كلماتٌ في رجال عرفتهم وغادرونا..
الكلمة الثانية عشرة
حقاً إنه عالم مُحقِّق مدقّق، له في علوم التوحيد والمنطق باعٌ بل باعات، خطيبٌ مؤثِّر جريء، هادئٌ في ظاهره، يموج باطنُه ويهدر، فهو الحريص على أخلاقِ الأمة ودينها وتراثها وتاريخها، وهو الغيور على حُرمات الله وحرمات الإنسان السويِّ الرَّشيد. درَّس في الثانوية الشرعية فأَعجَبَ الطلابَ النابهينَ تدريسُه، واعتلى منبرَ جامع السبيل خطيباً فذاع صيته وعمَّت شهرته الخيِّرة كلَّ المدينة. أدَبُه جمّ، فإن أنت رأيته وهو أمام أخيه الكبير الشيخ عبد الرحمن زين العابدين رأيتَ مؤدَّباً مهذَّباً مُوَقِّراً مبجِّلاً، وإن أنت شاهدتَه في محفلٍ أو اجتماع حسبته من الحضور أو من العوام الذين لا يرونَ لأنفسهم شيئاً يُذكر إن كانوا في حضرة كبار، وهو لا يضع على رأسه عمامة الشيوخ البيضاء بل عمامةً كعامّة العامّة صفراء.
لن أنسى يومَ الوفاة فقد كان مشهوداً، وقفَ الشيخُ محمَّد الشاميُّ على القبر يرثيه فقال من جملة ما قال: "حدَّثني العلامة أبو الحسن الندوي قائلاً: يا شيخ محمد ما جلستُ في بلاد الشَّرق إلى أعلمَ من أبي الخير".
أمَّا أنا فيا أيها المَهيب: فو الله لقد أحببتك وأعجبت بك ولطالما تمنَّيتُ أن أكون على خطاك في التحقيق والتدقيق والتأصيل والتوضيح.
طيّبٌ من طيِّب أنت، فطوبى لك.
وأجملُ ما أختم به كلمتي عنك ما قاله الشيخ جميل عقاد في حقِّك وقد أشار بكلتا يديه إليك: عندما قرأ في حضرة الشيخ أحمد إدلبي، قصيدته العصماء بعنوان "من وحي الأربعين" وآخر بيت فيها:
واعبُدِ الرَّحمن في قرآنه ... تغدُ بالقرآن زينَ العابدين
ولما لفظ: "زين العابدين" التفتَ إلى أبي الخير وقال - بإشارته ولسانه - : تغدو مثل هذا، فهو أبو الخير وزين العابدين. والسلام عليكم يا أيها المذكورون أجمعين.
محمود عكام
التعليقات