آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

لطيفة قرآنيــــة

   
كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم

كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم

تاريخ الإضافة: 2005/10/21 | عدد المشاهدات: 9766

( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقرة : 183 .

لماذا قال الله عز وجل ( كُتب عليكم الصيام ) ، ولم يقل : فُرض عليكم الصيام , أو يقل : صوموا .
بعد البحث في كلمة ( كتب ) في القرآن الكريم وجدتها مقرونة بفريضة القتال ( كتب عليكم القتال ) ، ووجدتها مقرونة بفريضة القصاص ( كتب عليكم القصاص ) ، ووجدتها في آية تتعلق بالوصية التي كانت محل الإرث فجاء نظام الإرث فنسخها ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية ).
لن أتحدث عن الوصية ، بل سأكتفي بالحديث عن الصيام والقتال والقصاص ، فما السر في أن الله فرض الصيام بكتب وكذلك القتال والقصاص ؟
أولاً : من باب الشكليات نلاحظ أن الصيام والقصاص والقتال على نفس الميزان الصرفي , فالصيام على وزن فِعال والقتال والقصاص كذلك على وزن فِعال ، هذا فقط من الناحية الشكلية . فالله سبحانه وتعالى لم يفرض فريضة ما بقوله ( كتب ) إلا تلك الفريضة التي يُراد منها نيتها ولا يراد منها صورتها ، لان صورتها ستقع بأمرٍ أو تقديرٍ من العزيز العليم , فالقتال سيقع سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين ، وسيكون هناك قتال بين الناس , والصيام سيقع لأن الإنسان بطبعه يصوم , ولأن الإنسان يصوم اليوم ويسمي صيامه بـ " الريجيم " ، وهذا حاصل سواء أكان الصائم مسلماً أم غير مسلم , وكذلك القصاص سيقع لأن الناس سيقتصون من بعضهم سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين .
لكن الصلاة - مثلاً - لن تقع صورتها إذا كنا غير مسلمين لأنه يراد فيها نيتها وصورتها , وإذا لم يفرض ربنا علينا الصلاة بصورتها فلن نصلي , أما إذا لم يفرض علينا القتال فبطبيعة الحال سنقاتل لأنه أمر طبيعي تكويني .
لذلك قال الله سبحانه وتعالى : ( كتب عليكم الصيام ) ، و ( كتب عليكم القتال ) ، و ( كتب عليكم القصاص ) لأن المراد من هذه الأمور نيتها , وأنت قبل أن تكون مسلماً ستقاتل وستصوم وستقتصّ , لذلك جاء الإسلام ليجعل من هذا الصيام الذي تصومه لله عز وجل , وقد قال سيدي رسول صلى الله عليه وآله وسلم : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " , وقال تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) ، والنبي عليه وآله الصلاة والسلام قال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " , كذلك القصاص من أجل ألا يكون القصاص انتقاماً وإنما لله عز وجل . فكلمة ( كتب ) إذن رُبطت بالفريضة التي يُراد فيها نيتها ولا يراد فيها صورتها ، لأن صورتها ستقع سواء أكنا مسلمين أم غير مسلمين .
ثانياً : هذه الفرائض التي ربطت بـ ( كتب ) تتعلق بالآخَر ، ولذلك قلنا صيام على وزن فِعال وكذلك قتال وقصاص ، فهي تتعلق بالآخر على سبيل النية , فالصيام عبارة عن علاقة بيني وبيني ، أي بين النفس المؤتمرة بأمر الله عز وجل وبيني ، أي النفس الأمارة بالسوء , فالصيام عبارة عن سجال ومعركة بين ندّين . والفريضة التي تتعلق بالآخر على سبيل الندّية أيضاً ( القتال ) ، فهما يتقاتلان ، أي الواحد مع الآخر ، والقصاص أيضاً الواحد نقيض من الآخر والآخر نقيض من الأول , والصيام معركة مع آخر ، لكن الآخر أحويه أنا في داخلي , فأنا في صراع ومواجهة بين نفسي التي تأمرني بالشر , حيث أرى الأكل تأمرني أن آكل ، وهذه نفسي الأمارة بالسوء ، أما نفسي المطمئنة أو الراضية تنهاها عن ذلك , ولذلك كان الصيام صِياماً أي فعالاً , والفعال يكون بين اثنين ، كالقتال والنزال والسجال والنضال والقصاص ... الخ .
وربما قيل بأن الزكاة تتعلق بالآخر أيضاً ؟ أقول : إن الزكاة تتعلق بالآخر ليس على سبيل الندية ، بل على سبيل الأعلى والأدنى ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : " اليد العليا خير وأحب إلى الله من اليد السفلى " فليس هناك مواجهة أو مقابلة أو ندية .
ثالثاً : إن ( كتب ) تأتي لتفرض علينا الفريضة المكروهة بالنسبة للنفس ، فالصيام لا تحبه النفس وكذلك القتال والقصاص , قال تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كُرهٌ لكم ) والصوم كما ورد في الحديث القدسي الذي حسَّنه بعض العلماء بأن الله لما خلق النفس خبرها وامتحنها بالصوم فرضخت بهذا الامتحان لأن الصوم صعبُ عليها .
 

التعليقات

شاركنا بتعليق