أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
كُلَّما قرأتُ الحديث الشريف الذي سأتلوه استوقفتني أحوال المسلمين، ولعلي وأنا أتلوه عليكم يستوقفكم الذي استوقفني، الحديث يقول كما جاء في الصحيح: (إنَّ الشيطان قد يَئِسَ أن يعبده المصلُّون في جزيرة العرب) لا عبادة للشيطان في جزيرة العرب بعد الآن، (إنَّ الشيطان قد يَئِسَ أن يعبده المصلُّون في جزيرة العرب) ولكن ما الذي سيفعله الشيطان ? هل سيستسلمُ لليأس فلا عبادةَ له من قِبَلِ المصلين في جزيرة العرب أم سينتقل إلى خط آخر، وقد انتقل، أعيد الحديث: (إنَّ الشيطان قد يَئِسَ أن يعبده المصلُّون في جزيرة العرب)، لكنَّ الطريق الجديد للشيطان في جزيرة العرب وفي بلاد المسلمين (ولكن بالتَّحريشِ بينهم) يئس أن يُعبَد، ولكنه انتقل إلى التَّحريش، فهل نحن في جزيرة العرب وفي بلاد المسلمين أثَّر فينا هذا التحريش ? نعم، لقد أثَّر فينا هذا التحريش، وها نحن أولاءِ نعيشُه. الشيطان يُحرِّش بيننا ونحن نستجيب لهذا التحريش، ولئن سألتموني عن التَّحريش وصوره، أقول لكم:
أولاً: من صور التحريش الهجر: هجران المسلم أخاه المسلم، أليس هذا واقعاً، أليس بعضُ المسلمين يهجرون بعضَ المسلمين ؟ أليست بعضُ جماعات المسلمين تهجُر بعض جماعات المسلمين ؟ أليست بعضُ دول المسلمين تهجر بعضَ دول المسلمين ? والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: (لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يهجُر أخاه فوق ثلاثِ لَيال، يلتقيان فيُعرِضُ هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأُ صاحبَه بالسَّلام) لا هجران بين البلاد الأوروبية، لكن بين البلاد الإسلامية ثمة هجران، لا هجران بين البلاد التي تدعم الصُّهيونية وهي آثمة فاجرة، أما البلاد التي تدعم الفلسطينيين، وهكذا يجب أن يكونوا، فالهجران مستحكم بينهم، وأنتم تعلمون أكثر مما أعلم. وفي حديثٍ آخر: (مَن هَجَر أخاه سَنةً فهو كسفكِ دمه)، كأنَّه قتله.
ثانياً: من صور التحريش الظن: مَن الذي خَلا من هذا الظن تجاه المسلمين تجاه بعضهم، الظن السيء، (إيَّاكم والظن، فإنَّ الظن أكذب الحديث)، (اجتنبوا كثيراً من الظنِّ) هكذا قال ربنا: (اجتنبوا كثيراً من الظنِّ إنَّ بعضَ الظنِّ إثم) جَنَّبكَ الكثير مع أن هذا الكثير فيه ليس بإثم، خشية الوقوع في بعضِه التي هو آثم، اجتنبِ الكثير ولو كانَ ظناً حسناً، اجتنبه ما دامَ قد يؤدِّي بك إلى الظن السيء، (إنَّ بعضَ الظن إثم) مَنْ مِنَ المسلمين الذي خلا من هذا الظنِّ السيِّء الذي هو إثم اللهمَّ إلا ما نَدَر، إلا ما رَحِمَ ربُّك، الكلُّ يظن السُّوء بالكل، من مظاهر التحريش الاتهام، كلنا يشير بأصابع الاتهام وليس بإصبع الاتهام إلى كلنا، وانظروا أحاديثكم، انظروا الأحاديث السِّياسية على وسائل التَّواصل الاجتماعي، المسلم يتهم المسلم ويصل ويصل الاتهام إلى حد التكفير كما أسلفنا في الخطبة السابقة، الجماعة المسلمة الفلانية تتهم الجماعة المسلمة الفلانية، ويصل الاتهام إلى الكفر، يتهمُ المسلمُ المسلمَ بالاثم والخطيئة، (ومَنْ يكسِب خطيئةً أو إثماً ثمَّ يَرمِ به بريئاً فقد احتَمَلَ بُهتاناً وإثماً مُبيناً)، نحن مجتمع مُتَّهِم، الاتهام المتبادل فعَّال في بيوتاتنا، في مدارسنا، وحتى في مساجدنا، يا أمة الإسلام، يا أمة سيد الأنام، الشيطان يَفعَلُ فعلته فينا، يئس من أن يُعبد، لكنه لم يَيْأس من التحريش، وها هو ذا يحرش ونحن نستجيب لهذا التحريش أيما استجابة.
ثالثاً: من مظاهر التَّحريش الشَّماتة: أليسَ من العار أن يَشمَتَ بعضُنا ببعض، وتعلمون ما الشماتة، الشماتة: هي السُّرور والفَرح بمصيبةِ غيرك، بِبَليَّة غيرك، نحن نفرحُ بمصيبة غيرِنا، نُحدَّث عن شخصٍ قد لا نحبه، هكذا تدعون، وما أدري لحبكم أو لعدم حبكم من معنى، تُحدَّثون عن بَلِيَّة وقعت بآخر أنتم تدعون بأنَّكم لا تحبونه تفرحون، وهذه هي الشَّماتة، الشماتة التي يرفضها الدِّين، ويرفضها الضَّمير، ويرفضها الإنسان العاقل، ويرفضها الإنسان الذي يتمتع بأقل نسبةٍ من إنسانية قبعت في إيهابه، وإلا فليس بإنسان، وليس بصاحبِ ضمير، وليس بصاحبِ دين. جاء في الأثر: "لا تُظهِر الشَّماتة لأخيك، فيرحمُه الله ويبتليك"، وأنا أقول لكلِّ شامت: أصلحكَ اللهُ أولاً، فإن لم تكُن قد مشيتَ على خَطِّ الصَّلاح والإصلاح أسألُ الله عَزَّ وجَل أن يُنزِلَ عليك الذي أنتَ تشمتُ به. إن لم نتكلم هذه اللغة فالمجتمع المسلم الذي نعيشه مُنساقٌ إلى الهاوية، شئتم أم أبيتم، مجتمعُ الشَّماتة مجتمعٌ هَالِك،
فَقُل للشَّامِتين بِنا أفيقوا سَيَلقَى الشَّامِتون كما لقينا
يُروَى عن الإمام الشَّافعي رضي الله عنه أنَّ أحدَهم كان يشمتُ به ويتمنَّى له الموت، فقال:
تَمنَّى أناسٌ أن أموتَ وإن أَمُت فَتِلكَ سَبيلٌ لستُ فيها بأوحدِ
فَقُل للذي يَبغِي غيرَ الذي مَضَى تَوقَّعْ لأخرى مثلها وكأن قَدِ
سيقع بك مع هذا الذي كان موضوع الشماتة التي انطلقت منك. الشماتة من مظاهر التحريش يا من تسعى إلى مرضاتِ ربِّك، يا من تسعى إلى أن يكونَ الشَّيطانُ لك عدواً، (إنَّ الشَّيطانَ لكُم عدو فاتِّخذوه عدواً) فما بالكم تستمعون إليه وكأنه المدرس الوفي، يُدرِّسكم الدروسَ الشَّيطانية وأنتم تحفظونها وتُطبِّقونها، وتُعرِضون عن دروسِ الرحمن التي تنفعكم في دينكم ودنياكم وأخراكم، وتنفعكم في إنسانيتكم، والتي تجعلكم من خير الأمم، (كُنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجَت للناس تأمرون بالمعروف وتَنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) فما أعظمَ هذا الكلام، وما أروع هذا الكلام ! هيا إلى عهدٍ بينكم وبينَ رَبِّكم، قاطعوا الشَّيطان، وقاطعوا أولياء الشيطان، وقاطعوا كُلَّ ما يَمُتُّ إلى الشَّيطان بصلة، قاطعوا هذا الذي يتناسب ويُحبِّه الشيطان، قاطعوه إذا كان سلوكاً وإذا كانَ قولاً وإذا كان عملاً وإذا كان فعلاً وإذا كان إشارة، نظفُوا ألسنتكم، وطهِّروا قلوبكم، وصُونوا أعينكم، وصُونوا مجتمعاتكم، واعملوا عملاً صالحاً مِن أجلِ أجيالٍ قادمة، لا تورِّثوها هِجراناً، ولا تورثوها ظَناً آثماً سيئاً، ولا تورثوها اتهاما يثير البغضاء والشنآن، ولا تورثوها شماتةً، ورثوها صدقاً ووفاء، ورثوها عطاءً ينفع الإنسان، ورثوها أمانة، ورثوها حسن أخلاق، ورثوها أن الإنسان يريد الخيرَ لكل الناس على الإطلاق كما كان المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأختم حديثي بهذا الذي رُوي عنه صلى الله عليه وسلم وقد مَرَّت أمامه جنازةُ يهودي، فوقفَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وكان قاعداً ثم وقف، فقال له أصحابُه: يا رسول الله إنه يهودي ! وقد ماتَ هذا اليهودي، فقال: (أَوَليست نَفْساً ?!) ما أعظمك يا سيدي يا رسول الله ? أنت رحمةٌ للعالمين، ولكن أمتك اليوم تُعاني من ضَغينةٍ فيما بينها فكيف تكون رحمة لغيرها، وهي غيرُ رحمةٍ لنفسها ؟! اللهم إني أسألك بحقِّ محمد وآل محمد أن توفقنا من أجل أن نجعلَ الشَّيطانَ لنا عدواً، وأن نجعلَ الرَّحمنَ لنا صَديقاً وصاحباً وأن يكون هنالك ودٌّ بيننا وبين الرحمن، يا ربَّ العِباد، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ أَنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أَنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله .
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 24/5/2024ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.
التعليقات