آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


كتب و مؤلفات

   
حوار مع الصحافة: أسئلة من الواقع وإجابات من الإسلام

حوار مع الصحافة: أسئلة من الواقع وإجابات من الإسلام

تاريخ الإضافة: | عدد المشاهدات: 4981

ربما لم يعد أحد يشك في قدرة الفكر الإسلامي على مساءلة العصر ، والدخول في حوار حول قضاياه الراهنة ، ومسائله الملحّة ، وتقديم حلول ومقترحات تتميز بالأصالة وبالاستجابة للهوية الحضارية للأمة الإسلامية من جهة ، وبالراهنية والتساوق مع روح العصر ومعطياته النظرية وتطوراته العملية في شتى المجالات من جهة أخرى . 
ضمن هذا السياق يأتي الكتاب ( حوار مع الصحافة ) وهو مجموعة حوارات أجرتها بعض وسائل الإعلام المكتوبة من مجلات وجرائد مع الدكتور الشيخ محمود عكام أحد رجالات الفكر الإسلامي المعاصر . والكتاب كما يقول عنوانه الفرعي : أسئلة من الواقع وإجابات من الإسلام . أسئلة من الواقع : لأنه يحمل القضايا الساخنة اليوم ( ونعني باليوم مرحلة ما بعد سقوط المنظومة الشيوعية ، وانهيار رأس حربتها " الاتحاد السوفييتي " ، وبروز مقولة " النظام العالمي الجديد " و " المتغيرات العالمية الجديدة " هذا النظام الذي لم تحدد بعد معاييره ) . وإجابات من الإسلام : لأن الإجابات التي يحملها الكتاب صادرة عن عاِلم جمع بين العلوم الشرعية التقليدية ، والعلوم الإنسانية المعاصرة ، وهو مع ذلك ليس بالذي ( يَعدُّ فهمه حاكماً على بقية الفهوم ، وقولاً فصلاً لم تنتج مصادر الإسلام غيره ، وإنما الذي أقول فهم من المفهوم ، ومحتمل من المحتملات المنبثقة عن الإسلام ) . 
وإذا كان من العسير على المرء أن يحد ناظماً واحداً لهذا الكتاب ، نتيجة التنوع الكبير في الموضوعات المطروحة ، وتباين طبيعة الحوارات لتعدد المحاورين ، فإنه يبدو من الممكن الحديث عن عدة نقاط أساسية في فكر الدكتور محمود عكام ، تبدو من مجمل الأحاديث التي ضمتها دفتا الكتاب ، وسنستعرض أبرزها هنا محاولين إيضاحها بالاعتماد على المادة الحية المقتطفة من الحوارات بشكل أساسي . فعن مفهوم الحوار وحدوده ، وأهميته يرى المؤلف أن ( المبدأ أولاً حوار ، والحوار منهاج ) ، فلا غنى من الحوار المفتوح مع الآخر دون قيود مسبقة تحد من مساحة هذا الحوار الذي قد يطال كل القناعات والمسلمات لدى الأطراف المتحاورة ، وقد كان أول من أرسى مبادئ هذه القاعدة هو الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم متبعاً في ذلك آيات الحوار الواردة في القرآن الكريم ، واستمر هذا التقليد واتسع في ظل الحضارة العربية الإسلامية ، التي ضمت مختلف الأديان والعقائد والمذاهب في ظل الرعاية الإنسانية الإسلامية ( فمسألة الحوار مسألة إنسانية معرفية " إنتربولوجية " ) بحتة ، وعلامة على مدى تقدم الإنسان في سلّم المصدر الصناعي المشتق منه ، وإذا ما غاب عن أرض حل بها الدمار . وقد جاءت هذه الحوارات لتؤكد على التوحيد والتجديد . 
فالتوحيد كما يعرفه مؤلفنا بقوله : ( هو اللقاء الأمثل بين الحكومات الإسلامية المتعددة ، وبينها وبين الشعوب على محاور مستمدة من دينها ، وإعلان الهوية الجامعة علناً وصراحة ، والابتعاد عن أي صيغة مفرقة ، عرقية كانت أم مذهبية أو سواها). فهو يرفض رفضاً قاطعاً أن تفرقنا الاجتهادات المختلفة المختلفة في فهم النصوص الإسلامية ، ويرفض أن تتحول ميزة الاختلاف في الرأي وسعة الأحكام ، وتفاوت الرؤى إلى رذيلة وقوف كل فئة من المسلمين عند حدود فهما الخاص فلا تقبل غيره ، وتعتبر الآخرين وفق معيارها الضيق خارجين أو مرتدين أو عصاة ، إذ أن ( القرآن الكريم أوسع من أن يُحَدَّ بفهم أو رأي ، والإسلام أكبر من أن يرسم معالمه عالم أو مفكر ) . 
أما التجديد فهو : السعي الجاد إلى من قبل المفكرين المسلمين في كل الأصقاع لإيجاد بنيان معرفي معاصر واستراتيجية ثقافية واحدة مأخوذة من منابع ديننا الحنيف . وإن مراعاة النعاصرة في هذا البنيان المعرفي هي ما يدعو إليه المؤلف ، إذ أن القرآن الكريم هو ( خطاب الله تعالى للعقل في كل العصور والأزمان ، وليس لعقل في زمن محصور ، وعلى العقل أن يتعامل مباشرة مع هذا الخطاب ، وله أن ينتج ما شاء من الفهوم الموصولة بألفاظه وصلاً لغوياً ودلالياً صحيحاً ) . 
وإن ضرورة التجديد تكمن في تغيير ظروف كل عصر عما سواه من العصور ، وبما أن القرآن الكريم والشريعة الإسلامية المستمدة منه صالحة لكل زمان ومكان فإنا لا نستطيع ( أن نقف عند حدود " فهم " عصر من العصور للقرآن الكريم ، لنفرضه على بقية العصور التالية ، بل إن هناك ثوابت تتخلل كل العصور يسميها علماؤنا " القطعيات " ، وهناك تنزيلات تتناسب وكل زمن وأحواله ، ترعاها وتغطيها وتكتنفها ) . 
وختاماً : فإذا كنا قد اخترنا محوري التوحيد والتجديد للبحث عن للحديث عن كتاب " حوار مع الصحافة " فذلك لأنهما محورا الإحداثيات اللذان يحددان الأطر التي يتحرك في فضائها توجه الدكتور محمود عكام في قضايا الفكر الإسلامي . وهذا ما يلحظه كل قارئ للكتاب الذي يتصدى للحديث عن العديد من قضايا الساعة العربية والإسلامية ، كالعلمانية والديمقراطية والاقتصاد الإسلامي ونظرية الحاكمية ، وغيرها ... 
ورغم قصر الحجم الذي يشغله كل من هذه الموضوعات - تبعاً لمتطلبات الحوار الصحفي - ف ن الحديث فيها جاء متميزاً وأصيلاً ، وإن كانت هذه الأحاديث كما ورد ( لا تعدو أن تكون متناً لشروح تضاف ) فإننا بانتظار هذه الشروح التي لا ستغني ولا شك مسيرة الفكر الإسلامي المعاصر ، وتحرك حوارات عديدة معه .

التعليقات

شاركنا بتعليق