آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من أسباب المغفرة - 1

من أسباب المغفرة - 1

تاريخ الإضافة: 2004/01/16 | عدد المشاهدات: 3697

أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :

سألت أكثر من رجل يريدون الحج : ما غايتك ؟ قال لي : عسى الله أن يجعلني من أولئك الذين قال عنهم سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " أي مغفورة ذنوبه . قال لي : أسأل الله أن يكون حجي سبباً لغفران ذنوبي . تذكرت وأنا أسمع هذا الكلام تذكرت أن جميعنا يسعى ويهفو ويرغب ويريد أن تُغفَر ذنوبه ، ومن منا لا يدعو الله عز وجل صباح مساء أن يغفر له ذنوبه ، وأن يكفر عنه خطاياه ، ولكن في نفس الوقت قلت : وهل الحج هو السبب الوحيد لمغفرة الذنوب . عدت إلى كتب الحديث الشريف وإلى القرآن الكريم فوجدت أن هناك أسباباً أخرى تجعل الإنسان يدخل ساحة الفضل ، فضل الله عز وجل ، يدخل ساحة مغفرة الله ، يدخل ساحة الغفران . قلت في نفسي : لم لا أحدث نفسي وإخواني عن أسباب ودواعي مغفرة الذنوب ، ولا سيما وأن الأيام أيام حج ، ويراد من الحج من قبل الحجاج أن يقول لهم الله عز وجل : أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم .
من أسباب المغفرة ، وقبل أن أذكر الأسباب أقول داعياً ربي عز وجل ومعترفاً أمامه بأننا يا رب قد مُلِئنا ذنوباً ، قد ملئنا خطايا ، إن لم ترحم من يرحم ، وإن لم تغفر من يغفر ، نريدك يا رب وندعوك ونلجأ إليك أن تتوب علينا ، أن تغفر ذنوبنا ، أن تستر عيوبنا ، أن تمحو خطايانا ، لا نربد يا رب إلا أن تكون راضياً عنا .
من أسباب المغفرة ، من الأمور التي تشابه الحج ، التي تجعلك مغفوراً ذنبك التعب في تحصيل الرزق روى الطبراني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له " التعب في تحصيل الرزق لعيالك سبب من أسباب المغفرة . فيا أخي العامل ، ويا من تشتغل وتسعى وتَكِدّ من الصباح إلى المساء وتأتي إلى بيتك الحظ معي ، واجعل غايتك من عملك إرضاء ربك ، وكفاية عيالك ، فإن من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له . فهنيئاً لكم أيها العمال ، أيها المتعبون في تحصيل الرزق ، أيها الكادحون في تحصيل لقمة الحلال . التعب في تحصيل الرزق سبب المغفرة .
السبب الثاني : من استفتح يومه بالخير وختمه بالخير غفرت ذنوبه . يروي الإمام الطبراني بسند حسن أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام قال : " من استفتح أول نهاره بخير " ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ، ولو أن تدعو الله عز وجل ، ولو أن تميط الأذى عن الطريق " من استفتح أول نهاره بخير وختمه بخير قال لله لملائكته : يا ملائكتي لا تكتبوا على عبدي ما فعل بين ذلك من الذنوب " استفتح يومك بالخير ، بكلمة طيبة لزوجك ، بكلمة طيبة لولدك ، بكلمة طيبة لأجيرك ، عدا الصلاة ، عدا صلاة الفجر ، عدا صلاة الضحى ، وأنا أركز وأؤكد على الخير الذي يتعلق بالآخرين ، بكلمة طيبة لتلميذك ، لأستاذك ، لزوجك ، لوالدك ، لولدك ، ادع الله للمسلمين ، هذا خير ، تذكر المسلمين " من استفتح أول نهاره بخير وختمه بخير قال لله لملائكته : يا ملائكتي لا تكتبوا على عبدي ما فعل بين لك من الذنوب "
سبب ثالث : اجتناب الكبائر . والكبائر هي : الشرك بالله ، عقوق الوالدين ، شرب الخمر ، الزنا ... تعلمون الكبائر ، هي سبعة ، هي سبعون ، هي كل ذنب يفعله الإنسان مُصِرٌّ وقد استمع إلى النهي عنه صريحاً قاطعاً ، إن اجتنبت الكبائر غفرت ذنوبك الأخرى ، ودليلنا عن ذلك قوله تعالى :
﴿ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم النساء : 31 .
سبب رابع : حسن الخلق يؤدي إلى مغفرة الذنوب . رأيت حديثاً يرويه البيهقي بسند حسن يقول فيه النبي عليه وآله الصلاة والسلام : " حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد " حَسِّن أخلاقك مع من حولك بالكلمة الطيبة ، بالابتسامة ، بالدعاء ، بالمسامحة .... الخ . كن سمحاً إذا بعت ، كن سمحاً إذا اشتريت ، كن عَفُوَّاً ، كن ذاك الرجل الذي يُعَنْوِن ذاته بحسن الخلق ، اصبر ، تحمل ، أعن الناس ، عد المريض ، امش في جنازة أخيك ، لا تغتب ، لا تشتغل بالنميمة ، حسن الخلق أبوابه كثيرة يبتدئ باجتناب المحرمات وينتهي كما قال سيد الكائنات عليه وآله الصلاة والسلام : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " أو " بوجه طلق " حسن الخلق سبب لمغفرة الذنوب .
سبب خامس : اغفر ذنوب أخيك التي ارتكبها بحقك
﴿ وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله كم والله غفور رحيم النور : 22 اغفر ذنوب أخيك التي ارتكبها بحقك ، يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد : " ارحموا تُرحَموا ، واغفروا يُغفَر لكم " أتريد أن تُغفر ذنوبك عند الله ؟! اغفر ذنوب أولئك الذين ارتكبوها بحقك ، سامحهم ، فإذا ما غفرت ذنب إنسان ما غفر الله لك ذنوبك ، لأن الجزاء من جنس العمل : " من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفث الله عنه كربة منة كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة " الجزاء من جنس العمل ، " ارحموا تُرحَموا ، واغفروا يُغفَر لكم " ، وأنا أغتنم هذه الفرصة لأطالب كل إنسان في هذا البلد ، في دولتنا ، في بلادنا العربية ، في بلادنا الإسلامية ، ولا سيما الحكام ، أقول لهم : " اغفروا يُغفر لكم ، وارحموا تُرحموا " هنالك أشخاص مظلومين ، أو هنالك أشخاص تحت أيديكم بحاجة إلى مغفرة منكم ، فاغفروا يغفر لكم ، وارحموا ترحموا ، هنالك أشخاص يريدون أن يروا أهليهم ، هنالك أشخاص تكاد الأيام تنسي أولادهم وجودهم ، هنالك أشخاص بحاجة إلى أن تتذكروهم بالمغفرة حتى يغفر الله لكم ، هنالك أشخاص بحاجة إلى أن تتذكروهم بالرحمة حتى ترحموا " اغفروا يُغفر لكم ، وارحموا تُرحموا " ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، وما أظن أن واحداً من مسؤولي دولنا العربية والإسلامية لا يسعى إلى مغفرة ذنوبه عند ربه ، أوليس هذا الإنسان مسلماً ، والمسلم يطلب المغفرة من ربه مهما كان وضعه ، أوليس هذا مسيحياً ، والمسيحي كما نعرف يطلب المغفرة من ربه ويدعو ربه بالمغفرة " اغفروا يُغفر لكم ، وارحموا تُرحموا " إنه نداء من القلب ملؤه النصح ، ملؤه إرادة الخير ، نحن لا نريد شراً بأحد يساكننا ، من بني جلدتنا ، ممن يتكلم لغتنا ، ممن يدين بديننا ، ممن يعيش في بلادنا ، لا نريد إلا الخير ، مبتغانا الخير والنصح ، أن نعيش جميعاً بأمان ، أن تربطنا الأخوة ، نريد أن نعيش بأمان فيما بيننا ، حتى إذا عشنا في أمان بيننا كنا أقوياء على أعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر صباح مساء ، والذين يكيلون لنا كل اتهام ، والذين يكيدون لنا كل كيد ، وأنتم تسمعون وسمعتم ما يفعله أعداؤنا في فلسطين ، وما تفعله الإدارة الأمريكية هنا وهناك ، يا ناس ، يا أيها المواطنون ، يا أيها المسؤولون ، يا أيها الحكام ، يا أيتها الشعوب : نحن بحاجة إلى أن نعيش في أمان فيما بيننا ، إلى أن نتراحم فيما بيننا ، إلى أن نتغافر فيما بيننا ، إلى أن يحنو الكبير على الصغير ، إلى أن يحترم الصغير الكبير ، إلى أن يرفق الإنسان بأخيه ، نحن بحاجة إلى هذا ، وهذا هو عدتنا ، وهذا هو سلاحنا ، وإلا قولوا لي بربكم : ما السلاح الذي يمكن أن نقابل به أولئك الذين يصنعون في كل ساعة دبابة ، وفي كل ساعة طيارة حربية ، وفي كل دقيقة يصنعون رصاصة من الطراز الكبير ، ومن الطراز الذي لا يمكن أن نفهم نحن أوصافه لحالة متردية نعيشها ، إنما يمكن أن نقابلهم استناداً إلى قول الله عز وجل ﴿ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة البقرة : 249 بالتراصّ ﴿ إن الله يحب الذين يقاتلون الصف : 4 وأنا لا أقول بأن نعتمد هذا فقط ، وقد قلت في أكثر من مناسبة ، لأن خطبة واحدة لا تعبر عن رأيي ، ولا تعبر عن فكري ، ولا أريد لأحد أن يحكم على فكري من خلال خطبة حضرها ، أو من خلال درس تناوله ، أو من خلال كتيب قرأه ، وإنما عليه أن يُلِمَّ بكل ما أتحدث عنه حتى يستطيع أن يتكلم عن فكر متكامل أقدمه ، أقول هذا من أجل أن لا يُفهَم بأنني أدعو إلى المعنويات فقط ، من أجل أن تكون عدة لنا في مواجهتنا عدونا ، ولكنني أدعو إلى عدة مادية ومعنوية ، ولكنني في هذه الخطبة أؤكد على العدة المعنوية ، أؤكد على التعاطف فيما بيننا ، على التراحم ، على التناصر ، على المحبة ، على الترابط ، على علاقة طيبة يجب أن ينسجها الحكام مع الشعب ، وعلى علاقة طيبة يجب أن ينسجها الشعب مع الحاكم ، وعلى الحاكم أن يبتدئ أولاً ، لأن الأمر يبده ، فإذا ما بدأ الحاكم فقد أقام الحجة على الشعب . نحن نريد أن نطالب صاحب المسؤولية الأكبر أولاً ثم بعد ذلك نطالب الآخرين ، أو أننا نطالبهما معاً ، لكننا نركز على ذي المسؤولية الأكبر ، أو ذي المسؤولية الكبرى " اغفروا يُغفر لكم ، وارحموا تُرحموا " .
سبب سادس من أسباب المغفرة والذي قد نستهين به المصافحة . صافح أخاك ، إذا انتهيت من الصلاة ، إذا دخلت بيت صديقك ، إذا لقيت صديقك أو أخاك صافحه ، لأن النبي عليه وآله الصلاة والسلام يقول : " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما " والتصافح من الصفح ولا نريد أن يكون التصافح شكلاً من غير مضمون ، نريد أن نلحظ ونحن نصافح أخانا أننا نطلب منه الصفح ، وأننا نصفح عنه ، المصافحة من الصفح ، اصفح عنه ، وصافحه ، والمصافحة مفاعلة أي تبادل بينك وبين أخيك الذي تضع يدك بيده ، لتقول بلسان حالك : صفحت عنك ، وليقول هو بلسان حاله : صفحت عنك " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما " .
هذه أسباب ستة لمغفرة الذنوب ، وسنكمل باقي الأسباب في خطبة قادمة ، ولكن هل نعيش هذه الأسباب في أسبوعنا القادم من أجل أن نحصل على وثيقة من الله ، نستمتع فيها بإلهام من الله عز وجل مفاده : غفرت لكم يا عبادي ، غفرت لكم لأنكم ذوو أخلاق حسنة ، لأنكم اجتنبتم الكبائر ، لأنكم عملتم واشتغلتم ، لأنكم تصافحتم ، لأنكم غفرتم لبعضكم ، لأنكم رحمتم بعضكم . أسأل الله أن يوفقنا في أيام قادمة لإعداد هذه العدة ، وإذا ما غُفِرت ذنوبنا فذلك منانا ، يا ربنا : اغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، وارحم موتانا ، واجعلنا في مأمن من كل خوفٍ يأتي من سواك يا رب العالمين ، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .  

التعليقات

شاركنا بتعليق