أمَّا بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:
كلنا يعلم أن الإسلام عبادة ومعاملة وأخلاق، وأن المعاملات تُشكِّل ركناً من أركان هذا الدين، إلا أن هذه المعاملات ينبغي أن تكون وفق شريعتنا الغَرَّاء في منطلقاتها وفي مسارها أو مساراتها وفي غاياتها، ومما يجب علينا في المعاملات أن نتجنب ونجانب ما الله عز وجل حرَّمه فيها، ومن جملة ما حرَّم ربي عز وجل في المعاملات (الاحتكار ورفع الأسعار) والاحتكار - كما تعلمون – هو: شراء شيءٍ وحَبسُه وخزنه حتى يَقِلَّ ويغلو سعره. وبالتالي فإذا غلا سعره فَرِح هذا المحتكرُ لأنه سيربح كثيراً وكثيراً، ولكن على حساب الناس وضروراتهم. والاحتكار حرام، بكلمةٍ واحدةٍ محسومة حاسمة، الاحتكار حرام، وهو أشدُّ حُرمة حينما يكون الاحتكار في الأطعمة، حينما يكون في الأقوات، في قوت العباد، في الغذاء، في الطعام، في الشراب، يكونُ أشدَّ حرمةً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا هنا سأنقل ما قاله سيدي وقائدي الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، فاسمعوا يا أمة هذا النبي، اسمعوا هذا النبي ما يقول عليه الصلاة والسلام في هذه الجريمة النكراء: (لا يَحتَكِرُ إلا خاطئ) هكذا قال أولاً. وخاطئ ليس من الخطأ، وإنما من الخطيئة، لا يحتكر إلا مرتكب خطيئة، إلا المجرم، إلا المذنب، إلا العاصي. ويقول عليه الصَّلاة والسلام: (من احتكر على المسلمين طعامهم أصابه الله عزَّ وجل بالجُذام والإفلاس) وَعيدٌ من المصطفى صلى الله عليه وسلم، أصابه الله عزَّ وجَلَّ بالجذام والإفلاس. ويقول عليه الصلاة والسلام: (مَن احتكرَ طعاماً أربعين ليلة فقد بَرِئَ من الله تعالى، وبَرِئَ اللهُ تعالى منه، وأيُّما أهلُ حَيٍّ أمسوا - أو أصبحوا في رواية أخرى - وفيهم جائع فقد بَرِأت منهم ذمَّة الله ورسوله). اسمعوا هذا وفكِّروا، وأعتقد أننا جميعاً نُدرك ما يحدث في أسواقنا وفي محالنا وفي متاجرنا، ما يجري في هذه الأماكن من احتكار، ومن ارتكاب لهذه الشنيعة الفظيعة الذي يرفضها الإسلام رفضاً قاطعاً من دون هوادة.
وأما غلاء الأسعار: فهو ينطبق على كل شيء تسعى من أجل أن يغلو سعره، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (بئس العبدُ المحتكر، إن أرخص الله الأسعار حَزِن، وإن أغلاها فرح) انظروا أوضاعكم أيها الإخوة، ولينظر كل منا وضعه، كيف إذا كان عنده شيء ما، سواء أكان طعاماً أو غير طعام كيف يتمنَّى أن يغلو السعر، هذا حرام، هذا حرام إن حزنت لرخص الأسعار وعندك من هذه البضائع الشيء الكثير فبئسَ العبدُ أنت، وأنت محتكر، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من دخل في شيءٍ) اسمعوا يا أيها التجار، اسمعوا يا أيها المسؤولون، (مَن دَخَل في شيءٍ من أسعار المسلمين ليُغلِيه عليهم كان حقاً على الله عز وجل أن يُقعده بعُظْمٍ من النَّار يوم القيامة) وفي رواية: (كان حقاً على الله عز وجل أن يقذفه في جهنم يوم القيامة) اسمعتم يا إخوتي إلى هذا الذي قاله سيدنا وحبيبنا وقائدنا ومعلمنا عليه الصلاة والسلام، يقول المصطفى أيضاً: (الجالب مَرزوق) الذي يجلب البضائع للسُّوق من أجل أن يُرخِص الأسعار على الناس، الذي يطرح ما عنده في السُّوق من أجل أن تكون الأسعار ترخُص، (الجَالِبُ مَرزُوق، والمحتكر مَلعون) ملعونون أنتم أيها المحتكرون لكل شيء، ولا سيما للطعام، لكل شيء إن احتكرتموه من أجل أن يغلو سعره فأنتم ملعونون، هكذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام. ألا من رَجعةٍ يا إخوتي إلى سيرة الصَّحابة الكرام، إلى سيرة أولئك الذين كانوا يتضامنون فيما بينهم، أولئك الذين كانوا يُؤثِرون على أنفسهم ولو كان بهم خَصاصة، (والذين تبوَّؤوا الدَّار والإيمان) هؤلاء أجدادكم إن كنتم تعترفون بذلك، (والذين تبوأوا تبوَّؤوا الدَّار والإيمان من قبلهم يُحِبُّون مَن هاجر إليهم) مَنْ هاجر إليك ولعل أخاك هو الذي هاجر إليك فما لي أراك تنبذه، وما لي أراك لا تنظر إليه، وما لي أراك لا تعطِفُ عليه، وما لي أراك لا تقدم له المساعدة، (والذين تبوأوا تبوَّؤوا الدَّار والإيمان من قبلهم يُحِبُّون مَن هاجر إليهم ولا يَجِدُون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويُؤثِرون على أنفسهم ولو كانَ بهم خَصَاصة ومَن يُوقَ شُحَّ نفسِه فأولئك هم المفلحون) هذه هي الصورة المثلى التي نسعى إلى التحقق بها إن كنا فعلاً مسلمين مؤمنين. الرسول عليه الصلاة والسلام وضع الصورة المثلى من أجل أن نتحقق بها، ومن أجل أن نصل إليها لنكونَها، (مثل المؤمنين) فهل أنتم كذلك ? (مثل المؤمنين في تَوادِّهم وتَراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد) فهل أنتم جسد واحد ? (إذا اشتكى منه عُضوٌ تَداعَى له سائرُ الجسد بالحُمَّى والسَّهر) الأخُ يَفِرُّ من أخيه هنا في الدنيا قبل الآخرة، والرجل يَفِرُّ من زوجته، والزوجة تَفِرُّ من زوجها، لا يريد أحدٌ أن يساعد أحداً، ولا يريد أحدٌ إلا أن يكون ربحُه وثَراؤُه على حسابِ حاجات الآخرين، أفيجوزُ هذا يا إخوتي وأنتم تقولون صباحَ مَساء بأنَّكم مسلمون، وأنكم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وأنَّ محمداً قائدُكم، معلمكم، أسوتكم. يا إخوتي هل من مراجعةٍ لهذا الذي نحن فيه، راجعوا أنفسكم وحاسبوا أنفسكم، وأنا اخاطب الجميع من غير استثناء، أخاطب كلَّ الفئات، وأخاطب كلَّ الشَّرائح، وأخاطب كلَّ المستويات، وعلى مختلف الصُّعُد، أخاطب الجميع من أجل أن يراجعوا أنفسهم فيما إذا كانوا مؤمنين مسلمين أم لا ? أسألُ اللهَ عزَّ وجَلَّ أن يَرُدَّنا إلى دينه رداً جميلاً، نِعمَ مَن يُسأل ربُّنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهنا، أقولُ هذا القول وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 25/8/2023
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.
التعليقات