آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
وَاجِباتنا تجاه الأزمة التي ألمت بنا

وَاجِباتنا تجاه الأزمة التي ألمت بنا

تاريخ الإضافة: 2023/08/18 | عدد المشاهدات: 277

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

قلنا ونؤكد على أن الإنسان بين حقٍ وواجب، بينَ ما له وبين ما عليه. المشكلة أن الإنسان اليوم يسعى من أجل تحقيق ما له وينسى الذي عليه، ولهذا قيل: من عرف ما له وما عليه فهو عادل، ومن عرف الذي له ونسي الذي عليه فهو غافل وجاهل، ومن عرف الذي عليه وتناسى الذي له فهو فاضل، من الفضل والإحسان. علينا أن نتعرف على واجباتنا، على ما علينا قبل أن نتعرف على الذي لنا لنكون من أهل الفضل والإحسان. ذكرنا في الأسابيع الفائتة واجباتنا نحو ربنا، وواجباتنا نحو نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وباعتبارنا نعيش أزمة وكلنا يعلم ذلك، نعيش أزمةً معيشية، رَأيتُني أتحدث وأحدثكم عن واجباتنا نحو هذه الأزمة التي تَلفُّنا والتي أصبحت ظلاً أسود لنا ومعنا، وهذا ما لا يمكن أن نُنكِره.

أولاً: الواجب الأول عليك أن لا تكون جزءاً من المشكلة، أن لا تكون جزءاً من الأزمة. كيف تكون جزءاً من المشكلة ? عندما تستكين، عندما تكتئب، عندما تُحبَط، عندما تشتم، عندما تَسُب تكونُ حينئذٍ جُزءا من المشكلة، عليك أن تكون جزءاً من الحل، عليك أن تبحث عن حَلٍّ لهذه الأزمة التي ألمت بنا، فـ: (كُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسؤولٌ عن رعيته) كُلُّنا مسؤول، (وقِفوهم إنهم مسؤولون)، (فوربِّك لنَسأَلنَّهم أجمعين. عَمَّا كانوا يعملون). كُن جُزءاً من الحل، أسهِم بإيجاد الحل، كُل مِنَّا من خلال اختصاصه، أنا رجلٌ اختصصتُ بدراسة الدِّين، بدراسة هذه الشريعة، فعليَّ أن أقدِّم حلاً لهذه الأزمة من خلال اختصاصي، من خلال واقعي، من خلال دراستي، وهذا لا يعني أنَّ الذي أقدمه هو الحل الوحيد وعلى الناس كافة أن يأخذوا بهذا الحل، لكنني أطالب الاقتصادي المختص بالاقتصاد من أجل أن يقدم الحل لهذه المشكلة، وكذلك نطالب السياسي من أجل أن يقدم الحل لهذه المشكلة، وعلى الجميع أن يُدركوا أنه لا حلَّ وحيداً من قبل واحدٍ منا، الحل الذي يطرحه إمام المسجد ليس هو الحل الوحيد، ولكنه حَلٌّ من جملة الحلول، وعلى الناس أن يتخذوا كلَّ هذه الحلول أسباباً مشروعة، أريد أن أؤكد على هذا، أنا حينما أطرح الحلَّ الشرعيَّ أو الحل من خلال اختصاصي، من خلال الشريعة الإسلامية، ينبغي على الاقتصادي أن يفهم هذا الحلَّ وأن يزيد عليه الحل الاقتصادي، وعلى السياسي أن يزيد على الحل الدِّيني الشَّرعي والحلِّ الاقتصادي الحلَّ السِّياسي، وعلينا أن نأخذ بكل هذه الحلول. المشكلة يا إخوتي أن الواحد منا يطلبُ منا يطلب أن نقدم له حَلاً سِحرياً من على المنبر، ويطلب من الاقتصادي أن يقدم له حَلَّاً سِحرياً من مكانه، والمشكلة الأخرى أن الناس تريد حَلاً واحداً من جِهةٍ واحدة، وهذا لا يُمكن أن يكون. نضربُ على ذلك مثلاً لو أن إنسانا الآن شعر بألم في رأسه، فجاءني وقال لي: أريدك أن تدعو لي بالشفاء، وأن تقرأ لي على رأسي. سأدعو له بالشفاء، وساقرأ له على رأسه، وسأتلو بعض الآيات القرآنية المتعلقة بالشفاء، وسأقول له: شفاك الله وعافاك، ولكنني لن أقول له لا تذهب إلى الطبيب، أقول له: اذهب إلى الطبيب، أدعو لك واذهب إلى الطبيب وخُذ بحلِّ الطبيب مع حَلِّي وإياك أن تتفرَّدَ بحَل دون حل، وأن تعتمد حَلَّاً دون الحلول الأخرى ما دامت الحلول الأخرى مشروعة ومطلوبة. أعتقد أنني أوصلت الفكرة إليكم.

الآن بالنسبة لي: الحل مِن وجهة نظرٍ شرعية لهذه الأزمة التي ألمت بنا يكمُن في التوُّكل على الله عَزَّ وجل، توكَّل على الله، (وكفى بالله وكيلاً) أرأيت لو أن مشكلة اجتماعية ألمت بك، ألا تذهب لتوكِّل محامياً فاهماً نبيهاً، أنت الآن ألمت بك مشكلة، ألمت بك أزمة فما عليك إلا أن ترفع أمر هذه الأزمة إلى الله عز وجل لتقول له: وكلتك يا ربِّ كفى بك وكيلاً، وكَّلتك يا ربِّ في حَلِّ هذه الأزمة: (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً)، (ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه) توكَّل على الله صادقاً موقناً، ادعُ الله وأنت موقن بالإجابة، (وأنتم موقنون بالإجابة فإنَّ الله لا يَقبلُ دُعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ)، (ولو أنكم) هكذا قال النبيُّ الأعظم، ونبيُّنا صادقٌ مَصدوق رَغمَ أنفِ الجاحدين جميعاً، (لو أنكم توكَّلتم على الله حَقَّ تَوكُّله لرزقكم كما يرزقُ الطَّير، تَغدُو خِماصاً) جائعة (وتَروحُ بِطاناً) شبعانة، تُصبِح، تذهب في الغُدُوِّ صباحاً وهي جائعة، تعود في المساء، في الآصال وهي شبعانة، أشبعها اللهُ عَزَّ وجل. ما الثمنُ الذي تدفعه للوكيل ? أنت توكل محاميا تدفعُ له ثمناً، ما الثمن الذي تدفعه لربك عَزِّ وجَلَّ?  أنت أيها الإنسان المسلم تريد أن توكل ربك في هذه الأزمة التي ألمت بك، والتي حَلَّت بساحاتنا، وبأبنيتنا وبشوارعنا وبأسواقنا، ما الثمن الذي تدفعه لربك، للوكيل ? الثمن - يا إخوتي – استغفار، (فقلتُ استغفِرُوا ربَّكم إنه كانَ غَفَّاراً) هذا كلامُ الله يا إخوتي، لطالما كَرَّرتُ أنا هنا في المحراب، قلت لكم: استغفروا الله، أكثروا من الاستغفار، (فقلتُ استغفروا ربَّكم إنه كانَ غَفَّاراً. يُرسِلِ السماءَ عليكم مِدراراً. ويُمدِدكم بأموالٍ وبَنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً) يا قوم، هكذا قال القرآن: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يُرسِل السماءَ عليكم مِدراراً ويَزِدكُم قُوةً إلى قوتكم) هكذا يقول الله عز وجل. قلت أكثر من مرة في هذا المحراب: استغفروا ربكم، فهل استغفرتم ربكم ? بالله عليكم هل استغفرتم ربكم في يومكم مئة مرة منذ الأزمة وإلى اليوم، منذ أسبوع وإلى اليوم، هل استغفرَ ربَّكم أحدُكم مئة مرة في اليوم على الأقل ? هل حَفَّظتم أولادكم سيدَ الاستغفار ? هل قرأتم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر ؟ يا جماعة، يا مسلمون، أنتم تتحدثون في الفراغ، أنتم تتحدثون من غير أن تتحققوا، وبالتالي لن يكون هناك إلا زيادة نَكَدٍ وتَعَب مِن لا شيء، (ولو أنَّ أهلَ القُرى آمنوا واتَّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض) استغفروا ربكم، كانَ النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام يقول، وأكرر هذا الحديث: (مَن لَزِمَ الاستغفار جَعَلَ الله له من كُلِّ ضيق مَخرجاً ومن كُلِّ هَمٍّ فَرَجَاً، ورَزقَه مِن حيثُ لا يحتسب). بيني وبين نفسي من قبل أن آتي إلى هنا في مساءِ الأمس وإلى اليوم استغفرتُ ربي مئةَ مَرة سَيِّد الاستغفار، فعلت ذلك حتى لا أكون متكلماً من غير فعل، ذكرتُ سَيِّدَ الاستغفار مئة مرة: (اللهمَّ أنتَ ربي لا إله إلا أنت، خلقتَني وأنا عبدُك، وأنا على عَهدِك ووَعدِك ما استطعت، أعوذُ بِك مِن شَرِّ ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك عَليَّ وأبوءُ بذنبي، فاغفِر لي فإنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت). يا إخوتي: قولوا هذا، قولوا سيدَ الاستغفار، أو قولوا صِيغةً أخرى وردَت عن النبي صلَّى الله عليه وسلم: (استغفرُ اللهَ العظيم الذي لا إله إلا هو الحيُّ القَيُّوم وأتوبُ إليه) كان النبيُّ، نبيُّكم الذي تحبونه، كان يقولُ هذا الاستغفار في مجلسٍ واحد مئةَ مرة، وقد عَدَّ ذلك عليه الصَّحابة رضيَ الله عنهم، عَدُّوا على النَّبيِّ مئة مرة يقولُ في مجلسٍ واحد. يا إخوتي: الذي يفرج هو الله، فاستغفروا ربَّكم، والزموا بابَ ربِّكم، واتَّخذوا الأسباب المشروعة في مختلف الميادين، وإلا فالمشكلةُ تتفاقم وتتراكم، ولا تكونوا جُزءاً من المشكلة، كونوا جُزءاً من الحل، وَقَاكُم اللهُ عَزَّ وجَل ووقانا شرَّ الأشرار، وسوء السيئين، وفسادَ الفاسدين، نِعمَ مَن يُسأل أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القول وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 18/8/2023

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/mvumEnKBLi/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق