آخر تحديث: الجمعة 04 أكتوبر 2024      
تابعنا على :  

لطيفة قرآنيــــة

   
وجعلوا لله شركاءَ الجنَّ وخلقهم، وخرقوا له بنين وبنات بغير علم

وجعلوا لله شركاءَ الجنَّ وخلقهم، وخرقوا له بنين وبنات بغير علم

تاريخ الإضافة: 2006/04/21 | عدد المشاهدات: 4927

كنت أقرأ صباح اليوم في سورة الأنعام، ووصلت إلى قول الله عزَّ وجلَّ في الآية /100/ من السورة:﴿وجعلوا لله شركاءَ الجنَّ وخلقهم، وخرقوا له بنين وبنات بغير علم، سبحانه وتعالى عما يصفون﴾.

أعدت قراءة الآية متفكراً فيها مرات عديدة، فوصلت إلى النتائج التالية:

هذه الآية تنقسم إلى ثلاثة مقاطع مترابطة فيما بينها.

المقطع الأول - قوله تعالى: ﴿وجعلوا لله شركاءَ الجنَّ وخلقهم﴾.

1 – ﴿وجعلوا لله شركاءَ الجنَّ﴾.

في هذه الآية تقديم وتأخير، والتقدير: "وجعلوا لله الجنَّ شركاءَ"، فكلمتا "الجن" و"شركاء" منصوبتان بفعل واحد هو "جعل" لأن هذا الفعل ينصب مفعولين اثنين، وبناء عليه فإن "الجن" مفعول به أول، و"شركاء" مفعول به ثان مقدَّم.

هذا عن إعراب الآية، وأما عن بيانها فإن المراد بـ "الجن" في الآية ليس عالم الجن، وهي الكائنات التي تقابل الإنس، وأصل خلقها من النار، ولكن المقصود بـ "الجن" هو المعنى اللغوي للكلمة، فكل ما هو مخفي ومستور وغائب وغير ظاهر يسمى جنَّاً. وإنما سميت الجنة بهذا الاسم لأنها مستورة بالشجر، وسمي المجنون مجنوناً لأن عقله مستور وغائب.

﴿وجعلوا لله شركاء الجن﴾: الغائبين المستورين، وهذا يشمل الملائكة لأن بعضهم اتخذ من الملائكة آلهة، ويشمل الشياطين التي عبدها قوم آخرون، كما يشمل كل ما زعموه قوة غيبية فعبدوه من دون الله.

2 - ﴿وخلقهم﴾:

الواو هنا حاليّة، وجملة "خلقهم" منصوبة على أنها حال، والمعنى: إنهم جعلوا الجن شركاء لله، والله تعالى خالقهم... فكيف تجعل المخلوق شريكاً للخالق ؟ وهل يمكن أن يكون الشريك مخلوقاً من الشريك الآخر ؟!

الله تعالى يرد بكلمة واحدة بسيطة على دعواهم الظالمة إذ جعلوا لله الجنَّ شركاء.

في هذا المقطع من الآية بيان لاعتداء الكافرين على الذات الإلهية إذ جعلوا له شركاء سبحانه، وردٌ على هذا الاعتداء وتفنيد لتلك الدعوى بكلمة واحدة.

المقطع الثاني – قوله تعالى: ﴿وخرقوا له بنين وبنات بغير علم﴾.

1 - ﴿وخرقوا﴾:

ادعى الظالمون أن لله بنين وبنات، فانظر كيف عبّر ربنا عن ادعائهم الجاهل هذا بكلمة تسقط معها كل أدلتهم فقال: ﴿وخرقوا﴾، ولم يقل: خلقوا، أو حاولوا أن يجعلوا...

نحن نستعمل تعبير "خرق" للدلالة على تجاوز القانون والدستور والنظام الأساسي والسنن الإلهية الثابتة. فلما استعمل القرآن التعبير بـ "خرق" أسقط كل دعواهم، فهم ساقطون أساساً، لأنهم لا يتحدثون بلسان القانون والسنن، بل بلسان الفوضى والعبث، وشتان بين من يخلق وبين من يخرق.

2 - ﴿بغير علم﴾:

لقد خرقوا لأنهم تكلموا بغير علم، وكيف يجوز لك أن تقول: هذا ولد هذا... وأنت لم تشهد الولادة ولم تعرف من هذا ومن هذا. أين مستندكم يا من خرقتم له بنين وبنات ؟ هل شهدتم بحواسكم زواجاً أو ولادة ؟ أو هل شهدتم بعقولكم إمكانية هذا الزواج وتلك الولادة ؟

الله تعالى يرد بكلمة واحدة أيضاً على هذا الادعاء الباطل فيقول" ﴿وخرقوا﴾.

في المقطع الأول من الآية بيان لاعتداء الكافرين على الذات الإلهية، وفي هذا المقطع بيان لاعتداء الكافرين على الصفات الإلهية، ورد على هذا الاعتداء وتفنيد لتلك الدعوى بكلمة واحدة أيضاً.

﴿وجعلوا لله شركاءَ الجنَّ وخلقهم﴾: اعتداء على الذات، إذ جعلوا له شريكاً، وهو واحد أحد لا إله إلا هو. ﴿وخرقوا له بنين وبنات بغير علم : اعتداء على الصفات، إذ خرقوا له بنين وبنات. وهو الذي لم يلد ولم يولد.

المقطع الثالث – قوله تعالى: ﴿سبحانه وتعالى عما يصفون﴾.

1- ﴿سبحانه﴾:

التسبيح تنزيه للذات، فـ "سبحان الله" تنزيه لله عما لا يليق بذاته.

2- ﴿وتعالى عما يصفون﴾:

التعالي ترفعٌ عما لا يليق بالله من صفات، فـ "تعالى" تنزيه للصفات.

فهذا المقطع الثالث تنزيه لله تعالى عما اعتدى به الكافرون الظالمون على ذات الله تعالى وصفاته.

وفي هذا المقطع نشرٌ لما سبق لفُّه في المقطعين الأولين من الآية، ففي الآية "لف ونشر مرتب" كما يقول البلاغيون، إذ ذكر الله أمرين ثم ذكر بعدهما أمرين اثنين يعود الأول منهما على الأول من الأمرين المذكورين ابتداءً، ويعود الثاني منهما على الثاني.

فالله تعالى ذكر اعتداءهم على الذات الإلهية، ثم ذكر اعتداءهم على الصفات الإلهية، هذا أولاً.

وأما ثانياً فقد نزه القرآن اللهَ تعالى عما نسبوه إلى الذات الإلهية، ثم نزه الصفات الإلهية عما نسبوه إليها مما لا يليق.

فيكون تقدير الكلام:

﴿وجعلوا لله شركاءَ الجنَّ وخلقهم﴾: هذا اعتداء على الذات الإلهية... ﴿سبحانه﴾: تنزيه للذات عما لا يليق بها. ﴿وخرقوا له بنين وبنات بغير علم﴾: اعتداء على الصفات الإلهية... ﴿وتعالى عما يصفون﴾: تنزيه للصفات عما لا يليق بها.

ختاماً:

أرجو من كل واحد منا، وأخص بالرجاء المثقفين وطلاب العلم، أن يقفوا مع القرآن الكريم وأن يقرؤوه بشيء من التمعن، أفلا يجدر بنا هذا من أجل أن نكون حملة واعين مخلصين للقرآن الكريم.

توقفوا كل شهر عند آية من القرآن الكريم، وكلموا الناس عنها بعلمية وتوثيق، ولا تلجؤوا إلى لغة بلاغية لا تحمل شيئاً من الإبلاغ.

لغة المسلمين اليوم لغة غير علمية، لأن علاقتهم مع كتابهم الأساس علاقة غير علمية أصلاً.

أطلب من كل دارس أن يقرأ القرآن الكريم، وأن يكتب لي حصيلة قراءته، وأنا على أتم استعداد للإفادة مما يأتيني، وجاهز لدراسته واعتماده.

التعليقات

ام زينب

تاريخ :$comments_array1.date|date_format:"%Y/%m/%d "}

جازاكم الله على طريقتكم في التفسير فهي مبسطة و ميسرة كما أن مرافقة الاعراب لشرح الايات يزيد من استعاب

شاركنا بتعليق