آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
المعايير الأخلاقية للمجتمع المسلم

المعايير الأخلاقية للمجتمع المسلم

تاريخ الإضافة: 2023/11/06 | عدد المشاهدات: 218

أمَّا بعد، فيا أيُّها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

من المعلوم أنَّ الدِّين أخلاق، وأنَّ المسلمَ يَمتازُ بخُلُقه، وأنَّ المجتمع الإسلامي بشكلٍ عام مِيزتُه الأولى مِيزةٌ خُلُقية، أليسَ ثمةَ معايير يجب أن تتوافر حتى نحكُمَ على هذا المجتمع المسلم بأنَّه مسلمٌ فعلاُ وحقاً من خلال التزامه وتطبيقه لهذه المعايير الأخلاقية القرآنية النَّبوية، فما هي هذه المعايير الأخلاقية لمجتمعٍ مسلم فِعلاً ?

المعيار الأول: إفشاء السَّلام: يمتازُ المجتمع المسلم بإفشاءِ السَّلام، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: (لا تدخلونَ الجنَّةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنون حتى تَحابُّوا، أولا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعلتمُوه تحاببتم ? أفشوا السَّلام بينكم) وإفشاءُ السَّلام لا يعني فقط أن تقول لجارك أو لصاحبك أو لمن هو في طريقك: "السَّلام عليك" أو "السَّلام عليكم"، بل إفشاء السَّلام يعني إضافةً للتَّحية أن يَشعُرَ مَنْ أمامك بأنك سِلْمٌ له وأنَّه سِلْمٌ لك، لأنَّك مُسالم معه، مع أخيك المسلم، وأنه مُسالِمٌ مَعَك، ومسالم لك. المشكلةُ أننا نُفشِي السَّلام بيننا وبين عدونا، في حين نفشي البغضاء بيننا وبين إخواننا، وبين المسلمين. هناك كثيرٌ من العرب والمسلمين يَسعَوْن لإفشاء السَّلام مع الصَّهاينة، مع المجرمين، مع الأعداء ويقومون بإفشاء البغضاء مع المسلمين، مع المجتمعات الإسلامية، مع الدول الإسلامية، أفيجوزُ هذا ? تحاولون إفشاء السَّلام بينكم وبين عدوٍّ لا يعرفُ السَّلام، ولا يعرف الأمان ثم بعد ذلك تجعلون خط العداوة يربط بينكم وبين إخوانكم المسلمين لأنهم خالفوكم في قضيةٍ من القضايا، والأمثلة لا تحتاجُ إلى ذكر فكلكم يعرف ومُطَّلعٌ على هذا الذي نقول، كلكم مطلع على أمثلة كثيرة لم تعد خَفِيَّةً عن أعيننا أو عن كل ذي عينين، أو عن كل أعمى حتى، حتى الأعمى أصبح يرى ويشعر ويحس بهذا الذي أقول. إفشاء السَّلام بين المسلمين، بين المواطنين الصَّادقين الحقيقين من مسلمين وغير مسلمين إذا كانوا متعاهدين ومُعاهِدين ومُعاهَدين.

المعيار الثاني: الإحسان إلى الجار: إذا رأيت مجتمعاً ما مِيزَته أنَّ أفراده يُراعِي بعضُهم جِوار الآخر، يراعي كلٌّ منهم جارَه، متمثلاً حديث النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم: (من كانَ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر فليُكرِم جَارَه)، وأيضاً ما قاله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم: (لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لجارِه ما يُحِبُّ لنفسِه)، وقولَ المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ما زالَ جِبريلُ يُوصِيني بالجار حتى ظَننتُ أنَّه سيُورِّثُه) المشكلة أيضاً هنا أنَّ بعضاً منا على مستوى الأفراد أو على مستوى الدُّول يَعُدُّون الكِيانَ الغاصب الأثيم جاراً، ويَرعَون حُقوق هذا الجار اللَّعين الذي ليسَ هو بِجَار، وإنما هُو مُحتَلٌّ غَاشم أثيم، ولا يَرعَونَ جِوار دولةٍ مُسلمة أخرى، ولا فرداً مسلم آخر، ويُعلِنون هذا بكلِّ وَقاحة. "إسرائيل" الكِيان الغاصب ليس جاراً لا لسورية ولا للبنان ولا لفلسطين ولا لتركيا ولا للسعودية ولا للأمارات، إسرائيل عدوٌّ غاصِب مُحتلٌّ غاشِم علينا أن نقاوِمه، لا صُلحَ معه ولا سَلام معه ولا حِوارَ معه، افهموها يا عرب، افهموها يا مسلمون، قلتُ مرة منذ أكثرَ من أربعينَ سَنة: "الضَّعفُ العَابِر لا يُغَيِّرُ الحَقَّ الثَّابت"، الحقُّ أنَّ "إسرائيل" مغتَصِبة، أن هذا الكِيان غُدَّةٌ سَرَطانية مَزروعة في جسم الأمة العربية والمسلمة، في جسم الشُّرفاء والعُقلاء، فليسُوا بجيرانٍ على الإطلاق، الكِيان الغاصِب ليسَ جاراً للفلسطينيين يا إخوتي، بل هُو العدوُّ اللَّدُود لكلِّ مُسلم، ولكلِّ عَربي، ولكلِّ شَريف، ولكلِّ صَاحبِ قَضِيَّة.

المعيارُ الثالث: إصلاحٌ بين المتخاصمين في المجتمع المسلم: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)، (ألا أخبركم) هكذا قال النبيُّ الأعظم عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصَّلاة والصِّيام والصَّدقة ? قالوا: بلى يا رسول الله ? قال" صَلاحُ ذاتِ البَيْن، فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْن هِي الحَالقة، لا أقولُ تحلِقُ الشَّعر، ولكن تَحلِقُ الدِّين) دينُنا بلا شك في حالة "حلاقة" في حالة زوال، لأننا مُتخاصِمون فيما بيننا وغير مُتخاصمين مع أعدائنا، (أصلحوا بين أخويكم) بينَ المسلم والمسلم، أما أن تُصلِحَ بين الكِيان الغاصِب والفلسطينيين فهذا ليسَ إصلاحاً، هذا هو الذُّلُّ بعينه، لأنَّ هؤلاء الصَّهاينة المجرمين ليسوا إخوتنا، ولا يمكن أن يكونوا حتى في مُستوى البشر أو في مستوى الإنسان، هم أعداءُ الإنسان وأعداء الفطرة وأعداؤك وأعداء الإسلام وأعداء المسيحية وأعداء التوراة وأعداء موسى عليه الصَّلاة والسَّلام، إصلاح ذات البَيْن بَينَ المسلم والمسلم على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدُّول، فيا أيها الأفراد المسلمون، ويا أيتها الدول المسلمة: أين إصلاح ذاتِ البَين بينكم ?! تُسرعون وتهرعون إلى صُلحٍ وإلى إصلاح مع العدوِّ اللدود، ولا تهرعُون الى إصلاح بينكم وبين المسلمين على مُستوى الدولة، بين جارتكم الدولة المسلمة، بل بالعكس وهذا ما رأيناه في السنوات السابقة، بل ثمةَ دولةٌ تعتدي على دولة مسلمة تعتدي على دولة مسلمة أخرى، وتستعدي عليها بإسرائيل، وبأذنابِ إسرائيل وبأمريكا وبكل المفسدين في الأرض، وأنتم تعلمون هذا أكثر مما أعلم.

المعيار الرابع: التَّعاون والتَّكافل والتضامن: (وتَعاونوا على البرِّ والتَّقوى ولا تَعاونوا على الإثم والعُدوان)، تعاونوا بينكم أيها المسلمون، تعاونوا وليُعِن بعضُكم بعضاً، علينا أن نعينَ أهل فلسطين من أجل أن يُقاوموا عدوَّهم، لا أن نُعينَ أهلَ فلسطين من أجل أن يُسالموا عدوهم، علينا أن نعين أهلَ فلسطين من أجل أن يُجاهِدوا عدوَّهم، من أجل أن يُقاتِلوا عَدوَّهم الذي بَادَرهم بالقتال والاغتصاب والاعتداء، علينا أن نُعينَ إخواننا المسلمين في كُلِّ بِقاع الأرض والشرفاء من أجل أن ننتصر على أعداء الإنسانية حيثما كانوا وحيثما حَلُّوا، (وتَعاوَنُوا على البرِّ والتَّقوى ولا تَعاونوا على الإثم والعُدوان)، (المؤمنُ للمؤمن كالبُنيان المرصوص يَشُدُّ بعضُه بعضاً) افهَموها أيتها الدُّول الإسلامية، فإنكم إن كنتم عوناً لهذا العدو اللدود فسيأكلكم "يومَ أُكِل الثَّورُ الأبيض" سيأكُلكم، سينتَهِككم، لن يُوفِّرَ منكم أحداً، لن يُوفِّرَ منكم لا مُسالِماً معه ولا عدواً معه، هو عدوكم شئتم أم أبيتم، أنتم تمشون في سَرَاب عندما تَتعاملون مع هذا العدوّ على أنه إنسان، على أنه يمتلكُ شيئاً بسيطاً جداً من الضَّمير، هو لا يمتلك ضَميراً على الإطلاق، لا أقول هذا الكلام حَماساً، قلتُ هذا الكلام وأكرره منذ أكثر من خمسين سنة وأكرر هذا الكلام، وأؤكد على هذا الكلام، لكن الذي يؤلمني سُؤالُ الدَّهرِ أين المسلمونَ، أين المتضامنون، أين المتآلفون على مستوى الدُّول وعلى مستوى الأفراد، وعلى مستوى المنظمات، وعلى مستوى الأحزاب، أين أنتم أيها المسلمون من قولِ اللهِ عَزَّ وجَل: (واعتَصِموا بحبلِ الله جميعاً)، أنتم مُبَعثرون، أنتم مُشتَّتون، أنتم متشرذمون، لذلك أنتم تُخالِفون أمر الله عزَّ وجل: (وتَعاونوا على البرِّ والتَّقوى)، (واعتصموا بحبل اللهِ جميعاً) كلُّ ما أدعو اللهَ عز وجل به أن يَلُمَّ شَملَ المسلمين وأن يجمعهم على ما يُرضِيه، وأن يجعَلَهم قوة موحدة في ظِلال مَرضاتِ ربِّنا جَلَّت قدرته، اللهمَّ إني أسألك أن تَرُدَّنا جميعاً إلى دِينك رَدَّاً جَميلاً، وأن تجعلَ مُجتمعنا مجتمعاً إسلامياً من حيثُ أخلاقُه، ومن حيث توافر المعايير الأخلاقية التي ذكرناها، اللهمَّ إنا نسألك نصراً لإخوتنا في فلسطين يا ربَّ العالمين، نسألك نصراً على أعداء الإنسانية حيثما كانوا مِن صَهاينة مِن غَربيين مِن ليبراليين، مِن كل إنسان يريدُ الأذى بالإنسان أينما كان، ويريدُ الأذى بمن يَعبُدُ الرَّحمن، وبِمن يَتوجَّهُ من خلال الفِطرة إلى صِدق العُبودية للواحدِ الدَّيَّان، نِعْمَ مَن يُسأَلُ ربُّنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهنا، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 3/11/2023

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/o4zsTEzngl/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق