آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
أَركانُ الإنسَانيَّة

أَركانُ الإنسَانيَّة

تاريخ الإضافة: 2023/12/22 | عدد المشاهدات: 261

 

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:

لا شكَّ في أنَّك تُريدُ أن تُمتَدح على أنك إنسان، مَنْ منا يرفضُ هذا المديح ? عندما يُقال في غَيبتك: "فلان فعلاً إنسان"، فلانٌ يتمتع بإنسانية، هل فكَّرت في بداية هذه الكلمة، في مكونات هذه الكلمة الجميلة التي تحب أن تُوصَف بها، تعالَ من أجل أن أُحدِّثك عن أركان الإنسانية.

الركن الأول من أركان الإنسانية العقل: إذا امتلكتَ العقل فقد امتلكت أوَّلَ ركن أو أول عنصر من عناصر الإنسانية، العقل هو القدرةُ على المحاكمة، وعلى تمييز الخير عن الشر، (وقالوا لو كُنَّا نسمعُ أو نعقلُ ما كُنا في أصحابِ السَّعير) لهم عَقل بحسبِ الظَّاهر إلا أنَّ هذا العقلَ لم يجعلهم يُميزون بين الخير والشر، وبالتالي لم يَحملهم على أن يسلكوا طريق الخير، فهم إذاً بحسبِ الظاهر يمتلكون عَقلاً ولكنهم في الحقيقة لا يمتلكون عقلاً، والعقلُ عقلان: عَقلُ تَدبير وعَقلُ تفكير، العقلُ التَّدبيري هو الذي يَستوي فيه الإنسانُ مع الحيوان، عَقلٌ لحمايةِ الجسد، عقلٌ يُدبِّر حِماية الجسد، وعَقل تفكير يُوصلك إلى ما يجب أن تكون عليه من حيثُ عِلَّة وجودك: (وما خلقتُ الجِنَّ والإنسَ إلا ليعبدون) إن أوصلكَ عقلُك إلى ما ينبغي أن تكونَ عليه من أن تُدرك غايةَ وُجودك: (إنَّ في خَلقِ السَّماواتِ والأرضِ واختلافِ الليلِ والنَّهارِ لآياتٍ لأولي الألباب. الذين يذكرونَ الله قِياماً وقُعوداً وعلى جُنوبهم ويتفكَّرون في خلقِ السَّموات والأرض) يُعملون عقلَهم (ويتفكَّرون في خلقِ السمواتِ والأرض ربَّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سُبحانك فَقِنا عذابَ النار) عقلُ التَّفكير أوصلَهم إلى أن يقولوا لربهم ربَّنا خلقتنا، وإذا كنتَ قد خلقتنا فما علينا إلا أن نبحثَ عن عِلَّةِ الخلق فوجدناها في قولِك جَلَّت قُدرتك: (وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلا ليعبدون). للأسفِ الشَّديد أننا نشتغلُ في العقلِ التَّدبيري، عَقلُنا التدبيري نَشِط، وعقلُنا التدبيري الذي نشتركُ به مع الحيوانات نَشِط، نستخدمُ هذا العقلَ لحمايةِ الجسد، للأمورِ المادية، ما أشدَّ وما أقوى عقولنا، وما أعظمها، أما العقل التفكيري الذي وُجد عندك، وجعلكَ مُميزاً عن البهائم، هو الذي يُوصلك إلى الغاية التي خُلقتَ من أجلها لتحقَّقها، ولتتحقق بها، وأراك مُقصِّراً في هذا الشأن، لذلكَ قالَ الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه، واسمعوا إلى هذا القول وعَايِروا أنفسكم بحسبِ هذا القول، يقولُ الإمامُ علي كرم الله وجهه: "ركَّبَ اللهُ في الملائكةِ عَقلاً بلا شهوة، ركَّب في البهائم شَهوةً بلا عَقل، ركَّب في بني آدم شهوة وعقلاً، فمن غَلَبَ عقلُه شهوتَه فهو خيرٌ من الملائكة، ومن غَلَبَت شهوتُه عقلَه فهو شَرٌّ من البهائم" (إن هُم إلا كالأنعامِ بَل هُم أَضَلُّ) فيا شباب، ويا أمة محمد، ويا أحبابَ علي وأبي بكر وعمر وعثمان ومعاذ وكل هؤلاء الأبرار رضي الله عنهم: شهوةٌ وعقل، عقل تفكيري وليس عقلاً تدبيرياً، "فمن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم، ومن غلبَ عقلُه شهوته فهو خير من الملائكة" فهل يغلبُ عقلُك شهوتك، هل أنت ممن يقف أمام هذين الخطين ليختار خط العقل التفكيري، وبالتالي خط العبودية، وبالتالي خط مرضاة الرحمن جَلَّ وعَلا، وبالتالي خط مَعِيَّة الأبرار، أم تقفُ في الخطِّ الآخر، ومثالٌ على هذا الذي نقول، هل تقفون - اليوم - في صَفِّ العقلِ التفكيري الذي يُوصل إلى مرضاة الله من خِلال تأييدكم إخوانكم في فلسطين، أم أنكم الآن (اثَّاقلتم إلى الأرض ورضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) فاخترتم خطَّ الشَّهوات، من خلالِ استهلاككم لما يُنتجه عَدوُّكم، وبهذا الذي يُنتجه عدوكم وتستهلكونه يحارب إخوانكم في فلسطين، يحارب المجاهدين في فلسطين، أسأل الله أن ينصر إخواننا في فلسطين على أعدائهم أعداء الدين، أعداء الإنسانية، أعداء العفو. القضيةُ قضيةٌ مِعيارية اليوم هي أمامكم وانظروا أنفسكم من خلال أدنى تصرف وأنتم بالتدريج ترتقون إلى أعلى تصرف، هل تتذكر إخوانك هؤلاء الذين يجاهدون في صلاتك، هل تتذكرهم وأنت تشتغل، هل تتذكرهم وأنت تبيع، إذاً أنت تُعمل عقلك التفكيري في مساره الصحيح. حسبي هذا الذي تكلمت عن العقل.

الركن الثاني للإنسانية العدل: لذلك أيتها الأمم اليوم لستم بإنسانيين، وأعني تلك الأمم التي تؤيد الشر، والتي تدعم الشر، والتي تدعم الإرهاب على مستوى الدول وعلى مستوى الجماعات وعلى مستوى المنظمات أنتم ظالمون، ولا تَمُتُّون إلى العدل بِصِلة، العدلُ أن تُعطي كُلَّ ذي حَقٍّ حَقه، العدلُ قامت به السَّموات والأرض، العدلُ أن تُعطي هذا الذي أمامك حقه إن كان إنساناً أو حيوانا أو جماداً، ولعلك تسألني: وكيف أعرف حقه ؟ انظر كتاب الله عز وجل، ففي كتابِ الله تبيانٌ لكلِّ شيء، بينت لك هذه الشريعة الحقوق والواجبات، الحقوق التي لك، والواجبات التي عليك، وهذه الواجبات تجاه الإنسان والحيوان والجماد، (إنَّ المقسطين على منابر من نور يوم القيامة. من هم يا رسول الله ? الذين يَعدلون في حُكمهم وأهليهم وما وُلُّوا) إن المقسطين أي الذين يَعدلون، صَغُرت مَساحةُ هذا الحكم أم كبرت مساحته. كل أمر وكل كلامٍ يخرج منك إنما هو حُكم أو شَبيهٌ بالحكم، فاصمُت وانتظر وتَأنَّ قبل أن يَصدُرَ عنك هذا الكلام، إذ الكلامُ – كما قلتُ لك – حُكمُ أو شَبيهٌ بالحُكم، ولعلك إذ تكلمت وحكمت ظلمت وخرجت عن الانسانية بخروجك عن العدل، (مَن كانَ يُؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمُت) أيها الإنسان: العدلُ أُسُّ إنسانيتك، شَطْرُ إنسانيتك، عُنصرُ إِنسانيَّتك، واليوم هل تَعدلون في فلسطين، هل تُؤيِّدون المظلومَ أم الظالم ؟ إني لأرى أناساً من جِلدتنا يتكلَّمون لُغتنا ويدينون بديننا لكنهم ظالمون، لأنهم يؤيدون عدوَّ الله، لأنهم يظلمون الناس، لأنهم يقفون بجنب عدو الله ضد إخوانهم الفلسطينين (الذين أخرجوا من ديارهم بغيرِ حَقٍّ إلا أن يقولوا ربنا الله). لا تَستهينوا بهذا الذي أقول، فهذه مُعاير إن كنتم حريصين على إنسانيتكم، وأنا أخاطبُ الأفرادَ والمجموعات والجماعات والمنظمات، أيها المعتدون على وطنكم: أنتم لا تَمتُّون إلى الإنسانيةِ بِصِلة، لأنكم تظلمون وَطنكم، أيها المعتدون على أرضكم: هذه أرضكم أمانة، ولكنكم خُنتم الأمانة فألَّبتم الناسَ على أرضِكم، وعلى أوطانكم، وعلى أموالكم، وعلى مياهكم، وعلى جيرانكم، وعلى بلادكم، لذلك الإنسانيةُ رَفضت أن تكونَ لَبُوسَاً لكم، الإنسانيةُ الحقة والصحيحة. يا إخوتي عَقلٌ وعَدل، هل أنتَ عاقل العقل التفكيري، وهل أنت عادلٌ تُعطي كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه، إذاً أنتَ إنسان بالمعنى الذي تحدَّثنا عنه، يعني إنساناً جيداً يتصف بالإنسانية وصفا رائعاً.

الركن الثالث هو الرحمة، ودعوني أؤجل الحديث عنه إلى أسبوع قادم إن شاء الله، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا من أجل ان نعقل ونعدل، اللهمَّ اجعلنا من العُقلاء ومن الذين الذين يَعدِلون في حُكمهم وفي أهلِيهم وفيما وُلُّوا، وفي كل أمر صَغير أو كَبير يا ربَّ العالمين، نِعْمَ مَن يُسأَلُ أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.

 

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 22/12/2023

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg    /

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

 

التعليقات

شاركنا بتعليق