أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :
لا زلنا نبغي متابعة ما بدأنا به
الأسبوع الفائت ، فلقد تحدثنا عن موجبات المغفرة ، وعن مُستَجلباتها ، وقلنا
إننا إذ نسأل الحاج عن غايته ومراده ومُبتَغاه فسيقول : لعله يندرج تحت تجليات
وتطبيقات قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع
كيوم ولدته أمه " إذاً : هو يبغي المغفرة ويطلبها ويسعى إليها حثيثاً ، لكننا
نقول لأولئك الذين لم يتسنَّى لهم أن يحجُّوا : إن هنالك طرقاً أخرى من أجل
الوصول إلى ساح المغفرة ، ومن أجل نيل المغفرة ، ومن أجل استمطارها واستجلابها
. تحدثنا عن موجبات المغفرة في الأسبوع الماضي ، واليوم نتابع الحديث عما يؤدي
بك إلى أن يكون مغفوراً ذنبك . تحدثنا في الأسبوع الماضي عن أمور ستة ، واليوم
نبتدئ من الأمر السابع .
السبب السابع من أسباب المغفرة : إماطة الأذى عن الطريق ، فإذا ما أمطت الأذى
عن الطريق فسيكون ذلك سبباً من أسباب المغفرة ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أنه قال : " بينما رجل يمشي وجد غصن شوك يؤذي المسلمين فأخَّره عن
طريقهم ، فشكر الله له فغفر له " فلنسعَ من أجل أن نميط الأذى عن الطريق ،
ولنسعَ قبلاً من أجل أن لا نضع الأذى على الطريق ، ولنكن متعاونين مع المسؤولين
حتى تكون شوارعنا نظيفة ، وحتى تكون أراضينا مطهرة مماطاً عنها الأذى لأن
النظافة عنوان حضارة ، ولأن الطهارة من الأدران المادية والمعنوية عنوان إيمان
، ولأن كل هذا يجعلنا عباداً لله صادقين ، فالعبادة ليست صلاة وصياماً فحسب ،
ولكن العبادة عمل شامل يغطي كل جنبات المجتمع ، ويغطي كل صعده ومستوياته
وساحاته . أَمِط الأذى عن الطريق ، ونحن نطالب في خطبتنا هذه الدولة بالعناية
الأكثر ، بأن تزداد عنايتها بطرقاتنا ، بأحيائنا ، بنظافة الطرقات ونظافة
الأحياء ، وأريد أن أُنَوِّه إلى أن النظافة المطلوبة هي نظافة مادية ومعنوية ،
أن تميط الإماطة المعنوية عن طريق توصلك إلى الله عز وجل ، فليس المقصود من
إماطة الأذى عن الطريق فقط الأذى المادي ، وإنما المعنوي ، وأيضاً نطالب
المسؤولين في أن يميطوا الأذى المعنوي عن الطريق التي توصلنا إلى الله عز وجل ،
لأن الطريق إلى ربنا عز وجل هي الطريقة المستقيمة ، نطالب حكومتنا ، نطالب
بلدنا أن يرفعوا من أمام أعين أبنائنا الأذى الذي يؤذي إيمانهم والذي يؤذي
عقيدتهم والذي يؤذي سلوكهم ، أن يرفعوا الأذى المعنوي من أمام أعين أبنائنا ،
تلك اللوحات التي صُوِّر عليها مناظر مؤذية ، مناظر تؤذي الفطرة ، مناظر لا
تَمُتُّ إلى الأخلاق بِصِلة ، هذا من إماطة الأذى عن الطريق ، نطالب أنفسنا وكل
إنسان بيده زمام أمر ما أن يعمل هذا الزمام حتى يميط الأذى عن طريق المسلمين ،
الأذى المادي والمعنوي .
السبب الثامن : إدخالك السرور على قلب أخيك المسلم ، فقد جاء في الطبراني بسند
حسن أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام قال : " إن من موجبات المغفرة إدخالك
السرور على قلب أخيك المسلم " أدخل السرور على قلب أخيك المسلم من خلال بسمة ،
من خلال هدية ، من خلال إعانة ، من خلال رعاية ، من خلال تنفيس كربة : " من
نَفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة " من
خلال عمل يسعد هذا الإنسان ، وأنا أكرر باستمرار : إننا نريد في هذا الوطن أن
نكون لُحمَةً واحدة ، وأن نكون أمة واحدة نتعامل مع بعضنا من خلال النصح ، من
خلال التعاون على البر والتقوى . هذا هو العيد سيقبل علينا بعد أيام ، ونحن
نطالب أيضاً المسؤولين الأعزاء أن يُدخِلوا السرور على قلوب المسلمين المواطنين
، وعلى المواطنين غير المسلمين ، بما لا يتعارض مع إرضاء الله عز وجل ، نريد
منهم أن يمنوا على الذين انتهت فترة عقوبتهم بأن يُطلِقوا سراحهم ، نريد منهم
أن يسمحوا لأولئك الذين لا ذنب لهم بأن يعودوا إلى أهليهم وذويهم ، فهذا من باب
إدخال السرور على قلب أخيك المسلم " إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على
قلب أخيك المسلم " وما أظن أن أحداً من بني جلدتنا من إخوتنا ، من المواطنين ،
من المسؤولين يزهد في المغفرة ، كلنا محتاجون للمغفرة ، كلنا مثقلون بالذنوب
ونريد من ربنا عز وجل أن يمن علينا بمغفرة حتى نكون في هذه الحياة خفيفين من
حيث الذنوب والخطايا ، سببٌ وسبب قَمين في أن يُلتَفت إليه فيما بيننا وبين
بعضنا على مستوى الشعب ، وفيما بيننا وبين حكومتنا ، فيما بين المراجع والموظف
. أيها الموظف ، أيها العامل : أدخل السرور على قلب مراجعك بتنفيذ ما عُهِد
إليك تنفيذاً سريعاً . إن إدخال السرور فيما بيننا هو الذي يجعلنا وحدة متماسكة
، كتلة قوية أمام كل إنسان ، أمام كل من لفظ إنسانيته وتخلى عن إنسانيته ،
ويريد اقتحامنا من أعداء الله وأعداء الإنسان على مستوى الأعداء الغربيين أو
على مستوى الأعداء الذين يتربصون بفلسطين الدوائر ، العدو الإسرائيلي البغيض
الآثم .
السبب التاسع : أن تستغفر الله عز وجل
﴿
واستغفر الله إن الله كان غفوراً
رحيما ﴾
النساء : 106
ليكن لكم ورد استغفار ، قل في الصباح ولو مرة سيد الاستغفار ، أو قل كما قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم حسب ما جاء في سنن أبي داود والترمذي والحاكم ،
وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين : " من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله
إلا هو الحي القيوم غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف " .
عاشراً : من أسباب المغفرة إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد ،
وقد قال عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في صحيح الإمام مسلم : " ألا أدلكم
على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال :
إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة ، فذلكم
الرباط ، فذلكم الرباط " نريد من شبابنا أن يكونوا ذوي هيئات متوضئة ، والوضوء
من الوَضاءة ، والوضوء من النقاء ، نور الطهارة ، نور العبادة ، وذاك أمر
يطمئننا ويطمئن الأجيال السابقة في أن المستقبل بخير والحمد لله ، أقول هذا
الكلام بشكل خاص لشبابنا : يا شبابنا ليس الوضوء مراداً لذاته ، ولكنه علامة
على أنك تسعى من أجل أن تُطَهِّر يديه من كل عصيان ، وأن تطهر وجهك من كل معصية
، ومن كل إثم ، وأن تطهر رجليك من كل ما يمكن أن تقترفه من مفسدة ، وأن تطهر
هذا الذي تقوم بغسله من كل شيء يغضب ربك ويستجلب الضر لك ولمجتمعك .
السبب الحادي عشر الذي يدفعنا من أجل أن نطلب المغفرة وأن نستجلب المغفرة :
أداء الجمعة بإتقان . أداء صلاة الجمعة بإتقان ، فقد روى الإمام مسلم أن النبي
عليه وآله الصلاة والسلام قال : " من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتى الجمعة فاستمع
وأنصت غفر له ما بين هذه الجمعة والجمعة السابقة " وفي رواية لمسلم أيضاً : "
غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام " صلاة الجمعة لا نريد أن يزهد
شبابنا فيها ، هي لقاء على الخير ، هي لقاء على النصح ، هي لقاء على الفضيلة ،
هي لقاء على رعاية الوطن ، هي لقاء على حماية الوطن ، هي لقاء من أجل أن نشحن
أرواحنا ، من أجل أن يزداد إيماننا ، من أجل أن نجتمع اجتماعاً يرضي ربنا ، من
أجل أن نحافظ على استقلال بلادنا ، من أجل أن نعمق جهادنا ضد عدونا وضد أنفسنا
الأمَّارة بالسوء . نريد صلاة الجمعة بِحِكَمِها التي جاءت من أجلها وفُرِضت من
أجلها ، بغاياتها ، برونقها ، بكل ما فيها من عظمة ، ولا نريد لصلاة الجمعة أن
تتحول إلى عادة هادئة راكدة لا طعم لها ولون ، لا نريد لصلاة الجمعة أن تتحول
إلى تجمع في الشكل دون لقاء القلوب ، ولا نريد لصلاة الجمعة أن تكون مجرد شعيرة
نعمل فيها ظاهرنا ونغفل فيها باطننا .
السبب الثاني عشر : الصلوات الخمس ، صيام رمضان ، صلاة الجمعة ، جاء في الحديث
الصحيح الذي يرويه مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : "
الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهم إذا اجتنبت
الكبائر " الصلوات الخمس : " أرأيتم لو أن نهراً يجري بباب أحدكم يغتسل منه كل
يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شيء . قال : فذلك
مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا " يا شبابنا صلوا ، صلوا وكونوا من
المصلين في جامعاتكم صلوا ، في بيوتاتكم صلوا ، في نواديكم الرياضية صلوا ، في
ثكناتكم صلوا ، حيثما كنتم فصلوا لأن الصلاة تعني طمأنينة واستقراراً ودعوة إلى
التحرر ودعوة إلى الخير ، ودعوة إلى التطوير ، ودعوة إلى كل فضيلة ، ودعوة إلى
كل خير .
السبب الثالث عشر هو : صوم يوم عرفة . جاء في صحيح الإمام مسلم أيضاً أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم عرفة ( وأريد أن أفتح قوسين لأقول :
هنالك فرق كما بينا بين الصيام والصوم ، الصوم امتناع معنوي مع الامتناع المادي
) سئل عن صوم يوم عرفة فقال : يكفر السنة الماضية والسنة الباقية " .
هذه بعض من أسباب المغفرة جَهِدت في أن أجمعها في هذه الأسباب التي ذكرتها ،
آملاً من ربي عز وجل وداعياً ربي جلت قدرته أن يوفقنا حتى نكون دائماً متخلصين
من ذنوبنا ، مغفورة ذنوبنا ، أرجو الله عز وجل أن يوفق أبناء وطني وأبناء ديني
وأبناء أمتي من أجل السعي لنيل المغفرة ، وما أجملها من ساعة يوم تشعر أن الله
غفر لك ، ما أروعها من لحظة يوم تستشعر أن ربك قال لك : غفرت لك ما كان منك يا
عبدي . ما أجملها من ساعة وصال بين العبد وربه ، فيا ربنا لا تحرمنا أن تغفر
لنا ذنوبنا وأن تستر لنا عيوبنا وأن تفرج كروبنا ، أنت ربنا وأنت مستعاننا ،
وأنت ولينا ، نردد مع حجيجك الذين يطوفون حول بيتك من أجل أن تغفر ذنوبنا ،
نردد مع حجيجنا : لبيك اللهم لبيك ، لبيك للصلاة ، لبيك للزكاة ، لبيك لبناء
الوطن ، لبيك للتعاون على البر والتقوى ، لبيك لكل خير طلبته منا ، أنت ولينا
ومستعاننا وإلهنا ورجاؤنا وحسيبنا ، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت ، أقول
هذا القول وأستغفر الله.
التعليقات