آخر تحديث: الإثنين 15 إبريل 2024
عكام


محـــــــاضرات

   
ذوو الاحتياجات الخاصة من منظور إسلامي ومنظور مسلم

ذوو الاحتياجات الخاصة من منظور إسلامي ومنظور مسلم

تاريخ الإضافة: 2006/08/14 | عدد المشاهدات: 4302

أقام المنتدى الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة بحلب أسبوعاً ثقافياً تضمن فعاليات علمية وفنية متنوعة، وقد دعت اللجنة المنظمة لهذا الأسبوع الدكتور الشيخ محمود عكام للاستماع إلى وجهة نظره حول "دور التوجيه الديني في النظرة الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة".

وقد ألقى الدكتور محمود ضمن هذا المحور من فعاليات الأسبوع الثقافي محاضرة بعنوان: "ذوو الاحتياجات الخاصة من منظورٍ إسلامي ومنظورِ مسلم". وذلك على مدرج مديرية الثقافة بحلب، يوم الأحد 14 آب 2006. وفيما يلي نص المحاضرة:

ذوو الاحتياجات الخاصة من منظور إسلامي ومنظور مسلم

أولاً-التحديد:

ذو الاحتياجات الخاصة: هو ذاك الإنسان الذي أصابه قصور أو خلل في قدراته الجسدية أو الذهنية بسبب عوامل وراثية أو بيئية، فلم يعد قادراً على تعلم وممارسة بعض الأنشطة التي يقوم بها الفرد السليم المشابه في السن (1).

ثانياً-رعاية الإسلام لهم:

تأتي ضرورة هذه الرعاية من حيثيات متعددة:

1-باعتبار بشريتهم وآدميتهم: والله عز وجل كرم البشر فقال: ﴿ولقد كرمنا بني آدم الإسراء: 70. ورحمته وسعت كل شيء. قال الله تعالى: ﴿ورحمتي وسعت كل شيء الأعراف: 156. كما أنه سبحانه أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين فقال: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء: 107. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) أخرجه البخاري.

2-باعتبار أخوَّتهم الإنسانية: فالناس كلهم إخوة لأب وأم، قال تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير الحجرات: 12. ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (كلكم لآدم وآدم من تراب).

3-باعتبار أن الإحسان والبر ركنان أساسيان من أركان الدين: قال تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى النحل: 90. وقال: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى المائدة: 2. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ان الله كتب الإحسان على كل شيء) أخرجه مسلم.

4-باعتبار ذوي الاحتياجات الخاصة ذوي حاجات: وذو الحاجة تُقضى حاجته بأمر من الله وأمرٍ من رسوله وأمر من الوجدان والفطرة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (خُلقان يحبهما الله وخُلقان يبغضهما الله، فأما اللذان يحبهما الله فالسخاء والسماحة، وأما اللذان يبغضهما فسوء الخلق والبخل. وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله على قضاء حوائج الناس) أخرجه البيهقي. وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (الخَلق كلهم عيال الله وأحبُّهم على الله أنفعهم لعياله).

ثالثاً-الدولة كافلة ومسؤولة، وتقصيرها في الكفالة والمسؤولية جريمة وإثم:

قال الله تعالى: ﴿واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين الشعراء: 215. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم مَن وَليَ من أمر أمتي شيئاً فشَقَّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومن وَلي من أمر أمتي شيئا فرَفَق بهم فارفُق به) أخرجه مسلم. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (مَن ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخُلّتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخُلته وفقره يوم القيامة) أخرجه أبو داوود والترمذي. وقال: (ما من آمر يلي أمور المسلمين ثم لم يَجْهَد لهم وينصح لهم كنُصحه وجهده لنفسه إلا لم يدخل معهم الجنة) أخرجه مسلم.

والدولة المسلمة كافل من لا كافل له: فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دَين ولم يترك وفاءً فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته) أخرجه البخاري ومسلم. وقال أيضاً: (من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كَلاً -ذرية ضعيفة -فأنا مولاه).

رابعاً-كيفية رعاية الدولة لذوي الاحتياجات الخاصة:

1-تفعيل برامج التوعية لأفراد المجتمع وتكثيفها:

هذه التوعية تستدعي مشاركة جهات مختلفة ومتعددة في الدولة ولا سيما أجهزة الأعلام المختلفة والمؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها والجمعيات الطوعية والخيرية والمراكز الثقافية.

ونؤكد هنا على أهمية الجانب الوقائي قبل الجانب العلاجي، ومن هنا فالدولة مسؤولة عن توفير كل ما يلزم من أجل بناء الأفراد في المجتمع بناء متكاملاً من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، بالإضافة إلى إبعــــاد كل ما يتسبب في وقوع الضرر بهم مـن مأكولات ومشـروبات وآلات وأشياء أخرى مـتنوعة (2).

ويجب أن تشمل تلك التوعية تصحيح نظرة المجتمع إلى ذوي الاحتياجات الخاصة فالمطلوب النظرة المتوازنة التي تتكون من الاحترام والعطف والتقدير والرحمة بما يزيل ما يمكن في نفوس بعضهم من آفة الشعور بالنقص.

2-توفير العلاج المناسب لهم:

إن ذوي الاحتياجات الخاصة -إضافة إلى علاج الأمراض العادية -يحتاجون لتوفير ما يلزم لمعالجة الإصابات التي تلحق بهم في بدايتها على الأقل، أو لبذل الجهد لمعالجة ما يمكن أن يقبل العلاج، مثل بعض حالات العمى، أو توفير البدائل للأعضاء التي تعطلت أو فقدت، فقد نص الفقهاء على أنه إذا تعذر الأصل يصار على البدل.

3-توفير التعليم المناسب لهم:

إن من واجبات الدولة أن ترعى هذه الفئة في مختلف المراحل العمرية بتوفير التعليم الذي تحتاجه، فحق التعليم حق لهم كما هو حق لبقية أفراد المجتمع بل هو واجب في الحد الأدنى منه الذي لا تقوم حياة الفرد والجماعة والأمة إلا به، ويمكن في هذا الإطار إنشاء المؤسسات التعليمية التي تناسب هذه الفئة وإلزام المؤسسات التعليمية العامة بإنشاء أقسام خاصة بهم.

4-توفير العيش الكريم لهم:

إن الإسلام يسعى ليكون جميع أفراد الأمة في وضع يحفظ لهم كرامتهم وهم يعيشون في مجتمعهم، ولا يتأتى ذلك لشخص عاجز عن العمل والكسب بسبب إعاقته ولذا كان لابد من تحديد دقيق لما ينبغي على الدولة المسلمة توفيره:

* تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة تمهيداً لإعادتهم للأعمال والمهن التي كانوا يزاولونها قبل الإعاقة، أو تدريبهم على مزاولة أعمال أو مهن أخرى تنسجم مع ميولهم وقدراتهم وظروفهم.

* تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة على العمل جزئياً وتوجيههم إلى المجالات التي تناسبهم.

* إنشاء مراكز ومجمعات لممارسة أعمال تناسب هذه الفئة وتوفر لها دخلاً مناسباً.

* إلزام المؤسسات والدوائر باستيعاب نسبة من هؤلاء في بعض الأعمال التي يقدرون على مزاولتها.

* تخصيص من يقوم على خدمتهم ومساعدتهم، وقد ورد أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب إلى أمصار الشام:

أن ارفعوا إلي كل أعمى في الديوان أو مقعد أو من به فالج أو من به زَمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة. فرفعوا إليه فأمر لكل أعمى بقائد وأمر لكل أثنين من الزَّمنى بخادم (3).

5 -توفير الحماية لهم ورعاية مصالحهم:

وذلك من المنطلق الشرعي في ضرورة حماية المستضعفين والدفاع عنهم والقتال عند اللزوم دفاعاً عنهم، وليكن ذلك من باب الحقوق لا من باب المنة والعطف.

خامساً -مِنْ سبل الوقاية منَ الإعاقة:

1-اجتناب الأسباب الوراثية:

فالشريعة الإسلامية تدعو إلى الحفاظ على النسل جيداً -بل ممتازاً -مادة ومعنى. قال تعالى: ﴿والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريّاتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً الفرقان: 74.

وكيف يمكن أن تكون الذرية قرة عين وهي معاقة ؟!!... وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشأن أنه قال: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) وهكذا...

2-الوقاية من الأمراض:

والعمل على بناء الجسم بناء متيناً، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ولجسم الإنسان على صاحبه حق في العناية والرعاية، فإن قصّر تجاهه في ذلك فهو آثم.

3-النظافة:

التي تشكل البنية التحتية لمجتمع منشود قوي حضاري، وما أكثر ما حض الإسلام على النظافة والطهارة، وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (تنظفوا فإن الإسلام نظيف)، وثمة أحاديث وفيرة تتناول هذه القيمة العظيمة فلنرجع إليها في مصادر الدين الحنيف ونصوصه.

وقد ورد التنبيه على أمر الوقاية في بعض الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية حقوق الطفل، حيث ورد في المادة 24 منها الفقرة هـ، كفالة تزويد جميع قطاعات المجتمع ولا سيما الوالدان بالمعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل وتغذيته ومزايا الرضاعة الطبيعية ومبادئ حفظ الصحة والإصحاح البيئي والوقاية من الحوادث وحصول هذه القطاعات على تعليم هذه المجالات ومساعدتها في الاستفادة من هذه المعلومات.

(3) سيرة عمر بن عبد العزيز – ابن الجوزي

التعليقات

شاركنا بتعليق