في طبعة جديدة وحلة جميلة صدر كتاب الدكتور الشيخ محمود عكام سبيل المعروف. دراسة علمية وعملية يحتاجها كل مسلم.
وهذه الطبعة هي الطبعة الخامسة للكتاب منذ صدور طبعته الأولى عام 1427-1997.
يتضمن هذا الكتاب "سبيل المعروف" أول صياغة معاصرة - فيما نعلم - لفريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) التي تعني أن يكون الإنسان مسؤولاً عن صيانة مجتمعه ورعاية أمته، هذه الفريضة التي بات الحديث عنها يشكل مصدر قلق لبعض الشرائح والفئات، وهاجس خوف ورعب لدى بعضها الآخر، نتيجة جهل منهم برحيمية الإسلام ومعروفيته، أو نتيجة فظاظة قد تكتنف تطبيق هذه الفرصة من قبل الداعين له والقائمين عليها.
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي كتبه رجل له في ميادين العمل والدعوة جولاته الفاعلة، وفي رحاب الفكر والكلمة إبداعاته النافعة الخيّرة.
فصول الكتاب:
تضمن الكتاب ستة فصول رئيسة بالإضافة إلى مقدمة وتمهيد وخاتمة.
- جاء في مقدمة الكتاب: "فما أحوج المسلمين هذه الأيام إلى موادٍ تُشكّل نظاماً داخلياً لحياتهم كلها في صُعدها ومجالاتها كافة، يطبقونها ويدعون إليها، فالإنسان بحاجة إلى محدد جاهز لينفذه، وواضح جلي ليدعو إليه.
وما دامت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أعناقنا، فلا بد من أن نساهم في ممارستها، وذلك بتحديد موادها، وتوضيح بنودها، ليسهل القيام بها على كل أفراد المسلمين، في مختلف الأماكن والأصقاع والبلاد. من أجل ذلك قمت بصياغة المأمورات والمنهيات على شكل مواد، وصنفتها بحسب مجالاتها العملية، وذكرت لكل مادة مستندها من الكتاب الكريم والسنة الشريفة".
- وفي التمهيد تحدث المؤلف عن:
أولاً: أهمية فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثانياً: مستند الفريضة من الكتاب والسنة.
ثالثاً: وقائع تطبيقة من حياة السلف الصالح والجيل الرائد.
- وأما فصول الكتاب الستة فد كانت على الشكل التالي:
الفصل الأول: في الأسرة والبيت وما يتعلق بالنساء والأولاد.
الفصل الثاني: في الأسواق والشوارع والطرقات والأماكن العامة.
الفصل الثالث: في المجالس والضيافات واللقاءات العامة.
الفصل الرابع: في المدارس والجامعات والمراكز العلمية والثقافية.
الفصل الخامس: في الإدارات والمؤسسات والشركات والمصانع.
الفصل السادس: في المساجد.
وقد قدم المؤلف بين يدي كل فصل من هذه الفصول فلسفةً ورؤيةً بيّن فيها ما تعنيه هذه المصطلحات، من أسرة ومركز ومسجد و … في العمق اللغوي، والبعد الإسلامي، والغاية النفسية الجوّانية.
- نقرأ في مقدمة الفصل الأول: "الأسرة تعني في الأصل الدرع الحصينة، وفعلاً فإن الأسرة - بمفهومها الاجتماعي - درعٌ وأعظم بها من درع يلبسه الفرد أو يتلبَّسه فيغدو بها محمياً ومرعياً.
أما الحماية: فمن كل أذى يمسُّ الإنسان فرداً، ويستعدي عليه ضعيفاً.
وأما الرعاية: فكل قيمة إنسانية تشكل جزءاً من هذا المخلوق الأسمى، وأهمُّ قيمة تُرعى بدرع الأسرة "الوفاء" المؤدي إلى البناء، و "الحب" المفضي إلى التعاون والإخاء".
- ونقرأ في مقدمة الفصل الثاني عن السوق والأماكن العامة: "اسعَ بنفسك لتجلية الإسلام العملي في هذه العملي في هذه الأماكن، فالناس تحب أن ترى منك أكثر من أن تسمع عنك، وتهوى حقيقة الفعل أكثر من بلاغة القول، فاعمل مبادراً وانصح محباً، ولا تكتفِ بالتاريخ تشير إليه".
- وفي مقدمة الفصل الثالث: "المجلس - وما يشبهه - صورة مصغّرة عن مساحة الحياة الكبرى، والذين معك في المجلس هم أنفسهم أولئك الذين يتبوءون الأرض كلها، وإذا كان الإنسان مدنيا بطبعه، واجتماعيا بفطرته، فها هو محك ومعيار الفطرة، فهل أنت قادر على الاقتحام الأيجابي؟ وهل تستطيع المبادرة الفاعلة البناءة؟ وهل تملك أدوات اللقاء؟.. وأصرّ على أن المجالس واللقاءات منفتحة عصية على الانغلاق، والخطاب فيها إنساني، وهو خطاب القرآن إذ يقول في أغلب الأحيان(يا أيها الناس)، وإذا ما أردنا تحديد سمات المجلس في الإسلام قلنا: هو ما ظلله الخير، وحكمته السعة، وانتعشت في رحابه الحرية، ولاحت على منارته راية الكرم، وتبنى فعلاً التسامح، وابتغى في أوله ووسطه ومنتهاه النفع العام".
أما الفصل الرابع فنقرأ في مقدمته: "ومراكز العلم والبحث - على اختلاف أشكالها وصيغها وتجلياتها وتحديداتها - يراد منها أمران: تكوين وتطوير.
أما التكوين: فيعني التهيئة الصالحة للإنسان القابل والمستعد ليكون عالماً، فاهماً، معاصراً، معايشاً، مختصاً، ذا اطلاع واف على كل الميدان الذي أعد نفسه له، ورأى في ذاته تطلعاً إليه.
وأما التطوير: فما هو إلا بثٌ العلم في مناحي المجتمع، ليكون هذا الأخير مؤسساً في صعده كافة على أساسٍ علمي مكين، والمجتمع الذي تبتعد حركته الفعلية عن الجذور العلمية سيبقى شجرة مضطربة، لا تحمل ثمراً ولا تنتج أكلاً ".
- أما عن الإدارات والمصانع فنقرأ في مقدمة الفصل الخامس: "يا أمتي: نصّنا يحركنا نحو الأفضل في ميادين العمل، فعلينا ألا نهجره، ورسولنا صلّى الله عليه وآله وسلّم يدفعنا إلى الأمثل في مستويات الصناعة والزراعة والتجارة، فعلينا أن نستجيب له، ونلبي دعوته وطلبه" …
- إدارة ومؤسسة وشركة ومصنع، وهاجس وهم وبغية وأمل، ليس مكن أجل الإيجاد الصوري فقط، ولكن من أجل عطاء متجدد شامل لكل الناس في كل العالم، لأن " المسلم للناس " ومن هنا يبدأ، حتى يكون الناس لدينه، وليتجنب "الناس للمسلم" ليبدأ بها، وعندها فالناس ليسوا لدينه، فأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله".
- أما عن المسجد فيكتب المؤلف في مقدمة الفصل السادس: "ونعود إلى المسجد لنحكي حكاية الراحة، والاطمئنان …، حكاية الموقف الثابت للعبد تجاه خالقه …، حكاية التأليف والجمع بين الناس من أجل خيرهم وسعادتهم وبرهم، فو الذي برأ النسمة، إنه - أي المسجد - في أصله كذلك، ولكن ما ذنبه إن أخذ الناس اليوم بدفته ليحولوها إلى غير التي حكيناها.
المسجد مركز دائرة المجتمع، وقطب رحاه، ومحور دورته، وله رسالة هي العلم والإيمان والمحبة والتعاون والوفاء، فلا تقصروا في وعيها والتحقق بها والدعوة إليها، وانشروها وبلغوها وقدموا عبر الواقع تطبيقاً لكل آداب الإسلام فيه، أي في المسجد.
هو للصلاة فعلاً، ولكنه ليس لها حصراً، بل هو لكل شئٍ تقرؤه باسم الله، وتستعين بتنفيذه بقدرة الله".
- وآخر محطات الكتاب خاتمة يقول فيها المؤلف: " هذه مواد مُجملة، رجوت أن تكون بنود نظامٍ داخلي ندعو إليه، ونمارسها في حياتنا، ونتخذها تُكأةً في كل مجالات حياتنا، حسبنا فيها أننا حددنا ليسهل التنفيذ، وعدَّدنا ليُصار إلى الترجمة العملية. وإذا كنا بحاجة إلى شئٍ، فإننا بأمس الحاجة إلى مُحَددٍ قابلٍ للتطبيق، وجاهزٍ مسهَّل للعمل، ومُيسَّر للمباشرة والمبادرة. ولأني لآمل أن تكون هذه البنود التي نافت على المئة، نواة لعمل أوسع، يشكل النظام الداخلي الفعلي لمجتمع منشود مأمول، في ظل عناية الله عبر كتابه الكريم، وسنة نبيه المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم، مجتمعٍ إنسانيٍ متآخٍ، يسعى للتطور والحركة والبناء، من أجل الإنسان الصالح العبد الخليفة. كما أهفو إلى أن تكون مصطلحاتها المُجملة موضع نقاشٍ، وحوار هادئٍ بين علماء المسلمين، فعساها تُحدد مضامينها، وإن تعددت، لنقرر ما ينبغي أن ننهى عنه، وما يجب أن نأمر به، بشكل مضبوط صحيح مفَسَّرٍ مبيَّن، فالمرجعية الضابطة ضرورية، وفوضى المصطلحات في التحديد أقسى ما تعانيه مجتمعات الثقافة والفكر.
ولا أدّعي بأني أحطت بكل المفردات، فلا يزال الأمر يتقبل نصيحة تضيف بنداً، أو تشرح مادة مذكورة، أو مصطلحاً وارداً، فحَيَّهلا بكل ما يأتي من إخوة ناصحين، يضيفون أو يشرحون.
أخيراً: دعائي إلى العلي القدير أن يوفقنا لكل خير ومكرمة، وأن يجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن ا لمنكر، فهو خير من يُعتَمد عليه، وأرحم مَن يُتوَجّه إليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
جديد الطبعة الخامسة:
وإذا كانت كل واحدة من الطبعات السابقة - منذ الثانية وحتى الرابعة - قد شهدت زيادات هامة عن أختها التي سبقتها، فإن هذه الطبعة الجديدة تزهو بإضافات جديدة وزيادات جيدة من كل النواحي:
1 - فقد وصل عدد مواد هذه الطبعة - وهي مواد منهاج فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- إلى مئة مادة وستة.
2- أما شواهد الحديث الشريف، والآثار من السيرة النبوية وأقوال الصحابة، فقد وصل عددها إلى 503 خمسمئة وثلاثة شاهد، دون تكرار، فإذا أضفنا إليها المكررات وصل العدد إلى 617 ستمئة وسبعة عشر شاهداً.
وقد استُخرجت هذه الشواهد بعد مطالعات متبصرة في مختلف مصادر الحديث الشريف. ويزعم كاتب هذه السطور أن قارئ هذا الكتاب - وإن كان متخصصاً في الحديث الشريف - سيخرج بعد مطالعته بفوائد جمة وأحاديث جديدة فريدة في بابها.
وجدير بالذكر أن هذه الأحاديث جميعاً مصنفة في حدود مرتبة الحديث الصحيح أو الحسن دون الضعيف. وقد اعتنى معدو الكتاب بتخريج كل حديث من مصادره تخريجاً دقيقاً.
3- كما امتازت هذه الطبعة على سابقاتها بفهارس شاملة مفصلة، تظهر محاسن الكتاب وفرادته، كما تعين الباحث فيه على الوصول إلى فوائده وفرائده.
وهذه الفهارس هي:
- فهرس الآيات القرآنية الكريمة.
- فهرس أطراف الأحاديث النبوية الشريفة.
- فهرس أطراف الأحاديث القدسية.
- فهرس أطراف الآثار: السيرة والشمائل النبوية وأقوال الصحابة.
- فهرس نصوص مواد فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- الفهرس العام.
4- ويلفت النظر كما يستثير الفكر ذلك الحديث الشريف وتلك المقدمة التي صدّر هبها الدكتور الشيخ محمود عكام الطبعة الخامسة الجديدة من الكتاب.
أما الحديث فهو ما أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أمر بمعروف فليكن أمرُه بمعروف). وتذكرنا هذه المقولة النبوية العظيمة بالإهداء الذي تصدر الطبعات السابقة من كتابنا هذا، إذ كتب الدكتور محمود: "إلى كل مسلم أمر بالمعروف، بالمعروف. ونهى عن المنكر بالمعروف".
فجدير بالمسلمين اليوم - وبكل إنسان عاقل - إذ يأمرون بما يرونه معروفاً وينهون عما يرونه منكراً، أن يكون أمرهم هذا ونهيهم - من حيث الأسلوب - بالمعروف، فشرف الغاية وإنسانيتها، يقتضيان شرف الوسيلة وإنسانيتها كذلك.
وأما مقدمة الدكتور محمود للطبعة الجديدة فهي تصدر بكليتها عن الحديث الشريف الذي ذكرناه، وقد كانت بعنوان: "الغضب لله لا يعني غضباً على الناس"، "فالإحسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني أن يتم ذلك بالمعروف المألوف....
فلا غلظة ولا فظاظة ولا غموض ولا تطرف ولا عنف ولا تحقير ولا اختيال... بل رحمة ورأفة ووضوح ورأفة وتواضع وعلم...وليعلم المسلمون أن الغضب لله لا يفرز غضباً على الناس...".
يقع الكتاب في 304 صفحات من الحجم الكبير، بغلاف فني راق. وصدر عن دار فصّلت للدراسات والترجمة والنشر بحلب 2006.
التعليقات