آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
دعوات ومناشدات

دعوات ومناشدات

تاريخ الإضافة: 2012/05/11 | عدد المشاهدات: 4425

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله شهداءنا، وحمى أوطاننا من كل مكروه.

أيها الإخوة:

في هذه الخطبة قررتُ أن أخاطب أصنافاً أربعة، وأن أناشدهم وأن أدعوهم.

أما أول المخاطَبين والمناشدين فالمظلومون والمنتهكة أعراضهم والأبرياء الذين تُسفَكُ دماؤهم بغير حق وأهلهم وذووهم وأبناؤهم وآباؤهم في أي بقعة من بقاع هذا الوطن، أقول لهؤلاء المظلومين، للمعتدى عليهم، للمنتهكة أعراضهم، للمخربة بيوتهم، للمسروقة أموالهم، للمطلوب أولادهم، أقول لهم: أنتم مظلومون، والفرج آتٍ، ونصرُ الله قريب، الفرجُ آتٍ، فتوجَّهوا إلى ربكم عز وجل فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب كما قال سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حسبما روى البخاري: (اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، الفرجُ آت وقدَّمتم أيها المظلومون ما قدمتم، وأسأل الله أن يجعل هذا الذي قدمتموه مقبولاً لتُعتَبروا مظلومين ولتُنصَروا على من ظلمكم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم) هكذا قال نبينا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حسبما جاء في الترمذي: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول: وعزتي لأنصرنكِ ولو بعد حين).

 أيها المظلوم أينما كنت ومن أي جهة ظُلمت: الفرج قريب وآتٍ بفضل الله ومنِّه وكرمه وبوعده للمظلومين، أيها المظلوم في ليلك ادعُ الله عز وجل أن ينصرك على الظالم، أيها المظلوم أنا أعلم أنك قدمت الكثير الكثير، والله عز وجل سيتولاك، والله عز وجل سيفرِّج عنك، والله عز وجل سيعطيك ويمنحك.

أما الصنف الثاني: أيها الظالم مَن كنت ومن أي جهة خرجت وفي أي موقع وقفت: أحذرك من الاعتداء على الحياة وعلى العرض وعلى الدم، أحذِّرك مَنْ كنت، أحذرك من الاعتداء على الحياة فالاعتداء على الحياة اعتداءٌ على الله، الاعتداء على الدم اعتداءٌ على الله، أوَما سمعت قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البيهقي: (لزوال الدنيا أهون على الله من سفك دمٍ بغير حق) مَن كنت، أخاطب كل الظالمين في أي جهة كانوا ومن أي موقع انبثقوا، إياكم والاعتداء على الحياة فالحياة مُقدَّسة قدسها الله وثبت قدسيتها ربنا: ﴿مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً﴾ روى البيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مَن أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة كُتب بين عينيه آيسٌ من رحمة الله).

أيها الظالم، أيها المعتدي على الحياة: إن أردتَ دماً فكأنك أردت دماء الإنسانية، وبالتالي هدمت ما الله أراد بناءه، أيها المعتدي على النفس البشرية إن الله ليملي للظالم أينما كان هذا الظالم كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) لا تفرحنَّ أيها الظالم بأنك تُمهَل فإن الله يملي لك لكن الله إذا أخذك وسيأخذك لن يفلتك ولن تُفلت، وستلاحق من قبل العدالة الإلهية والعدالة الإنسانية المنتمية للعدالة الإلهية، والتاريخ أمامك اقرأه، وأنا أقول اليوم هذا وأفتح لك باب التوبة، وفتح باب التوبة ليس إلي ولكنني أفتحه بفتح الله عز وجل، لا زال في القوس مَنزَع، ولا زال في الأمر مُتَّسَع، فتوبوا أيها الظالمون على اختلافِ أمكنتكم وإلا فالعاقبة وخيمة والتاريخ لن يرحم، ولئن أردتَ اليوم دماً فسيسجَّل ذلك في صفحتك السوداء وستبقى لعنة عليك مَن كنت إلى يوم القيامة وفي القيامة إن كنت تؤمن بها أو لا تؤمن ستكون من المدحورين من أولئك الذين يكونون في الدرك الأسفل من النار.

أما الصنف الثالث: فيا أيها المواطنون على اختلاف مواقعكم، يا أيها الناس يا أيها المسؤولون في أي مكان كنتم من المسؤولية هنا أو هناك، يا أيها الآباء، يا أيها المديرون، يا أيها الوزراء، يا أيها الشيوخ: العدلَ العدلَ، العدلَ العدل في الكلام والفعل والحكم، العدلَ العدل، أوَتريد أن تعرف العدل ؟ العدل: أن تعرف مالك وما عليك، وأن تعطي كل ذي حق حقه، فهل أنت تعطي الوطنَ حقه ؟ هل إعطاء الوطن حقه أن تهتك وأن تقوم بالغدر حيال شوارع الوطن، حيال ثروات الوطن، حيال أرضِ الوطن ؟ هل هذا هو حق الوطن عليك أن تجعل الوطن مستباحاً لكل فعلة شرسة، مَن كنت لا أتحدث عن فئة دون أخرى، مَن كنت هل هذا حق الوطن ؟ هل أنت عادلٌ مع وطنك إذ تستبيح أرضه وسماءه وشوارعه هل هذا قيامٌ بحق الوطن عليك بواجبك نحو الوطن ؟ العدل في القول والعمل والحكم، أن تعرف مالك وما عليك وأن تعطي كل ذي حق حقه، العدل العدلَ يا ناس: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا﴾ أنتَ لا تحب فلاناً عليكَ أن تعدل وأنت تصفه بالقول وأنتَ تتعامل معه بالعمل، وأنتَ تحكم بينه وبين آخر يمتُّ إليك بصله، بالعدل يقوم الملك الصحيح السليم، العدل العدل يا مواطنون، هل تعدل أنت في قولك وعملك مع مَن تحب ومع من لا تحب ؟ يريدون منا أن نكون عادلين مع من نحب، مع من يقربنا نسباً، مع الذي يمتُّ إلينا بمصلحة، أما مع الآخر فلا يريدون منا إلا أن نكون ظالمين، فساءَ صباح الظالمين، وساءَ صباح مَنْ يريد منا أن نكون ظالمين: (ما من عبد يسترعيه الله رعية) كما جاء في صحيح مسلم، أنت عبد صاحب رعية، ورعيتك إن لم يكن لك زوجة وأولاد رعيتك أعضاؤك، رعيتك لسانك، رعيتك رأسك ويدك، رعيتك رجلك، هل أنت تعطي أعضاءك حقها وهل تعرف ما يجب عليك تجاهها  وتبتدئ مسؤولية الإنسان على أعضائه لتنتهي إلى مسؤولية كبرى، قد تكون حاكماً وقد تكون وزيراً وقد تكون شيخاً وموجِّهاً وقد تكون أباً وقد تكون زوجاً: (ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة) لن تشمَّ رائحة الجنة وإن ادَّعيتَ بأنك مؤمن وبأنك شيخ وبأنك تلتزم القرآن، العدل العدل في القول والعمل والحكم يا ناس يا أيها المواطنون على اختلاف المناصب والتوجهات والفئات والأطياف والمذاهب، العدل العدل: (ما من أحدٍ يكون على شيء من أمور هذه الأمة – هكذا يقول سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما في مستدرك الحاكم – فلا يعدل فيهم إلا كبَّه الله عز وجل في النار)، العدل العدل يا إخوتي، العدل فيما تقولون، مالي أراكم تتكلمون من دون أن تفحصوا كلامكم هل كلامكم عدل ؟ هل كلامكم يحمل السداد ؟ وهل فعلكم يحمل الرشاد ؟ وهل حكمكم يحمل الحكمة مع السداد والرشاد أم أننا لم نعد نمحّص هذا الذي يصدر عنا ؟ المهم أن نُرضي الناس دونَ الله، المهم أن نرضي من حولنا، المهم ان نرضي من يهددنا ويرغبنا، والمهم أن نكون أمام الناس لا أمام الله من المرضي عنهم لا أكثر ولا أقل، اتق الله كن عادلاً في قولك وحكمك وفعلك.

أما مَن أتوجه إليه رابعاً فأنتَ يا رب، يا رب ونبيك صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في مسند الإمام أحمد: (مَن لم يدعُ اللهَ غضب عليه) أدعوكَ أنت يا رب فرِّج عنا يا رب، عليك بالظالمين يا رب، عليك بالآثمين يا رب، عليك بكل عدوٍ للإنسان والإنسانية يا رب، يا رب احفظ سورية، احفظ بلاد الشام يا رب، يا رب من أراد بنا خيراً فاجعل الخير عليه مُضاعَفاً، ومن أراد بنا شراً فخذه أخذ عزيز مقتدر، يا رب وأنت تعلم الذي يريد الخير والذي يريد الشر، نجتهد لنعلم ونخطئ وإن اجتهدنا فما بالنا بمن لا يجتهد ويدَّعي العلم والحكمة ؟ أما أنا فأكِلُ الأمر إلى ربي، يا رب أنت أعلم بحالنا، (ثمة كلامٌ في الصدر لا نستطيع قوله لأن الناس لا يرحمون) نبثُّ إليك ما في صدورنا وأنت أعلم العالمين وأنت أحكم الحاكمين، أمِّنا في أوطاننا يا رب، أرِنا في الظالمين يوماً يا رب، يا رب قد ضاق الحبل على الودج، يا رب فعجِّل بالفرج، جئناك بقلبٍ منكسرٍ ولسانٍ بالشكوى لهج، يا رب فعجِّل بالفرج، يا رب بحق الأيتام، يا رب بحق الأرامل، يا رب بحق الدموع التي تُسكب وهي مظلومة انصرنا على الظالمين يا رب على الآثمين ظاهراً وباطناً داخلاً وخارجاً، يا إلهنا يا رجانا ندعوك وأنت الملجأ الوحيد والمأمول، انقطعت الآمال إلا منك وخاب الرجاء إلا فيك، رفعنا إليك أيدينا، أنا أعلم أن فينا شيوخاً ركَّعاً وأن فينا صغاراً رضَّعاً، فيا رب بحق هؤلاء وأولئك أمِّنا في أوطاننا، رُدَّ كيد الكائدين في نحورهم، اجعل دائرة السَوء تدور على كل من يريد سوءاً بنا يا رب العالمين بأوطاننا ببلادنا بذرات تراب أرضنا وبلادنا ووطننا، يا ربنا يا إلهنا يا رجانا قد طال وضاق الحبل على الودج، إلهي يا رجائي يا أملي يا معتمدي يا سندي أتوسل إليك بأوليائك بأحبابك أن تحفظ أولادنا وأن تحفظ بلادنا وأن تحفظ شوارعنا وأن تحفظ بيوتاتنا وأن تحفظ أعراضنا وأن تحفظ دماءنا وأن تحفظنا من كل شر يا رب، رب اشرح صدرنا ويسر أمرنا وأعطنا سؤلنا وتولَّنا ولا تُرنا في بلادنا مكروهاً يا رب، يا رب ختمت بك لأن اعتمادنا عليك ولأن التجاءنا إليك ولأن رجاءنا فيك فلا تخيِّب رجاءنا يا ربنا يا إلهنا يا رجانا.

دعوتي الأخيرة: الأمن والأمان يا رب، ارفع عنا الغلاء والبلاء وشماتة الأعداء ومَن كان مع الأعداء، ارفع عن المستضعفين المعاناة التي يجدونها بحق نبيك المصطفى وأهل بيته وأصحابه ارفع عن هؤلاء الضعفاء المستضعفين المعاناة بكل صورها بكل أشكالها معاناة المرض معاناة القلق معاناة الخوف معاناة الرعب معاناة الغلاء معاناة البلاء يا ربنا أنت الناصر وأنت المجيب وأنت المعين وأنت الجبار وأنت الكريم وأنت المستجيب، اعتمدنا عليك فلا تردنا خائبين، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 11/5/2012

التعليقات

شاركنا بتعليق