آخر تحديث: الجمعة 15 مارس 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً

وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً

تاريخ الإضافة: 2006/06/30 | عدد المشاهدات: 23056

كنت قد طلبت من الإخوة أن يقف كل واحد منهم عند سورة من القرآن الكريم يتلوها طوال الأسبوع ويقرؤها ويتمعن فيها فهماً وتفكراً، بحيث تكون موئلاً لفكره وعقله.

ولا أشك أنه سيجد فيما يقرأ - عندما يعود إليه مرات متكررة - فهماً جديداً ومعاني لطيفة.

ولقد وقفنا معكم منذ ثلاثة أسابيع عند قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً* وقل ربّ أدخلني مُدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً* وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاًً﴾ الإسراء: 79-81.

وبيّنا ما يمكن تبيينه حول هذه الآيات الكريمة. ونحن اليوم مع آية تالية لهذه الآيات هي قوله تعالى: ﴿وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً﴾.

- أولاً: نتحدث قبل بيان المعنى عن شيء من الإعراب، فالعلاقة ما بين فهم المعنى والإعراب علاقة جدلية، فالإعراب يساعد على فهم المعنى وفهم المعنى يساعد على معرفة الإعراب.

الواو: عاطفة.

ننزل: فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن. علماً أن هناك قراءة أخرى لهذه الكلمة، فقد قرأ أبو عمرو بن العلاء ويعقوب الحضرمي من الأئمة القراء الأربعة عشر بالتخفيف - بدون تشديد الزاي - فقالوا: "ونُنزِل".

من القرآن: جار ومجرور.

ما: مفعول به.

والجملة من الجار والمجرور في محل نصب حال من المفعول به. والتقدير: وننزل ما فيه شفاء من القرآن. أو: ننزل ما هو شفاء ورحمة حال كونه من القرآن.

وهذا على أساس أن "من" هنا ليست تبعيضية ولا لابتداء الغاية، وإنما هي "بيانية".

فيا من أنزل عليهم القرآن، لقد نزلنا عليكم ما هو شفاء لكم، فإذا أردتم الشفاء والرحمة فعليكم بتنزيل الله في القرآن. فكل القرآن شفاء ورحمة.

وهذا ما أردناه بقولنا إن "من" بيانية وليست تبعيضية، ولو كانت تبعيضية لاقتضى ذلك أن يكون بعض القرآن شفاء وألا يكون بعضه الآخر كذلك، وهذا فهم مرفوض.

- ثانياً: ما المقصود بالشفاء والرحمة ؟        

للقرآن - بحسب هذه الآية - مهمتان: الشفاء والرحمة.

1- الشفاء: القرآن شفاء للناس من الأمراض التي تعتري قلوبهم وعقولهم، فالقرآن يشفيك من الأمراض التي ألمّت بك. وهذا الأثر للقرآن - الشفاء - أثر ذاتي، يتعلق بالإنسان ذاته، إذ يصححه من الأمراض التي ألمت بعقله كالشك والريبة، وتلك التي ألمت بقلبه كالحزن والقلق والاضطراب. فالقرآن يشفيني إذ يهيئ مني إنساناً سليماً وصالحاً في ذاته.

2- الرحمة: كما أن القرآن يشفيك ويصححك ويسويك في نفسك، كذلك يجعلك في حال استعدادية من أجل أن يمتد أثرك الطيب إلى الآخرين. ولعلكم تذكرون أننا قلنا عندما تكلمنا عن لطائف قوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، أن الرحمة تعني: عطاء نافعاً برفق.

والقرآن بهذا المعنى رحمة فوق أنه شفاء للإنسان، فلم يأت القرآن من أجل أن يجعلك سليماً في ذاتك فقط، بل من أجل أن تكون معطياً، لذلك يبين لك القرآن قواعد العطاء النافع. وبذلك يتوجه القرآن إلى تحقيق أمرين متلازمين هما الشفاء والرحمة، فإنسان بلا شفاء إنسان ناقص، وإنسان بدون رحمة، أي بدون عطاء نافع نصف إنسان. لقد توجه القرآن إليك أيها الإنسان ليشفيك، أي لتكون سليماً في نفسك وتكوينك، وليعلمك قواعد العطاء النافع برفق.

- ثالثاً: قوله تعالى ﴿ولا يزيد الظالمين إلا خساراً﴾.

الظلم: التجاوز. والقرآن لا يزيد من تجاوزه ولم يأخذ به إلا خساراً.

لقد اعترضت هذا الإنسان بعض الأمراض في عقله وقلبه فتجاوز القرآن فازداد خسارة.

هذا الإنسان خاسر أصلاً، ثم ازداد خسارة بتجاوزه للقرآن، لأن من تجاوز القرآن - بوصفه كتاب الإنسان في حياته وآخرته - فهو ظالم.

القرآن يزيد هؤلاء خسارة لأنهم كانوا من قبل خاسرين، وازداد مرضهم مرضاً، وخسارهم خساراً عندما تجاوزوا القرآن الكريم.

ونعود إلى الإعراب:

الظالمين: مفعول به أول. وإلا: أداة حصر. خساراً: مفعول به ثان.

- رابعاً: يسأل بعض الناس عن قراءة القرآن على المرضى، ويقولون: أليس في هذه الآية دليلاً على من يرى أن الاستشفاء بالقرآن، أي قراءته على المرضى ليُشفوا، أمر مقبول ؟

بعدما بيّنتُ الذي بينته أقول:

هذه الآية التي نحن أمامها ليست نصاً في هذا الموضوع الذي تسأل عنه. فلا دلالة لها مباشرة وخاصة فيما تتكلم عنه.

على أننا - ونحن نقول ما قلناه - لا نمنع من أن يكون هذا الذي فهمتَه أحد الدلالات المحتَمَلة لهذه الآية، لكن - كما قلنا - على ألا تعتبرها نصاً في موضوع القراءة على المرضى، بل هو فهم محتمل.

ونحن نقول: "إنه فهم محتمل" لأن كلمة الشفاء عامة. والآية - كما نفهمها - نص في أن القرآن شفاء للإنسان من أمراض عقله وقلبه. نحن لا نَقنع ولا نمنع.

لا نقنع أن للآية دلالة على موضوع قراءة القرآن على المرضى، ولا نمنع من يرى فيها مثل هذه الدلالة، بشرط ألا يعتبرها نصاً في الموضوع، فالأمر محتمل.

لقد تعودنا جميعاً أن نكون مبالغين؛ نبالغ في تبني الفكرة أو نبالغ في رفضها. بعضهم يبالغ في موضوع القراءة ويشتط فيها، وبعضهم يبالغ في الرفض ويشتط فيه. ولعل هذه المسألة واحدة من المسائل القليلة التي تشغل بالنا وتستهلك تفكيرنا ونقاشاتنا، ونقيّم الآخرين على أساسها، كعادتنا في القضايا الصغيرة.

يا أخي:

افعل ما بدا لك، ولكن لا تقل عن الآية أنها نص في الموضوع.

فالقرآن جاء شفاء من أمراض التيه والضياع والتشتت والقلق، ومن أجل أن تكون معطياً عطاء نافعاً برفق.

ولئن سأل إنسان عن مهمة القرآن، فإن مهمة القرآن هي:

الشفاء: فهو يهدي ويبين للإنسان ما به يكون صالحاً في ذاته.

والرحمة: فهو يضع للإنسان قواعد العطاء النافع ليكون مصلحاً لغيره.

التعليقات

شاركنا بتعليق