آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
شروط الداعي الحق

شروط الداعي الحق

تاريخ الإضافة: 2003/01/24 | عدد المشاهدات: 5139

أما بعد ، أيها الإخوة المسلمون :
سألني بعضهم – والسؤال دائماً يحرّك ويحرِّض ويعبر عن حاجة فكرية معينة في نفس السائل ، وفي نفس عدد لا بأس به يشابه وضعهم وضع السائل – سألني بعضهم عمن يسمون بالدعاة ، ما مقومات الداعي إلى الله ، وما صفاته ؟ وهل يصلح الإنسان المسلم بشكل عام من أجل أن يكون داعياً إلى الله ، أم لا بد من شروط يجب أن تتوافر في هذا الذي يدعو إلى الله عز وجل ؟ أجبته ، وها أنا أعيد الجواب عليكم طمعاً في فائدة تنتشر ، وأملاً في تمتع بصفات تذكر . قلت له أولاً :
ليست الدعوة إلى الله حكراً على أحد ، وليست الدعوة إلى الله عز وجل نافلة من النوافل ، بل الدعوة إلى الله عز وجل واجبة على كل مسلم يقدر استطاعته ، وإذا أردنا أن نذكر شروط الداعي قلنا :
- أولاً : يجب أن يكون الداعي إلى الله على علم بما يدعو إليه . وتعلمون أن ربنا عز وجل قال : ( ولو تقوَّل علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين ) . الصفة الأولى والمقوم الأول أن يكون عالماً بما يدعو إليه ، أي أن يتحدث عن الإسلام بتوثيق وتحقيق ، وأن لا ينسب إلى الإسلام ما ليس منه إن بدافع خيِّر أو بدافع ما سوى ذلك . يجب أن يكون متأكداً من أنه يدعو إلى دين الله ، إلى دين صحيح النسبة إلى شرع الله عز وجل . وتعلمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما جاء في صحيح الإمام مسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ " ولا نريد أن نحدث في الإسلام ما ليس منه – كما قلت – إن بنيةٍ طيبة أو بغير ذلك ، فهو رد علينا ، ن الإسلام تامٌ كامل ، لا يحتاج إلى إضافات منا ، ولا يحتاج إلى زيادةٍ خيّرةٍ منا ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) ، لا نريد قصة لا أصل لها ، ولا نريد حديثاً ضعيفاً ، ولا نريد أرقاماً لا وجود لها ، ولا نريد تقريبات عاطفية لا مستند لها ، وإنما نبتغي من الداعي إلى الله أن ينقل عن هذا الدين بأمانة ، وأن يستشعر مراقبة الله عز وجل له من غير زيادة ولا نقصان ، ولنعلم جميعاً أن تحليل الحرام كتحريم الحلال ، من حلًّل حراماً كمن حرّم حلالاً ، ولهذا يجب أن نؤكد على هذا الشرط وهذه الصفة وذلك المقوم ، واعذروني إن قلت ذلك لأننا بدأنا نرى ، أو كنا نرى منذ زمن غير قليل وإلى أيامنا هذه بدأنا نرى من يدعو إلى الإسلام – وإن كنا لا نشك في حسن نيته – لكنه يدعو إلى إسلام من غير توثيق ولا تحقيق ، ومن غير تثبت ، ومن غير امتلاك ناصية ، ومن غير قوة في الحديث والنسبة والإشارة والإلحاق ، لهذا نُصِرُّ ونلح ونؤكد على هذه الصفة .
- ثانياً : من صفات الداعي إلى الله أن يكون رحيماً ، مُوَطَّأ الأكناف ، سهل الجانب ليّنه ، وتعلمون أن ربنا عز وجل قال : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ، ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في السنن : " إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف " .
- ثالثاً : أن يستشعر الداعي مسؤوليته التكليفية في دعوته ، فهو لا يمارس هواية ، وإنما يمارس واجباً ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ، ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إني من المسلمين ) هو يمارس أمراً تكليفياً ، ولا يمارس – كما قلت لكم – هواية ، ذاك هوايته الدعوة ، وذاك هوايته أن لا يدعو هذا ، هذا أمر غير مقرّ عليه في شريعتنا ، هذا أمر مرفوض ، أن يستشعر الداعي – وكلنا معني بالدعوة بحسب مساحته ، وبحسب ما يمتلك في صدره ، وبحسب قدرته ، كلنا معنيون وعلينا أن نستشعر مسؤوليتنا التكليفية .
- رابعاً : على الداعي أن يتقن فنّ الدعوة وأن يتقن أساليبها ، أن يتعلم من سيد الدعاة محمد بن عبد الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، وعليه أن يكثر من قراءة أولئك الدعاة ، أن يكثر من قراءة قصص الأنبياء ، من قراءة السيرة النبوية الشريفة ، ومن قراءة حياة الصحابة ، وسيرة آل بيت رسول الله الأطهار حتى يتقن كما قلت لكم فنَّ الدعوة ، حتى يتصل برموزها ، وإلا لماذا جاء القرآن بأحاديث كثيرة وبذكر مطول على الأنبياء ، والله عز وجل قال لنبيه في أكثر من موطن ( واذكر في الكتاب إبراهيم ) عيسى ، موسى ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ) وفي القرآن الكريم سورة تسمى سورة القصص ، وأخرى تسمى سورة الأنبياء ، وأخرى تدعى سورة نوح ، وخامسة سورة هود ، وهكذا ، كل هذا من أجل أن يتعلم المسلم من هؤلاء الأنبياء ، من لقمان الذي اختُلف فيه ، هل هو نبي أم لا ؟ والله ذكره ، وأنا أميل إلى أنه ليس بنبي ، فالله ذكره ليقول للإنسان المسلم : اقرأ سيرة الدعاة من أنبياء وأولياء وصالحين ، وتعلّم منهم ، ولن ننسى في هذه المناسبة ما قاله سيدنا لقمان حسب ما جاء في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي : " يا بني ! جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء " .
- خامساً : على الداعي أن يكون مطبقاً لما يدعو إليه ، وقد نستصعب هذا الشرط ، لذلك أقول : أن يكون الداعي مطبقاً أو جاداً في تطبيق ما يدعو إليه ، صادقاً في تطبيق ما يدعو إليه ، أن يكون في داخله صادق التوجه للتطبيق أو لتطبيق ما يدعو إليه ، إن قلت أن يكون مطبقاً لما يدعو إليه فذاك أمر شاق ، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها ، لكني أقول أن يكون صادقاً في تطبيق ما يدعو إليه ، وعلينا أن نعلن في دواخلنا وأن نسرَّ فيها ، وفي نفس الوقت لنقول لربنا في حالنا وقالنا : اللهم وفقنا وبصدق لتطبيق هذا الدين الحنيف ، اللهم وإن كنا مقصرين لكن تقصيرنا ليس عن صدق توجه ، لكن صدق توجهنا يأتي على ما نريد أن نطبقه على ما يرضيك يا رب العالمين .
- سادساً : أن يكون صابراً ( وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ) ، ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) أن يكون صابراً متحملاً ، لأن الإنسان الداعي سيتحمل في سبيل دعوته وسيبتلى ، وابتلاؤه هذا سيدفعه للإصرار على مثابرة الدعوة ، وسيدفعه للإصرار على أن يكون ملتحقاً بالنبيين الذين هم أشد بلاء : " أشدكم بلاءً الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل " إذا ابتليت فاصبر ، فذاك علامة على أنك إن شاء الله في دعوتك إلى الله مقبول عند الله عز وجل ( أحسب الناس أن يتركوا أ، يقولوا آمنا وهم لا يفتنون . ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) . أن يكون صابراً ، وأن يكون مع صبره واثقاً بنصر الله . نقول لإخواننا في كل مكان : ثقوا بنصر الله ، ثقوا بفضل الله ، ثقوا بعطاء الله ، فالداعي والمجاهد وإن كنا نتحدث عن الدعاة نتحدث عن مشاريع مجاهدين ، عن مشروع مجاهد ، كل داعٍ هو مشروع مجاهد ، لأن الداعي في حال السلام مجاهد حال الحرب ، لا نريد أن نتحدث عن دعاة ليكونوا بعيدين أو منفصلين عن المجاهدين ، فالمؤمنون والدعاة والمجاهدون هم هم أنفسهم ، لكن المؤمن يدعو حيث يستلزم الأمر الدعوة ، ويجاهد حيث يستلزم الأمر القتال ، وهكذا المؤمن جاهزيته شاملة كاملة وليس عندنا في هذا المقام من يتفرغ للدعوة باللسان والكلام حتى إذا ما نادى منادي الجهاد أو القتال : يا خيل الله اركبي ذهب إلى بيته وقال : ليس دوري الآن وأنا في عطلة إلى أن تتكشف الحرب أو المعركة أو القتال ، عندها سأعود إلى سدة الدعوة باللسان والكلام . هذا غير موجود وغير مقبول ، فالمؤمن مشروع داعية ، والداعية مشروع مجاهد ، والمجاهد مشروع منتصر أو مشروع شهيد ، والشهيد مشروع فائز عند الله ، مشروع حيعند ربه يرزق . نغتنم الفرصة لنقول لإخواننا في فلسطين : صابرون أنتم ، واثقون بالله أنتم إن شاء الله ، فأنتم دعاة وأنتم مجاهدون لأنكم تدعون إلى الله ، وبوركت كل أعمالكم التي تعبر عن جهاد وقتال لعدوٍ شرس ولفساد يريد أن يعم ولسرطان معنوي يريد أن ينتشر في جسم الأمة الواحدة . بورك جهادكم وعملياتكم الاستشهادية ، وليس ثمة فصل بين عملياتكم الاستشهادية المباركة وبين دعوتنا إن كنا دعاةً أو إن كنا مشروع دعاة، ندعو إلى الله عز وجل ، فليكن إذاً الداعي صابراً وواثقاً بنصر الله وبفضل الله ، وكلنا يذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لآل ياسر : " صبراً آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة " ويروي الطبراني أن المصطفى عليه وآله الصلاة والسلام جاء مرة وقد عاد من سفر ، وكان من عادته أنه إذا عاد من سفره مرّ أولاً ببيت السيدة فاطمة رضي الله عنها ، فعاد في إحدى المرات من سفر له – وقد كان هذا السفر في سبيل الله بلا شك – ففتحت له الباب ، ولما رأته بكت . فقال لها : " ما يبكيكِ يا فاطمة ؟! " قالت : يا أبتاه ! أرى وجهك قد اصفرَّ ، وثيابك قد اخلولقت فأبكي . فيجيبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " أي بنية ! لا تحزني ، فإن الله مانع أباكِ " سينصر أباكِ ، إنها الثقة بالله القائمة على تحقيق شروط هي من عند الله ، فمن فعل كذا نال كذا ، والرسول عليه وآله الصلاة والسلام فعل كذا ، فعل الشروط فعلاً ، فهو متقن لا ريب ولا شك في إتقانه على الإطلاق ، " يا بنية ! إن الله مانع أباكِ ، والله ما من بيت من شجر أو مدر أو حجر إلا سيبلغه هذا الأمر حتى يبلغ – أي الإسلام – ما بلغ الليل ولانهار " سيبلغ الكرة الأرضية كلها .
- سابعاً : على الداعي أن يكون مخلصاً ، وهذا شرط في كل مجال نذكره ، لأن الله هكذا سن سنناً كونية تكليفية ، لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجه الله . الإخلاص للداعية . أيها الإخوة : قرأت في كتاب إحياء علوم الدين عن ابن عباس رضي الله عنهما وهذه القصة هي تعبير عن مدى مراقبة أولئك العظماء رضي الله عنهم لخلجاتهم ، لتحركات قلوبهم ، كان سيدنا ابن عباس يدرس الناس مرة ، وإذ به في منتصف الدرس يلملم ما أمامه من أوراق مصنوعة بحسب ذلك العصر ، ويقول نقف هنا ، وحين يسأل عن السبب يقول : أُخذنت من حيث لا أدري . إن نفسي برت عليَّ فالآن أنهي الدرس . لقد أحس بأن شيئاً ما ولو كان بسيطاً أصاب الإخلاص المتكامل عنده فلذلك أنهى الدرس . أخلصوا أيها الدعاة ، أخلصوا لربكم ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) أيها الداعي ! لا تبتغي إلا وجه الله ، ولا تتوجه إلا إلى الله ، ولا تكن دعوتك إلى الله سبيلاً للتكسب أو للحصول على منصب أو للتقرب من حاكم ، فإني أنصح نفسي وأنصحك لتكن دعوتك تقرباً إلى الله ، اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، ولست عبد أحد سواك ، وأنا عبدك وعلى عهدك ووعدك ما استطعت ،أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . نريد للدعاة ، وكلنا دعاة بشكل أو بآخر ، بنسبة أو بأخرى ، بميدان أو بآخر أن نكون صادقي التوجه لله ، أن نخلص في دعوتنا ، أن يكون لاله همَّنا ، أن يكون الله مقصدنا ، أن يكون الله مرادنا ، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي ، وكما نكرر في الدعاء نكرر الآن : لإن لجأ غيري إلى غيرك فأنا الذي لا ألجأ إلا إليك ، ولإن اعتمد غيري على غيرك فأنا الذي لا أعتمد إلا عليك ، ولإن لاذ غيري بغيرك فأنا الذي لا ألوذ إلا بك ، خلصني لك يا رب ، لا أريد أن أتوجه إلى سواك ، ولا أريد أن أعتمد على سواك ، ولا أريد أن أتَّكل على سواك ، ولا أريد أن أبتغي إلا وجهك ، فيا رب الإخلاص ويا رب المخلصين ارزقنا الإخلاص في أقوالنا ودعوتنا وأعمالنا ، اللهم جنبنا الرياء في كل ما نقول ، في كل ما نعمل ، اللهم اجعل همنا أنت يا رب العالمين ، واجعلنا نصدق التوجه غليك ، أنت ربنا وأنت ملاذنا ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق