أما بعد ، فيا أيها الأخوة المؤمنون ،
يا أيها الأخوة المسلمون ، يا أيها الأخوة المصلون :
اسمحوا لي في هذه الخطبة أن أتوجه إلى إخواننا في العراق ، ولعل هذا التوجه
يكون باسمكم أنتم هنا أيها المسلمون المؤمنون المصلون في سوريا ، نتوجه إلى
إخواننا في العراق نقول لهم : احذروا من فتنة طائفية تأتيكم فلن تبقي أحداً
منكم ولن تذر . يا إخواتنا في العراق : لا تكونوا لقمةً سائغة لمحتل يبغيكم
أذلاء ويبغيكم متفرقين حتى يستسهل أن يكون سيداً عليكم ، يا إخواننا في العراق
، يا أيها السنيون ، يا أيها الشيعة ، ويا أيها العرب ، ويا أيها الأكراد ، ويا
أيها المسيحيون ، يا أبناء هذا القطر العربي المسلم الغالي على قلوبنا : احذروا
من فتنة طائفية عصبية عرقية ، فورب الكعبة إنها إن أتت جعلتكم حصيداً خامدين ،
أو جعلت منكم لأولئك الذين استعمروكم عبيداً أذلاء . اقرؤوا كتاب ربكم وآياته ،
اقرؤوا آيات ربكم التي تدعوكم إلى اللُّحمة ، إلى الاعتصام بحبله ، إلى التعاون
. اقرؤوا الآيات التي تحذركم من التفرقة والتنازع فإني لكم ناصح ، وإننا لكم
جميعاً ناصحون . يا إخوتنا في العراق : لا نريد أن تطبقوا بغير وعي ما يريده
الاستعمار منكم عبر قاعدته المشهورة : ( فرِّق تسد ) إن عدوكم أمريكا ومن وراء
أمريكا إسرائيل ، ومن وراء إسرائيل كل أولئك الذين لا يريدون للخير أن يعم
البسيطة ، إن أعداءكم يسعون من أجل أن يقتتل العربي مع الكردي ، ورب الكعبة
ليسوا مع العرب وليسوا مع الأكراد وإنما هم مع مصالحهم يسعون من أجل أن يقتتل
الشيعي مع السني ، ورب الكعبة إنهم ليسوا مع السنة وليسوا مع الشيعة ولكنهم مع
مصالحهم يا إخوتنا في العراق أذكركم وأناشدكم الله أن لا تخالفوا أوامره حينما
دعاكم إلى الاعتصام بحبله ، حينما حذركم الفرقة وحذركم التنابز بالألقاب وحذركم
الغيبة والنميمة ، اذكروا قول الله عز وجل يا أهل العراق ، اذكروا قول الله
﴿
واعتصموا بحبل الله جميعاً
ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم
بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها
﴾
آل عمران : 103
اذكروا يا إخواننا في العراق قول الله عز وجل
﴿
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب
ريحكم ﴾
الأنفال : 46
يا أخوتنا في العراق حافظوا على دماء بعضكم ، إياكم وإسالة دمائكم ، إياكم
وإسالة دماء بعضكم ، إياك أيها العربي أن تسيل دماء الكردي ، إياك أيها الكردي
أن تسيل دم العربي ، إياك أيها السني أن تسيل دم الشيعي ، إياك أيها الشيعي أن
تسيل دم السني ، إياك أيها العراقي أن تسيل دم العراقي ، إياك أيها المسلم أن
تسيل دم المسيحي العراقي ، إياك أيها المسيحي أن تسيل دم المسلم العراقي .
العراق تجمعكم والعروبة تجمعكم والإسلام يجمعكم وحسن أخلاق نبيكم حتى ولو كنتم
مسيحيين فرسول الله رسولكم ، لأن نبينا نبي الناس كافة كما قلنا في ذكرى مولد
سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام :
﴿
إني رسول الله إليكم جميعاً
﴾
، ﴿
وما أرسلناك إلا كافة
للناس بشيراً ونذيراً
﴾
سبأ : 28
. يا أهل العراق لا نريد أن يفرط العقد ولا نريد لحبات العقد أن تبتدئ
بالانفراط من خلال هذا القطر الشقيق بغض النظر عن سوء أو عن أخطاء تُرتَكب من
قبل بعضكم ، فالخطأ لا يعالَجُ بالخطأ فيما بين المسلمين ، فيما بين أبناء
القطر الواحد ، يا أيها العراقيون : اتقوا الله ، خافوا ربكم ، اخشوا ربكم عز
وجل . يا أهل العراق اذكروا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم وقف كما جاء
في صحيح الإمام مسلم ، قفوا أمام نبيكم ، وأنا أخاطب العراقيين كافة كما قلت
العرب والأكراد السنة والشيعة المسلمين والمسيحيين . تعلموا من النبي الكريم ،
من سيد الكائنات ، قفوا أمامه متتلمذين واسمعوا منه ما قاله في حجة الوداع وفي
مواقف أخرى : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، المسلم أخو المسلم
، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم : حرام دمه
ماله عرضه " لا نريد أن نرى دماءكم هكذا تُصوَّر من قبل المستغلين ، من قبل
الصحافات التجارية ، من قبل القنوات الفضائية التي لا يهمها إلا أن تسترق الخبر
المثير المؤذي لتنال من خلاله قَصَب السبق في التجارة الإعلانية والإعلامية ،
يا أبناء العراق اذكروا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يرويه البخاري
: " سباب المسلم فُسوق وقتاله كفر " اذكروا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وهو نبيكم جميعاً باعترافكم وبإقراركم ، اذكروا قول النبي صلى الله عليه وآله
وسلم القائل كما جاء في صحيح الإمام مسلم : " إن الشيطان يئس أن يُعبَد في
جزيرة العرب ولكنه بالتحريش فيما بينهم " فمن استجاب له فحرَّش وتحرش فهو من
أتباع الشيطان ولا علاقة له بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم . يا أهل
العراق اذكروا قول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم القائل كما في البخاري :
" من قال لأخيه يا كافر ، أو يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه " - رجع عليه
هذا الاتهام - يا أهل العراق : اذكروا قول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
القائل كما في سنن أبي داوود : " لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً " وها نحن نروَّع
، وهل رؤية الدم إلا مروِّعة ؟! ألا تخافون يا إخوتي في سورية ، في مصر من رؤية
الدماء هكذا كما ترونها على شاشات القنوات ؟! ألا يروعكم هذا : " لا يحل لمسلم
أن يروع مسلماً " وأغتنم هذا الحديث لأتحدث وأخاطب أيضاً الدولة والمسؤولين
والأمن والشرطة والقضاء : " لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً " يعيش بعضنا مروَّعاً
إن دخل دائرة أو دخل قسماً ، الأصل في الإنسان هنا اتّهام حتى تثبت براءته وليس
العكس ، ومن أين أتوا بهذه القاعدة – الأصل في الإنسان البراءة حتى تثبت إدانته
– وليس العكس يا هؤلاء لا يروع بعضكم بعضاً .
أناشد وأعود إلى أهل العراق يا أهل العراق : اذكروا قول نبيكم صلى الله عليه
وآله وسلم : " من غشنا فليس منا " كما جاء في صحيح الإمام مسلم ، واذكروا قول
النبي ولنذكر جميعاً ولنذكر هذا الحديث العظيم الداعي إلى اللقاء والاحترام
فيما بيننا : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، ومن هجر أخاه فوق ثلاث
فمات فهو في النار " هذا الكلام من سيد الكائنات والرواية صحيحة فأين أنتم
ذاهبون يا أهل العراق ويا أهل سورية ؟! " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ،
ومن هجر أخاه فوق ثلاث فمات فهو في النار " هكذا قال نبينا وهكذا نُسِبَ لنبينا
والنسبة صحيحة لأن الحديث صحيح فما بالنا يا إخوة أين نمشي نحن اليوم يا أهل
العراق ؟ أنتم إخوتنا وأنتم أعزاء على قلوبنا ونريدكم حتى لا تسري العدوى إلينا
نرديكم أنموذجاً في التعاون في التناصح والتباذل ، نريدكم مقاومين للفساد ولأهل
الفساد ، نريدكم مقاومين للاحتلال بفنّية الإسلام ، وبشرعة وآداب الإسلام
وقواعد الإسلام ، ولا نريد المقاومة بقواعد الأهواء والأمزجة أو المزاج ، لا يا
إخوة .
يا إخوتنا في العراق : نحن معكم إن كنتم مع أنفسكم ونريدكم ، ونريد من أنفسنا
أن نكون معكم فكونوا مع أنفسكم .
يا أخوتنا في العراق أخيراً أقول لكم : أين أنتم من قول الله عز وجل في المجال
الإيجابي ﴿
وتعاونوا على البر والتقوى
﴾
المائدة : 2
أين أنتم من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في موطأ الإمام مالك عن
رب العزة جلت قدرته إذ يقول : " طوبى للمتزاورين فيّ ، طوبى للمتباذلين فيّ ،
طوبى للمتعاونين فيّ " أين أنتم يا إخوتنا في العراق من حديث النبي الذي يرويه
الإمام مسلم كما جاء عن رب العزة جلت قدرته : " أين المتحابون فيّ اليوم أظلهم
في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " يا إخوتنا في العراق أناشدكم الله إن وصل صوتي
إليكم ، أناشدكم الله وإن لا فإني أتوجه إلى ربي من أجل أن يوصل صوتي وأمثال
صوتي إليكم . نحن حريصون على أن نكون مسلمين متراصّي الصف موحدي الكلمة ، نريد
أن نكون جبهة واحدة ، نريد أن نكون كالبنيان المرصوص ، نريد أن نكون مؤتلفين ،
نريد أن نكون متباذلين ، أما كفانا أن شذّاذ الآفاق اعتدوا علينا وأن شذاذ
الآفاق غدوا الآن يحاولون مرة بعد مرة الاعتداء على مقدساتنا ، إلامَ وحتى مَ
وإلى متى يا أيها المسلمون ، ولنكن صرحاء إلى متى وديننا هو دين الجماعة ، دين
الأخوة ، دين العلاقة الطيبة فيما بين أبنائه ، فيما بين الإنسان مع الإنسان
حيثما كان الإنسان . نحن نفتخر بديننا على أنه دين الإنسان والإنسانية ، دين
الرحمة ، واللطف ، والصدق ، والأمانة ، والأخلاق ، فأين كل ذلك فيما بيننا ،
أين هذا الذي نفتخر به في إسلامنا حتى نطبقه في علاقاتنا ، في اتصالاتنا ، في
لقاءاتنا .
أكرر في النهاية دعوتي ومناشدتي ولا أستثني منكم أحداً ، أخاطب الجميع عرباً
وأكراد ، سنة وشيعة ، مسلمين ومسيحيين ، أخاطب الجميع أقول لهم : أسأل الله أن
يجمعكم على كلمة الإسلام الصافية النقية ، أسأل الله أن يجمعكم على أخوة هذا
الدين الحنيف ، وأسأل الله أن يجمعكم على التلمذة الصادقة على يدي سيد ولد آدم
سيدي وقرة عيني محمد صلى الله عليه وآله وسلم . أسأل الله أن يوفقكم وأن يحميكم
وأن يعيد إليكم سيادتكم على أنفسكم وعلى أرضكم وعلى مقدراتكم وعلى ثرواتكم وعلى
نفطكم وعلى كل ما هو لكم ، عند ذلك سيكون للإسلام دوره الفاعل في دعوة الناس كل
الناس إليه ، إلى مبادئه فكونوا دعاةً إلى الإسلام بحالكم قبل قالكم ، اللهم
ردَّنا في سوريا وفي العراق وفي فلسطين وفي مصر وفي الأردن وفي السودان وفي كل
دول الوطن العربي والوطن الإسلامي وفي الوطن الأرضي كله ، اللهم ردَّ الجميع
إلى دينك الذي هو الإسلام ، إلى دينك رداً جميلاً ، نِعمَ من يسأل أنت ونعم
النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات