الرحمن علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان
يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده : لماذا
قدم الله ( علم القرآن ) على ( خلق الإنسان ) ؟ مع أنه حسب تصورنا القاصر كان ينبغي
أن يقول : الرحمن خلق الإنسان علمه القرآن .
والجواب هو أن الله قال : ( الرحمن علم القرآن ) وعلَّم في اللغة العربية تأخذ
مفعولين ، فالمفعول الأول هو القرآن ، أما المفعول الثاني فغير موجود . والسؤال
أيضاً لمن علمَ الرحمنُ القرآن ؟
الجواب أيضاً : لما نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غار حراء قال
له : ( اقرأ ) وكلمة اقرأ تحتاج إلى مفعولٍ به ، لكنه لم يذكر المفعول به فقد قال (
اقرأ باسم ربك الذي خلق ) . ما الذي سيقرؤه النبي ؟ أيضاً المفعول غير موجود ، ولكي
نضع المفعولين في الآيتين فإننا نقول : الرحمن علم القرآنُ الإنسانَ ، فكلمة
الإنسان محذوفة ، وفي آية اقرأ أيضاً : اقرأ أيها الإنسان القرآن . في سورة الرحمن
القرآن موجود وحُذِفَ الإنسان ، أما في سورة اقرأ الإنسان موجود وحُذِفَ القرآن .
إذاً : إما أن يوجد المفعولين ( الإنسان والقرآن ) مع بعضهما ، وإما أن يُحذَفا
معاً لأنهما متلازمين ، فأنت من دون قرآن لا إنسان ، والقرآن يحتاج إلى إنسان من
أجل أن يتزل عليه وأن يطبقه وأن يتحقق به ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم حين وصفته السيدة عائشة بقولها : " كان خُلُقه القرآن " .
إذن : الرحمن علمَ الإنسانَ القرآن قبل أن يخلق الإنسان الخَلق المادي ، وذلك عندما
كان الإنسان في عِلمِ الله في عالم الذر ، في عالم ( ألست بربكم ) ، طَبَعه بالقرآن
، والقرآن هو قواعد الفطرة ، فكل مولود يولد على الفطرة ، أي على قواعد القرآن ،
على قواعد كلام الله عز وجل ، عَلَّمَ القرآنَ الإنسانَ قبل أن يوجده ، ثم خلق
الإنسانَ مطبوعاً بالقرآن لأنه علمه القرآن قبل أن يوجده مادة ، الرحمن علم القرآنَ
الإنسانَ في أصله قبل أن يوجد مادة ، ثم خلقه مطبوعاً بالقرآن الكريم ، مطبوعاً
بالفطرة ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ، مطبوعاً على قواعد الفطرة ، ثم علمه
البيان ، أي زَوَّده بوسائل البيان ، بآلية البيان . فالإنسان يختلف عن غيره من
المخلوقات بأنه مُزَوَّدٌ بآلية البيان ، فهو يستطيع أن يوضح ويتكلم ، وهذه الآلية
هي من أجل أن تظهر القرآن الذي طبع فيك .
وفي المحصلة : الرحمن علم الإنسانَ القرآن قبل أن يوجده مادة ، ثم خلقه مطبوعاً
بطابع القرآن وعلمه البيان ، حتى إذا ما تكلم الإنسان وبَيَّن ينبغي أن يكون بيانه
صادراً عن القرآن الكريم ، فإذا كان بيانه صادراً عن غير القرآن الكريم فقد خالف
الإنسان فطرته وطريقه .
الإنسان بين قرآن عُلِّمه ، وبين بَيان ، ويجب على الإنسان حال البيان أن يَصدُرَ
عن القرآن ، فإذا صدر في حال بيانه عن غير القرآن فهو ليس بإنسان سوي ، ولذلك نقول
لأرباب البيان أي أصحاب المبادئ والمعطيات والقوانين والآداب .... الخ .
الإنسان في بيانه لن يكون إنساناً إلا إذا صدر عن القرآن ، لأنه حينها يخالف قواعد
الفطرة . فإذا صدرت في بيانك عن غير قواعد القرآن فقد صدرت عن غير الفطرة ،
وبالتالي انطبق عليك حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " فأبواه يُهَوِّدانه أو
يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه " إما أن يثبت على الفطرة ، وإما أن يتحول عنها .
لطيفة قرآنية :
يلقيها فضيلة الدكتور الشيخ محمود عكام بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع في جامع التوحيد .
التعليقات