آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
أين من تربيتنا الروح 4

أين من تربيتنا الروح 4

تاريخ الإضافة: 2001/11/30 | عدد المشاهدات: 3147

من الواجب علينا ونحن نصوم هذا الشهر المبارك أن نمحّص إيماننا لنرى استجابته بالقوة لهذه الفريضة - الصيام - وعلينا أن نمحص أسرارنا لنرى هل استجابت بالإخلاص وقد طلب الصيام منها هذا ؟ الله عز وجل قال : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ، والتقوى : إخلاص عن إيمان ، وإيمان يُتوِّجه إخلاص ، أرأيت إلى الحديث الشريف يوم قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم : " التقوى ههنا - وأشار إلى صدره الشريف - ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " وإذا كانت التقوى في الصدر فإن الصدر محل الإيمان والإخلاص . 
هل محَّصت داخلك فرأيت فيه استجابة بالقوة للإيمان ؟ إذاً بدأت غاية الصيام في الإسلام تتحقق فيك ؟ هل محصت سِرَّك فوجدت نفسك تزداد في ميدان الإخلاص قوة ؟ إذاً فها أنت تتدرج في سلم التحقق بالإخلاص . وما أروع الإخلاص والإيمان ليكونا ساكني الصدور ، وما أروعهما من أجل أن نعيش معهما لتربية أرواحنا ، وقد قلنا سابقاً : الروح تلك الطاقة المجهولة التي لا نعرف كنهها ولا طريقة عملها ، وهي وسيلتنا للاتصال بالله ، وهي مهتدية إلى الله بفطرتها ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) ، ومهمة العقيدة تكمن في مساندة الفطرة وتوجيهها وجهتها . والإسلام يُعنى بالروح لأنها مركز الكيان البشري ونقطة ارتكازه ، والإسلام يريد من الروح أن تكون دائمة الاتصال بالله ، ويؤمن بقدرة الروح الفائقة على التحليق و والانطلاق ، ولتحقيق هذه الغاية للروح قدَّم الإسلام سبلاً للوصول إلى هذه الغاية التي تخص الروح ، لأننا مقصرون بالتوجه بالتربية للروح وهي الشق الأهم للإنسان . 
غايتنا انعقاد صلة دائمة بين الروح وبين الله ، فتدفعك روحك التي اتصلَتْ بالله من أجل أن يكون الحب في الله ، وأن تكون التجارة لله ، وأن تكون دراستك وثقافتك لله ، ووفق شرع الله ، ولتكون رئاستك ومسئوليتك وما يصدر عنك من قول أو فعل لله ، فـ " من أعطى لله ، ومنع لله ، وأحب في الله ، وأبغض في الله فقد استكمل الإيمان " والإيمان محله القلب ، فالتقوى إيمان يرتكز على إخلاص . 
ومن أجل أن تنعقد الصلة بين الروح وبين خالقها في كل سلوك وفكرة وشعور جاء الإسلام ليثير حساسية القلب بإبداع الله في صفحة الكون ، ويثير في القلب التقوى والإخلاص بكل الوسائل ، ومن ذلك الصيام لأنه وسيلة التقوى ، ويثير في القلب الحب والتطلع الدائم إلى رضاه ، ويثير في القلب الطمأنينة إلى الله في السراء والضراء .
الطمأنينة إلى الله وتقبل قدره ، فإن أحس القلب بالوجود المطلق وإبداعه ، وأنه يراقبه ومطلع عليه ويعلم سره ونجواه ، فاتقاه وراقبه وأحبه وتطلع إلى رضاه ، فإن ذلك لا يأتي إلا بالاطمئنان إلى الله . أن تطمئن إلى الله في السراء والضراء وأن تتقبل أقداره بإيمان ، بل بإحسان ، وذلك بأن تسعى من أجل أن تجعل تكليفك كله ينضح بالرضا عن الله ، لتقول بلغة المحب لربك : أنا راضٍ بالتكليف وسأقوم به ، وأنا راضٍ بالنتيجة التي ستأتي منك ، ولا يأتيني منك إلا كل ما يصلحني لأنك تريد بي الخير والصلاح ، وتريد مني أن أكون عبداً خليفة ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ، نحن بحاجة إلى أن نطمئن إلى الله ، ولكن يجب أن لا يُفهم ذلك على سبيل الخطأ ، فلا نعني بذلك أن تكون في المسجد ترفع يديك ، وتقول على سبيل المثال اللهم انصر إخوتنا في فلسطين ، وتقول اطمأننت إلى ربي في عملي ، فها أنا أدعوه ليطمئن قلبي ، الاطمئنان إلى الله هو ارتياح القلب بعد أن تأخذ بالسبب الذي كلفك به ربك برضا وراحة وتستسلم للنتيجة التي أعقبت السبب باطمئنان وراحة . فعلينا أن نأخذ بسبب النصر ، وسببه جهاد في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الله ، وأن نأخذ بهذا السبب ونحن مطمئنون إلى أن النتيجة طيبة ، لأن النتيجة إحدى الحسنيين ، إما النصر وإما الشهادة وكلاهما أمران أَمرُّهما حلو ، وليس أحلاهما مرُّ . فاطمئنَّ . ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) فماذا تعني كلمة بذكر الله ؟ إنها بذكر الله لك ، وإذا ذكرك الله فطوبى لك ، وكان ذكره لك رحمة ونعمة وتوفيقاً ودعماً . هذا عبدي و ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) إن ذكرك فنعم هذا الذكر . 
نطمئن إلى ذكر الله من خلال العمل بما طلبه الله منا ، وأن نعتقد ونحن نعمل شرع الله أنه الشرع الأحق والأولى . لقد قرأت في كتاب حياة الصحابة نقلاً عن البيهقي ، أن صحابياً شاباً قال مرة لخاله : يا خالي ، لقد نهانا رسول الله عن أمر كان لنا نافعاً . فنظر الخال إلى ابن أخته وقال له : لقد نهانا رسول الله عن أمر كان لنا نافعاً ولكن طواعية الله ورسوله لنا أنفع . وهذا يصب في مصب الاطمئنان بذكر الله . 
علموا طلابكم أن الخير في شرع الله ، وعلموا قضاتكم ونساءكم أن الخير حيث يطمئن القلب ، ولا يطمئن القلب إلا بشرع الله ، ولو وجدت الناس يعيشون بحسب الظاهر في بحبوحة فوالله إنهم غير مطمئنين ، لأنهم لم يتبنوا شرع الله . حتى نحن - أيها الإخوة - ألسنا مضطربين ؟! اضطرابنا بقدر عدم اطمئناننا بشرع الله على أنه الشرع الأحق . قلت أكثر من مرة للتجار والعمال : أين سعيكم لتعلم الشرع حتى تطمئنوا إلى الله . ولن تطمئن القلوب إلا بذكر الله . 
أنا أقول في آخر كل خطبة ، وهذه عادة بالنسبة لي ، ولكنها عادة مُفَكَّرٌ فيها : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير ) ، وأقول أيضاً : ( أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ) الجواب : بلى يا رب أنت تكفيني ، فالله كافي الأمم ( كلا إن معي ربي سيهدين ) . قال فرعون : ( آمنتم له قبل أن آذن لكم ) يريد منهم أن يطمئنوا إلى فرعون ، وفرعون لا يطمئنُّ إلى ذاته لأنه يعلم نفسه ، لأن هنالك عبارة لأبي الفلاسفة اليونانيين يقول فيها : المتمكن قد يستطيع خداع الناس لكنه لا يستطيع أن يخدع نفسه . ( آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطِّعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنَّكم في جذوع النخل ولتعلمن أيُّنا أشد عذاباً وأبقى ) كان الجواب من السحرة : ( لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ) فلقد اطمأنت قلوبنا لله ، وأن الله هو الأحق بالعبادة وبالطاعة ، فـ : ( لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقضِ ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنَّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى ) . 
يقول عليه وآله الصلاة والسلام : " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابه سراء شكر فكان خيراً له " لأن الشكر سبب وتكليف فكان خيراً له " وإن أصابه ضراء صبر " والصبر ليس حالة سلبية ، فالصبر مقاومة ومتابعة ومعاناة ، الصبر ثبات على الحق ، الصبر ليس خنوعاً وليس حالة هامدة تجعل الإنسان ميتاً لا حراك فيه ، الصبر استمرار ومضاء وإباء ومتابعة ، وكل ذلك بعزيمة مستمدة من الله عز وجل . 
ولنذكر جميعاً قول النبي عليه وآله الصلاة والسلام يوم أن هاجر إلى الطائف وقال : " إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي " لأن رسول الله اطمأن إلى الله ، وإذا اطمأن الإنسان إلى الله فلا يمكن أن يطمئنه أحد إلا إذا كان من الله . 
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لاطمئنان إلى شرع الله وإلى ذكر الله وإلى حقيقة هذا الدين الذي هو باختصار بناء للإنسان وفق شريعة الديان لتكون الأرض والأكوان صالحة صلاحاً ما بعده صلاح . هي قصة هذا الإنسان مع هذا الكون . اللهم وفقنا من أجل أن نطمئن إلى ذكرك ، ومن أجل أن نكون أقوياء في مواجهة الذين لا يطمئنون ، ومن أجل أن نكون أقوياء في مواجهة أعداء الله الصهيونيين المجرمين وكل من يعاونهم من أمريكان وغيرهم ، حتى منا لأني قلت مرة : قد يكون عدو الإسلام منا ، وهو ذاك الذي يسمي الإسلام دماً فقط ، أو يجعل من الإسلام شيئاً لا يمكن أن يرسم أو تعطى له ملامح ، يريد أن يكون الإسلام هُلامياً يتكيف على حساب وجوده وعلى حساب كينونته مع الكون والآخرين ، فإن التقى مع المسيحية قال : ما الفرق بيننا وبينكم ؟ أنتم مسلمون ونحن مسيحيون . يريد أن يُميِّع ، وإن التقى مع أعداء الإسلام قال : نحن متفقون معكم ولا نكاد نجد مفارقة بيننا وبينكم ، وإن تحدث عن الشيوعية قال : إن الشيوعية هي عين الإسلام . كَذبَ ورب الكعبة . من أين أتى بهذا الحكم ؟!! 
اللهم وفقنا من أجل أن نطمئن إلى ذكرك ، إلى شرعك الحق ، اللهم أرنا الحق حقاً وحببنا فيه ، وأرنا الباطل باطلاً وكرهنا فيه . 
أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق