آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
لماذا ندعو إلى الإسلام

لماذا ندعو إلى الإسلام

تاريخ الإضافة: 2005/04/08 | عدد المشاهدات: 2724

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
سألني سائل منذ سنوات عدة وأعاد السؤال عليَّ سائل آخر ، أو بالأحرى أعاد سائل آخر عليَّ السؤال نفسه منذ مدة قريبة ، والسؤال هو : لماذا ندعو إلى الإسلام ؟ أَوَليست الخطبة دعوة إلى الإسلام ؟ أَوَليست الكتابة والتأليف ممارسة لهذه الدعوة ؟
أجبت السائل الأول بجواب ، وأجبت السائل الآخر جواباً كان هذا الجواب الثاني نفس الجواب الأول تقريباً . وملخص الجواب ما يلي :
نحن ندعو إلى الإسلام لأن الدعوة إلى الإسلام مهمة شريفة ، ولأن الدعوة إلى هذا الدين الحنيف رسالة نظيفة ، هي مهمة الأنبياء جميعاً عليهم صلوات الله وسلاماته ، وهي مهمة رسول الله خاتم الأنبياء عليه صلاة الله وسلامه ، المهمة الكبرى :
﴿ يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته المائدة : 67 ، ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) النحل : 125 فالدعوة إلى الله هي مهمة تشريف ، وهي مهمة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلاماته .
ثانياً : نحن ندعو إلى الإسلام لأن الناس تحتاج إلى الإسلام ، فبدعوتنا إلى الإسلام نلبي حاجةً عند الناس مركوزة في عقولهم وقلوبهم وأفئدتهم وجوارحهم ، كما أن الإنسان يحتاج إلى الطعام والشراب فهو يحتاج إلى دين ، يحتاج إلى اتخاذ موقف تجاه خالقه ، والموقف تجاه الخالق هو الدين ، الله الذي خلقك وخلق الكون حولك ، وخلق ما حولك ومن حولك ، هذا الله الذي خلق الموت والحياة ، الذي جعل لك من الشجر الأخضر ناراً ، الذي أخرج لك من الأرض ماءَ ، الذي ظلَّلك بالسماء ، الذي جعل الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم ، الله الذي فعل كل ذلك ، خلق وبرأ وجعل ما حولك ومن حولك ، وذََرَأك أنت لا بد وأن تتخذ موقفاً حياله ، هذا الموقف هو الدين ، فأنت بحاجة إلى الإسلام لأن الإسلام يبين لك الموقف الذي يجب أن تتخذه حيال ربك عز وجل . وهذا الموقف هو وبكل بساطة العبادة
﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون البقرة : 21 هذا الموقف تجاه الله عز وجل هو الإسلام ، هو الاستسلام لله عن طريق العقل والقناعة والتفكير ليعقب ذلك قيام بالعبودية والطاعة من خلال العبادات المحددة ، ومن خلال العادات التي تتحول بالنية إلى عبادات . ندعو إلى الإسلام إذن لأن الإنسان بحاجة إلى الإسلام وربما فاقت حاجته إلى الدين حاجته إلى الطعام والشراب ، ولعلي ذكرت لكم أقوالاً لفلاسفة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ، يقول بعضهم : قد يعيش الإنسان من غير مساحات فنية أو اجتماعية لكنه لن يستطيع أبداً أن يعيش من غير دين ، فالدين أساس في ساحة الحاجات التي تتطلبها روحك ويتطلبها عقلك ، وتتطلبها نفسك .
الأمر الثالث : ندعو إلى الإسلام لأننا في دعوتنا إلى الإسلام نريد من هذا الإنسان أن يكون منسجماً مع الكون ، ففي دعوتنا الإنسان إلى الإسلام دعوة من أجل أن ينسجم هذا الإنسان مع الكون . ولعلك تسألني كيف ينسجم هذا الإنسان مع الكون عندما يسلم ؟ أقول : أوليس الكون الجامد والمتحرك أعني الجماد والحيوان من دون الإنسان ، أوليس الكون الجامد والمتحرك والحي يسبح بحمد الله ، أوليس الكون الجامد والمتحرك يستسلم لله ويسجد لله
﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم الإسراء : 44 إذا كان الكون الجامد والمتحرك يستسلم لله ويسبح لله ، ويسجد لله فَأَحْرِ بك أيها الإنسان أن تنسجم مع الكون الجامد والمتحرك لتسبح بقناعة وتفكير ، لتسبح الله ، لتسجد لله ، وإلا فستسبقك مفردات الجامد والمتحرك ، ولهذا إذا عدل الإنسان عن الدين صار أسوأ وأضل من الحيوان ، وربي عز وجل قال ﴿ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل الفرقان : 44 دعوة إلى الانسجام مع الكون . ولقد ذكرنا فيما ذكرنا ونحن نتحدث في مناسبات المولد النبوي الشريف ذكرنا كما روى الدرامي والبزار وابن حبان أن الشجرة شهدت للنبي عليه وآله الصلاة والسلام وأن الحجر شهد للنبي عليه وآله الصلاة والسلام ، فلقد جاء في الكتب التي ذكرتُ أن أعرابياً قال للنبي عليه وآله الصلاة والسلام : يا محمد : مَنْ يشهد بأنك رسول الله ؟ فأشار عليه وآله الصلاة والسلام إلى شجرةٍ هناك وقال : هذه . فأقبلت الشجرة تَخُدُّ الأرض حتى قالت : أشهد أنك رسول الله . وقد ورد عنه عليه وآله الصلاة والسلام كما في صحيح الإمام مسلم : " ما من شيءٍ في السموات والأرض إلا ويعلم أني رسول الله إلا عاصيَ الإنس والجن " نحن ندعو إلى الإسلام لتنسجم أيها الإنسان مع الكون المستسلم لله كرهاً لتستسلم أنتَ طوعاً وعن قناعة ، فهو مستسلم وأنت مسلم ، أنت مسلم لأنك أسلمت القِيادَ لربك طوعاً وعن قناعة وتفكير ، أما الكون فهو الذي استسلم لله لأن الله ألزمه ذلك ، فعليك أن تنسجم مع الكون . يروي البيهقي في دلائله عن سيدنا الإمام علي قال : خرجنا مع النبي عليه وآله الصلاة والسلام إلى ظاهر مكة ، فو الله ما مررنا بشجر ولا حجر إلا قال : السلام عليك يا رسول الله .
رابعاً : نحن ندعو إلى الإسلام لأن أهل الباطل يدعون إلى باطلهم فأَجْدِر بأهل الحق أن يدعوا إلى حقهم . إن أهل الباطل هنا وهناك يدعون تحت أقنعة مختلفة إلى باطلهم ، إن الصليبية المُتصهينة ، وإن الصهيونية المجرمة ، وإن الماسونية الحاقدة ، وإن الإباحية الفاجرة تمارس دعوتها الناس إلى الباطل ، فلماذا لا يدعو أهل الحق إلى حقهم ، وأهل الباطل ينشطون في دعوتهم الناس إلى باطلهم ، لذلك نحن ندعو الناس لأن أهل الحق ينشطون ، ليس من باب ردة الفعل كما يقال ، لكن من باب المسابقة إلى انتشال المدعو من براثن دعوة مفسدة له ولكيانه حتى يكون في ساحة الانسجام والتماسك والفهم والتعاطي الحسن مع ذاته ومع معطياتٍ حوله ومع ربه ومع الكون .
خامساً : نحن ندعو إلى الإسلام لأننا نريد بدعوتنا الناس إلى الإسلام أن ندفع البلاء عنا ، فإذا لم ندعو إلى الإسلام فالله عز وجل سيبعث علينا عقاباً ، ولن يستجيب لنا بعد العقاب دعاءً ، وما هذا بقولي ، إنما هو قول سيدنا محمد عليه وآله الصلاة والسلام كما روى الترمذي بسند حسن : " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " إما أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ، وإما أن ينزل الله عز وجل عقاباً بكم فاختاروا ، لذلك نحن ندعو إلى الإسلام حتى ندفع البلاء عنا وعن إخواننا وعن بلادنا وعن أطفالنا ، فالدعوة إلى الله عز وجل ترفع وتدفع البلاء . ولن أنسى يوم قال بعضٌ من تلامذة صف كنا فيه لأستاذ لنا ، شيخ جليل ، قال له : نريد أن ندعو ليرفع الله البلاء . فقال : يا بني : مع الدعاء مارسوا الدعوة إلى الله عز وجل ، فبالدعوة إلى الله ، وبدعائكم الله يرفع الله البلاء ، إذا دعوتم إلى الله ، وإذا دعوتم الله فسيرفع الله البلاء .
سادساً : نحن ندعو إلى الإسلام لأننا نريد الخير للناس ، وهذا دافع نبيل ، نحن نريد الخير للناس ، لكل من على هذه الأرض ، هذا دافعنا وهذا بعض من منطلقاتنا ، نحن نريد الخير لأخينا الإنسان أينما كان هذا الإنسان ، ولا تظنوا حينما ندعو إلى الإسلام أننا ندعو لغرض مادي نريده أو لمنفعة شخصية نبغيها من وراء دعوتنا هذا الإنسان ، نحن ندعو الإنسان إلى الإسلام لأننا نريد الخير لهذا الإنسان .
هذه بواعثنا ودوافعنا حينما ندعو إلى الإسلام ، وهذا هو جوابنا لمن سألنا عن سبب دعوتنا الناس إلى ديننا ، إلى إسلامنا ، لذلك أتوجه إلى المسلمين في كل بقاع الأرض من غير استثناء ، فالدعوة إلى الله وإلى الإسلام ليست حكراً على من يقف على المنبر ، وليست حكراً على من يقف إماماً في المسجد ولكنها فرض وواجب ومندوب على كل من شغل مساحة حياتية في هذه الدنيا بالأسلوب الذي يتقن وبالحال قبل المقال ، ولذلك نتوجه للعالم بأسره : لا نريد إلا الخير للإنسان ، لا نريد إلا الفضيلة للإنسان ، نحترم الإنسان ، نقدر الإنسان ، عندما يموت الإنسان نحترم نفس الإنسان مهما كان هذا الإنسان ، ولئن كان العالم اليوم ولا سيما الغربي منه يودع رأس الكنيسة الكاثوليكية فإننا نقول لهذا العالم : لسنا أعداء للإنسان ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الإنسان المسلم الذي يقرأ القرآن الكريم ، والذي يقرأ الحديث الشريف لا يمكن أن يكون عدواً للإنسان البتة ، ولا يمكن للمسلم أن يعتدي على الإنسان ، بل الإنسان المسلم يحب الإنسان ، وهو في دعوته هذا الإنسان إنما ينطلق من منطلق الحب وإرادة الخير . المسلم يحترم النفس الإنسانية ، فقد قال تعالى :
﴿ ولقد كرنا بني آدم الإسراء:70 وهكذا علمنا النبي عليه وآله الصلاة والسلام يوم مرت جنازة يهودي فقام لها عليه وآله الصلاة والسلام فقيل له : يا رسول الله إنه يهودي ! فقال صلوات الله وسلاماته عليه وهو الإنسان الأرقى ، وهو الإنسان الآنق ، وهو العظيم بين البشر قال : " أوليست نفساً ! " نحن نحترم الإنسان ونقدر الإنسان ، ونحب الخير للإنسان ، وما كان المسلم الحق في لحظة من اللحظات غير هذا ، لسنا معتدين ، ولسنا بأولئك الذين يبحثون عن مرجعيات المنفعة وإنما نكره الاعتداء ونكره المنفعة الشخصية حينما تكون حاكمة على السلوك وحينما توجه الإنسان وأقوالَ الإنسان وسلوكَ الإنسان . نحن سلمٌ لمن سالمنا ونرد الاعتداء بالمثل على من عادانا ، ولا نتجاوز على من عادانا ، ولأن الصهيونية المجرمة مجرمة ، ولأن الصليبية المتصهينة آثمة ، ولأن الماسونية الحاقدة حاقدة وتريد استئصال شأفة الدين الحق من الإنسان ، لأن هؤلاء جميعاً على ما هم عليه يتصفون بالصفات التي ذكرت ، لأن هؤلاء كذلك قلنا في مستهل الخطبة هذه : إن أهل الباطل يدعون إلى باطلهم ، فعلى أهل الحق أن يدعو إلى حقهم .
اللهم إني أسألك يا ربنا أن توفقنا من أجل أن نسعى لخير الإنسان أينما كان الإنسان ، اللهم وسع صدورنا وقلوبنا من أجل أن نقبل كل الناس فنريد لهم الخير ، فنحن يا ربنا كما أمرتنا نسعى لنشر الخير في كل الأرض التي خلقتها لنسود عليها ولنمتلك زمامها بخير نُصدِّره وننتجه واتساع لكل الناس تتسع لهم صدرونا وقلوبنا وأفئدتنا . اللهم تقبل منا ما كان صالحاً ، وأصلح منا ما كان فاسداً ، واجعلنا مفاتيح خير ، مغاليق شر ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق