلاثة أمور: صدق لسان وكف أذى وبذل معروف، و: (اشفعوا تؤجروا) ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء، والشفاعة بذل معروف، ومن استطاع منكم أن يشفع للمحتاج عند الغني المستطيع فليفعل ولينتظر الأجر من ربه ومن استطاع منكم أن يكون شفيع خير للضعفاء عند الأغنياء فليفعل من أجل الضعفاء ومن استطاع منكم الشفاعة للجائع عند الشبعان فليفعل ومن استطاع ومن استطاع.. (اشفعوا تؤجروا) لكل من ضلَّ ويريد الهداية لكل من ذل ويرد التوبة لكل من شرد ويريد العودة لكل من انحرف ويريد الاستقامة فلنكن شفعاء لهؤلاء يوم القيامة عند رب العباد المشفع لديه المطلق، وعند الناس الذين وضع الله عندهم الأسباب أو قضاء الأسباب أو تحقيق الأسباب ظاهراً لا باطناً لأن الله كما جاء عن الإمام أحمد: نادت الأسباب في أفلاكها إن الله من ورائها.

يا أهل سورية أرجوكم ويا أهل حلب أرجوكم ان نتحقق جميعاً بالمروءة بصدق اللسان وكف الأذى وبذل المعروف، أناشدكم الله على اختلاف أماكنكم فباب التوبة مفتوح على مصراعيه ولن يرد ربنا أحداً توبوا إلى الله وإلا، لا أريد ان أقول وإلا وأسأل الله أن يوفقنا لتوبة نصوح أكثر مما كنا إلى أمن وأمان إلى طمأنينة واستقرار، إلى أخوة ملؤها الحب والتعاون والنصح.

أسأل الله أن يوفقنا إلى ذلك، اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 9/3/2012

التعليقات

شاركنا بتعليق