آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين

قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين

تاريخ الإضافة: 2002/04/20 | عدد المشاهدات: 2412

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون : 
منذ يومين احتفلنا بذكرى الجلاء أو بذكرى الاستقلال ، فلقد مر السابع عشر من نيسان منذ يومين ، والسابع عشر من نيسان هو ذكرى الاستقلال أو الجلاء ، وإن كنت أُفَضِّل أن أسميه ذكرى الإجلاء ، لأن المستعمر أُجلي . على كل : فكرت بيني وبين نفسي فقلت : هل نحن مستقلون فعلاً ؟! ربما كان جواب البعض : نعم والحمد لله ، وها نحن نعيش باستقلال تام ، لكن أليست سورية وفلسطين شيئاً واحداً ؟! ألم نُعَلَّم ونحن صغار وفق اللهجة القومية العربية :

بلاد العرب أوطـاني

من الشام لبغدانِ

ومن نجد إلى يَـمَـنٍ

إلى مصر فتطوانِ

فعلى المنطق القومي العربي استقلالنا ناقص ومخدوش ، لأننا لا نفرق بين سورية وفلسطين في لهجتنا العربية والقومية ، ولكن يمكن أن نسمى مستقلين على لهجة سايكس بيكو العدو الذي قَسَّم ، وأظن أن فرحتنا بالاستقلال جد ناقصة ، لأن الاستقلال مجروح من دون تردد ما دامت فلسطين شقيقة سوريا مُحتَلَّة ، وما دام المستعمر يعيث فساداً في فلسطين البلد الجار والبلد الشقيق والتوأم والأخ ، والبلد الواحد في المنطق القومي العربي . 
كما أننا وفق لهجة إسلامية ومنطق إسلامي تعلمنا في صغرنا ، فما بال من علمنا اليوم لا يريدنا أن نكون منسجمين مع المنطق الذي تَعَلَّمناه ، تعلَّمنا :

الصين لنا والكل لنا

أضحى الإسلام لنا ديناً

وجميع الكون لنا وطناً

هكذا قلنا ورددنا في بيوتنا ومساجدنا ومسيراتنا ، وبهذا تغنينا ، فعلى أساس اللهجتين القومية والإسلامية ، استقلالنا مخدوش ونازف ، وبحاجة إلى إتمام ، استقلالنا كالوليد الخديج - الناقص - . يجب أن نُعِد العُدة والعِدة ليوم الاستقلال الصحيح ، ولا يكون هذا الاستقلال إلا بتحرر الأراضي العربية والإسلامية من كل براثن الاستعمار والإجرام والاحتلال والإثم والبغي والقتل والتدمير . 
أذكر أيضاً أننا يوم كنا صغاراً كنا نردد في مدارسنا ، وكانت الجزائر محتَلَّة من قبل المستعمر الفرنسي ، كنا نردد حينما نود الدخول إلى الصفوف ، وننشد معاً النشيد الوطني الجزائري ، وتركنا النشيد السوري يومها ، ونردد :

قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا

وتحررت الجزائر في عام 1963 ، تُرى هل نعيد التاريخ من أجل أن ينشد أبناؤنا في مدارسهم : قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين فاشهدوا ، ونُشهد من دبَّ فوق الثرى ، ونُشهِد من هو تحت السماء ، ونشهد الغرب والشرق ، أننا قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين مستقلة أم أننا تأثرنا بسايكس بيكو ، وتأثرنا بالإقليمية القاتلة ونسينا المنطق العروبي والإسلامي ، نسينا أن نقول بلسان إخواننا وبلسان جارنا : قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر حتى إذا لا سمح الله لو لم تكن الجزائر محررة هل سنكرر قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر ، أم أن بعضنا سيكتفي ببعض أرضٍ أعطيها وقيل له هذه حدودك ، واجعلوا بينكم جوازات سفر وتأشيرات خروج . 
ليكن كل واحد بينه وبين طلابه ، بينه وبين من معه ، ليقل الرؤساء والحكام والطلاب والأساتيذ : قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين ، أن تستقل فلسطين ، وينبغي أن نعود إلى أنفسنا هل عقدنا العزم فعلاً أن تحيا فلسطين ؟ لعلكم تسألون كيف يُعقد العزم ؟ العزم كما ارتأيت وكما درست وتابعت ، العزم خمسة أمور : 
الأمر الأول : عود حميد إلى شرع مجيد : ولا أستثني فئة دون فئة ولا أخص بالذكر جماعة دون جماعة ، عود حميد إلى الشرع المجيد ، أيها القضاة عودوا إلى دينكم ، أيها الحكام ، أيها العلماء ، أيها الخطباء عودوا إلى دينكم ، من أجل أن يتحول عقد العزم الذي نريد أن نقرره إلى واقع ، ولا يتحولُ إلا بالعود الحميد إلى الشرع المجيد ، نطبق قوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ) وحبل الله شرعه وقرآنه ودينه ، واعتصموا بحبل الله جميعاً . حينما نقول بيننا وبين أنفسنا قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين بكلها ، بكل ما فيها ، بقيامتها وبأقصاها ، بجنينها وبالضفة الغربية فيها ، بمناطق الـ 67 والـ 48 . 
الأمر الثاني : أن نقدم الشهيد تلو الشهيد : كنا نتغنى يوم كنا صغاراً بقول من قال :

دم الثوار تعرفه فرنسا

وتعرف أنه نورٌ وحق

وللحرية الحمراء باب

بكل يد مضرجة يدق

قال عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي ابن ماجه وابن حبان : " يُشفَّع الشهيد في سبعين رجلاً من أهله " أو في سبعين امرءاً بين رجل وامرأة ، على مستوى الآخرة وعلى مستوى الدنيا لأن دم الشهيد - هكذا شاءت الأقدار الإلهية - أن يكون الزيت الذي يُسرَج به مصباح الحرية والانتصار ، شاءت الأقدار أن تكون دماء الشهداء الرسم الأول الذي يُقدَّم في عقد الانتصار المطلوب . يروي البخاري أن أم حارثة فقدت ولدها في معركة بدر شهيداً ، جاءت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله لقد استشهد حارثة ولكن ( وهذه القصة أهديها لكل أم في أرضنا المحتلة ، أهديها لأمهات الشهداء في مخيمات جينين ، في نابلس ، في حي القصبة ، في حي الياسمينة ، في طولكرم ، في قلقيلية ، في عسكر ، في الدهيشة ، في الأمعري ، في كل مكان من أرضنا الفلسطينية المحتلة ) قالت يا رسول الله : تعلم منزلة حارثة مني ، إن كان في الجنة صبرت ، وإن كان في النار ماذا أفعل ، قال لها " يا أم حارثة أجنة هي ! إنها جنات وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " طريق النصر مكتوب فيه شهادة ، طريق النصر مكتوب فيه إحدى الحسنيين . 
الأمر الثالث : تحويل حلم وحدة العرب والمسلمين إلى واقع أكيد : كم تغنينا بالوحدة ، كم تغنينا :

أضحى الإسلام لنا دينا

وجميع الكون لنا وطنا

وكم تلونا قوله تعالى : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ) يا زعماء العرب اتحدوا ، ويا حكام العرب اتحدوا ووَحِّدوا ، وهذه فريضة ، نحن الشعوب نطالب الحكام وأنفسنا بتحويل الوحدة العربية والإسلامية إلى واقع أكيد ، لا نريد أن تبقى الوحدة شعاراً ، ولا نريد أن تبقى الوحدة كشكولاً نجمع من أجله ، ولا أن تبقى عبارة جوفاء ، يدرك عدونا أنها كذلك ، وبالتالي يهاجمنا فرداً فَرداً ويقول أهاجمهم جميعاً ، لأنه ينظر ادِّعاءنا ، نحن ندعي الوحدة لكن الوحدة ليست واقعاً قائماً بيننا . وهل ثمة مناسبة أدعى إلى الوحدة من الآن ، أَرَأيت إلى الإسرائيليين كيف اتحدوا على الباطل ؟! أرأيت إلى الأحزاب الإسرائيلية على اختلاف تسمياتها كيف اتحدوا ؟! أرأيت إلى إسرائيل وأمريكا كيف اتحدا ؟! أرأيت إلى بعض الدول الغربية كيف اتحدت مع إسرائيل ؟! يا ناس : هل إسرائيل على الحق أم على الباطل ، إنها على الباطل كما تقولون . هم توحدوا على الباطل فأين وحدتكم على الحق ؟! إلى متى يا حكامنا ويا وعلماءنا ، إلى متى سنبقى نُعلِّم شعوبنا أن الوحدة أمل ، وأن الوحدة حلم ، ولكن إياكم أيها الشعوب أن تفكروا بالوحدة حقيقة قائمة . إلى متى ؟! 
الأمر الرابع : التسلح بالعلم الرشيد والعمل السديد . ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) نحن نحتاج إلى علم في السلاح والاقتصاد والسياسة والاجتماع والصناعة والزراعة ، نحتاج إلى علم بعدونا ، لأن عدونا يعلم عنا أكثر مما نعلم عنه ، فهو يمسك بزمام المعلومة ، فنحن نتعلم منه ، وهو يقدم لنا المعلومة ( بالقَطَّارة ) أما نحن الذين نقول : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " أي ومسلمة أيضاً ، على كل من اتصف بالإسلام ، لا بد من التسلح بالمعلومة ، بالعلم الرشيد والعمل السديد ، فنحن نريد مخابر ومعامل تُبنى على أساس من العلم ، نريد جامعات جادة ، نريد طلاباً دارسين ، نريد تقنية عالية في كل ميادين الحياة ، نريد علماً بالتاريخ والجغرافية ، ونريد لهذه العلوم أن تتحول إلى مؤسسات وجماعات وهيئات حتى تقدم الفائدة بشكل أكبر ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ، نحن الذين نردد حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً فلا بورك لي في شمس ذلك اليوم " نردد : " إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير " حاسب نفسك في كل مساء : هل ازددت علماً أيها السياسي في مجال السياسة ، أيها الاقتصادي في مجال الاقتصاد ، أيها الشرعي في مجال الشرع ، أيها الطبيب في مجال الطب ، أنت أيها الإنسان حيثما كنت . الحرب اليوم حرب علم وجهالة ، حرب استراتيجيات وتكتيكات ، وكل ذلك قائم على العلم ، الحرب لا بد لها من عاملين على أساس من العلم ، وإلا لا تتصوروا أن - لا سمح الله - إذ يفشو الجهل بيننا يمكن أن ننتصر ، فلقد كتب الله أن ينتصر العلم على الجهل ، وأن تنتصر المعرفة على الجهالة . 
الأمر الخامس : الاستغناء عن الطواغيت ونتاجهم قدر المستطاع وبذل المزيد : الاستغناء عن أمريكا ، ومقاطعة أمريكا ، وكراهيتنا للأمريكان كراهية مشروعة ، لأنها كراهية معتدٍ على الإنسان ، معتد على الخير ، معتد على الحقيقة والفطرة . الاستغناء عن الطواغيت ونتاجهم قدر المستطاع وبذل المزيد ، قاطعوا إسرائيل ومن يدعم إسرائيل ، ولا تخافوا من أحد أو من شيء ، فالموت سيأتيكم ويأتيكم ، فاجعلوا الموت يأتيكم وأنتم أعزاء : " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها " فعلى أي شيء أنتم خائفون ؟! أيها الحكام : ستموتون وسنموت ، ولأن يلقانا الموت ونحن أعزاء نطبق مبادئ الفطرة والحق لهو خير بآلاف آلاف المرات ، بل لهو الخير ذاته من أن يأتينا الموت ونحن أذلة لأولئك الذين يريدون استعمارنا، ويريدوننا أن نكون أذلاء بكل معنى الكلمة . سمعتم منذ أسبوع ما قاله رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ذلك الرجل الغبي اللعين الذي قال عن شارون بأنه رجل سلام ، والبارحة أكد هذه الكلمة حين استقبل وزير خارجيته الألعن والأخبث قال عن شارون بأنه رجل سلام ، أما الفلسطينيون الذين يُقَتَّلون بالجملة لا لجريرة ارتكبوها وإنما لأنهم يدافعون عن أرضهم . 
يا ناس .... يدافعون عن حقهم ووجودهم ولقمة عيشهم ، يقال عنهم بأنهم إرهابيون ، من يستشهد وهو يضرب المصالح الإسرائيلية المعتدية يقال عنه إرهابي . 
ولئن استنصحني حكامنا هل نبذل المزيد ، فأنا صادق لأقول لهم : لا والله أنتم مقصرون ، وأكرر ما قلته في الأسابيع الماضية بأنني لست ضد الحكام ، ولكنني حريص على أن يكونوا مع الحق لا مع الباطل ، أن أقول لهم : إن الباطل إذ يضحك في وجوهكم فمن أجل افتراسكم ، ولن يوفركم ، وربما ترككم للطلقة الأخيرة . لا أريد أن تكون هناك معاداة بين الشعوب والحكام ، لكنني أريد أن تكون النصيحة مستمرة وأن تكون العلاقة قائمة على النصيحة الصادقة والتعاون ، وما كلامي الذي قلت إلا من هذا المنطلق لأنهم أبناء هذا الشعب ، والشعب أمٌّ لكل فرد ، ولا تريد الأم أن يكون ولدها عاقاً فهي إن قست عليه فمن أجل أن لا يدخل ساحة العقوق فيهلك ويضيع . 
قد عقدنا العزم أن تحيا فلسطين فهل أنتم جاهزون ؟! أسأل الله أن يوفقنا من أجل أن نرى فلسطين كما رأينا الجزائر ، أن يرينا فلسطين محررة ، ليس فلسطين التي يطلق عليها مناطق الـ 1967 بل كل فلسطين ، كل فلسطين . 
أسأل الله أن يثبتنا على شريعته ، اللهم أَعِد لنا فلسطين والقدس والأقصى والقيامة وكل مكان في فلسطين ، وكل مكان في بلاد العرب والمسلمين ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق