آخر تحديث: السبت 27 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
نفحات من ليلةِ القَدر

نفحات من ليلةِ القَدر

تاريخ الإضافة: 2024/04/05 | عدد المشاهدات: 127

 

أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون الصَّائمون القائمون إنْ شَاءَ الله:

نحن في رِحابِ ليلةٍ هي خيرٌ من ألف شهر، في رِحابِ ليلة القدر، فاللهمَّ اجعلنا من أهل هذه الليلة، اللهمَّ اغفِر لنا ما قَدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلَنَّا وما أنتَ أعلم به منَّا يا ربَّ العالمين. ليلةُ القدر هي ليلةُ الشَّرف، ليلةُ التَّقدير، لماذا كانت ليلةَ الشَّرف ? لأنها ليلةٌ نَزلَ فيها القرآن الكريم، ليلةٌ صَارَ للأمة الأُمِّية كِتاب، صارَ للأمة الأمية دستور، لا أقول عن هذا الدُّستور أو عن هذا الكتاب بأنَّه صَالحٌ لكلِّ زَمان ومَكان، بل إنَّه مُصلِحٌ لكلِّ زَمان ومكان، (إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، الحضارةُ نَصٌّ، فهذه الأمة الأمية أضحَى لديها نَصٌّ، وأعظِمْ بهذا النص، فهو الذي (يهدي للتي هي أقوم) وما يَعرفُ هذا إلا الذي يُجرِّب ويعتقد، ولقد اعتقدَ وجرَّبَ جيلٌ من الصَّحابة الكرام هذا فكانوا سادةً وقادة، لا نقول هذا من باب المبالغة، ولكنَّ الواقعَ يُثبتُ ذلك، عندما نخطبُ نقول ورضيَ الله عن سَادتنا وقاداتنا نذكُرُ أولئك رضي الله عنهم الذين استوعَبوا وعرفوا قَدْرَ هذا النَّص، فساروا في هديه وسَارُوا على أنواره وتمسَّكوا بآدابه واعتصموا به جميعاً، هذه نفحة أولى.

نفحةٌ ثانية: لُخِّصت السَّنةُ كُلُّها فكانت رمضان، ولُخِّصَ رَمضانُ فكانَ العشر الأواخر من رمضان، ولُخصت العشرُ الأواخر من رمضان فكانت ليلة القدر، و: (مَن قامَ ليلةَ القَدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تَقدَّم من ذنبه) كما قال عليه الصلاة والسلام. في هذه الليلة التي تَختَصِرُ السَّنة، وتختصرُ الشَّهر، وتختصرُ العشرَ الأواخر هَيَّا فَقُمْها، والقِيامُ ليسَ صَلاةً فحسب، وليسَ دُعاءً فحسب، وإنما اعترافٌ وإقرارٌ بالعُبودية لله عَزَّ وجَل مِن كُلِّ ذرَّاتك، من كل قلبك، قُل بينك وبين نفسك: (لا إله إلا الله) ولتكُن هذه الكلمة "كلمة التوحيد" نابعةً من قلبك، من عيونك، من جسمك، من ذَرَّاتك، من روحك، قيامُ ليلةِ القدر يعني أنك تُقِرُّ وتعتقد بأنَّ ربَّك أنعمَ عليك فأوجَدك، وأنعمَ عليك فهداك للإسلام، وأنعمَ عليكَ فجعلَكَ مُسلماً تصومُ وتُصلِّي، وأنعمَ عليك فَعَرَّفك بأنَّ هذا الإسلام ليسَ صلاةً وصياماً فحسب، وإنَّما هو عملٌ صالحٌ تنفعُ من خِلاله البلادَ والعِباد.

نفحة ثالثة: اعلَمْ عِلمَ اليقين أنَّ اللهَ أنزلَ في هذه الليلة القرآنَ على قلبِ مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلم، (إنَّا أنزلناهُ في ليلةِ القَدر) وبالتَّالي ما عليكَ من أجل أن تقومَ هذه الليلة، ومن أجل أن تُعَدَّ من الذين قاموا هذه الليلة، أنزل الله القرآن على قلبِ محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزِلْ أنتَ القرآنَ على قلبك، أنت تقول: اجعل القرآنَ ربيعَ قلوبنا، اجعَل القرآنَ في قلبك، ومَن جَعَلَ القرآنَ في قلبه جعَله الله في قلبِ القرآن، (يس. والقرآنِ الحكيم. إنَّك لمن المرسلين) مَن جعلَ القرآنَ في قلبه هَداه الله للطريق الأقوم، من جعلَ القرآنَ في قلبه كانَ هَادياً مَهديَّاً، اجعل القرآن في قلبك، واجعل القرآن هو الذي يُحرِّكك، وإذا كانَ القرآنُ في قلبك حَرَّكَك القرآن، انظر تحركاتك، إن كانت لا تُوافق شرعَ الله عَزَّ وجَل فاعلم بأنَّ قلبَك ليس فيه القرآن، هيا وأعِد إنزال القرآنِ على قلبك، ولا سيما وأنت تصلِّي في هذه الليلة المباركة، وأنت تدعو اللهَ عز وجل، وتقول كما عَلَّمك المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ إنك عَفُوٌّ تُحِبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا) قصَّرنا يا رب، أذنبنا يا رب، أخطأنا، إنك عَفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنا، وإلى غيرك رَبِّ لا تَكِلنا.

نفحةٌ أخيرة: إذا وضعتَ القرآنَ في قلبك، وإذا نَزَّلتَ القرآن على قلبك، فإنَّه سيدفعك في هذه الأيام من أجل أن تكونَ مع المجاهدين في بيتِ المقدس، إن وضعتَ القرآن في قلبك جاهدتَ مع أولئك الذين يُجاهدون في بيت المقدس، إن لم تَجِدْ نفسَك مع المجاهدين في بيت المقدس، في القدس، في فلسطين فاعلم بأنَّ القرآنَ ليسَ في قلبك، من أجل أن تتأكَّد من أن القرآن في قلبك: هل أنتَ مَعَ هذه الطائفة التي حدَّثنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تَزالُ طَائفةٌ مِن أمتي على الحقِّ ظَاهرين، ولعدوِّهم قاهرين، لا يَضُرُّهم مَن خالفهم) لا يضرهم المطّبِّعون، ولا يضرهم المستسلمون، ولا يضرهم المهرولون، ولا يضرهم أولئك الذين يقولون عنهم بأنَّهم ليسوا على الحق، لا يضرهم هذا (ولا ما أصابهم من البلاء) ولا يضرُّهم ما أصابهم من الابتلاءاتِ، من الشهادة، من القتل ومن الخراب ومن التدمير (حتى يأتيَ أمرُ الله) أي النصر (وهم كذلك. قالوا: يا رسولَ الله وأين هم ? قال: في بيتِ المقدس وأكنافِ بيتِ المقدس) القضيةُ قضيةُ مِعيار، اليوم نحن نعيشُ ليلةَ القدر، أتريدُ أن تتأكَّد فيما إذا كنتَ مِن أهل ليلة القدر: انظر نفسَك أو فكِّر بينَك وبينَ نفسِك، هل أنتَ مع الأقصى، مع المسلمين، مع المجاهدين، مع أولئك الذين يُريدون أن يُحرِّروا بيتَ المقدس مِن دَنَسِ الصَّهاينة المجرمين، أم أنك مع أولئك الذين يُريدون أن يكونوا مع الصَّهاينة المجرمين أصدقاء ويألفونهم ويُؤلَفون من قِبَلهم ؟ مِعيارٌ من المعايير التي تستطيع أن تُعاير نفسَك على هذا الأساس، فإما أن تكون من أهل القرآن وليلة القدر، وإما - لا سمح الله - أن تكونَ من أولئك الذين يَستدرِجُهم اللهُ عَزَّ وجَل (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون). في ليلة القدر، تذكَّروا - ولا سيما في هذه الأيام - تذكروا أنَّ واجباً عليكم هو دعمُ بيت المقدس، دعم الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، (إيتوه، فهو أرض المحشر وأرض المنشر) كما قال عليه الصلاة والسلام، يجب أن تتأكد من نفسك بأنك مع هؤلاء بأنك مع بيت المقدس، بأنك مع الأقصى وأن تقدم ما تستطيع تقديمه من نَفْسٍ ومال ودعاء، على الأقل من دعاء من قلبٍ مَكلوم، ادعُ الله عز وجل أن يَدحر أولئك الصَّهاينة المجرمين ومَنْ مَعهم، ومَن لَفَّ لَفَّهم ومَن يَدورُ في فَلَكِهم، قُل في هذه الليلة: اللهمَّ انصُر إخواننا في فلسطين، في بيتِ المقدس، في الأقصى، انصر إخواننا في غَزَّة، انصُر إخواننا في كل مكان من أمكنة فلسطين، من أمكنة بيت المقدس، وقُل بينك وبين نفسك أيضاً: اللهمَّ إنَّني أبرأُ إليك مِن كل ما يُخالف هذا، أبرأُ إليك من أولئك الذين يُعاملون الصَّهاينة ويُطبِّعون ويَسكتون، أبرأُ إليك مما فعلَ هؤلاء، اللهمَّ بِسِرِّ ليلةِ القدر انصُرنا على أعدائنا، حَقِّقنا بالعبودية، رُدَّنا إلى دِينك رَدَّاً جَميلاً يا ربَّ العَالمين، يا إلهنا يا رَجانا، أعِد إلينا قُدسَنا وأعِد إلينا قُرآنناـ أعِد إلى قُلوبنا قُرآننا، وأعد إلى أنفسنا عُبوديتنا لكَ يا ربَّ العالمين، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله. 

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 5/4/2024

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/rfEfXN6QFz/ 

لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

 

التعليقات

شاركنا بتعليق