نشرت جريدة بيان الكتب الصادرة في الإمارات العربية المتحدة، والمتخصصة بشؤون الكتاب، في عددها المؤرخ 22/5/2006، عرضاً لكتاب الدكتور الشيخ محمود عكام بقلم الكاتب أنور محمد، هذا نصه:
د. محمود عكام كاتب وباحث ومفكر إسلامي سوري يذهب في كتابه (الإسلام والإنسان) إلى التأكيد على أن الإسلام دين سماوي يمثله القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وآله سلم، وأحاديث هذا النبي العظيم، وهما معاً يشكلان نصه الأصلي.
هذا النص غطى كل الإنسان فكان «كاملاً» وكل الناس فكان «تاماً». فما في الإنسان من جانب إلا وله رصيد في هذا النص من خلال فهوم كامنة فيه، واستنباطات محتملة الانبثاق عنه، يطالها أربابها، وينالها طلابها.
والإسلام على هذا: طريقة الإنسان المرضية - من قبل الله - شكلاً ومضموناً، لبقاء الارتباط مع الخالق، ودوام الانتساب المراد له.
ثم بعد ذلك يبحث د. محمود عن كلمة (الإنسان) التي وردت في الحديث النبوي فيراها قليلة الذكر نادرة، ومنها ما يرى أن الإنسان مخلوق نوعي مكرم؛ وهو محل التكليف ومستودع الأمانة، وقد أهَّل لهذا بفطرته، وأنه في مقابل كل المخلوقات الأخرى فهي المسخرة وهو المسخر له. وأن الإنسان خلق من (مادة) أي من منشأ مادي، فليتجاوزه مستعلياً على المادة متجهاً إلى خالقها.
ثم هو ذو دوافع، ولن يكون مثالياً، فليهذب دوافعه بغطاء الشرع التكليفي، وهو فظيع إذا حسد وحقد، فليعظُم بترك ما به يكون فظيعاً، وأنه إذا مات فلا يفنى كلياً ويبقى منه العود يوم القيامة، والإنسان هو هو، من كان في الدنيا سيكون في الآخرة.
لكن الإنسان يشكل بالنسبة للإسلام غاية وهدفاً؛ أما الغاية فنهاية موصولة بالعمل الذي ننفذه ونقوم به، وهي حاصلة لا ريب، بل هي النتيجة المترتبة تلقائياً، سلبية كانت أم ايجابية، وما من شيء إلا وله غايته، وهي بكل الأحوال محققة، سواء أكانت وفق ما نرغب أو نطمع أو لم تكن.
وحين نذكر مثال الكتابة نذكر مباشرة الغاية منها، وهي القراءة، فأنت تكتب لِتُقرأ، وكتابتك تحمل قوَّة القراءة، وسواء أتحققت القراءة فعلاً أم لا، فالغاية حاصلة، والقراءة هي بنفسها منفيها، أي اللاقراءة.
وأما الهدف: فأمر منفصل عن العمل، يطلب من وراء الغاية، ويسعى إلى نيله وإصابته.
واللاعب في مباراة ما، غايته إنهاء اللعب، على أي شكل كان الإنهاء، لكن هدفه يتجلى بإحراز نقاط، ولربما انتهى اللعب بدونها أو بها.
الهدف في النهاية، عطاء له قيمة شفافة مع العمل وغايته، إطراداً في الإحسان يلازم العمل، والنيل والنوال يكتنف الهدف، وهكذا.
وحين نحول هذا إلى دائرة الشريعة الإسلامية نقول: الغاية عبودية، أو لاعبودية، والعياذ بالله.
والهدف تمكين في الأرض، أو خذلان، لا سمح الله، وفي الأخرى جنة أو نار.
أما غاية الإنسان فمجملها (العبودية)، قال الله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ والعبادة، التي هي غاية، تقوم على معرفة راسمة محددة، وإرادة فاعلة مجلية، ودليل المعرفة الداعمة قوله تعالى: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾، وبرهان الإرادة المجلية الفاعلة قول الله عز وجل: ﴿لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري﴾ إذ العبادة معزولةً عن الإرادة عادةٌ صرفة، وفعلة آلية لا قيمة لها في عالم التكليف.
ونفصل في الغاية فنقول:
يريد الإسلام أن يكون الإنسان: «إنساناً» تأهيلاً ووصفاً، ليعكس مسؤولية، فلا مسؤولية دون إنسان.
و«عبداً» تحققاً ووصولاً، ينعكس عن معرفة ودراية.
و«خليفة» وظيفة وسعياً وقياماً، ينتج عن إعلان الحاكمية لله والولاء له.
وإذ نفصل أكثر نقول:
1- الإنسان تأهيلاً ووصفاً: فإن لم يكن إنساناً لم يحمل الأمانة، ولقد ربطت الأمانة بكونه إنساناً: ﴿وحملها الإنسان﴾ أسندت إليه وهو موصوف بكونه إنساناً، إذ لم يقل: (وحملها ابن آدم). دل ذلك إذاً على أن الإنسان هو من يتمتع بصفات التأهيل لحمل التكليف، فوجب أن نبحث عنه، ونحدده ونرسمه لنقايس عليه، ومن هنا تبرز ضرورة هذا البحث حين أردناه عن «الإنسان والإسلام».
2- العبد تحققاً ووصولاً: والعبدية غاية ما يمكن أن يصل إليه الإنسان، ما دامت الغاية من خلقه: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾.
وهي التي تنعكس عن المعرفة وتنتج عنها، ولذلك فسر ابن عباس قوله تعالى: ﴿ليعبدون﴾ بـ: «ليعرفون» إذ بحث عن اللازم والأساس للعبادة، التي هي مستلزم ومنعكس وثمرة. وإنما ذكرت الثمرة ليؤكد على لازمها وضروريته وأهميته.
3- الخليفة: وظيفة وقياماً وسعياً: وذلك حين تعلن أيها الإنسان الولاء لله، وتسلم بحاكميته اختياراً، بعد أن سلمت بها اضطراراً، فتكون وارثاً للأرض، قيوماً عليها، تستمد وراثتك من الوارث الحق الذي يرعى الأكوان، فلا تأخذه سنة ولا نوم: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض﴾ النور:55. ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾ البقرة:30. ﴿واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض﴾ الأعراف:74.
مع ذلك فالإنسان محل اهتمام أكبر في المبادئ والمذاهب والتشريعات والديانات، وعلى رأسها ديننا الحنيف، وهو مجلى إلهي، لا يعني حلولاً ولا اتحاداً، وإنما هو الصورة المسوّاة التي وعت النفخة النورانية المكونة ذات السر، فاقتضى هذا خلافة عن الحق في رعاية سائر الخلق.
التعليقات