آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
نداءات إلى المواطنين وإلى الحكومة الجديدة

نداءات إلى المواطنين وإلى الحكومة الجديدة

تاريخ الإضافة: 2011/04/15 | عدد المشاهدات: 3849

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، يا أيها الإخوة المسلمون، يا أيها الإخوة المواطنون:

تتزاحم الموضوعات في ذهني وفي ذهنكم أيضاً، لكن الموضوع الذي يسيطر ويطفو هو موضوع الوطن، وأعتقد أن جميعكم، بل أعتقد أن جميعنا بحاجة إلى أن نتحدث أو يُتَّحدث معنا عن الوطن، في هذه الأيام، وأيضاً لأن ذكرى الجلاء أضحت على مشارف القدوم، ذكرى الجلاء، ذكرى الإجلاء إن صحَّ التعبير، إجلاء المستعمر عن أرضنا.

الوطن هو الموضوع الأهم في هذه الأيام، لذلك ما عسانا في البداية إلا أن نرفع أيدينا إلى ربنا داعين وقائلين: اللهم احفظ وطننا من كل مكروه وسوء، اللهم احفظ وطننا من كل كيد وغدر، وما عسانا إلا أن نقول أيضاً: اللهم ارحم شهداء وطننا، وأنزل عليهم الضياء والنور، على كل مساحة هذا الوطن الذي نعيش عليه، وأعني سورية، كما أتوجه إلى العلي القدير أن يجعلنا قلباً واحداً ويداً واحدة من أجل أن نحرر غزة ومن أجل أن نحرر فلسطين، ومن أجل أن نقف سداً منيعاً مقاوماً أمام الطغاة الذين يقتلون أبناءنا في فلسطين في غزة، الذين يقتلعون الأشجار هناك، الذين يعتدون على النساء، اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم عليك بالصهيونية الأثيمة البغيضة ومن عاونها يا رب العالمين.

أيها الأحبة:

كلمتي وخطبتي بعد هذا الذي قلت، أريد أن أتوجه إلى المواطنين، وأريد أن أتوجه إلى الحكومة الجديدة التي سمعتم تشكيلها يوم أمس.

أما التوجه الأول: فيا أيها المواطنون جميعاً حكومة وشعباً، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، متعلمين وغير متعلمين: أخاطبكم من قلبٍ يحبكم ويقدركم: اللهَ الله في هذا الوطن، أقول لكم تذكروا واجباتكم نحو الوطن، آن الأوان وحَصْحَصَ الحق، الآن حصحص الحق، نحن مقصرون تجاه وطننا ويجب أن نعترف، علينا أن نضع عنواناً للمرحلة هذه، الآن حصحص الحق، وأن نعترف أننا مقصرون تجاه وطننا، وليقل كلٌ منا في داخله: الآن حصحص الحق، أنا مقصرٌ تجاه وطني، تذكر واجباتك نحو وطنك، وواجباتك نحو وطنك أمران أريدك ألا تنساهما: الحماية والرعاية، عليك أن تحمي وطنك من كل مكروه، من كل غدر، من كل سوء، من كل كيد، من كل فساد، من كل اعتداء، من كل إيذاء، عليك أن تحمي وطنك من كل ما يصيب الوطن من أذى، عليك أن تكون محامياً عن وطنك، عليك أن تحمي وطنك من الغادر الذي في الداخل ومن الغادر الذي في الخارج، من الذي يكيد في الداخل ومن الذي يكيد في الخارج، هذا شقٌ من واجبك نحو الوطن.

أما الشق الثاني فتذكر أيها المواطن الرعاية، والرعاية تعني أن تكون في خدمة الوطن ليكون الوطن حضارياً، مسؤولية حضارة الوطن في أعناقكم وفي أعناقنا، نريد لوطننا أن يكون متقدماً مزدهراً في ميدان الصناعة، فيا أيها الصُّناع ويا أرباب الصناعة هيا من أجل أن تجعلوا وطنكم صناعياً، ويا أرباب الزراعة هيا، ويا أرباب التربية هيا، ويا أرباب الاجتماع هيا، ويا أرباب الاقتصاد هيا، ويا أيها العلماء ويا أيها الشيوخ هيا فواجبكم نحو الوطن أن ترعوه ليكون وطناً حضارياً في كل صُعُد الحياة وفي كل مجالات الحياة في الزراعة والصناعة والتربية والاجتماع والتعلم والأخلاق، في كل الميادين، هذا أمرٌ أول تذكروا واجبكم نحو الوطن حماية ورعاية.

الأمر الثاني وأنا أخاطب كل المواطنين: أناشدكم الله أن تنشروا في فضاء الوطن وعلى أرضه وفي كل مرافقه وفي كل خلاياه وفي كل جنباته أن تنشروا القيم التالية:

القيمة الأولى: التعاون، التعاون فريضة: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾، والتعاون أن تكون في عون أخيك، أن يكون الغني في عون الفقير، وأن يكون العالم في عون الجاهل، وأن يكون القوي في عون الضعيف، وأن يكون الرجل في عون المرأة، وأن تكون المرأة في عون الرجل، وأن يكون التلميذ في عون الأستاذ، وأن يكون الأستاذ في عون التلميذ، وأن يكون الضابط في عون الجندي، وأن يكون الجندي في عون الضابط، ... وهكذا دواليك، التعاون: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾ على الخير، على العطاء النافع، تعاونوا فيما بينكم يا أبناء وطني، والخطاب لكل المواطنين في أي منصب كان المواطن.

القيمة الثانية: أناشدكم الله أن تتراحموا فيما بينكم، أناشدكم الله أن يرحم بعضكم بعضاً، أن يرحم كلُّنا كلَّنا، أناشدكم الله، لقد كررت على هذا المنبر حديث سيدي وقائدي وسندي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي ورد في الصحاح: (ارحموا من في الأرض يرحمْكم من في السماء) وفي رواية (يرحمُكم) لأن من في السماء يرحمنا فتخلقوا بأخلاق من يرحمنا، يرحم من يعبده ويرحم من لا يعبده، يرحم من يطيعه ويرحم من لا يطيعه، فلنتخلَّق بأخلاق الله ولنرحم من يوافقنا ومن يخالفنا ما دام ذلك في حدود السعي والتنافس على تقديم الخدمة الأكبر للوطن وللمجتمع الذي نعيش فيه.

أما القيمة الثالثة: أيا المواطنون في كل مكان من أمكنة سورية الحوار البنَّاء، تحاورا فيما بينكم، أيها الرجل في بيتك انشر الحوار بينك وبين أولادك وزوجتك، الحوار البنَّاء الذي يُراد منه الوصول إلى قناعة قائمة على منطق وحق، انشروا الحوار البنَّاء واسمحوا لي أن أقول لكم: الحوار البناء الذي يمارس نحو الشمس بوضوح لا تكونوا مختانين أنفسكم بالحوار، واسمحوا لي أيها الشباب أن أقول كلمة، لا تتحاورا على الفيسبوك، فهذا الميدان ميدان الفيسبوك ميدان مُظلم، أتعلمون أن صفحة على الفيسبوك فُتحت لمناصرة الانتفاضة في فلسطين، وحلَّ عليها أكثر من ربع مليون ضيف خلال ساعات أو أيام، أزعج هذا إسرائيل فضغطت إسرائيل على أرباب هذا الموقع وأغلقوا هذه الصفحة، أغلقوها لأنهم وجدوا أن العرب والمسلمين أصبحوا متفقين على قضية حق أغلقوها، قاطعوا هذا، لا تتحاوروا عبر الفيسبوك تحاوروا وجهاً لوجه، لأن الوجه إذ يرى الوجه الآخر يزداد في داخله السَّعي إلى الوصول إلى الحق، بينما هذا الميدان، موقع الفيسبوك يفتح الصفحة تلو الصفحة التي تزرع العداوات بين الشباب، وصفحة يفتحها فلان يريد من ورائها أن يعادي أخاه، وربما عاداه عن معرفة وربما عاداه عن غير معرفة، الحوار البنَّاء الذي يكون تحت الشمس، أريدكم متحاورين فلنتحاور أيها المواطنون على مختلف مناصبكم ووظائفكم، فالخطاب الآن لكل المواطنين، تحاوروا في المسجد، وتحاوروا في المدرسة، وتحاوروا في الثكنة العسكرية، وتحاوروا في الجامعة الحوار البناء، آن الأوان والآن حصص الحق لقد كنا في غفلة عن هذا، عن الحوار البناء، شغلنا الفيسبوك وسواه، شغلنا وشغل دواخلنا وأفئدتنا وعقولنا من أن تأخذ الأفئدة منا والعقول والقلوب مجراها الصحيح، أنت إنسان هيا، وأنا إنسان، بيني وبينك الكلمة، هيا نلتقِ على الكلمة بوضوح وجهاً لوجه، فلماذا الاختباء، ولماذا المخاطبة من وراء وراء وراء الحجب والأستار. هذا خطابي للمواطنين.

أما الخطاب للحكومة التي شُكِّلت وهذا من حقنا وهذا حوارنا، ونحن نحاور تحت الشمس كما يقال، نتوجه إلى الحكومة أولاً حتى لا نكون من الذين يطالبون ولا يدعون، ندعو لكم أيتها الحكومة بكل توفيق، ونتمنى أن يكون التوفيق مُتَقلَّبكم وهذا من قلبنا، لكننا نلفت نظركم إلى ما يلي:

نريد أن تشتغلوا على أمرين: أمن الوطن، وكرامة المواطن، وهذا ما سمعته منكم، ولم آتِ بجديد من عندي، أريد منكِ أيتها الحكومة، أيها الوزراء، أيتها السلطة التنفيذية أن تشتغلي على أمرين: على أمن الوطن وعلى كرامة المواطن.

أما أمن الوطن: فمن أمن أبنائه: نريد أمناً صحياً، ونريد أمناً اقتصادياً، ونريد أمناً شخصياً، ونريد أمناً اجتماعياً، ونريد أمناً وطنياً، نريد أمناً بكل تجلياته، بكل صوره، نريد الأمن الاقتصادي والاجتماعي والشخصي والفردي والقومي والوطني، وقد قلت سابقاً وأكرر، قلت للمسؤولين في يومٍ من الأيام: "ازرعوا أمناً تحصدوا ولاءً"، أوليس الله قد قال: ﴿لإيلاف قريش. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. فليعبدوا ربَّ هذا البيت﴾ طلب منهم العبادة بعد أن أعطاهم الأمن الاجتماعي والاقتصادي والنفسي والفردي والشخصي ﴿الذي أطعمهم من جوع. وآمنهم من خوف﴾ تخلَّقوا بأخلاق الله، لا تطلبوا الولاء إلا بعد أن تؤمِّنوا الناس في غذائهم واقتصادهم وشخصهم وأفرادهم، وكلِّ ما يمكن أن يخطر على بالكم، هذا أمرٌ أول، هذا ما يتعلق بأمن الوطن.

أما كرامة المواطن: فالمواطن غالٍ، كرامة الوطن تكون بالحرية، أريد مواطناً حراً، والفرق بين الوطن والأرض القاحلة أن الوطن أرضٌ فيها حرية، فإذا ما خلتِ الحرية من وطن عاد الوطن أرضاً جرداء قاحلة.

الأمر الثاني نريد الإنصاف، أنصفوا المظلوم، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا قُدّست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع)، أنصفوا المظلومين، أنت أيها الوزير في الوزارة الفلانية أنصف المظلوم، ولتكن تلك المهمة الأولى، ثمة مظلومون، تأكد من مظلوميته ثم انصفه (لا قُدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع) أي لا يأخذ الضعيف فيها حقه من غير جهد، نريد أن يأخذ الضعيف حقه من غير جهد، أن تنصف المظلوم، أنصفي المظلوم أيتها الحكومة.

الأمر الثالث: الرفق، لا نريد شراسة في التعامل مع الناس مع المواطنين، وجِّهوا كل مديرياتكم من أجل أن يكونوا رفيقين بالمواطنين: (اللهم من وَلي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن وَلي من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليه) هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه مسلم.

الأمر الرابع: بعد ذلك نريد العمل الدؤوب للصالح العام، عليك أن تطور أيها الوزير وزارتك حين استلمتها وبعد ستة أشهر على أكثر تقدير، ماذا قدمت لوطنك من خلال وزارتك ؟ العمل الدؤوب للصالح العام، عليك أن تنسى نفسك لأنك أصبحت مسؤولاً عاماً، وبالتالي عليك أن تتذكر مصالح الشعب، مصالح المواطنين، عليك أن تسعى بكل قوتك من أجل أن تكون في المصلحة العامة. يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أحب أن يتداوله المسؤولون: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية فلم يُحِطها بنصحه إلا لم يُرِح رائحة الجنة) والحديث في البخاري، بنصحه من خلال العمل، نريد خدمة المصالح العامة، لم يشم رائحة الجنة إذا لم يحط كل هذه المساحة التي هو مسؤولٌ عنها بنصحه العملي والقولي.

وأنتم يا إخوتي، ونحن المواطنون والحكومة في النهاية، ادعوا ربكم وكما بدأت الحديث أعيده، صلّوا ركعتين نافلتين في كل يوم من أجل أن يؤمننا الله في أوطاننا، الصحة تاجٌ على رؤوس الأصحاء لا يعرف قيمتها إلا المرضى، والأمن أهمّ من الصحة، كنا صغاراً وكنا نسمع من شيوخنا الذين يقفون على المنابر هذا الدعاء وكنا لا نلتفت إليه كثيراً كانوا يقولون: اللهم أمِّنا في أوطاننا، وكنا نقول بيننا وبين أنفسنا وماذا تعني هذه الكلمة ؟ الآن أصبحنا نَعِي هذه الكلمة وأثرها، اللهم أمنا في أوطاننا، وآمنا في أوطاننا، اللهم احفظ أوطاننا من كل كائد، من كل سيء، من كل صاحب إيذاء، من كل من يريد لنا المكر والخداع والسوء والاستياء يا رب العالمين، اللهم وأسألك أن توفق الحكومة، أن توفق المسؤولين، وأن توفق الشعب، وأن توفق رأس الدولة ورئيسها من أجل أن يكونوا في خدمة بلادك وعبادك فيما يرضيك عنهم يا رب العالمين، ادعوا الله عز وجل أيها الإخوة بالصيغة الواضحة، وأتمنى في النهاية، لكل منا مشكلة أو مشكلات، آمل أن يكون الوطن وأنتم تدعون الله في صلواتكم من أجل أن يحل لكم هذه المشكلات، آمل أن يكون الوطن مشكلة من مشكلاتكم وحاجة من حاجاتكم، الواحد منا ربما دعا الله عز وجل من أجل أن يكون حفل ولده الذي سيقيمه ناجحاً، يبتهل إلى الله ويرفع يديه إلى الله، وأنا أقول له بوركت بهذا، لكن أريدك أن تخصص مساحة من دعائك لوطنك لبلدك الذي تعيش فيه، أريد أن تخصص مساحة بسيطة كما تخصص لحفل ولدك على الأقل كما تخصص للطعام الذي تأكله، وتدعو الله أن يكون ناجحاً حين تقوم زوجتك بإعداده وطبخه وعندك وليمة لو أنك دعوت بعض الناس فأنت ستدعو الله عز وجل أن يوفق زوجتك ليكون طبخها طيباً ورائعاً ولذيذاً حتى لا تكون أمام الناس ذا خجل، وهذا حق لك، ادع الله بما تريد، حتى بِشِراك النعل، وأنا لا أمانع، لكن يا أخي تذكر الوطن وادعوا له على الأقل بنفس اللهجة وبنفس الحرقة وبنفس الهم، كما تدعو لمشكلة من مشكلاتك، أسأل الله أن يحفظ أوطاننا، أسأل الله أن يجعلنا إخوة متحابين متعاونين متضامنين، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 15/4/2011

التعليقات

شاركنا بتعليق