آخر تحديث: الجمعة 26 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من أسرار النَّصر

من أسرار النَّصر

تاريخ الإضافة: 2024/03/29 | عدد المشاهدات: 124

 

أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون الصَّائمون إنْ شَاءَ الله:

قلنا في الأسبوع الفائت: كثرة الأسماء تَدُلُّ على عَظمة المسمَّى، وشَهرُنا هذا له أسماءُ كثيرة، فهو شهرُ الجِهاد، وهو شهرُ غَزوةِ بَدر، وهو شهرُ الفَتح، فتح مكَّة، الفتح الأعظم، الفتح الأكبر، وهو شهرُ القرآن، نَزَلَ فيه القرآنُ على خيرِ إنسان، عَلى النَّبيِّ العَدنان محمَّد صلَّى الله عليه وسلم، ولعلنا نقفُ لحظةً أو لحظاتٍ عِندَ غَزوةِ بَدر، لن نتحدَّثَ عنها، ولن نَقُصَّها عليكم، بل أتركُ قراءتَها لكم في كتب السِّيرة الصَّحيحة، لكنني سأتحدَّث عن أسرارِ النَّصر فيها، وعن أسرارِ النَّصر في غزوةِ الفتح، في فتحِ مكة، أو بالأحرى عن بعضِ أسرارِ النَّصر. إن ذكرنا أسرارَ النَّصر فنحن سنأتي على: النِّيةِ الخالصة للهِ عَزَّ وجَل لأولئك المجاهدين، نأتي على التَّخطيط والتَّنسيق الدَّقيق، نأتي على الدُّعاء، نأتي على الإعداد، نأتي على كُلِّ هذه الأمور التي هي عوامل أو أسباب أو أسرار النَّصر، إلا أنني أردتُ أن أقفَ عندَ سِرٍّ من أسرارِ النَّصر، عندَ سِرٍّ عَظيم، أو عندَ عاملٍ عظيم من عَوامل النَّصر، ألا وهو "الثِّقة برسول الله صلى الله عليه وسلم"، الثِّقة بالرسول الأعظم صَلَّى الله عليه وسلم، والثِّقة هذه أنتجَت استجابة، أنتجت طَاعة، أنتجت انقياداً، أنتجت محبة، أنتجت: (استَجيبوا للهِ وللرَّسول إذا دَعاكم لما يُحييكم) تخيلتُ لو أنَّ كُلَّ واحدٍ منَّا كان يومَ بدر، لو أنَّ الواحدَ منَّا اليوم كانَ في بدرٍ مع النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يومَ وقفَ المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول للناس الذين معه: (أشيروا عَليَّ أيها الناس) فهَل سيكونُ مِنَّا مَنْ يقولُ للنبيِّ كَمَا قالَ المِقدادُ من المهاجرين، المقداد ابن عمرو، تَخَّيل لو أنك في بدر، في غزوة بدر، وقال لك النبيُّ أشِر عليَّ يا هذا، فهَل ستقولُ وستفعلُ ما قاله المقداد بن عمرو ? "يا رسولَ الله: امضِ لِمَا أمَركَ الله، فنحنُ مَعَك، واللهِ ما نقولُ لك كَما قال أصحابُ موسى لموسى: (اذهَبْ أنتَ ورَبُّك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)، ولكن نقولُ لك: اذهب أنتَ ورَبُّك فقاتلا إنا معَكُما مقاتلون، لَو سِرتَ بِنا إلى بَرْكِ الغَمَادِ، إلى مكانٍ قَاصٍ في أطرافِ اليمن، لو سِرتَ بنا إلى بركِ الغَماد لجالَدنا من أجل أن نَبلُغَه معك" هذا هو المقداد رجلٌ من المهاجرين، تَخَيَّل أنتَ أيها المسلم، والنبيُّ يُتابِعُ: أشيرُوا عَليَّ أيها الناس ؟ يقومُ رجلٌ من الأنصار اسمه سعدُ بن مُعاذ: "لَكَأنَّك تُريدُنا يا رسولَ الله ؟" فالنبي أشارَ نَعَم. أريدُكم أنتم أيها الأنصار، فقامَ سعدٌ وقَال، فَهَل أنتَ ستقول مثلَ ما قال سعد ? تخيَّل يا أخي، قال: "يا رَسولَ الله آمنَّا بك وصَدَّقناك، وشَهِدنا بأنَّ ما جِئتَ به هُو الحقُّ مِن عندِ الله، فامضِ لما أردتَ"، لأن إرادةَ مُحمَّدٍ مِن إرادةِ رَبِّ محمد، "فامضِ لما أردتَ، فوَالذي بَعَثَكَ بالحق، لو استعرضتَ بِنا هذا البحرَ فَخُضتَه لخضناهُ مَعَك، ولعلَّ اللهَ يُريكَ مِنَّا" ضَعُوا خَطَّاً تحتَ هذه الكلمة "يُريكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ به عَينُك" أعطيناكَ على ذلك عُهودَنا ومَواثيقنا، على السَّمعِ والطَّاعة، أعطيناك على ذلك عُهودَنا ومواثيقنا على السَّمعِ والطَّاعة. يا أمةَ مُحمَّد: هل فِيكم مِن قائلٍ لمحمد هذا الكلام الذي قالَه المقدادُ وسعدُ ؟ إن قلتُم نعم، فلماذا لا تقولونَ لمحمد عليه الصَّلاة والسَّلام وهو فيكم عندما قال لكم: (لا تَحاسَدُوا، لا تَدابروا، لا تَباغضوا، وكونوا عِبادَ اللهِ إخواناً) إذا كنتَ ستقولُها للنبيِّ كَما قالها سَعد في بدرٍ فهيَّا فقُلها الآن، ورسولُ الله يَسمع، قُل: يا رسولَ الله لَبَّيك، لن نَتحاسد، ولَن نَتباغض، ولن نَتدابر، وسنكونُ عبادَ الله إخواناً مُتحابِّين مُتَضامنين مُتباذلين، فهل مِن قائلٍ منكم للنبي الأعظم وهو يُردِّد على مَسامعكم مُنذ أربعةَ عَشَر قرناً وإلى اليوم، يقول لكم هذا فهل أنتم تقولونَ ما قالَه سعد والمقداد ؟ هل أنتم تقولونَ لرسول الله عليه الصَّلاة والسلام وهو يقولُ لكم: (المسلمُ أخو المسلم) تقولونَ له لَبَّيكَ يا رسولَ الله، فالمسلمونَ إخوتي، (المسلمُ أخو المسلم، لا يَظلِمه، لا يَخذُله، لا يَحقِره، كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حَرامٌ: دَمُه ومَالُه وعِرضُه) تمعَّنوا في هذا، فهل أنتم تقولون: فنحنُ معك يا سيدي يا رسول الله ? أعتقد أنَّ القضيةَ تحمِلُ شُكوكاً، لماذا أنتم مُتفَرِّقون، والرسولُ يدعوكم إلى الوحدة، لماذا أنتم مُتنافِرون مُتباعِدون، ورسولُ الله يَدعُوكم إلى الأُخوَّة: (وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخواناً) هل أنتم جاهزون من أجلِ أن تقولوا لرسولِ الله: لبَّيك ؟ وهو يقولُ لكم: (لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيهِ مَا يُحِبُّ لنفسه) اعرِضْ نفسَكَ على هذا الحديث من أجل أن تَتَبيَّن فيما إذا كُنتَ مؤمناً أم لا، (لا يُؤمِنُ أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسه) فهل تحبُّ أيها الغنيُّ لأخيك الفقير ما تحبُّ لنفسِك ? وهل تُحبُّ أيها الأخُ القويُّ لنفسِك ما تحبُّ لأخيكَ الضَّعيف، وأيها الأخُ المسؤول، وأيها الأخ المدير، وأيها الأخ الوزير، وأيها الأخ الكبير، هل تحبُّ لأخيك هذا الذي بجانبك، وهذا الذي تقولُ أنت بأنَّ المسلمين إخوة، بأنَّ المؤمنين إخوة، فهل تحبُّ له ما تحبُّ لنفسك ? أينَّ السَّاعي منكم على الأرملةِ والمسكين، أين السَّاعيُ منكم على الضُّعفاء، أين ذاك الذي يقول لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم: نَحْرِي دُونَ نَحرِك، نفسي دُونَ نفسِك ؟! الادِّعاءُ عَريض، لكنَّ التطبيقُ والبُرهان يكادُ يكون في حَيِّزِ العدم، أنا لا اقولُ هذا الكلامَ تَقريعاً ولا تَوبيخاً، ولكنني أقوله تَشخيصاً، هذا الذي نعيشه، العدوُّ يَستبيحُ أرضَنا ولا يَكادُ يُفكِّر الواحدُ مِنَّا ولو بدعوةٍ، هل تدعُو لِبلدِك في صَلاتك ? هل تَدعُو لإخوانِك في صَلاتك، أم أنَّك تفكِّر ليلَ نهار في هذهِ الحياة الدُّنيا، وكيف ستَشتري غداً ما يَلزَمُك من لباسٍ وطَعام استعداداً ليوم العيد ؟ "اليومَ عِيدُ مَنْ قُبِلَ بالأمسِ صِيامُه، وَحَسُنَ بالليلِ قِيامه، اليومَ لَنا عِيد، وغَداً لَنا عِيد، وفي كُلِّ يومٍ لا نَعصَي اللهَ فيه عيد" وفي كلِّ يومٍ يُعينُ بَعضُنا بعضاً، وفي كُلِّ يومٍ نُؤدِّي لِبلدنا خِدمةً، هذا هو العيد، يا أيها الاخوة المسلمون، لذلك أقول أيها الإخوة المسلمون، ثم أقول المؤمنون إن شاءَ الله، لأنَّ الإيمان قضيةٌ ليسَت ادِّعائية، الإسلام شَكل، تقولُ: أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، وأنَّ مُحمَّداً رَسولُ الله تُصبِحُ مُسلماً، لكنَّ الإيمان (مَا وَقَر في القلبِ وصَدَّقَهُ العَمل) صَدَّقه البُرهان، العَمل.

هيا يا إخوتي إلى غزوةِ بدر من أجل أن نعيشَها، وأن نعيشَ كيفَ كانَ هؤلاءِ رضيَ اللهُ عنهم وأرضاهم يقولون يا رسول الله لبيك.

يَا مَنْ يُثِيرُ حَمَاسَتي بِجَمالِه             عُذراً إذا شاهدتَ ضَعفَ لِسَاني

اللهُ يَعلَمُ كَمْ حَرَّكتَ في خَلَدي      مِن ذِكرياتٍ وكَم هَيَّجتَ أشجاني

كَمْ فِي دُروبِكَ مِنْ دَرْبٍ أَصَختُ له      كأنَّه بحديثِ الأمسِ ناجاني

لبَّيكَ مِلءَ فَمي لَبَّيكَ مِلءَ دَمي        لبَّيكَ لبَّيك من قلبي ووجداني

أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله. 

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 29/3/2024

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/r6mkOCk_js/ 

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

 

التعليقات

شاركنا بتعليق