آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
التفكُّر فريضةٌ إسلامية

التفكُّر فريضةٌ إسلامية

تاريخ الإضافة: 2024/01/12 | عدد المشاهدات: 231

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:

يشكو بعضُ الناس من وسواس، ويكاد هذا الوَسواس يَشُلُّ حياته، يسألني عن دواء، أقول له: هناك أمران اثنان، إن تركتَ أحدَهما وقعتَ في الآخر. ما وقعتَ في الوسواس إلا لأنك تركتَ التفكُّر، والتفكر أمر غائبٌ عنا، وهو فريضة، إن أردتم معرفة حُكمه هو فريضة، وانظروا آياتِ الله عَزَّ وجَل في قرآنه الكريم كيفَ تَدُلُّ على ذلك، لذلك أدعو نفسي وإيَّاكم إلى ممارسة هذه الفريضة، إلى التفكُّر، ولا سيما إذا كنتَ بينَك وبين نفسك، عندما تخلو بنفسك، ما الذي تفعله ? تفكَّر. فيمَ أتفكَّر ?

تفكَّر في خلقِ الله، في آيات الله، فإن تفكَّرتَ في آياتِ الله، في خلقِ الله، فسيقوى إيمانك، وستزدادُ معرفتُك، (إنَّ في خلقِ السَّمواتِ والأرض واختلافِ الليلِ والنَّهار لآياتٍ لأولي الألباب. الذين يذكرون اللهَ قِياماً وقُعوداً وعلى جُنوبهم ويتفكَّرون في خلقِ السَّمواتِ والأرضِ ربَّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سُبحانك فَقِنَا عذابَ النار) تفكَّر في آيات الله، في تلك العظمة، قُل ما أعظمَ خلقَ الله، قل ما أعظم هذا الخلق الذي خلَقه اللهُ عَزَّ وجَل، (سَنُريهم آياتِنا في الآفاقِ وفي أنفسِهم حتى يَتبيَّنَ لهم أنَّه الحق)، (فليَنظُرِ الإنسانُ مِمَّ خُلِق. خُلِقَ من ماءٍ دافق. يَخرُجُ من بين الصُّلبِ والتَّرائب) فَكِّر وتفكَّر في خلقه، (أفَلا ينظُرونَ إلى الإبِلِ كيفَ خُلقت. وإلى السَّماء كيفَ رُفِعت. وإلى الجبالِ كيفَ نُصِبت. وإلى الأرض كيف سُطِحت. فذكِّر إنَّما أنتَ مُذكِّر) تفكَّر في آياتِ الله من أجل أن تقوى مَعرفتُك، ومن أجل أن يَقوى إيمانك، تفكَّر في آياتِ الله أولاً. انظُر هذا الأعرابي، كان في الصحراء حيث يسكن، فقال كلمته التي أصبحت رائدةً في الاستدلالِ على وجود الله تعالى، قال وهذا جاءَ نتيجةَ تَفكُّر: "البَعْرةُ تَدُلُّ على البعير، وأثر الأقدامِ يَدلُّ على المسير، سَماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذاتُ فِجاج، أَفلا تَدُلَّان على اللطيفِ الخبير?!". عندما تسهر أنتَ في الليل، في الصَّيف أو في الشتاء، عندما تكون في داخل الغرفة، وعندما تكون على الشُّرفة، باللهِ عليكَ بِمَ تُفكِّر ? أنا أعلم بأنَّ وسواساً يُسيطِر عليك، تُفكِّر في سَوادِ الغَد، تُفكِّر في ما سيأتي من سُوءٍ في الغد، ولو أنك تفكَّرتَ في آياتِ الله لانزاحَ عنك الوسواس، ولاطمأنَّت نفسُك أيها الإنسان الباحث عن طُمأنينة.

تفكَّر ثانياً في نِعمِ اللهِ عليك، تفكَّر في نعمة البصر، تفكر في نعمة السَّمع، تفكر في نِعمةِ الحركة، تفكَّر في نعمة الطَّعام، تفكر في نعمة الشَّراب، تفكَّر، تفكَّر في كلِّ هذه النِّعم التي تَلُفُّك والتي تَحتِضنك والتي تعيشُ بين ردهاتها والتي تتقلَّبُ على صَفحاتها. تفكَّر في آلاءِ الله من أجل أن تقوى محبَّتك لله، (أحبُّوا اللهَ لِما يَغذُوكم من نِعِمه) لو سألتَ ولدَك: هل تُحبُّ أباك ؟ فسيقولُ لكَ نعم. لأنَّه يفكر في آلائك نحوه، لأنه يفكِّر في إحسانك:

أَحسِنْ إلى الناسِ تَستَعبِدْ قُلُوبَهمُ          ولطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ

تفكَّر في نعمةِ الله ونِعمِه عليك، من أجل أن تحمَدَه، من أجل أن يزدادَ حُبُّكَ إيَّاه، من أجل أن تشكُره، ألسنا مُقصِّرين في فريضة التفكُّر ؟!

تفكر ثالثاً في وعدِ الله، في جَنَّته، نتكلم عن الجنة وكأنَّها خَيال، وكأنَّها أمرٌ مَوهوم، تفكر في الثَّواب، تفكَّر في وَعدِ الله وثَوابه وأجرِه وأنت تقرأُ قولَه تعالى: (إنَّ للمتقينَ مَفازاً. حَدائقَ وأعناباً. وكَواعبَ أتراباً. وكأساً دِهاقاً. لا يسمعونَ فيها لغواً ولا كِذَّاباً. جَزاءً من ربِّك عَطاءً حِساباً)، (إنَّ المتقينَ في جَنَّاتٍ ونَهَر. في مقعدِ صِدقٍ عندَ مَليكٍ مُقتَدر) تفكَّر في وعدِ الله وثوابِه من أجل ماذا ? من أجل أن تزدادَ طاعةً لله عَزَّ وجَلَّ وعبادة، (إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ كانت لهم جَنَّاتُ الفِردوسِ نُزُلاً. خالدينَ فيها لا يَبغونَ عنها حِولاً) تفكَّر في هذا الثوابِ العظيم، أنت تقرأُ هذا ولكنَّك لا تتفكَّر فيه، ولا تُفكِّر به، أنت تقرأُ هذا وكأنَّ هذا الوصفَ لإنسانٍ سِواك، لا يا أخي، هذا الثاوب لك، وهذا الأجرُ لك، وهذه الجنةُ لك، وهذا النَّعيمُ لك، ولكن من أجل أن تزدادَ طاعةً حتى تزدادَ نَعيماً، حتى تُلحقَ بالنَّبيينَ والصِّديقينَ والشُّهداء والصَّالحين وحَسُنَ أولئك رفيقاً.

رابعاً تفكَّر في حالِ هذه الأمة أكثر ممَّا تتفكَّرُ في طعامك وغَدائك وعشائك، ولو أنَّ كلاً منا تفكَّر في وضع الأمة وحال الأمة عُشْرَ ما يَفكِّر ويتفكَّر في غَدائه كيف وماذا سيتغدَّى، فإنَّه سَيصل إلى حَلٍّ من أجل أن يقضي على مشكلات هذه الأمة، تفكَّر في حالِ هذه الأمة، تفكَّر في المآل الذي آلت إليه، في هذا التَّشرذم، في هذا التَّفرق، إخواننا في فلسطين، إخواننا في غَزَّة، وبعضُ إخواننا - بحسبِ الظَّاهر - يَسرحون ويَمرحون ويَلعبون، وكأنَّ أمراً لم يحدث، مَن كانَ يَرقصُ فهو مُستمرٌّ على رقصه، ومَنْ كان يُغنِّي فهو مُستمرٌّ على غنائه، ومَن كان يَفجُرُ مُستَمرٌّ في فُجوره، تفكَّر في حالِ هذه الأمة وكيف تَعيشُ التَّشرذم، وكيف تَعيشُ التَّفرق، وكيفَ تعيشُ اليأس، ولكن إياكَ أن تقتصرَ على هذا، تفكَّر أيضاً بأنَّ بعضاً من هذه الأمة على رأسِ عمله يعمَل بجد ونشاط، يعملُ وفقَ الشَّريعةِ الإسلامية الغَرَّاء مُبتغياً وجهَ الله عَزَّ وجَلّ، فكُن مع هؤلاء، وقُل: يا رب اجعلني مع الفئة المؤمنة المسلمة العاملة المجاهدة، اجعلني مع أولئك الذين يَعملون بإخلاص ووَفاء، من أجل ان يَرضَى ربُّهم عَنهم، ومن أجل أن يُقدِّموا النفعَ للعِباد، فَكِّر وتَفكَّر في حالِ هذه الأمة، من أجل أن تكونَ مُؤمناً فعلاً، وأن تلحقَ بجماعة المؤمنين، ومن أجل أن ترفعَ يديك إلى السماء لتدعو دعاءً إلى الله عَزَّ وجَل، وكثيراً ما رَكَّزنا وقُلنا: ادعوا اللهَ في خَلَواتكم وصَلَواتكم للمسلمينَ كافَّة، للمؤمنين كافة، للإنسانية كُلِّها، هيا يا إخوة اجأروا إلى الله عَزَّ وجَل بالدُّعاء، وقولوا: اللهمَّ انصُر إخواننا في فلسطين، اللهمَّ رُدَّ المسلمينَ إلى دينكَ رَدَّاً جَميلاً، اللهمَّ عليكَ بأعداءِ الدِّين، اللهم أصلح شبابَ المسلمين، اللهم أصلح بناتِ المسلمين، اللهمَّ أصلِح الإنسانية كلها، اللهمَّ أَزِل من قُلوبنا الغِلَّ والحِقدَ على بعضِنا.

تفكَّر في حالِ الأمة يا أخي، أنت فَرد، (من لم يهتمَّ) هكذا قالَ مُعلِّمُك ومُعلِّمي ومُعلِّمُ الإنسانية، قال عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (من لم يَهتمَّ لأمرِ المسلمين فليسَ منهم) فهل تتفكَّر في أحوالهم لتكونَ منهم، من أولئك الراشدين ؟! أسألُ اللهَ عَزَّ وجَل.

لا مَجالَ للوسوسة ولا للوَسواس إذا ما كُنتَ مُتفكِّراً في هذا الذي ذكرت، اللهم إنا نسألك بحقِّ مُحمد وآلِ مُحمد أن تُوفِّقنا للتَّفكُّر والتَّفكير الصَّحيح، وللعملِ وللنَّشاط فيما يُرضِيك عَنَّا يا ربَّ العالمين، نِعْمَ مَن يُسأَلُ أنت، ونَعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 12/1/2024

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/pwUjKlVAtC/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق