أيها الإخوة المؤمنون :
انقضى رمضان ، وسؤالنا ربنا بعد رمضان أن يتقبل منا رمضان وأن يتسلمه منا
مقبولاً ، وأن يعيد علينا رمضان والمسلمون في حال أفضل ، وفي تآلف وتضامن
وتناصر وتآزر ، وقد استعادوا كل ما اغتصب من أراضيهم وأنهارهم وبحارهم وبلدانهم
إن ربي على كل شئ قدير .
أيها الإخوة : مر رمضان وفيه قمنا بالصيام والصوم ، والصيام امتناع وإمساك عن
المفطرات الحسية ، من طعام وشراب وما سوى ذلك ، أما الصوم فهو امتناع عن مفطرات
معنوية ، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " إذا صمت فليصم سمعك وبصرك
ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار " الصوم امتناع عن المفطرات المعنوية
من غيبة ونميمة وقول زور وحلف في غير موضعه وغير ذلك من الآثام .
انتهى رمضان ، ولم يعد الصيام مفروضاً ، صمنا رمضان صياماً من أجل أن نصوم سائر
السنة صوماً ، والصوم امتناع عن المفطرات المعنوية ، فمن صام صياماً ولم يصم
صوماً أسقط الفرض عنه ولكن لم يحقق الغاية من الصيام ، ولم يكن بذاك الإنسان
الذي اتقى ، لأن غاية الصيام تقوى ( لعلكم تتقون ) ، وكذلك يجب أن يمتد الصوم ،
فإن امتد الصيام أحياناً فهذا شئ جميل ، ولكن يجب أن يمتد الصوم إلى سائر أيام
السنة وعليك أن تراقب نفسك فيما يخص الصوم سائر العام كما راقبت نفسك في رمضان
فيما يخص الصيام ، الله عز وجل يقول في الحديث القدسي : " فإذا كان يوم صوم
أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، وإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم " ولم يقل
فإذا كان يوم صيام أحدكم . بعد رمضان يجب أن ندلل على أن رمضان قد أثر فينا
فيجب أن نصوم صوماً ، وقد قالت السيدة مريم عليها السلام : ( إني نذرت للرحمن
صوماً ) ولم تقل صياماً لأنها نذرت أن لا تكلم أحداً وهو صوم عن مفطرات معنوية
.
هيا فلنتعاهد على أن نصوم صوماً بعد رمضان ، من أجل أن يصوم لساننا عن المحارم
، وتصوم أعيننا وأيدينا وأرجلنا عن المحارم . ويسألني سائل : كيف أحافظ على أن
أصوم صوماً سائر السنة وأمتنع عن المفطرات المعنوية ؟ أقول له : لعل ذلك يتحصل
بأمرين اثنين :
الأول : ذكر الله عز وجل . فاذكر الذي تصوم له ، وتمتنع عن المحارم من أجله .
من أجل الله . وليكن لديك ورد يومي ، فلا تمرر يوماً من غير أن تذكر فيه ربك ،
ولتتبع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يقول : " توبوا إلى الله ،
فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة " . وليكن وردك ما ورد عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ، قل سيد الاستغفار مثلاً ، سبح الله واحمده ، صلِّ على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم .
الثاني : قراءة القرآن بتدبر في كل يوم . لا تنقطع عن القرآن مهما كان وضعك ،
ولو كنت مشغولاً بأي شئ حتى في الامتحان ، اقرأ في كل يوم سطراً أو سطرين أو
صفحة ، ولكن لا تعدل في يوم عن قراءة القرآن ، وقراءة القرآن تعني محادثة
الرحمن ، ومن حادث الرحمن شُحن بالإيمان .
نحن بحاجة إلى رمضان من أجل أن يثبت فينا الصوم كل السنة ، لذلك أناشدكم فأقول
: أما الصوم والصيام فلا تتركوه ، ولا يظنن ظانٌّ أنه إذا صام صياماً ستة أيام
من شوال فقد انتهت المهمة ، مهمتنا صوم يدور في كل السنة .
أيها الإخوة : الشق الثاني من خطبتي هو عن فلسطين ، وسنتحدث عن فلسطين في كل
مناسبة وكل لقاء ، لأن الحديث عن فلسطين هو حديث عنا ، وهو أهم من كل قضية أخرى
، فهي قضية مركزية عالمية . ثوابتنا فيها سجلتها في فقرات خمس وأرسلتها للمؤتمر
القومي الذي عُقد في بيروت تحت عنوان المؤتمر القومي لدعم الانتفاضة ، قلت :
أولاً : إن قضية فلسطين لم تنتهِ ولن تنتهي ، ما دام أهلها الأصليون يعيشون
أقلية مستضعفة مهددة مهضومة الحقوق .
ثانياً : إن الصهيونية دخلت فلسطين بالقوة ، وبتآمر مع بعض الخونة ، ولن تخرج
إلا بالقوة وبإسقاط الخونة الذين لا يستحقون إلا الإسقاط الجسدي والمعنوي .
ثالثاً : قضية فلسطين قضية العالم كله ، وليست قضية فلسطينية ولا عربية ولا
إسلامية فقط ، وإنما هي قضية العالم كله . هنالك من يردي أ، يقصرها على
الفلسطينيين ، ومنهم من يجعلها عربية أو إسلامية ، ولكنني أقول إنها عالمية ،
لأنها تمس الإنسان ، إنها قضية إنسان مظلوم يُقاتَل من قبل إنسان ظالم ، والأمم
المتحدة وهي منظمة عالمية إن لك يكن همها إزالة الظلم عن المظلوم إذاً فأين
مهمتها ؟؟!! يمكن أن يقال لنا : وقضية فيتنام يوم كانت فيتنام هل كانت قضية
فيتنامية أم قضية عرقية ؟ أم قضية عالمية ؟ نحن نقول : إننا نعتبر كل قضية
تلامس إنساناً وتحتوي هذه القضية على ظلم يقع على إنسان ويكون في القضية إنسان
ظالم فهي تلامسنا وهي عالمية ، والإسلام إنسان يسعى نحو الأفضل . ألم نقرأ في
قول الله عز وجل : ( ألم . غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون
) ثم قال : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) علماً بأن الروم ليسوا بمسلمين
، لأنه نصر المظلوم على الظالم .
الرابع : إن الصهيونية بدعم من أمريكا وغرب صليبي لا تبغي فلسطين وحدها - وهذه
حقيقة - إنها تريد استحواذاً وسيطرة على دول المنطقة بأكملها ، فهم -
الصهيونيون - وعلى لسان أكثر من خبيث فيهم صرحوا أن المطموح لديهم من الفرات
إلى النيل . يريدون الشام المباركة ومصر الكنانة .
الخامس : الانتفاضة يجب أن لا تقف وأن لا توقف ، وفي نفس الوقت ( وليسمح لي
إخوتنا الفلسطينيين ، ففلسطين أرضنا ، ورأينا محتمل ، وفلسطين بَضعة من جسد
الإسلام كما قال الإمام الخميني رحمه الله ) وفي نفس الوقت يجب على الإخوة
الفلسطينيين جميعاً أن يكونوا معاً ، وعليهم اتخذا قراراتهم معاً ، وإن رأوا
الآن أن إيقاف العمليات الاستشهادية مهادنة لفترة زمنية فليكن ، ولكن لا يعني
هذا إيقاف الانتفاضة ، ولا نريد للانتفاضة أن تقف ، فالعمليات الاستشهادية بعضُ
الانتفاضة ، وهذا البعض يمكن مهادنة أن يوقف ، ولا نريد أ، توقف الانتفاضة ولا
أ، يفرق الفلسطينيون . يا فتح ! حماس إخوتكم ، ويا حماس ! الجهاد إخوتكم ، ويا
فتح ويا حماس ويا جهاد !! السلطة إخوتكم . ويا سلطة ويا فتح ويا جهاد !! الجبهة
الديموقراطية إخوتكم . ويا هؤلاء ! الجبهة الشعبية إخوتكم . وإلا فأنتم بتفرقكم
تقدمون لعدوكم ما يريد . ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) .
وما كانت الصهيونية في يوم من الأيام صادقة في عهودها ومواثيقها ، وليقل لي
المؤرخون عن لحظة كانت الصهيونية فيها صادقة ولو لمرة واحدة . إنهم الناكثون
للعهود وللعقود ، وهذا ما قاله الله عنهم ، وقد قلت للمؤتمر : لو كانوا صادقين
لحظة لتغيرت لهجتنا ، لكنهم يغدرون ويخدعون ويكذبون ويحرفون الكلم عن مواضعه .
فيا أيها العالم !!! تخلصوا من هذه الحفنة القذرة . يقتلون أنفسهم إن لم يجدوا
من يقتلوه سواهم كما قال تلمودهم . إنهم متعطشون للدماء البرية النقية ، لا
يريدون شرباً من دماء خبيثة ، ولكنهم يريدون دماً بريئاً حقاً .
فيا أمتي ! نستفيد من الصيام صوماً كل السنة ، ونستفيد من الانتفاضة الدعم
والمتابعة ، ومع الدعم والمتابعة ، نناشد الإخوة في فلسطين أن يكونوا معاً
متحدين متآلفين متفقين ، اللهم ثبتنا على الحق وارزقنا النصر . إنك سميع قريب
مجيب .
أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات