آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
بين القول والعمل

بين القول والعمل

تاريخ الإضافة: 2005/11/18 | عدد المشاهدات: 3906
أما بعد ، أيها الإخوة المسلمون المؤمنون : الإنسان لا يعدو أن يكون قولاً وعملاً ، والعمل يجب أن يكون رشيداً ، والقول يجب أن يكون سديداً ، ولن يكون ذاك العمل رشيداً إلا إذا كان وفق شريعة ربنا جلت قدرته ، لأن الله يعلم ما يصلحك وما لا يصلحك ، ولا يكلفك بعمل من أجل أن تقوم به إلا إذا كان يصلحك ، ولا ينهاك عن عملٍ من أجل أن تتركه إلا إذا كان لا يصلحك ، وأما القول فلن يكون أيضاً سديداً إلا إذا كان مستمَداً وعلى هدي من كلام الله جلت قدرته أو من كلام رسل الله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، إلا أننا حيال القول والعمل نقول : إن حضارة الإنسان تتجلى بشكل عام حينما يكون عمل الإنسان أكثر من قوله ، وحينما يكون قوله بالنسبة لعمله يساوي واحداً على اثنين ، أي عندما يعمل ضعف ما يتكلم ، عندها يمكن أن يسمى الإنسان حضارياً ، وبعبارة أخرى : الإنسان بين سلوك وكلام وقول ، فالأمة التي تُعنى بالسلوك وتعنى بالقول إلا أن عنايتها بالسلوك أشد هي أمة حضارية ، والأمة التي تعنى بالقول وتهمل السلوك هي أمة بعيدة عن الحضارة ، بعيدة عن الرقى ، بعيدة عن أن تتسنّم سدة القيادة الرشيدة للإنسانية ، من خلال هذا الذي ذكرنا : لو أننا نظرنا إلى أمتنا اليوم لرأيناها قوّالة مكلامة ، تتكلم كثيراً وتقول كثيراً ووفيراً ، يتحدث متحدثها كما نتحدث نحن اليوم على المنابر يتحدث متحدثها الكثيرَ الكثير إلا أنها من حيث السلوك تكاد تكون أمة كسولة ، فلا عملاً تنتجه ، ولا سلوكاً جيداً تخرجه ، ولا مساراً عملياً تخطه وهكذا دواليك .... في أحسن أحوالها : نتكلم جيداً غير أننا لا نفعل ولا نعمل الجيد وهذا ما نريد اليوم أن نتحدث عن مخاطره ، أن نجنب أنفسنا وإياكم مخاطر ومحاذير هذا الأمر ، سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان وما يزال الإنسان الحضاري من حيث كونه فرداً كان حضارياً مع مَن معه ، مع أصحابه ، والله عز وجل وصفه فقال : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً ) الفتح : 29 وصفهم بالعمل من الرحمة إلى الشدة إلى الركوع إلى السجود ، وهذه كلها أوصاف للسلوك والعمل وليست أوصاف للقول : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود) الفتح : 29 والسجود حركة عملية وسلوك فعلي ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) الفتح : 29 قلت بيني وبين نفسي ترى : هل يستطيع واصف اليوم صادق الوصف أن يصفنا مع من يقودوننا ، مع من يسيّرون أمورنا ، هل يستطيع واصف أن يقول : فلان مع جماعته ، فلان مع أمته ، فلان مع شعبه ، فلان مع مشيخته ، فلان مع من ... ، هل يستطيع أحدٌ صادق الوصف أن يصفنا مع بعضنا كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه : ( أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره ) الفتح : 29 ، فهل يستطيع أحد أن يصفنا اليوم بهذا الوصف ؟ إذاً لِمَ نكثر الكلام ونُعدَم الأفعال ، لِمَ يتحدث من يتحدث فينا حديثاً جيداً ، غير أنه إذا نظر إلينا عبر السلوك ومن خلال الفعل والتنفيذ حسبتنا متناثرين لا قيمة لنا ، فكل شيء من حيث العمل – هذا إذا سلّمنا بأننا نتكلم جيداً – إذا نظر إلينا من خلال السلوك والتنفيذ حسبتنا فوضويين بل تأكدت من أننا فوضويون ، فلا نظافة ولا تعاون ولا تآلف ولا ركوع ولا سجود ولا شدة ولا تراحم ولا تباذل ولا نظام ولا رعاية ولا عمل يرضي ربنا جلت قدرته . بكل بساطة أدعوكم إلى أن تقللوا كلامكم وأدعو نفسي أولاً وآخراً لأن نقلل كلامنا ، ليكون تقليل الكلام مُحرّضاً على نوعية فعل وعمل جيد ، لنصبّ تلك القدرة التي نخزنها إذ نقلل الكلام لنضع ذلك في ميدان الفعل والعمل الرشيد ، وهذا ما يمكن أن يكون قوة وإعداداً لإرهاب أعدائنا وتقوية أنفسنا ، ألم تسمعوا يا إخوتي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري ومسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري ومسلم قال : " من يضمن لي ما بين لحييه – أي لسانه فليكف لسانه – من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة " ألم تسمعوا هذا الكلام من أجل أن نكون أمة فعالة عاملة ؟ وإذا ما أتيت إلى أقوالها رأيتها قليلة سديدة ؟ وهكذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كان يتكلم القليل ولكنه كان دائم الفكرة ، دائم الهم كان يفكر في همّ الأمة ، في همّ الناس ، كان يُذهب نفسه حسراتٍ على هذه الأمة ، كان يعمل من الصباح حتى المساء ، وفي المساء أُمر أن يقوم نصف الليل أو أن يزيد عليه ، أما نحن اليوم فإننا ننام النهار والليل ، وإذا قمنا في الليل قمنا إلى فوضى وإلى سهر فارغ كما تلاحظون ، هذا ما نلاحظة بين قوسين في كل شتاء عندما يؤذن للجمعة في الساعة الحادية عشرة ، وإذ بالناس تتقاطر بعد أن يرفع المؤذن أذان الجمعة ، بعد أن يصعد الخطيب المنبر ، لماذا ؟! هل الناس في بيوتهم هكذا يقظون ينتظرون أن يصعد الخطيب المنبر أم أنهم كانوا نائمين ؟ لا شك في أنهم كانوا نائمين وأنهم تأخروا في السهر ليلة أمس ، وأنهم قضوا الليل في أحسن أحوالهم في كلامٍ لا ينفع ولا يضر ، بله يضر أحياناً ، فما بالكم فينا إن قلنا عن أنفسنا بأننا نقضي الليل بما يضرنا لا بما لا يضرنا ولا ينفعنا بل بما يضرنا . ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري ومسلم : " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها " يلقي هكذا كما هي عادتنا فهكذا اعتدنا ، كلنا يتكلم في السياسة كما قلت منذ أكثر من أربعة أشهر ، كلنا يتكلم في الاقتصاد ، ولا يعرف السياسة ولا الاقتصاد ، وأغلبنا يتكلم في الدين ولا يعلم عن الدين شيئاً ، وجلنا يتكلم عن معطيات عالمية وهو لا يفقه شيئاً ، يعتمد في ذلك على خبرٍ مبتور وعلى عبارة ملموحة وليست مقروءة ، لأننا أمة لا تقرأ ولا تحب القراءة وغدت القراءة عدوة لنا ، وغدت هذه الأمة عدوة للقراءة : " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزلُّ بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب " ويروي البخاري أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم " هكذا قال سيدنا وقائدنا كما ندعي ، وحبيبنا كما نرتئي وكما نعلن ، هكذا قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألم تسمعوا يا إخوتي ما جاء في الترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما جاءه رجل يسمى سفيان بن عبد الله قال له : يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلسانه بلسان نفسه وكأنه يقول أخوف ما أخاف عليك هذا اللسان ، وأما نحن فلا نخاف اللسان بل نطلق اللسان كما يريد اللسان ، هل تدرون أن الأعضاء كما جاء عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسند حسن ورواه الترمذي أن الأعضاء في كل صباح ، في كل يوم تقول للسان : " اتق الله فينا فإنما نحن بك " نحن منقادون لك ، فإن استقمتَ استقمنا ، وإن اعوججتَ اعوججنا " هكذا تقول الأعضاء للّسان أخيراً يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تكثروا الكلام " عجباً ، رسول الله يقول لنا وهو الروؤف الرحيم الحريص علينا يقول لنا " لا تكثروا الكلام " ونحن نقول لرسول الله سنكثر الكلام ، سنكثر الحديث ، ولن نعمل وسنكسل ونتكاسل وسنكون موصوفين أمام الناس بأننا أمة أوتيت الجدل ومنعت عن العمل ، فحلّ عليها غضب الله جلت قدرته . نتحدث في أحسن أحوالنا حديثاً جيداً إلا أن أعمالنا ينقصها في أن تكون مُحققة ، ينقصها التنفيذ والتحقيق والتصحيح وأن تكون صحيحة موافقة لما أمرنا به ربي جلت قدرته ولما أمرنا وطلب منا سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله " أي إن كان ولا بد تريد أن تكثر الكلام فأكثر من ذكر الله ، وكما قلت لكم في الأسبوع الماضي في الخطبة الماضية : لا تتحدثوا في السياسة ، كفانا جميعاً أننا غدونا محللين ، وكفانا جميعاً أننا غدونا سياسيين ، كفانا أننا جميعاً غدونا متكلمين متحدثين ، ولو أن إحصائية يمكن أن تجرى ستبين في نتيجتها أن المحللين العرب أكثر من عدد سكان الوطن العربي ، لأن كل واحد منا يحمل في داخله محللين أو ثلاثة أو أربعة وهكذا دواليك .. ، لأنه لا يرضى أن يحلل لنفسه ولغيره بل يحلل للعالم كله ، والعالم يعمل ويشتغل ويتحرك ويهدد ويرعد ويزبد ويقول سنأتي ونحتل ، إسرائيل تسعى وتعمل ، أمريكا تسعى وتعمل ، أما نحن فانظروا بيوتاتنا وانظروا مَن في بيوتاتنا ، انظروهم جميعاً سترونهم متحلقين حول التلفاز الأداة المفسدة لا أكثر ولا أقل من أجل أن يتلقفوا الأخبار على أنها صادقة مئة بالمئة ، هكذا يظنون ، يتلقفون الأخبار من التلفاز ويبدأ التحليل ويبدأ التشاؤم أحياناً بيننا لأن فلاناً خالف فلاناً في تحليله ويبدأ الفوضى ، ويبدأ الأكل مع التشاؤم ، وهكذا يكبر البطن ويمتط اللسان وتضيع الأمة بين أفرادها ، فلا أمة متماسكة ولا أمة متعاونة ، وضاعت الأمور الجادة فينا : " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي " هل قلوبنا رقيقة ناعمة خاشعة عابدة أم إن قلوبنا قاسية ؟ ابحثوا عن سبب قسوة القلب فإننا كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن من أسباب قسوة القلب كثرة كلامنا . هيا إلى تقليل الكلام ، هيا إلى كثرة الأعمال ، هيا إلى تحسين الأعمال والأفعال ، فأنت خُلقت لتعمل ولم تخلق لتتحدث ، ولم تخلق لتكثر الكلام ، وإنما خلقت من أجل أن يكون عملك رشيداً ، إذا أردت أن تكون إنساناً صادقاً عابداً خاشعاً مرضياً من قبل ربك فيجب أن تكون أعمالك الرشيدة أكثر من كلامك السديد ، أما أن نكون في كلامنا أكثر منا في أعمالنا وأن يكون كلامنا غير سديد فتلك علامة الصفر وهذا يعني أننا أمة أصبحنا نتدرج في الهاوية بسرعة لا نُحسَد عليها ، لا نُغبَط عليها ، بسرعة أضحت معلومة لكل الناس وأصبح الناس يتفرجون علينا ونحن نهوي في جهنم الدنيا قبل أن نهوي في جهنم الآخرة ، اللهم وفقنا لعملٍ كثير رشيد ، ولقول سديد أقلّ من العمل الذي نقوم به ونحققه وننفذه ، اللهم اجعلنا من أهل الأعمال الرشيدة والأقوال السديدة ، اللهم اجعل ألسنتنا تلهج بذكرك يا رب العالمين ، اللهم هيئ لنا من أنفسنا أناساً نعمل ما يرضيك ونعمل ما يصلح أمتنا ووطننا . وطنكم ينتظركم فهبوا لنصرته بعمل رشيد وكلام أقل من العمل إلا أنه سديد ، هبوا لنصرة هذا الوطن بالعمل الجاد الصحيح ، ودعوا الكلام الفارغ الكثير الذي كما قلت لكم لا يقدم ولا يؤخر ، بل يؤخر ولا يقدم ، لأن كثرة الكلام كم قال سيدي رسول الله هي أدعى لقسوة القلب وإن أبعد الناس عن ربه جلت قدرته القلب القاسي ، اللهم اجعلنا من الذين يعملون العمل الرشيد ويقولون القول السديد ، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق