آخر تحديث: الجمعة 04 أكتوبر 2024      
تابعنا على :  

مـــــــــؤتمرات

   
كلمة في الاحتفال بالمولد النبوي في سراقب

كلمة في الاحتفال بالمولد النبوي في سراقب

تاريخ الإضافة: 2006/04/15 | عدد المشاهدات: 3407

أقامت مديرية أوقاف إدلب – يوم السبت 17 ربيع الأول 1427 الموافق: 15 نيسان 2006 احتفالاً بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف في الجامع الكبير بمدينة سراقب، حضره عدد من علماء المدينة، ومدير منطقة سراقب. وقد ألقى الدكتور الشيخ محمود عكام كلمة المولد في هذه المناسبة.

نص الكلمة:

يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

يا رب إني في جوارك لائذ                    وبحصن عفوك من عذابك عائذ

ولديك جاه المصطفى هو نافذ                    فاجعل إلهي منة وتكرماً

أجلي بحب محمد مختوماً                    صلوا عليه وسلموا تسليماً

أيها الإخوة في هذه البلدة الطيبة المباركة: أهنئكم بمولد سيدنا وحبيبنا وقرة عيوننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. أهنئكم فرداً فرداً. واسمحوا لي أن أجعل حديثي دائراً حول ثلاثة أمور:

الأمر الأول: حينما تريد أن تعبر محبتك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا تفعل ؟ تصلي عليه. أليس كذلك ؟ لذلك إذا صليت عليه فاسمع مني حديثاً مبشراً لمن صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلى علي مئة مرة كتب الله له براءة من النفاق بين عينيه". واسمع أحاديث أخرى تبشر من يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "من صلى عليّ من قريب سمعته، ومن صلى عليّ من بعيد أبلغته"، "صلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"، "إن الله وكَّل بقبري ملكاً أعطاه أسماع الخلائق فلا يصلي عليّ أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه، هذا فلان ابن يصلي عليك". فصلاتنا ستصل ولا شك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. عندما ترسل رسالة إلى مسؤول، أو سلاماً عبر مسؤول إلى مسؤول أكبر منه، ثم يأتي من يقول لك: إن سلامك قد وصل. ماذا سيحصل لك. ستكون فرحاً بلا شك. فها أنذا أقول لكم: إن سلامكم قد وصل إلى أعظم الناس، وأعظم الخلق، وسيد ولد آدم، وقرة العين محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فلنهنأ، لأن صلاتنا قد وصلت إلى من قال عن نفسه: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع وأول مشفّع"، "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر"، "أنا أول من يحرك حلق الجنة، فيُفتح فأدخلها، ويدخلها معي فقراء المؤمنين"، أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا"، "أنا نبي الرحمة، وأنا نبي التوبة". اطمئنوا إذن أيها الإخوة إلى فضل الله ومنّه وكرمه فإن سلامكم قد وصل.

الأمر الثاني: إذا طلبت منكم أيها الإخوة، من شبابنا، من أطفالنا الذين نفرح بوجودهم لأنهم تلاميذ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأنهم الجيل الصاعد على محبة النبي ومحبة الخير ومحبة الله ومحبة الوطن ومحبة كل قيمة خيّرة. إذا طلبت منكم أن تقترحوا لنا كلمة أو آية نكتبها شعاراً بمناسبة المولد الشريف. أعتقد أن أكثرنا سيختار قوله تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحب خلق عظيم ولا شك. الله شهد له بذلك. ولكن هل نحن متخلقون بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ هذا ما يجب أن نفكر فيه في ذكرى المولد.

لقد قال الله لنبيه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، فهل نستحق نحن أن يقال لنا: إنكم لعلى خلق حسن ؟ كلٌ منا يعرف أخلاقه، فليضع كل واحد هذه الآية أمامه وليسأل نفسه: هل أستحق أن أوصف بالخلق الحسن ؟

تخلقوا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتكونوا ممن يمدح بأخلاقه. ولكن لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على خلق عظيم ؟ لسببين اثنين:

1- لأنه دعا صادقاً إلى التحلي بالخلق العظيم.

2- لأنه تحقق أميناً بالتحلي بهذا الخلق العظيم.

- لقد دعا إلى الخلق العظيم فقال: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً"، وقال أيضاً: "إن العبد ليبلغ بحس خلقه درجة الصائم القائم". وشهد له أصحابه بعد الله عزَّ وجلَّ، فإذا ما سألت علياً كرّم الله وجهه عن خلقه أجابك: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوسع الناس صدراً – فكيف حال صدرك – وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة. اسمعوا لكي لا تكون هذه الاحتفالات تِرَةً علينا. هذه هي صفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل أنت متخلق بها حتى تُنسب إليه تابعاً صادقاً ؟

وها هي السيدة عائشة رضي الله عنها تقول لمن سألها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كان خلقه القرآن، وتقول أيضاً: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكرم الناس وأبرَ الناس، ويقول أنس، وقد خدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين: ما رأيت أحداً أرحمَ بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. خدمته عشر سنين فما قال لي لشيء فعلتُه: لم فعلتَه ؟ ولا لشيء لم أفعله: لمَ لمْ تفعله ؟

دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الخلق العظيم، وتخلق بالخلق العظيم، وقد شهد له أصحابه بذلك، وها هو قائلهم يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليّن العريكة.

ولين العريكة يفسره حديث آخر يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف".

لقد طبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخلق بعد إذ دعا إليه، وتحلى به بكل مفرداته، فإذا نظرت إلى تواضعه فلن تجد أعظم من هذا التواضع، ولن تجد مثله تواضعاً بهذه النورانية التي تحلى بها. وها هو صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد". لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتواضع التواضع الجميل المحبب. يدخل عليه عمار بن ياسر، فيقوم له صلى الله عليه وآله وسلم ويقول له: "مرحباً بالطيب المطيّب"، وتدخل عليه ابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها، تمشي كأن مشيتها مشيته، وهو قاعد على الأرض فيقوم لها، ويأخذ بيدها فيقبلها، ويقول لها: "مرحباً بابنتي"، ويجلسها مكانه !

أيُّنا – في القرن الحادي والعشرين، عصر تكريم المرأة – يقوم لابنته هكذا ؟ واقرؤوا في الترمذي حديثاً عن زاهر، ذاك الأعرابي الذي كان يأتي المدينة حاملاً إليها إنتاج البادية، فكلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال متحبباً: "زاهر باديتنا ونحن حاضروه". ورآه مرة في السوق، فأتاه صلى الله عليه وآله وسلم من خلفه وزاهر لا يراه، فوضع يديه على عينيه، فجعل زاهر يقول: من أنت ؟ أرسلني. ولما أحس زاهر أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل يلوذ به ويلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعندها أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد زاهر وصار ينادي: "من يشتري هذا العبد مني ؟" فقال له زاهر: إذن تجدني والله كاسداً يا رسول الله. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لكنك عند الله غال".

وإذا ما تحدثنا عن رحمته فسوف يطول الحديث:

وإذا رحمت فأنت أم أو أب                    هذان في الدنيا هما الرحماء

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجلس فتلا قوله تعالى على لسان إبراهيم: ﴿رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم﴾، ثم تلا قوله تعالى على لسان عيسى: ﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تفغر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾. فرفع يديه فقال: "اللهم أمّتي أمتي". وبكى. فقال الله عزَّ وجلَّ: يا جبريل. اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيه. فأتاه جبريل فسأله. فأخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما قال. فقال الله عزَّ وجلَّ لجبريل: اذهب إلى محمدٍ فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾.

الأمر الثالث: أناشدكم الله أيها الإخوة أن تتعرفوا على رسول الله، أناشدكم الله أن تقرؤوا سيرة رسول الله، أناشدكم الله أن يكون رسول الله ساكناً عقلكم وقلبكم، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم وفكر ورحمة ومودة. فإذا سكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكركم وعقلكم فسيكونان مضيئين أجمل إضاءة، أناشكم الله أن تتعرفوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا كنتم منكرين له: ﴿أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون﴾، أناشدكم الله أن تتعرفوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبمجرد التعرف عليه ستحبونه، وإذا أحببتموه فسوف تتبعونه، وإذا اتبعتم فسوف تكونون من الفائزين بشفاعته في الآخرة، وبالعناية الربانية في الدنيا.

أختم كل ما سبق بحديث يقول فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خُيّرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة. أترونها للطائعين ؟ لا. إنها للمذنبين الخطائين". عودوا أيها الخطاؤون فباب التوبة مفتوح، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستقبلكم شافعاً، وباب رسول الله مفتوح لمن أراد التوبة، وسيشفع إن شاء الله.

يا من يثير حماستي بجماله                    عذراً إذا شاهدت ضعف لساني

الله يعلم كم حركت في خلدي                    من ذكريات وكم هيَّجت أشجاني

كم في دروبك من دربٍ أصخت له                    كأنه بحديث الأمس ناجاني

لبيك ملء فمي، لبيك ملء دمي                    لبيكَ لبيك من قلبي ووجداني

التعليقات

شاركنا بتعليق