الفتوى : رأي إنساني نتج عن
تماس التفكير الجادّ بالنصوص الشرعية الأصلية . وما سميت الفتوى فتوى إلا لأنها
رأي فتيّ يدل على الجدّة والآن والحال ، والفتوى أيضاً : اجتهاد في التعرف على
مرادات الشرع في واقعة من الوقائع الحاصلة بالاستناد إلى النصوص الثابتة من
قرآن وسنة صحيحة ، والأصل في الفتوى أنها تقبل الصواب والخطأ حتى ولو صدرت عن
جماعة من الفقهاء والدارسين ، لأنها استنباط بشري واجتهاد إنساني .
أقول بعد هذا : إذا كانت الفتوى كذلك . فما بال من يفتي منا في أمر يحرّم على
الآخرين مخالفته ؟! وما بال من لا يفتي منا يحرّم على الآخرين أن يفتوا أيضاً
؟!
أيها المفتون على اختلاف توجهاتكم المذهبية ، ويا أيها المفتون مَنْ كان منكم
مفتياً بجدارة أو بغير جدارة . مهلاً في إعطاء الفتوى مهلاً ، هذا أولاً .
وثانياً : ادرسوا موضوع الفتوى دراسة واعية جادة واطلعوا على سائر جوانبه
القريبة منها والبعيدة ، ولا تستخفنكم عاطفة الحب أو الكراهية فتجانبوا الجد
والسعي الموضوعي . وثالثاً : لا تقصروا الحقيقة على فتاواكم ، بل التمسوا
الحقيقة فيها وفي غيرها التي صدرت عن غيركم . ورابعاً : فإن رأيتم أنكم غير
قادرين على إنتاج الحكم نتيجة عدم إلمام منكم على الموضوع ، أو على آليات
الاستنباط من النص ، فقولوا : لا ندري . والعاقل من صدّر المحقق والموثّق ،
والأحمق من اكتفى بنفسه لنفسه وأعرض عن صحيحٍ صائبٍ صادرٍ عن غيره .
وأخيراً : الفتوى أمانة فهل نرعاها ، والفتوى مسؤولية فهل نوليها حقها ؟
والفتوى عطاء فهل نقدم الذي ينفع ، ولا نفع إلا إذا كان من الله ورسوله حقاً .
والفتوى بعد هذا كله توقيع عن رب العالمين ، فليعلم الموقّعون أن لهم موقفاً
بين يدي من يوقعون عنه ، وسيسألهم هل بذلتم للتوقيع عني ما أمرتكم ببذله لتكون
لهذا أهلاً .
والله أعلم عملنا وعلمنا وفي الدنيا نحن - أيضاً - على علم بذلك .
فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين.
د. محمود عكام
1/11/2002
التعليقات