آخر تحديث: السبت 04 مايو 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
ما الذي نطلبُهُ من الغَرب ؟

ما الذي نطلبُهُ من الغَرب ؟

تاريخ الإضافة: 2022/11/29 | عدد المشاهدات: 386

أمَّا بعد، فيا أيُّها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

منذ أيام زارني شخص من الغرب، وهو ذو منصب رفيع، قال لي: ما الذي تطلُبه من الغرب باعتبارك مسلماً ؟ قلت له: لا أطلب شيئاً سوى أنني أضع كل إنسانٍ أمام مسؤولياته. قال لي: ما المقصود بالغرب عندك ؟ قلت: هذا الذي تُلخِّصه وسائل إعلامهم، وتأتينا أخباره من خلال وسائل إعلامهم العامة، أعني بالغرب الذي أطلبه منه ما تريد أن أطلبه، هذا الذي لم يَعُد موضوعياً كما يدَّعي، ولم يعُد ذا منطق إنساني، ولم يعُد يسعى من أجل الإنصاف، ما أطلبه من الغرب أمران اثنان:

الأمر الأول: أن يتعرَّف على الإسلام من منابعه الأصلية، وأن يُعرِّف مَن حوله بالإسلام من مصادره الموثوقة، أريد أن يتعرَّف على الإسلام من المسلمين أنفسهم، من علماء المسلمين الصادقين الذين يُشهَد لهم بالعلم والتقوى والإخلاص. قال لي: لمَ تقول هذا ؟ قلت: في يومٍ من الأيام رأيتُ برنامجاً على إحدى قنوات التلفزة الغربية، وكان البرنامج يتحدَّث عن الزواج عند مختلف الناس، ووصل الدور للحديث عن الزواج في الإسلام، وإذ بالذي تحدث عن الزواج في الإسلام رجل دين مسيحي، قال عن الزواج في الإسلام بأن الإسلام يحضُّ على أن يتزوج الإنسان أربع نساء، يتزوج امرأة من أجل الجمال، ويتزوج امرأة من أجل المال، ويتزوج امرأة من أجل النسب، ويتزوج امرأة من أجل الدِّين، وعليه أن يحب المرأة ذات الدِّين أكثر، هكذا قال عن الزواج في الإسلام. قلت: أفيجوزُ هذا ؟! أفيجوز أن تأخذ الإسلام من غير منبعه ورجالاته، وقِس على هذا الأمر أموراً كثيرة، لقد قلتُ على هذا المنبر منذ أسابيع: إذا أردتَ أن تتعرف أنت أيها المسلم على الإسلام فعليك بالمصدر الموثوق، بالمنبع والأصل، بالعالِم الحكيم المتفهِّم المخلص الوفي، وهذا ما تقتضيه الموضوعية التي يَنشُدها الكبير والصغير، تعرفوا أيها الغربيون على الإسلام من منابعه، من رجالاته، ومن أولئك الذين يقدمون الإسلام صافياً من دون غَرَض، بوفاء كما أنزله الله عز وجل.

الأمر الثاني: أطلبُ من الغرب أن يكونوا منصفين، فإذا ما وصلوا إلى أمر بعد حوار، إلى ما يعتقده المتحاورون بأنه صحيح  عليهم أن لا يعاندوا، وأن ينصفوا، وجئتُ بمثال على ذلك، لقد ثبت بما لا شكَّ فيه عند عقلاء الناس كافة بأنه لا حقَّ للكيان الصُّهيوني في فلسطين. هذا ما يقوله الخبراء والعقلاء والمؤرخون والذين درسوا كل ما يتعلق بهذه المنطقة، كلهم يقولون: هؤلاء اليهود الصهيونيون الإسرائيليون دُخلاء ولا حقَّ لهم في شِبرٍ من أرض فلسطين، فلماذا لا تقفون يا أيها الغرب مع الفلسطينيين وعقلاؤكم وخبراؤكم ومؤرخوكم يقولون هذا الكلام الذي أقوله ؟!

من أين ثبتَ لكم أيها الغرب بأن "المثلية" يمكن أن تكون تحت قنطرة الإنسانية ؟!! هل "المثلية" تتناغم مع الإنسانية، لماذا أبَحتم وقنَّنتم المثلية "زواج رجل برجل" هل هذا مما وصلت إليه عقولكم وخبرتكم ؟! هل هذا يمكن أن يستقيم مع إنسانيةٍ مَنشودة، فلماذا قَنَّنتم لها ؟!

سؤال ثالث ورابع: لقد أدرك عقلاؤكم وكل باحثيكم بأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم شخصية عظمة، بل الشَّخصية العظمة فلماذا لا تُدخِلون هذه الشخصية في تاريخ عظمائكم، إن كان هناك فيما وراء البحور في أمريكا، أو هنا على أحواض البحور التي نعرفها من هادي ومتوسط، فلماذا لا تُقرُّون بأُستاذيَّة الإسلام لكم في فترةٍ من الفترات، لماذا لا تُقِرُّون بفضلِ الإسلام عليكم في كثيرٍ من الأمور عبر تاريخكم الذي تسمونه تاريخاً حضارياً، اقرؤوا كتباً صَدرت عبر أقلام علمائكم، اقرؤوا: "شمس العرب تسطع على الغَرب"، لماذا لا تُعلِّمون أجيالكم أن العرب وإن كانوا ضعيفين اليوم لكنَّ تاريخهم وضيء وسيعودُ هؤلاء العرب في يومٍ ما إن شاء الله ليكونوا كما كان أسلافهم وكما كان أجدادهم.

أيها الغرب: أريدك أن تكون عاقلاً، وأن تكون منصفاً، وأن تكون عادلاً، وقد تحتجُّ عليَّ بأن بعضاً منا من بني يعرب أو من المسلمين لا يتصفون بهذه الصفات، وأنا أقول معك: نعم إن ثمة عرب ومسلمين ربما كانوا أشد ضرراً منك علينا، لكنني لا أتحدث الآن عن أولئك، لكنني أتحدث معك عنك، ويوم يأتي الحديث عن أولئك سأتحدث عن أولئك مع أولئك عمَّا فعلوه حيال هذا الدين انتهاكاً وإجراماً وعدم فهم وعدم إنصاف.... المهمُّ الآن حديثي معك: كن منصفاً، كن عادلاً، كن عاقلاً، ثلاث صفات أريدك أن تتصف بها، لأنني قلت في يوم الأيام: الإنسان يمر بثلاث مراحل: مرحلة البشرية، وهي المادة الخام للإنسانية، ثم يرتقي إلى الإنسانية (إني خالق بشراً من طين) ثم ترتقي البشرية لتكون إنسانية (فإذا سويته ونفخت فيه من ورحي) صار إنساناً، ومقومات الإنسان أمران اثنان: العقل والعدل، والإنصاف أول مقتضىً من مقتضيات العقل والعدل.

اسمع يا هذا قصةً أنهي بها حديثي وردت عن ذاك الرجل الأعظم صلى الله عليه وسلم، عن السَّيد السَّند الأكرم، وعن موضوعيته وعن إنصافه، يروي صاحب كتاب: "المواهب اللدنية" وصاحب كتاب: "نزهة الأفكار" وصاحب كتاب: "التدوين" قصةً عن السيدة فاطمة رضي الله عنها، وقد كانت شابة أقرب إلى سِنِّ الصِّغر منها إلى سِنِّ الكِبر، لقيها أبو جهل فاغتاظ منها ولطمها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكت إليه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبي إلى أبي سفيان، وأبو سفيان كان يومها كافراً إلا أنه كان حاكماً وكان إذا ما حكم استمع الناس إلى حكمه، فأمسك بيد السيدة فاطمة وذهب بها إلى أبي جهل، وقال للسيدة فاطمة: أهذا الذي لطمك ؟ قالت: نعم. فقال لها: الطميه كما لطمك، فلطمته وعادت إلى أبيها وحدَّثته بما جرى، وهنا يتكلم الإنصاف كله، ويرفع الحبيب الأعظم يديه إلى السماء، وأبو سفيان كافر، لكنه فعل فِعلةً حميدة، ويرفع النبي يديه إلى السماء ويقول: (اللهم لا تنسَها لأبي سفيان) يقول ابن عباس: والله ما أظنُّ أن إسلام ابي سفيان إلا استجابة لهذه الدعوة التي دعاها النبي صلى الله عليه وسلم.

أيها الغرب، أيها الشرق: كن عادلاً، كن عاقلاً، كن منصفاً، هذا ما نبتغيه من الإنسان أينما كان الإنسان، فإذا لم يكن الإنسان كذلك فالإنسانية ثوب خُلع منه وعنه، اللهم رُدَّنا إلى إنسانيتنا وإلى ديننا، وإلى عروبتنا الصافية النقية الشَّهمة، رَداً جميلاً، نِعمَ مَن يُسألُ أنت، ونعم النصير أنت، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 25/11/2022

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/h0Nzyn-JMk/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

التعليقات

شاركنا بتعليق