آخر تحديث: الجمعة 15 مارس 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون

أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون

تاريخ الإضافة: 2006/04/14 | عدد المشاهدات: 2850

ونحن نعيش أيام الربيع وذكرى ميلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم سأبقى أؤكد وأكرر أن تقرؤوا القرآن لتستخرجوا منه سيرة متكاملة وصورة متناغمة عن هذا النبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم.

وأؤكد ما قلته على المنبر عن ضرورة التعرف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن هذا التعرف هو أحد الواجبات والفرائض المكتوبة علينا.

وإني لأقول مصرّحاً: إن المسلمين مقصرون في هذا الواجب... واجب التعرف.

وأعيد السؤال الذي طرحته منذ أكثر عشرين عاماً: من منّا – على مستوى البلدة والمدينة والعالم العربي أو الإسلامي – قرأ سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قراءة متمعنة ممحصة، قراءة مطلّع واعٍ راغب في التعرف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. من منكم أمسك القرآن الكريم أو كتاباً في الحديث الشريف أو في السيرة النبوية ليطلع على سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأؤكد أن القضية ليست نفلاً ولا هواية، بل هي واجب. واسمحوا لي أن أشدد في هذا الطلب لأننا إنما نؤتى من خلال الجهل، وهي نقطة لا زالت في اتساع حتى صارت ثغرة عظيمة.

وأذكركم بما جرى في الدانمرك. كيف كان ردنا على أولئك ؟ كان ردنا عاطفة سريعة جداً، وغضباً عابراً زائلاً، وكلمات تفوهنا لا تمت إلى العلم والحقيقة، وهيجاناً ظاهرياً لا أكثر. تحرك الشارع ليكسّر ويحرّق، ثم عاد إلى حياته أسوأ مما كان من حيث العلم والمعرفة والاطلاع على حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فهل نرد عليهم أو على غيرهم بمثل هذا فقط. هل نقف أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنقول له: لقد دافعنا عنك بأن امتنعنا عن أكل الحليب والجبنة والزبدة التي ينتجونها، كما حرقنا سفارتهم وسببناهم. أم نقف لنقول: لقد ازددنا تعرفاً وعلماً بك وبسيرتك وبأحوالك ورسالتك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

يا ناس: نحن مقصرون. واسمحوا لي أن أتحدى أغلبكم فيما إذا كانوا على استعداد من أجل أن يقدموا حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مصادر موثوقة. من منكم يستطيع أن يقدم C.V. أو ورقة تعريف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يقدمها عن نفسه. علماً أن المطلوب منا أن نعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن نحبه أكثر مما نعرف ونحب أنفسنا. أين قراءتكم وانشغالكم بالاطلاع على سيرته صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أمر فرضٌ، فرض، فرض. فهل تقومون بهذه الفريضة. سائلوا أنفسكم أيها الإخوة.

لقد نصحتكم وأنصح كل واحد منكم دائماً، بغض النظر عن اتجاهك وعن موقفك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سواء أكنت يمينياً أم يسارياً أم شيوعياً أم وحدوياً أم قومياً أم بعثياً: ضع القرآن الكريم أمامك، واقرأ فيه بوعي وعلم وإدراك. فإن كنت مؤمناً بهذا لكتاب فسوف تعرف عندها لماذا كان هذا الكتاب كتاب هداية وبياناً للناس. وإن لم تكن موافقاً لهذا الكتاب عرفتَ لماذا أنت ضده.

اقرؤوا القرآن قراءةً موضوعية، فللقراءة أنواع: منها أن تعمد إلى القرآن الكريم لتبحث فيه عن موضوع محدد، وليكن موضوعنا الذي نبحث عنه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم. استخرج الآيات المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن الكريم، ولا يهم كم سيطول بك الأمر حتى تقرأ كامل القرآن بهذه الطريق، فالمهم أن تبدأ، لتكوّن في نهاية الأمر معرفة علمية بهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ثم أمسك بعدها كتاباً في الحديث الشريف واستخرج منه أيضاً ما يتصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

لكن لا قراءة ولا علم لدينا، وإنما قتل وتدمير وتحليلات سياسية.

كيف سنقابل ربنا عز وجل عندما يسألنا ؟ ألم يخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعما عمل فيما علم". وإذا لم يكن يعلم شيئاً فالسؤال عنده أشد وأقسى.

فإلى متى صمتي كأنني زهرة                    خرساء لم تُرزق براعة منشد

ابدؤوا طريق العلم. اطلعوا على سيرة هذا النبي الذي تنتسبون إليه وتدّعون الانتماء إليه وتؤمنون به.

لقد كتبتم في إعلاناتكم: إلا رسولَ الله ! فما جوابكم على سؤال من يقول لكم: من هو رسول الله  هذا ؟! صلى الله عليه وآله وسلم. ألا يجب أن نعلّم أنفسنا قبل أن نعلّم الآخرين ؟ أنا أطلب وأناشد وأنادي وآمر و... و... الجميعَ أن يلتفتوا إلى العلم والثقافة والاطلاع.

كثيراً ما قيل لي من قبل أشخاص متعددين خلال الأيام الماضية: أهذه هي حلب عاصمة الثقافة الإسلامية ؟ وهل هي الصورة المناسبة لهذه المدينة؟ وأنا أقول لهذا السائل: أأنت المسلم ؟! أنت يا أخي أحد مكونات هذه البلدة. ونحن منذ سنوات نقول لك: اقرأ السيرة النبوية. لكنك لا تفعل !

حلب عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 1427، ولكنك رجل هذه الثقافة منذ ولادتك إلى أن تموت. فأين هي ثقافتك الإسلامية أنت ؟! ألستم أبناءَ حلب ؟ إذن تحققوا بالثقافة الإسلامية. ولطالما عرّفت الثقافة بأنها: المعطيات المعرفية التي تحولت إلى سلوك هادف. إلى واقع. فأين أبناء حلب من الثقافة وتحويل المعطيات المعرفية الإسلامية إلى واقع يعيشونه ؟

لقد رأيت وأنا قادم إلى المسجد رجلاً يقود سيارةً فخمة، وإلى جانبه زوجته ومعه أطفاله، وهو يدخن سيجارة أثناء قيادة السيارة. ومن المؤكد – من خلال شكله - أنه سيرمي بعقب السيجارة عندما ينتهي منها في الشارع. وربما قال لك عندما يراك: أين هي حلب عاصمة الثقافة الإسلامية ؟ ولكن أين أنت من الثقافة الإسلامية في مجال النظافة والذوق واللطف و... و... ؟ لقد قلت وكررت دائماً: كلما جاء الصيف انقبض قلبي. لأن الشعب سـ (يفلت)؛ سهرٌ حتى الصباح، وحفلات حتى الفجر، وصياح، وضجيج... ثم يقولون: أين عاصمة الثقافة الإسلامية ؟

وأنا أقول: أين الإسلام في سلوكك وتعاملك مع أخيك وزوجتك وجارك وجارتك وأولادك ؟ أين ثقافتك الإسلامية مع أهل فلسطين ؟ من منّا – سواء أكان غنياً أم فقيراً - الذي يقتطع جزءاً ولو بسيطاً من مدخوله من أجل أهلنا في فلسطين ؟ يقولون لك: إن الرئيس مقصر، ورئيس الوزراء غير مناسب، والمحافظ لا يعمل، والشيخ كذا وكذا... ولكن: هل تعمل أنت يا أخي ؟ يقولون: ولكن الأمر ليس بيدي أنا. نعم هذا الأمر ليس بيدك. ولكن أليس أمر نفسك أنت بين يديك ؟ أليس أمر بيتك وأولادك بين يديك ؟ أنا لا أقول لكم: لا تطالبوا المسؤولين. ولكن طالبوا وأنتم تقومون بواجبكم. وأنتم غير مقصرين... أو على الأقل: وأنتم تعملون تحاولون.

كان بودي اليوم أن أحدثكم عن قوله تعالى: ﴿وأطيعوا الله والرسول لعلكم تُرحمون﴾ آل عمران:132. لكنني وجدت أن من الأفضل أن ألفت نظركم إلى ما تحدثنا فيه، وأرجئ الحديث عن الآية إلى الأسبوع القادم، لعل بعضكم يفكر فيها أو يستخرج لنا شيئاً حول معنى الطاعة مثلاً.

وأطيعوا الله والرسول لعلكم تُرحمون

حديثنا اليوم – كما وعدنا الأسبوع الماضي - عن قوله تعالى: ﴿وأطيعوا الله والرسول لعلكم تُرحمون﴾ آل عمران:132.

ما المعنى الذي تفهمه من قولنا (طاعة الله) ؟

الطاعة هي: امتثال الأمر طوعاً. فإن امتثلت الأمر عن غير طوع فلست بطائع. والله تعالى يقول لنا: ﴿وأطيعوا الله والرسول﴾. أي: امتثلوا أمر الله تعالى وأمر رسوله طوعاً.

امتثلوا أمر الله طوعاً فيما دعاكم إليه من عبادته: ﴿لا إله إلا أنا فاعبدني﴾.

وامتثلوا أمر الرسول فيما دعاكم إليه من تصديقه فصدقوه.

﴿وأطيعوا الله والرسول﴾ امتثلوا أمر الله في عبادته طوعاً، وفي تصديق نبيه طوعاً. فإذا فعلتم ذلك، أي التزمتم بأمر الله في دعوته إلى عبادته طوعاً، وأمر الرسول بتصديقه طوعاً فأنتم مرحومون.

ولقد قلنا سابقاً بأن الرحمة هي: عطاء نافع برفق. فإذا أطعتم الله والرسول فسوف تُعطون عطاء نافعاً برفق. ولئن سألتني ما هو العطاء من الله ؟ أقول:

العطاء النافع من الله هو التكليف. فالتكليف عطاء نافع لأنه يفضي إلى تشريف. وإذا شرفني أحد فهذا عطاء نافع، فعطاء الله النافع هو التكليف المفضي إلى التشريف في الدنيا والفوز بالنعيم في الآخرة. ﴿ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد آل عمران:193-194. لذا قلنا إن الأمانة في قوله تعالى: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان الأمانة هي التكليف.

أنت مكلف من ربك لتكون خليفته في الأرض، ولكنك في غفلة عن هذا التكليف.

الرحمة عطاء نافع برفق، ولا أحد أرفق من الله بالعباد: أخرج الشيخان أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم رأى امرأة تأخذ بولدها فترضعه، فقال: "أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟" فقالوا: لا. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها". وأخرج ابن ماجه أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن لله مائة رحمة قسم منها رحمة بين جميع الخلائق فبها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها تعطف الوحش على أولادها وأخّر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة".

الله أعطانا عطاء نافعاً لأنه كلّفنا، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطانا عطاء نافعاً لأنه بلّغنا، فالله تعالى يقول لنا: أطيعوا رسولي لأنه هو الذي حمل إليكم التكليف، وبلّغه إليكم: ﴿يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك. ولقد بلّغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برفق أيضاً: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.

ومن رفق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما رواه البزار أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا لعائشة يوماً فقال: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، وما أسرت وما أعلنت". فضحكت عائشة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيسرّك دعائي ؟" قالت: ومالي لا يسرني دعاؤك يا رسول الله ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة".

وأخرج أيضاً ورجاله رجال الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "تعرض عليّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم".

تصوروا أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لنا، وتخيلوا كم هو مشغول بذلك أيامنا هذه، باعتبار أننا نخطئ بالليل والنهار، فلا شك في أن استغفاره أكثر من رحمته.

التعليقات

شاركنا بتعليق